الشيخ عبدالسلام بن برجس رحمه الله
فمن حقوقهم علينا توقيرهم، واحترامهم، والتواضع لهم، وخفض الجناح لهم، يقول طاووس رحمه الله تعالى: من السنة أن يوقَّر العالم.
وقد ثبت في سنن أبي داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إِنّ مِنْ
إِجْلاَلِ الله إِكْرَامَ ذِي الشّيْبَةِ المُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ
غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالجَافِي عَنْهُ, وَإِكْرَامَ ذِي السّلْطَانِ
المُقْسِطِ ».
وقد ذكر الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه ”الجامع“ تحت باب تعظيم
المحدِّث وتجليده ذكر أثرا عن كعب الأنصار لا بأس بإرادة من باب الاستئناس
به يقول كعب: ثلاثة نجد في الكتاب يحق علينا أن نُكرِمهم، وأنْ نشرِّفهم،
وأن نوسِّع عليهم في المجالس: ذو السن، وذو السلطان بسلطانه، والحامل
للكتاب.
ومن هذا الباب قصة عبد الله بن عباس المشهور عندما أخذ بركاب بن ثابت فقال
لزيد: أتمسك لي وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم؟ فقال: ابن عباس
إنا هكذا نصنع بالعلماء. أو هكذا يفعل بالعلماء.
وقد عُوتب الشافعي رحمه الله على تواضعه للعلماء فقال:
أهين لهم نفسي فهم يكرمونهـا و لن تكرم النفس التي لا تهينهـا
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى أيضا: أمرنا أن نتواضع لمن نتعلم منه. فحق العالم علينا أن نتواضع له وأن نجله ونقدره وأن نحترمه.
ومن حقوق العلماء أيضا ولعله من أعظم الحقوق الدعاء لهم والاستغفار لهم،
وقد تقدم الحديث في قوله (وَإِنّ العَالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ في
السّمَاواتِ وَمَنْ في اْلأَرْضِ) وثبت في سنن أبي داود أو لعله الترمذي عن
أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال«إِنّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ
وَأَهْلَ الأرض حَتّى النّمْلَةَ في جُحْرِهَا وَحَتّى الْحُوتَ
لَيُصَلّونَ عَلَى مُعَلّمِ النّاسِ الْخَيْرَ» ومعنى (يُصَلّونَ) يعني
يدعون، وثبت أيضا عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال«وَمَن صَنَعَ
إِلَيْكُم مَعْرُوفاً فَكَافِئُوهُ, فإِنْ لَم تَجِدُوا ما تُكَافِئُوه
بِهِ فَادْعُوا لَهُ حَتّى تَرَوْا أَنّكُم قَدْ كَافأْتُموهُ» وأي معروف
أعظم علينا في هذه الدنيا من معروف العالم؛ الذي يدلنا على ما يسعدنا في
الدين والدنيا.
ومن حقوقهم أيضا ما جاء عن على ( أنه قال -كما ذكره ابن جماعة وقبله ابن
عبد البر- أنه قال: من حق العالم عليك أن تُسَلِّم على القوم عامة وتخصه
بالتحية، وأن تجلس أمامه، ولا تشيرن بيدك إليه، ولا تغمز بعينك، ولا تقولن
قال فلان خلاف قوله، ولا تغتابَنَّ عنده أحد، ولا تطلبن عثرته، وإن زل قبلت
معذرته، وعليك أن توقره لله تعالى، وإن كانت له حاجة سبقت القوم لخدمته،
ولا تسارّ في مجلسه، ولا تأخذ بثوبه، ولا تلح عليه إذا الكسل، وتشبع من طول
صحبته؛ فإنما هو كالنخلة تنتظر متى يسقط عليك منها شيء. )ولقد جمع في هذه
الوصية ما فيه الكفاية.
فهذه جملة من حقوق العلماء علينا، وهي كثيرة، نسأل الله أن يوفقنا للعمل
بها، فمتى ما عملنا بها مخلصين لله تعالى فقد قمنا بواجبنا تجاههم، وهيأْنا
أيضا لهم الجو لإعطائنا مزيدا من علمهم ومعارفهم، ولذلك يقول ابن جُريْج:
لم استخرج الذي استخرجت من عطاء إلا برفقي به. فحسن المعاملة مع العالم
تشرح صدره، فينعكس ذلك على إعطائه، فيعطى عطاء جيدا مثمرا، كما أن سوء
معاملته أو عدم التأدب معه يؤثر على إخراجه للمعلومات،
لذلك يقول الزهري: كان سلمةُ يماري ابن عباس فحرم بذلك علما كثيرا. وإذا قد بينا بعض حقوقهم علينا.
الشيخ عبدالسلام بن برجس رحمه الله من شريط "من هم العلماء ؟"