كثير من الرجال يحفظون قول الله تعالى في كتابه الكريم {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}. النساء -34، بل إن أردنا الدقة قلنا إنهم لا يحفظون من هذه الآية إلا كلمة "واضربوهن"، ليبرروا لأنفسهم ضرب زوجاتهم ثم يبررون فعلهم بما جاء في كتاب الله عز وجل.
واقع أليم
يشهد واقعنا الاجتماعي في كل بلاد المسلمين بلا استثناء، واقعا أليما مزريا، فكثير من الأزواج يعتدون على زوجاتهم بكل أنواع الضرب والعنف، دون مراعاة لما قيده الشارع فيما أنزله على رسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فنجد أحدهم يمسك بعصا غليظة ويضرب زوجته بكل قسوة، فيسبب لها الكسور والجروح الخطيرة، التي تستلزم الذهاب للمستشفى والعلاج المكثف، وتجد أحدهم يلطم زوجته على وجهها حتى يسقط "قرطها من أذنها" وحتى يخرج الدم من وجهها، بل إن البعض يلجأ إلى الأسلاك الكهربائية الرفيعة فيضرب بها زوجته فتتناثر الدماء من جسدها، وغير ذلك من الحوادث البشعة التي نراها بأعيننا ونسمع عنها.
وأشهد أني قد رأيت أكثر من مرة، من يمسك بالعصا التي لا يستطيع الرجل أن يمسكها بيد واحدة، بل بكلتا يديه، ويرفعها وينزل بها على جسد زوجته، حتى يبلغ به التعب مبلغه فيتركها ويذهب غير مبال بما حدث لها، ولا يعنيه إن كان يضربها في بيتها أم أمام أعين الناس في الشارع.
ثلاث مراحل.. الضرب آخرها
إن ما ذكره ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أن الضرب هو مرحلة من ثلاث مراحل يأتي في آخرها، والضرب يكون للزوجة الناشز، والنشوز هو كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هو أن تنشز عن زوجها فتنفر عنه، بحيث لا تطيعه إذا دعاها للفراش، أو تخرج من منزله بغير إذنه، ونحو ذلك مما فيه امتناع عما يجب عليها من طاعته"، وأوضح أن المرأة العاصية توصف بالنشوز لما فيها من الغلظ والارتفاع عن طاعة زوجها.
يقول الإمام البغوي رحمه الله في تفسيره (وَأَصْلُ النُّشُوزِ: التَّكَبُّرُ وَالِارْتِفَاعُ، وَمِنْهُ النَّشْزُ: وهو الموضع الْمُرْتَفِعِ، فَعِظُوهُنَّ، بِالتَّخْوِيفِ مِنَ اللَّهِ وَالْوَعْظِ بِالْقَوْلِ، وَاهْجُرُوهُنَّ، يَعْنِي: إِنْ لَمْ يَنْزِعْنَ عَنْ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ فِي الْفِرَاشِ وَلَا يُكَلِّمُهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَعْتَزِلُ عَنْهَا إِلَى فَرَّاشٍ آخَرَ، وَاضْرِبُوهُنَّ يعني: إن لم ينزعن من الْهِجْرَانِ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَا شَائِنٍ، وَقَالَ عَطَاءٌ: ضَرْبًا بالسواك).
يقول محمد رشيد رضا في تفسير المنار: "صرح كثير من المفسرين بوجوب هذا الترتيب في التأديب، وإن كان العطف بالواو لا يفيد الترتيب، قال بعضهم: دل على ذلك السياق والقرينة العقلية إذ لو عكس كان استغناء بالأشد عن الأضعف، فلا يكون لهذا فائدة، وقال بعضهم: الترتيب مستفاد من دخول الواو على أجزئة مختلفة في الشدة والضعف، مرتبة على أمر مدرج، فإنما النص هو الدال على الترتيب".
الضرب المباح بالسواك ونحوه
قال ربنا عز وجل {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} النساء-34، وفي هذه الآية جعل الضرب مطلقا، إلا أن الأحاديث النبوية الكريمة أوضحت بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الضرب له حدود وضوابط، وعلى هذا فيحمل المطلق على المقيد وفقا للقاعدة الأصولية.
ومن هذه الأحاديث، ما رواه أبي داود عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، أَوْ اكْتَسَبْتَ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ). رواه أبو داود، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة.
ويقول محمد رشيد رضا: "وأما الضرب فاشترطوا فيه أن يكون غير مبرح، وروى ذلك ابن جرير مرفوعا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، والتبريح الإيذاء الشديد، وروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- تفسيره بالضرب بالسواك ونحوه، أي: كالضرب باليد أو بقصبة صغيرة".
وليس من الضرب المباح ما يكسر الضلع ويسيل الدماء ويؤدي إلى الجروح والحروق وغيره، مما نراه في زماننا هذا، فالضرب المباح هو ضرب للتأديب ولإجبار المرأة على طاعة زوجها، فمتى أطاعته لا يجوز له التمادي، كما ذكرت الآية الكريمة، أما من يضرب زوجته قاصدا العقاب والانتقام، فهذا لم يأت نص يبيحه، وغالبا ما يتعدى هذا العقاب والانتقام حدود الضرب المباح شرعا.
تقبيح الضرب والتنفير منه
إن الإباحة كحكم شرعي لا تعني أن الأمر المباح سنة، بل تعريف السنة من ناحية الثواب هي ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، أما المباح فهي ما لا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، ومن هذا المباح "ضرب الزوجة الناشز"، فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن فعله، بل وردت الأحاديث الكثيرة التي تقبح هذا الفعل وتشينه.
فقد روى الشيخان عن عبد الله بن زمعة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال "أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم؟"، وفي رواية لعائشة رضي الله عنها في مسند عبد الرزاق: "أما يستحي أحدكم أن يضرب امرأته كما يضرب العبد يضربها أول النهار، ثم يجامعها آخره؟"، كما روى البيهقي عن أم كلثوم بنت الصديق رضي الله عنهما أنها قالت: كان الرجال نهوا عن ضرب النساء، ثم شكوهن إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخلى بينهم وبين ضربهن، ثم قال: "ولن يضرب خياركم".
ومن سيرة نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- درس بليغ، فعندما طلب نساؤه منه زيادة النفقة، جلس مهموماً غاضباً، حتى دخل عليه أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- ورأوه على هذا الحال وعرفا سبب غضبه، فاشتاطا غضبا، وقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها، وقام عمر إلى حفصة ليضربها، كلاهما يقولان: تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده. فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضربهما.
ومن سيرة صحابته الكرام، أعرف الناس بعده بشرع الله وما أباحه وما منعه وما كرهه، هذا الفاروق عمر رضي الله عنه، جاءه رجل يشكو خلق زوجته فوقف على باب عمر ينتظر خروجه فسمع امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه وعمر ساكت لا يرد عليها فانصرف الرجل راجعا، وقال: إن كان هذا حال عمر مع شدته وصلابته -وهو أمير المؤمنين- فكيف حالي؟ فخرج عمر فرآه مولياً عن بابه فناداه، وقال: ما حاجتك يا رجل؟ فقال يا أمير المؤمنين جئت أشكو إليك سوء خلق امرأتي واستطالتها علي فسمعت زوجتك كذلك فرجعت، وقلت: إذا كان حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي؟، فقال عمر: يا أخي إني احتملتها لحقوق لها علي: إنها طباخة لطعامي خبازة لخبزي غسالة لثيابي مرضعة لولدي وليس ذلك كله بواجب عليها ويسكن قلبي بها عن الحرام فأنا احتملتها لذلك، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين وكذلك زوجتي، قال عمر: فاحتملها يا أخي فإنما هي مدة يسيرة.
اجتنبوه يرحمكم الله
إن العلاقة بين الزوجين هي علاقة مودة ورحمة، ووصفها ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بالسكن، فقال تعالى في سورة الروم {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. الروم-21، وهذه العلاقة هي من أسمى العلاقات الإنسانية، لأنها نشأت برباط عظيم، تحت عين رب العالمين، طاعة له وامتثالا لأوامره، ولهذا فهي علاقة قوية وصفها ربنا عز وجل في سورة النساء بقوله "وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا".
إن قوة العلاقة بين الزوجين تجعل التفاهم بينهما أمر ضروري في غاية الأهمية، بل تجعله أمر واجب وحتمي، لا يصح لأي منهما أن يتجاوزه، ولا يصح لأي منهما أن يتعامل مع الآخر إلا أساس تلك العلاقة القوية.
وإن لجوء الرجل إلى ضرب زوجته هو أمر شديد على نفس الزوجة، يجعل في نفسها شيئا تجاهه، وينال من مقدار الحب والمودة والرحمة بينهما، ويكسر حاجزا من الاحترام والثقة في كثير من الأحيان، فالأولى بأولي الألباب أن يجتنبوا هذا الفعل إلا أن يكون حتميا لا سبيل غيره، وهو ما نسأل الله أن يبعد بيوت المسلمين عنه.
ويروقني أن أختم بقول محمد رشيد رضا رحمه الله في تفسيره: "فما أشبه هذه الرخصة –يقصد الضرب- بالحظر، وجملة القول أن الضرب علاج مر، قد يستغني عنه الخير الحر، ولكنه لا يزول من البيوت بكل حال، أو يعم التهذيب النساء والرجال".
واقع أليم
يشهد واقعنا الاجتماعي في كل بلاد المسلمين بلا استثناء، واقعا أليما مزريا، فكثير من الأزواج يعتدون على زوجاتهم بكل أنواع الضرب والعنف، دون مراعاة لما قيده الشارع فيما أنزله على رسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فنجد أحدهم يمسك بعصا غليظة ويضرب زوجته بكل قسوة، فيسبب لها الكسور والجروح الخطيرة، التي تستلزم الذهاب للمستشفى والعلاج المكثف، وتجد أحدهم يلطم زوجته على وجهها حتى يسقط "قرطها من أذنها" وحتى يخرج الدم من وجهها، بل إن البعض يلجأ إلى الأسلاك الكهربائية الرفيعة فيضرب بها زوجته فتتناثر الدماء من جسدها، وغير ذلك من الحوادث البشعة التي نراها بأعيننا ونسمع عنها.
وأشهد أني قد رأيت أكثر من مرة، من يمسك بالعصا التي لا يستطيع الرجل أن يمسكها بيد واحدة، بل بكلتا يديه، ويرفعها وينزل بها على جسد زوجته، حتى يبلغ به التعب مبلغه فيتركها ويذهب غير مبال بما حدث لها، ولا يعنيه إن كان يضربها في بيتها أم أمام أعين الناس في الشارع.
ثلاث مراحل.. الضرب آخرها
إن ما ذكره ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أن الضرب هو مرحلة من ثلاث مراحل يأتي في آخرها، والضرب يكون للزوجة الناشز، والنشوز هو كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هو أن تنشز عن زوجها فتنفر عنه، بحيث لا تطيعه إذا دعاها للفراش، أو تخرج من منزله بغير إذنه، ونحو ذلك مما فيه امتناع عما يجب عليها من طاعته"، وأوضح أن المرأة العاصية توصف بالنشوز لما فيها من الغلظ والارتفاع عن طاعة زوجها.
يقول الإمام البغوي رحمه الله في تفسيره (وَأَصْلُ النُّشُوزِ: التَّكَبُّرُ وَالِارْتِفَاعُ، وَمِنْهُ النَّشْزُ: وهو الموضع الْمُرْتَفِعِ، فَعِظُوهُنَّ، بِالتَّخْوِيفِ مِنَ اللَّهِ وَالْوَعْظِ بِالْقَوْلِ، وَاهْجُرُوهُنَّ، يَعْنِي: إِنْ لَمْ يَنْزِعْنَ عَنْ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ فِي الْفِرَاشِ وَلَا يُكَلِّمُهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَعْتَزِلُ عَنْهَا إِلَى فَرَّاشٍ آخَرَ، وَاضْرِبُوهُنَّ يعني: إن لم ينزعن من الْهِجْرَانِ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَا شَائِنٍ، وَقَالَ عَطَاءٌ: ضَرْبًا بالسواك).
يقول محمد رشيد رضا في تفسير المنار: "صرح كثير من المفسرين بوجوب هذا الترتيب في التأديب، وإن كان العطف بالواو لا يفيد الترتيب، قال بعضهم: دل على ذلك السياق والقرينة العقلية إذ لو عكس كان استغناء بالأشد عن الأضعف، فلا يكون لهذا فائدة، وقال بعضهم: الترتيب مستفاد من دخول الواو على أجزئة مختلفة في الشدة والضعف، مرتبة على أمر مدرج، فإنما النص هو الدال على الترتيب".
الضرب المباح بالسواك ونحوه
قال ربنا عز وجل {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} النساء-34، وفي هذه الآية جعل الضرب مطلقا، إلا أن الأحاديث النبوية الكريمة أوضحت بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الضرب له حدود وضوابط، وعلى هذا فيحمل المطلق على المقيد وفقا للقاعدة الأصولية.
ومن هذه الأحاديث، ما رواه أبي داود عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، أَوْ اكْتَسَبْتَ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ). رواه أبو داود، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة.
ويقول محمد رشيد رضا: "وأما الضرب فاشترطوا فيه أن يكون غير مبرح، وروى ذلك ابن جرير مرفوعا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، والتبريح الإيذاء الشديد، وروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- تفسيره بالضرب بالسواك ونحوه، أي: كالضرب باليد أو بقصبة صغيرة".
وليس من الضرب المباح ما يكسر الضلع ويسيل الدماء ويؤدي إلى الجروح والحروق وغيره، مما نراه في زماننا هذا، فالضرب المباح هو ضرب للتأديب ولإجبار المرأة على طاعة زوجها، فمتى أطاعته لا يجوز له التمادي، كما ذكرت الآية الكريمة، أما من يضرب زوجته قاصدا العقاب والانتقام، فهذا لم يأت نص يبيحه، وغالبا ما يتعدى هذا العقاب والانتقام حدود الضرب المباح شرعا.
تقبيح الضرب والتنفير منه
إن الإباحة كحكم شرعي لا تعني أن الأمر المباح سنة، بل تعريف السنة من ناحية الثواب هي ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، أما المباح فهي ما لا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، ومن هذا المباح "ضرب الزوجة الناشز"، فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن فعله، بل وردت الأحاديث الكثيرة التي تقبح هذا الفعل وتشينه.
فقد روى الشيخان عن عبد الله بن زمعة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال "أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم؟"، وفي رواية لعائشة رضي الله عنها في مسند عبد الرزاق: "أما يستحي أحدكم أن يضرب امرأته كما يضرب العبد يضربها أول النهار، ثم يجامعها آخره؟"، كما روى البيهقي عن أم كلثوم بنت الصديق رضي الله عنهما أنها قالت: كان الرجال نهوا عن ضرب النساء، ثم شكوهن إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخلى بينهم وبين ضربهن، ثم قال: "ولن يضرب خياركم".
ومن سيرة نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- درس بليغ، فعندما طلب نساؤه منه زيادة النفقة، جلس مهموماً غاضباً، حتى دخل عليه أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- ورأوه على هذا الحال وعرفا سبب غضبه، فاشتاطا غضبا، وقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها، وقام عمر إلى حفصة ليضربها، كلاهما يقولان: تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده. فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضربهما.
ومن سيرة صحابته الكرام، أعرف الناس بعده بشرع الله وما أباحه وما منعه وما كرهه، هذا الفاروق عمر رضي الله عنه، جاءه رجل يشكو خلق زوجته فوقف على باب عمر ينتظر خروجه فسمع امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه وعمر ساكت لا يرد عليها فانصرف الرجل راجعا، وقال: إن كان هذا حال عمر مع شدته وصلابته -وهو أمير المؤمنين- فكيف حالي؟ فخرج عمر فرآه مولياً عن بابه فناداه، وقال: ما حاجتك يا رجل؟ فقال يا أمير المؤمنين جئت أشكو إليك سوء خلق امرأتي واستطالتها علي فسمعت زوجتك كذلك فرجعت، وقلت: إذا كان حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي؟، فقال عمر: يا أخي إني احتملتها لحقوق لها علي: إنها طباخة لطعامي خبازة لخبزي غسالة لثيابي مرضعة لولدي وليس ذلك كله بواجب عليها ويسكن قلبي بها عن الحرام فأنا احتملتها لذلك، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين وكذلك زوجتي، قال عمر: فاحتملها يا أخي فإنما هي مدة يسيرة.
اجتنبوه يرحمكم الله
إن العلاقة بين الزوجين هي علاقة مودة ورحمة، ووصفها ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بالسكن، فقال تعالى في سورة الروم {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. الروم-21، وهذه العلاقة هي من أسمى العلاقات الإنسانية، لأنها نشأت برباط عظيم، تحت عين رب العالمين، طاعة له وامتثالا لأوامره، ولهذا فهي علاقة قوية وصفها ربنا عز وجل في سورة النساء بقوله "وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا".
إن قوة العلاقة بين الزوجين تجعل التفاهم بينهما أمر ضروري في غاية الأهمية، بل تجعله أمر واجب وحتمي، لا يصح لأي منهما أن يتجاوزه، ولا يصح لأي منهما أن يتعامل مع الآخر إلا أساس تلك العلاقة القوية.
وإن لجوء الرجل إلى ضرب زوجته هو أمر شديد على نفس الزوجة، يجعل في نفسها شيئا تجاهه، وينال من مقدار الحب والمودة والرحمة بينهما، ويكسر حاجزا من الاحترام والثقة في كثير من الأحيان، فالأولى بأولي الألباب أن يجتنبوا هذا الفعل إلا أن يكون حتميا لا سبيل غيره، وهو ما نسأل الله أن يبعد بيوت المسلمين عنه.
ويروقني أن أختم بقول محمد رشيد رضا رحمه الله في تفسيره: "فما أشبه هذه الرخصة –يقصد الضرب- بالحظر، وجملة القول أن الضرب علاج مر، قد يستغني عنه الخير الحر، ولكنه لا يزول من البيوت بكل حال، أو يعم التهذيب النساء والرجال".