قابوس بن سعيد
(18 نوفمبر 1940 -)، سلطان عُمان، وهو ثامن سلاطين أسرة البوسعيد وينحدر
من الإمام أحمد بن سعيد المؤسس الأول. وصل إلى السلطة عام 1970 بعد انقلاب
أطاح بوالده سعيد بن تيمور
نسبه
هو
السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور بن فيصل بن تركي بن سعيد بن سلطان بن أحمد
بن سعيد بن أحمد بن محمد بن خلف بن سعيد بن مبارك البوسعيدي العتكي
الأزدي، فهو بذلك السلطان الثامن المنحدر رأسا من المؤسس الأول للدولة
البوسعيدية (الإمام أحمد بن سعيد) عام 1741م وتعد هذه الأسرة الكريمة من
أقدم الأسر العربية الحاكمة بصورة متواصلة في عالمنا العربي، حيث انقضت
مائتين وستين سنة على توليها زمام الحكم في البلاد
النشأه
هو
الابن الوحيد لسعيد بن تيمور. تلقى دروس المرحلة الابتدائية والثانوية في
صلالة والهند، وفي سبتمبر من عام 1958 أرسله والده إلى إنجلترا حيث واصل
تعليمه لمدة عامين في مؤسسة تعليمية خاصة في سافوك، ثم التحق في عام 1379هـ
الموافق 1960 بأكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية كضابط مرشح، حيث أمضى
فيها عامين من عمره درس خـلالها العلوم العسكرية وتلقى فنون الجندية، وتخرج
فيها برتبة ملازم ثان، ثم انضم إلى إحدى الكتائب البريطانية العاملة آنذاك
في ألمانيا الغربية - قبل الوحدة الألمانية - حيث أمضى ستة أشهر كمتدرب في
القيادة العسكرية.
بعد أن أتم تلك الفترة الهامة، والتي شكلت
خبراته العسكرية للمراحل التي تلت، عاد إلى بريطانيا حيث درس لمدة عام في
مجال نظم الحكم المحلي، وأكمل دورات تخصصية في شؤون الإدارة وتنظيم الدولة.
ثم هيأ له والدة الفرصة التي شكلت جزءاً من اتجاهه بعد ذلك، فقام بجولة
حول العالم استغرقت ثلاثة أشهر، زار خلالها العديد من دول العالم، عاد
بعدها إلى البلاد عام 1383هـ الموافق 1964م حيث أقام في مدينة صلالة.
على
امتداد السنوات الست التالية التي تلت عودته، تعمق السلطان قابوس في دراسة
الدين الإسلامي، وكـل ما يتصل بتاريخ وحضارة عُمان دولة وشعباً على مر
العصور. وقد أشار في أحد أحاديثه إلى أن إصرار والده على دراسة الدين
الإسلامي وتاريخ وثقافة عمان، كان لها الأثر العظيم في توسيع مداركه ووعيه
بمسؤولياته تجاه شعبه العماني والإنسانية عموماً. كما أنه قد استفاد كثيراً
من التعليم الغربي الذي تلقاه وخضع لحياة الجندية ولنظام العسكرية في
بريطانيا، ثم كانت لديه الفرصه في السنوات التي تلت عودته إلى صلالة لقراءة
الكثير من الأفكار السياسية والفلسفية للعديد من المفكرين الذين شكلوا فكر
العالم
اهتماماته وهواياته
لعل
اهتمام السلطان قابوس بدفع عمان إلى حالة متقدمة من المعاصرة مع الإبقاء
على الأصالة العمانية التقليدية بحيث لا تفقد عمان هويتها، وفي إطار ذلك
يكون اهتمام قابوس بالثقافة هو الشيء الأبرز، والذي ترك آثاره الواضحة في
عمان، فبفضل قراره أصبح لدى السلطنة أوركسترا سلطانية من عازفين وعازفات
على مستوى عالٍ من التدريب. كما رعت مؤسسات الدولة مشروعاً ضخماً لتوثيق
تاريخ عُمان منذ فجر التاريخ، ومشاريع ثقافية أخرى كثيرة.
للسلطان
قابوس اهتمامات واسعة بالدين واللغة الأدب والتاريخ والفلك وشؤون البيئة،
حيث يظهر ذلك جليا في الدعم الكبير والمستمر للعديد من المشروعات الثقافية،
وبشكل شخصي، محليا وعربياً ودوليا، سواء من خـلال منظمة اليونسكو أم غيرها
من المنظمات الإقليمية والعالمية.
من أبرز هذه المشروعات على سبيل
المثال لا الحصر، موسوعة السلطان قابوس للأسماء العربية، ودعم مشروعات
تحفيظ القرآن سواء في السلطنة أو في عدد من الدول العربية، وكذلك بعض
مشروعات جـامعة الأزهر، وجامعة الخليج وعدد من الجامعات والمراكز العلمية
العربية والدولية، فضلاً عن (جـائزة السلطان قابوس لصون البيئة) التي تقدم
كل عامين من خلال منظمة اليونسكو، ودعم مشروع دراسة طريق الحرير والنمر
العربي والمها العربي وغيرها.
وعن هواياته يتحدث السلطان فيقول: منذ
طفولته كان يهوى ركوب الخيل، فيذكر أنه قد وضع على ظهر حصان وهو في
الرابعة من عمره، ومنذ ذلك الحين وهو يحب ركوب الخيل ولهذا توجد الإصطبلات
السلطانية التي تعنى بتربية وإكثار الخيول العمانية الأصيلة وافتتح مدارس
الفروسية التي تضم بين تلاميذها البنين والبنات، كما أن الرماية أيضاً من
الهوايات المحببه له كونه تدرب عسكرياً، ويؤكد أن هذه الهواية تعد جزءاً
مهماً لكل من يهتم بالنشاط العسكري وعاش في مجتمع كالمجتمع العُماني الذي
يعتز بكونه يستطيع حمل السلاح عند الضرورة، كما يحب تجربة لكل ما هو جديد
من أسلحة في القوات المسلحة العمانية، سواء كان ذلك السلاح بندقية أو مدفع
رشاش أو مدفع دبابة، إلا أن الرماية بالمسدس والبندقية تبقى هي الأفضل
بالنسبة له، وكذلك ـ كنوع من الترفيه ـ يستخدم أحياناً القوس والنشاب.
أيضاً
فإن من الهوايات المحببة لديه علم الفلك ومراقبة الكواكب، حيث يملك مرصداً
صغيراً، وعندما تكون الفرصة سانحة في الليالي المناسبة حسب النشرات
الفلكية فهو يقضي بعض الوقت في مراقبة هذه الكواكب.
سياسته الخارجية
منذ
بداية تولي السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم في البلاد سعى إلى إخراج
اسم عمان إلى الصعيد الخارجي، ورغم ما تركته السياسة القديمة من أعباء زادت
من مشقة هذا الكاهل من عدم وجود وزارة للخارجية وانما وجدت المؤسسة
الصغيرة الغير تخصصية في هذا المجال إلا أن السطان قابوس ومنذ بداياته قام
جلالته بزيارة معظم العواصم العربية، وبعضها أكثر من مرة. فالى جانب الرياض
زار المنامة، والقاهرة، وأبوظبي، والدوحة، وعمان، وطرابلس المغرب.
مع
هذه الزيارات اتسعت العلاقات العمانية الإيرانية واتسمة بالأخوية التامة
المطلقة حيث ان أول زيارة رسمية للسطان كانت إلى إيران بدعوة من شاه إيران
وذلك للاحتفال بذكرى مرور 2500 عام على قيام الأسرة الشاهنشاهية. ومن وخاصة
الحوارات التي قام بها السلطان مع شاه إيران والرامية إلى حل المشاكل
الناجمة من الصراعات الناشئة من الدول الشقيقة والحدودية مع إيران من
الإمارات العربية المتحدة والبحرين. في سنة 1973 صارت عمان عضوا في حركة
عدم الانحياز. على هذه الصورة كانت عمان، رغم وجودها على الخط الامامي
للنضال ضد توسع الشيوعية العالمية، ترى آفاق العالم المتعدد الأقطاب الذي
تستند حياته لا إلى التنافس والتناحر بين التكتلات العسكرية والسياسية بل
إلى التعاون والمشاركة المتعددة الجوانب.
رغم أن قابوس بن سعيد كان
في تلك الفترة من اصغر الزعماء العرب سنا، الا انه ربما كان من أكثرهم
ثقافة. وقد تركت زياراته الخاطفة وقراراته السياسية الفاعلة انطباعا عميقا
في العالم كله مثل: الاتفاق على التعاون العسكري مع إيران، والتخلي عن
الدعاوى الإقليمية حيال دولة الإمارات العربية المتحدة، وموضوع الحملة على
الجمهورية اليمنية الجنوبية. كانت تلك – إذا استخدمنا التعبيرات المجازية –
استراتيجية النسيم المنعش. وكما يلطف الهواء النقي الجو الملوث كذلك
القرارات العظيمة في الميادين السياسية تنقي العلاقات الدولية من الشوائب
وتخلصها من المواجهات الاستنزافية الثقيلة الأعباء، إلا أن أهميتها لا
تقتصر على ذلك وحده. فهي أحيانا تغير أسلب العمل السياسي كله. فحتى رجالات
الدولة المتعودون على الحذر المفرط يسارعون إلى عمل أنشط ليلحقوا بركب
الزمن أو يسايروه.
كان السلطان أيضا ذو علاقة قوية بحاكم مصر في تلك
الفترة أنور السادات وذلك لان السادات رأى في السلطان قابوس تلك الفلسفة
السياسية الواسعة والتي تكون أوسع مما لدى معظم زعماء العالم العربي. ومما
زاد ذلك الرابط هو استلام كل من هذين السياسيين مقاليد الحكم في وقت واحد
تقريبا، وتلقيا تركة ثقيلة من سابقيهما. وكلاهما خاضا النضال ضد العدو
الخارجي، وتعين عليهما إصلاح الميدان الاقتصادي جذريا.
نلاحظ ان
السلطان قابوس بن سعيد منذ بداياته حاول الانفتاح على الدول الكبرى لما في
ذلك من نفع في الأواسط السياسية وبسبب توسع هذه الدول في الوسط العربي مثل
علاقاتة الحميمة مع بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنه وبسبب
التوجهات العقائدية للاتحاد السوفييتي، وبسسب الدعايات الفاسدة من جمهورية
اليمن الجنوبية على عمان الذي حالا دون قيام علاقات طبيعية بين الاتحاد
السوفييتي وعمان لأمد طويل.
مع مرور الوقت ازدادت قيمة عمان من
الناحية السياسية من مشاركات في القمم العربية التي تعقد، ومن المساهمة في
إنشاء مجلس التعاون الخليجي، ومن غيرها من حل النزاعات القائمة في الدول
العربية والإسلامية من محاولات جاهدة قام بها السلطان لحل المشاكل بالطرق
السلمية بين العراق وايران من جهة، وبين العراق والكويت من جهة أخرى، ولذلك
حظي السلطان بالاعتراف كأكثر الدبلوماسيين براعة وحذقا في الشرق الأوسط.
ومنح السلطان جائزة السلام عام 1998 ما جاء الا ليؤكد التقدير الرفيع
لمساهمة جلالته الجلية في الممارسات السياسية المعاصرة ودوره في احلال
السلام والاستقرار في أكثر دول العالم بلبة واضطرابا.
من هنا يعتقد
الدبلوماسيون العمانيون ان السلطان قابوس مؤسس مدرسة جديدة في العلاقات
الدولية المعاصرة مبنية على مبدأ واحد يذهب إلى أن العالم يسير نحو التعاون
المتعدد الأطراف، وأن الطر الجغرافية سوف تزول قريبا. قال السلطان في حديث
إلى مجلة "ميديل إست بولسي" في نوفمبر 1995: "ان العالم يتضائل وينكمش،
وانا واثق تماما أن جميع البلدان يجب أن تسير وفق هذه القاعدة، وتحاول ان
تفهم بعضها البعض، وتتعاون في ما بينها، وتعمل جنبا إلى جنب لخير البشرية
جمعاء. وقد لوحظت في السنوات الاخيرة بوادر واعدة تدل على ان النزاعات بين
الدول صارت تعتبر من الحماقات المطبقة وأن الخلافات بين البلدان يجب ان تحل
بالمفاوضات وليس على سبيل الحرب".
تلتزم عمان عادة سياسة الحياد
فلا تتدخل في النزاعات بين جيرانها، أو النزاعات الخارجية الدولية، عملاً
بقاعدة "لا ضرر ولا ضِرار". إلا أنها تحتفظ بعلاقات صداقة مع الدول العربية
ودول العالم بشكل عام، وتشارك في المؤتمرات الدولية ولها ممثل في جامعة
الدول العربية.
للسلطنة مواقف قوية في مجلس التعاون الخليجي وخط سياسي خاص ينبع مما تمليه مصالح السلطنة.
السلطنة
تعيش شبه عزلة سياسية بسبب إيمان السلطان قابوس بأن " من يتدخل - على
المستوى الدولي - في شأن ليس من شأنه كأنما ينعق في واد غير واديه"، لكن
هذا لم يمنع السلطان قابوس من رعاية اتفاقات الهدنة بين شطري اليمن
المتحاربين في 1994، كما لم يمنع السلطنة من توقيع عدد كبير من الاتفاقيات
السياسية والعسكرية والاقتصادية مع جيرانها وغيرهم، على أنها تبقى بلداً
هادئاً جداً وتبقى عمان وجلالته مثالا في السلام العالمي.
و عمان تعلن موقفاً واضحاً من قضيتي فلسطين والعراق لا يشذ عن الموقف العربي العام من هاتين القضيتين.
يمكن
للسلطان قابوس أن يكون الحاكم الهادئ الذي ينادي بالسلام المحلي والعالمي
وليس هذا عزلة سياسية ولقابوس نظرة لتوجيه اهتمام السلطنة لتطوير السلطنة
بما يعود بالنفع على أبناء السلطة بعيدا عن الزج بالبلاد في الخلافات
الدولية التي تأخر تقدم ورقي الشعب.