صلاة الأوابين
ناصر الحلواني
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا.
وبعدُ:
فإنَّ أحسنَ الكلام كلامُ الله، وخير الهدْي هدْي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل مُحْدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أمَّا بعدُ:
فقد جاء في صحيح مسلم عن زيد بن الأرْقم، قَال: "خرجَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل قُباء وهم يصلون، فقال : ((صلاة الأَوَّابِين إذا رَمِضَتِ الْفِصَالُ))[1].
وتساءَلَ مَن لا يرضون بغير كلام الله شرعًا وسُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - مَنهجًا وسبيلاً عن معنى "صلاة الأوَّابين"؛ لينالوا فضْلَها وفضلَ الاقتداء بنبيِّهم - صلى الله عليه وسلم.
ولا بُدَّ من توضيحٍ مُهمٍّ في البداية؛ لبيان أنَّ ما يذهبُ إليه قولُنا: "صلاة الأوابين" إنما هو "صفة" لصلاة نافلة مشروعة - هي صلاة الضحى - مثل قولنا: "صيام داود"، أو: "زكاة الورعين"، ومثل هذه الصفات تُطْلقُ في غالب الأمر على ما يؤدِّيه المسلمون من نوافلَ وتطوعات.
أما العبادات المفروضة، فليس لأيٍّ منها إلا مُسمَّاه الذي سمَّاه به الشارع الحكيم - جل في عُلاه - أو ما حدَّد لنا اسمَه نبيُّ الهدى - صلى الله عليه وسلم - مثل: "صوم رمضان"، و"حج البيت"، و"زكاة المال"، و"صلاة الظهر"، وما إلى ذلك من مسمَّيَات شرعيَّة، لا تغيير ولا تبديل لها منذ فُرضتْ إلى أن يَرِثَ اللهُ الأرضَ.
أمَّا ما قد يذهبُ إليه البعضُ من القول بأن "صلاة الأوَّابين" هي صلاة مُعَيَّنة غير صلاة الضحى، فإنه بذلك يكون قد شرعَ ما لم يشرعْه الله ورسولُه - صلى الله عليه وسلم - وعُدَّ من المبتدعين في دين الله، عافانا الله وإيَّاكم.
وفيا يلي نبيِّنُ - بقدرنا - المقصود بـ"صلاة الأوَّابين" لغة، ثم بذِكْر ما يتعلَّق بها من أحاديثَ صحيحة، وشروح أو تعليقات للعلماء، وكذا ما يتعلَّق بها من أحاديثَ ضعيفة وتأويلات لها قد تَصْرِفُ "صلاة الأوَّابين" عن معناها المقصود، والله المستعان.
"الأوَّابين" لغة:
1- جاء في "القاموس المحيط": الأَوْبُ، والإِيابُ، والأَوْبَةُ، والأَيْبَةُ، والإِيبَةُ، والتَّأْويبُ، والتَّأْييبُ، والتَّأَوُّبُ: الرُّجُوعُ.
2- وفي "النهاية في غريب الحديث والأثر"؛ لابن الأثير: "الأوَّابين": جمع أوَّاب، وهو الكثير الرجوع إلى الله بالتوبة، وقيل: هو المطيعُ، وقِيلَ: المُسَبِّحُ يريد صلاة الضحى عند ارتفاع النهار وشدة الحرِّ.
ومنه "شَغَلونا عن الصلاة حتى آبتِ الشمسُ"؛ أي: غَربَتْ، من الأوْبِ: الرجوع؛ لأنها ترجعُ بالغروب إلى الموضع الذي طَلَعَتْ منه، ولو استُعملَ ذلك في طلوعها، لكان وجْهًا، لكنَّه لم يُسْتعملْ.
3- وجاء في "لسان العرب": أَوَبَ: الأَوْبُ: الرُّجوعُ.
وأوَّبَ، وتَأَوَّبَ، وأَيَّبَ، كُلُّه: رَجَعَ، وآبَ الغائبُ يَؤُوبُ مآبًا إذا رَجَع، ويُقال: لِيَهْنِئْكَ أَوْبةُ الغائِب؛ أي: إِيابُه.
وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنَّه كان إذا أَقْبَلَ من سَفَرٍ، قال: ((آيِبُون تائِبُون لربِّنا حامِدُون))، وهو جمع سلامة لآيب.
وفي التنزيل العزيز: ﴿ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ﴾ [ص: 40]؛ أَي: حُسْن المرجِع الذي يَصيرُ إليه في الآخرة، قال شِمْر: كلُّ شيءٍ رجَعَ إلى مَكانه، فقد آبَ يَؤُوبُ إِيابًا إِذا رَجَع.
أبو عبيدة: هو سريع الأَوْبَةِ؛ أي: الرُّجوعِ، وقوم يحوِّلون الواو ياءً، فيقولون: سَريعُ الأَيْبةِ.
وفي التنزيل العزيز: ﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ﴾ [الغاشية: 25]، وإيابهُم؛ أي: رجوعهم.
مما وردَ من أحاديث صحيحة في "صلاة الأوَّابين":
1- أنَّ زيد بن أرْقم رأى قومًا يُصَلُّون من الضحى، فقال: أما لقد علموا أن الصلاةَ في غير هذه الساعة أَفْضل؛ إن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صلاةُ الأوَّابينَ حين تَرْمَضُ الفِصَالُ))[2].
2- ((لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أوَّابٌ، وهي صلاة الأوَّابين))[3].
3- ((صلاة الضحى صلاة الأوَّابين))[4].
من أقوال العلماء وشروحهم لأحاديث "صلاة الأوَّابين":
يقول الإمام النووي في شرْحه لحديث مسلم:
قولُه - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الأوَّابين حين تَرمَضُ الفِصالُ)): هو بفتح التاء والميم، والرَّمضاء: الرَّمْل الذي اشتدتْ حرارتُه بالشمس؛ أي: حين تحترقُ أخفاف الفِصال - وهي الصغار من أولاد الإبل، جمع فصيل - من شدَّة حرِّ الرمْل.
والأوَّاب: المطيع، وقيل: الراجعُ إلى الطاعة، وفيه فضيلة صلاة هذا الوقت؛ قال أصحابُنا من الشافعيَّة: هو أفضل وقتٍ لصلاة الضحى، وإن كانتْ تجوز من طلوع الشمس إلى الزوال.
وقال الإمام المناوي:
صلاة الأوَّابين: بالتشديد؛ أي: الرجَّاعين إلى الله بالتوبة والإخلاص في الطاعة، وترْك متابعة الهوى.
الفصالُ: أي حين تصيبها الرَّمْضاء، فتحرق أخفافَها لشدة الحرِّ، فإنَّ الضحى إذا ارتفعَ في الصيف يشتدُّ حرُّ الرمْضاء، فتحرق أخفافَ الفصال لمماستها.
وإنَّما أضافَ الصلاة في هذا الوقت إلى الأوَّابين؛ لأن النفس تركنُ فيه إلى الدعة والاستراحة، فصرْفُها إلى الطاعة والاشتغال فيه بالصلاة رجوعٌ من مراد النفس إلى مرضاة الربِّ؛ ذَكَرَه القاضي.
وقال ابن الأثير: المراد صلاة الضحى عند الارتفاع واشتداد الحرِّ، واستدلَّ به على فضْل تأخير الضحى إلى شدة الحرِّ[5].
وقال الإمام الصنعاني: الأوَّاب: الرَّجَّاع إلى الله - تعالى - بترْك الذنوب وفِعْل الخيرات[6].
حُكم صلاة الضحى (الأوَّابين):
صلاة الضحى عبادة مستحبَّة، فمن شاء ثوابَها فليؤدِّها، وإلاَّ فلا تثريب عليه في ترْكها[7].
وقتُها الشرعي:
من بعد خروج وقت النهي بعد الشروق بارتفاع الشمس مقدار رُمْحٍ إلى وقت الزوال؛ أي: ما قبل الظهر.
أمَّا وقتُها الأفضل، فحين تَرْمَضُ الفِصالُ؛ أي: حين اشتداد الحرِّ؛ لِمَا وردَ في الأحاديث المذكورة آنفًا.
يقول الشيخ العثيمين - رحمه الله -: ووقتُ النهي من طلوع الشمس إلى أن ترتفعَ قَيدَ رُمْحٍ؛ أي: بعين الرائي، وإلاَّ فإنَّ هذا الارتفاعَ قيدَ رُمْحٍ بحسب الواقع أكثرُ من مساحة الأرض بمئات المرَّات، لكن نحن نراه بالأُفق قَيدَ رمحٍ؛ أي: نحو متر.
وبالدقائق المعروفة حوالي اثنتي عشرة دقيقة، ولنجعله خمس عشرة دقيقة؛ لأنه أحوطُ، فإذا مَضَى خمس عشرة دقيقة من طلوع الشمس، فإنه يزول وقتُ النهي، ويدخلُ وقتُ صلاة الضحى.
وقبل زوال الشمس بزمنٍ قليل حوالي عشر دقائق؛ لأن ما قُبيل الزوال وقتُ نهيٍّ يُنهى عن الصلاة فيه، وقائم الظهيرة يكون قُبيل الزوال بنحو عشر دقائق، فإذا كان قُبيل الزوال بعشر دقائق، دَخَلَ وقتُ النهي[8].
عددُ ركعاتها:
وأقلُّها ركعتان، وأدنى الكمال أربع، وأفضلها ثمانٍ، أو ما يزيدُ؛ لِمَا وردَ في صحيح الحديث، ومنه:
- حديث أبي ذر: ((يُصْبِح على كُلِّ سُلاَمَى، ويُجْزِئُ من ذلك ركعتان يركعهما منَ الضحَى)).
- وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى أربعًا، ويزيد ما شاء الله"[9].
- وعن أُمِّ هانئ قالتْ: أنه لَمَّا كان عام الفتح، أتتْ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بأعلى مكةَ، قامَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غُسْله، فسترتْ عليه فاطمة، ثم أخَذَ ثوبَه فالْتَحَفَ به، ثم صلَّى ثماني ركعات سُبْحة الضحى[10].
ويسلِّمُ مِن كلِّ ركعتين؛ لِمَا وردَ في بعض طُرق حديث أمِّ هانئ: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح صلى سُبحة الضحى ثماني ركعات يسلِّمُ من كلِّ ركعتين[11].
فضلُ صلاة الضحى:
ولصلاة الضحى فضلٌ عظيم وثواب كبير، ومما ورَدَ في ذلك:
- عن أبي هريرةَ قال: "أوصاني خليلي بثلاثٍ لا أَدَعهُنَّ حتى أموتَ: صوم ثلاثة أيامٍ من كلِّ شهرٍ، وصلاة الضحى، ونوْم على الوتْر[12].
فوصيَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصاحبه دليلٌ كافٍ على ما لهذه الأعمال من فضْلٍ كبير.
- وعن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يُصْبِحُ على كلِّ سُلاَمَى منْ أحدِكم صَدَقَةٌ، فكلُّ تسبيحة صدقة، وكلُّ تحميدة صدقةٌ، وكلُّ تهْلِيلَة صدقةٌ، وكلُّ تكبيرة صدقةٌ، وأمْرٌ بالمعروف صدقةٌ، ونَهْي عن المنكر صدقةٌ، ويُجْزِئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى))[13].
فمن فضْل هذه الصلاة أنَّ ركعتين منها تجزئان وتعدلان ثلاثمائة وستين صَدَقة، فأكْرِمْ به مِن فضْلٍ![14].
- وعن نُعَيْم بن هَمَّار قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يقول الله - عز وجل -: يا ابن آدمَ، لاَ تُعْجِزْنِي منْ أرْبع ركعاتٍ في أولِ نهارك، أكْفِكَ آخِرَه))[15].
فمن فضْل هذه الصلاة أنَّ الله - سبحانه وتعالى - يتكفَّل لصاحبها بأنْ يكفيه يومَه الذي يصليها فيه، وجاءت الكفاية عامَّة؛ لتشملَ الحفظَ من الشيطان، وتوفير الرزق الحلال، وردَّ الشرِّ والمكروه، وما إلى ذلك [16].
ما ورد من الأحاديث الضعيفة في "صلاة الأوَّابين":
1- (صلِّ الصبحَ والضحى؛ فإنها صلاة الأوَّابين)[17].
2- (صلاة الأبرار، - وفي غيره صلاة الأوَّابين - ركعتان إذا دخلتَ بيتك، وركعتان إذا خرجتَ"[18].
3- (مَن صلى ما بين المغرب والعشاء، فإنها صلاة الأوَّابين)[19].
الركعات الست بعد فرْض المغرب، وهل هي صلاة الأوَّابين؟
ذكرَ بعضُ العلماء أنَّ "صلاة الأوَّابين" هي الركعات الست بين المغرب والعشاء.
فقال الإمام المناوي عند شرح حديث: (مَن صلى ما بين المغرب والعشاء، فإن ذلك صلاة الأوَّابين)، ثم تَلا قولَه - تعالى -: ﴿ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 25].
وفي "الكشَّاف" عن علي بن الحسين أنه كان يصلي بينهما ويقول: أمَا سمعتم قولَه - تعالى -: ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا ﴾[المزمل: 6].
ولم يبيِّنْ عِدة صلاة الأوَّابين؛ تنبيهًا على الإكثار من الصلاة بينهما زيادة على سُنَّة المغرب والعشاء؛ قال بعضُ موالي الروم: والظاهر أن خبرَ مَن في الحديث محذوف، تقديره مَن صلَّى ما بين المغرب والعشاء، يكون في زُمرة الأوَّابين المقبولين عند الله؛ لمشاركتهم إيَّاهم في تلك الصلاة"؛ أ.هـ[20].
وقال الإمام الشوكاني: روى محمد بن نصر عن أنس، قال العراقي بإسناد صحيح: إن قولَه - تعالى -: ﴿ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾ [الذاريات: 17] نزلَ فيمن كان يصلي بين العشاء والمغرب، وأخرجَ محمد بن نصر عن سفيان الثوري أنه سُئل عن قوله - تعالى - ﴿ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾ [آل عمران: 113]، فقال: بلغني أنهم كانوا يصلون ما بين العشاء والمغرب، وقد رُوي عن محمد بن المنكدر: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنها صلاة الأوَّابين))، وهو الحديث المذكور آنفًا.
وهذا وإن كان مُرسلاً لا يعارضه ما في الصحيح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الأوَّابين إذا رَمَضَتِ الفصالُ))، فإنه لا مانعَ أن يكونَ كلٌّ من الصلاتين صلاةَ الأوَّابين؛ أ.هـ [21].
الردُّ على ذلك:
ونردُّ على هذا بضَعف الأحاديث التي استندَ إليها مَن ذهبَ إلى أنَّ صلاة الأوَّابين هي الركعات بين فرْضَي المغرب والعشاء كما رأينا سابقًا، بل إنَّ ما وردَ في خصوصيَّة الصلاة بين هذين الوقتين؛ سواء بعددٍ مُعين، أو اسم مُعَيَّن غير كونها سُنَّة أو نَفْلاً، فلا يصحُّ؛ إذ قال الشيخ ناصر الدين الألباني (الضعيفة 467): "واعْلمْ أنَّ كلَّ ما جاء من الأحاديث في الحضِّ على ركعات مُعينة بين المغرب والعشاء لا يصحُّ، وبعضُه أشدُّ ضَعفًا من بعض، وإنما صحَّتِ الصلاة في هذا الوقتِ مِن فِعْله - صلى الله عليه وسلم - دون تعيين عددٍ، وأما مِن قوله - صلى الله عليه وسلم - فكلُّ ما رُوي عنه واهٍ لا يجوز العمل به".
ما نخلصُ إليه من هذا البحث:
1- أن الأحاديث الصحيحة والمتعلقة بـ"صلاة الأوَّابين" صراحة تبيِّنُ أنها صلاة الضحى لا غيرها.
2- أنَّه لم يردْ صراحة في حديث صحيح عددٌ مُعين لركعات صلاة الضحى من جهة وصفها بأنها
"صلاة الأوَّابين".
3- أنَّ عددَ ركعات صلاة الضحى كما صلاَّها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يتراوح بين ركعتين وثمان ركعات؛ كما بوَّب الإمامُ مسلم في "صحيحه" في كتاب صلاة المسافرين وقصرها: "باب استحباب صلاة الضحى، وأن أَقلَّها ركعتان وأكملَها ثمانِ ركعات، وأوسطها أربعُ ركعات، أو سِتٌّ، والحثِّ على المحافظة عليها"، ووافقه الإمامُ النووي.
وإن جازَ أن تزيدَ عن ذلك؛ لحديث عائشة عند مسلم لقولها: "ويزيدُ ما شاء الله".
4- أنَّ الصفة التي كانت عليها صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها مَثْنى مَثْنى، وأنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلِّيها أحيانًا كما وردَ في حديث علي، قال: "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي حين تزيغُ الشمس ركعتين، وقبل نصف النهار أربَعَ ركعاتٍ يجعلُ التسليمَ في آخره.
ولعلَّ هذه الصفة هي المقصودة في صحيح السُّنَّة الفِعْليَّة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذا وقتٌ تَرْمَضُ فيه الفصالُ"؛ كما وضَحَ لنا آنفًا.
5- أنَّ أفضلَ الوقت لصلاة الضحى الموصوفة بأنها "صلاة الأوَّابين" هو كما وردَ في الحديث الصحيح (حين ترمَضُ الفصالُ)، وقد تقدَّم بيانُ المعنى.
6- أنَّ فضلَ صلاة الضحى الموصوفة بأنها "صلاة الأوَّابين" يرجعُ إلى كونها في وقتٍ من النهار يخلدُ فيه الناسُ إلى راحتهم، فيما يقفُ الراغبون إلى ربِّهم أمامَه في خشوعٍ يصلون، ويجدون في صلاتهم هذه راحتَهم وسكونَهم، راجين أن يقبلَهم الله فيمن يقبلهم.
7- أنَّ ذهابَ البعض إلى أنَّ الصلاة بين فرضَي المغرب والعشاء هي "صلاة الأوَّابين" مما لا دليلَ عليه من صحيح السُّنَّة.
والله الموفِّق:
وصلى الله على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وسلم.
[line]-[/line]
[1] مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الأوَّابين حين تَرْمَضُ الفصالُ.
[2] مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الأوَّابين حين تَرْمَضُ الفصالُ.
[3] أخرجه ابن خُزيمة في "صحيحه"، باب فضل صلاة الضحى؛ إذ هي صلاة الأوَّابين (1224)، والطبراني في "الأوسط" بغير ذِكْرٍ، "وهي صلاة الأوَّابين" (3865)، وأورده المنذري في "الترغيب والترهيب"، وقال: قال: وهي صلاة الأوَّابين مما يُحمل على أنَّ العبارة الأخيرة من قول أبي هريرة (1008). قال الألباني: حَسن؛ "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (7628)، ويقول الشيخ الألباني في هامش "الترغيب والترهيب" تعليقًا على الحديث: "الأوَّابين": جمع أوَّاب، وهو كثير الرجوع إلى الله - سبحانه وتعالى - بالتوبة، قلتُ – أي: الألباني -: وفي الحديث ردٌّ على الذين يسمون الركعات الست التي يصلونها بعد فرض المغرب بـ"صلاة الأوَّابين"، فإن هذه التسمية لا أصلَ لها، وصلاتها بالذات غير ثابتة.
([4]) أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس"، وصححه الألباني: "صحيح الجامع" (3827).
[5] "فيض القدير شرح الجامع الصغير"، (5072).
[6] "سبل السلام"، كتاب الصلاة، باب صلاة التطوع، (36).
[7] " فقه السُّنَّة"، ج (1)، ص (249).
[8] "الشرح الممتع"، ج (2) ، ص (85)، ط دار ابن الجوزي.
[9] مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى وأنَّ أقلَّها ركعتان.
[10] مسلم، كتاب الحيض، باب تستُّر المغتسل بثوبٍ ونحوه.
[11] أبو داود، كتاب التطوع، باب صلاة الضحى، وقال الألباني: ضعيف؛ "ضعيف سنن أبي داود" (1290).
[12] البخاري، كتاب التهجُّد، باب صلاة الضحى في الحضر.
[13] مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة الضحى.
[14] "الجامع لأحكام الصلاة"؛ محمود عبداللطيف عويضة.
[15] أبو داود، كتاب التطوع، باب صلاة الضحى، وصححه الألباني.
[16] المرجع السابق.
[17] أخرجه العقيلي في "الضعفاء"، (ص150-151)، وابن عدي (ق 175/ 2)، وأبو عبدالله الصاعدي في "السداسيات"، (3/ 2) ، وزاهر بن طاهر الشحامي في "سداسياته"، (287/ 2) من طريقين، عن سعيد بن زون، عن أنس مرفوعًا، كما ذَكَرَ الألباني وضَعَّفه: "السلسلة الضعيفة"، (3773).
[18] قال السيوطي: ابن المبارك عن عثمان بن أبي سودة مرسلاً؛ "الجامع الصغير"، وضعفه الألباني: "ضعيف الجامع"، (3508).
[19] ابن المبارك في "الزهد والرقائق"، وضعفه الألباني؛ لإرساله؛ "السلسلة الضعيفة"، (4617).
[20] "فيض القدير"، (8804) .
[21] كتاب الصلاة، أبواب صلاة التطوع، باب ما جاء في الصلاة بين العشاءين.
ناصر الحلواني
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا.
وبعدُ:
فإنَّ أحسنَ الكلام كلامُ الله، وخير الهدْي هدْي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل مُحْدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أمَّا بعدُ:
فقد جاء في صحيح مسلم عن زيد بن الأرْقم، قَال: "خرجَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل قُباء وهم يصلون، فقال : ((صلاة الأَوَّابِين إذا رَمِضَتِ الْفِصَالُ))[1].
وتساءَلَ مَن لا يرضون بغير كلام الله شرعًا وسُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - مَنهجًا وسبيلاً عن معنى "صلاة الأوَّابين"؛ لينالوا فضْلَها وفضلَ الاقتداء بنبيِّهم - صلى الله عليه وسلم.
ولا بُدَّ من توضيحٍ مُهمٍّ في البداية؛ لبيان أنَّ ما يذهبُ إليه قولُنا: "صلاة الأوابين" إنما هو "صفة" لصلاة نافلة مشروعة - هي صلاة الضحى - مثل قولنا: "صيام داود"، أو: "زكاة الورعين"، ومثل هذه الصفات تُطْلقُ في غالب الأمر على ما يؤدِّيه المسلمون من نوافلَ وتطوعات.
أما العبادات المفروضة، فليس لأيٍّ منها إلا مُسمَّاه الذي سمَّاه به الشارع الحكيم - جل في عُلاه - أو ما حدَّد لنا اسمَه نبيُّ الهدى - صلى الله عليه وسلم - مثل: "صوم رمضان"، و"حج البيت"، و"زكاة المال"، و"صلاة الظهر"، وما إلى ذلك من مسمَّيَات شرعيَّة، لا تغيير ولا تبديل لها منذ فُرضتْ إلى أن يَرِثَ اللهُ الأرضَ.
أمَّا ما قد يذهبُ إليه البعضُ من القول بأن "صلاة الأوَّابين" هي صلاة مُعَيَّنة غير صلاة الضحى، فإنه بذلك يكون قد شرعَ ما لم يشرعْه الله ورسولُه - صلى الله عليه وسلم - وعُدَّ من المبتدعين في دين الله، عافانا الله وإيَّاكم.
وفيا يلي نبيِّنُ - بقدرنا - المقصود بـ"صلاة الأوَّابين" لغة، ثم بذِكْر ما يتعلَّق بها من أحاديثَ صحيحة، وشروح أو تعليقات للعلماء، وكذا ما يتعلَّق بها من أحاديثَ ضعيفة وتأويلات لها قد تَصْرِفُ "صلاة الأوَّابين" عن معناها المقصود، والله المستعان.
"الأوَّابين" لغة:
1- جاء في "القاموس المحيط": الأَوْبُ، والإِيابُ، والأَوْبَةُ، والأَيْبَةُ، والإِيبَةُ، والتَّأْويبُ، والتَّأْييبُ، والتَّأَوُّبُ: الرُّجُوعُ.
2- وفي "النهاية في غريب الحديث والأثر"؛ لابن الأثير: "الأوَّابين": جمع أوَّاب، وهو الكثير الرجوع إلى الله بالتوبة، وقيل: هو المطيعُ، وقِيلَ: المُسَبِّحُ يريد صلاة الضحى عند ارتفاع النهار وشدة الحرِّ.
ومنه "شَغَلونا عن الصلاة حتى آبتِ الشمسُ"؛ أي: غَربَتْ، من الأوْبِ: الرجوع؛ لأنها ترجعُ بالغروب إلى الموضع الذي طَلَعَتْ منه، ولو استُعملَ ذلك في طلوعها، لكان وجْهًا، لكنَّه لم يُسْتعملْ.
3- وجاء في "لسان العرب": أَوَبَ: الأَوْبُ: الرُّجوعُ.
وأوَّبَ، وتَأَوَّبَ، وأَيَّبَ، كُلُّه: رَجَعَ، وآبَ الغائبُ يَؤُوبُ مآبًا إذا رَجَع، ويُقال: لِيَهْنِئْكَ أَوْبةُ الغائِب؛ أي: إِيابُه.
وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنَّه كان إذا أَقْبَلَ من سَفَرٍ، قال: ((آيِبُون تائِبُون لربِّنا حامِدُون))، وهو جمع سلامة لآيب.
وفي التنزيل العزيز: ﴿ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ﴾ [ص: 40]؛ أَي: حُسْن المرجِع الذي يَصيرُ إليه في الآخرة، قال شِمْر: كلُّ شيءٍ رجَعَ إلى مَكانه، فقد آبَ يَؤُوبُ إِيابًا إِذا رَجَع.
أبو عبيدة: هو سريع الأَوْبَةِ؛ أي: الرُّجوعِ، وقوم يحوِّلون الواو ياءً، فيقولون: سَريعُ الأَيْبةِ.
وفي التنزيل العزيز: ﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ﴾ [الغاشية: 25]، وإيابهُم؛ أي: رجوعهم.
مما وردَ من أحاديث صحيحة في "صلاة الأوَّابين":
1- أنَّ زيد بن أرْقم رأى قومًا يُصَلُّون من الضحى، فقال: أما لقد علموا أن الصلاةَ في غير هذه الساعة أَفْضل؛ إن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صلاةُ الأوَّابينَ حين تَرْمَضُ الفِصَالُ))[2].
2- ((لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أوَّابٌ، وهي صلاة الأوَّابين))[3].
3- ((صلاة الضحى صلاة الأوَّابين))[4].
من أقوال العلماء وشروحهم لأحاديث "صلاة الأوَّابين":
يقول الإمام النووي في شرْحه لحديث مسلم:
قولُه - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الأوَّابين حين تَرمَضُ الفِصالُ)): هو بفتح التاء والميم، والرَّمضاء: الرَّمْل الذي اشتدتْ حرارتُه بالشمس؛ أي: حين تحترقُ أخفاف الفِصال - وهي الصغار من أولاد الإبل، جمع فصيل - من شدَّة حرِّ الرمْل.
والأوَّاب: المطيع، وقيل: الراجعُ إلى الطاعة، وفيه فضيلة صلاة هذا الوقت؛ قال أصحابُنا من الشافعيَّة: هو أفضل وقتٍ لصلاة الضحى، وإن كانتْ تجوز من طلوع الشمس إلى الزوال.
وقال الإمام المناوي:
صلاة الأوَّابين: بالتشديد؛ أي: الرجَّاعين إلى الله بالتوبة والإخلاص في الطاعة، وترْك متابعة الهوى.
الفصالُ: أي حين تصيبها الرَّمْضاء، فتحرق أخفافَها لشدة الحرِّ، فإنَّ الضحى إذا ارتفعَ في الصيف يشتدُّ حرُّ الرمْضاء، فتحرق أخفافَ الفصال لمماستها.
وإنَّما أضافَ الصلاة في هذا الوقت إلى الأوَّابين؛ لأن النفس تركنُ فيه إلى الدعة والاستراحة، فصرْفُها إلى الطاعة والاشتغال فيه بالصلاة رجوعٌ من مراد النفس إلى مرضاة الربِّ؛ ذَكَرَه القاضي.
وقال ابن الأثير: المراد صلاة الضحى عند الارتفاع واشتداد الحرِّ، واستدلَّ به على فضْل تأخير الضحى إلى شدة الحرِّ[5].
وقال الإمام الصنعاني: الأوَّاب: الرَّجَّاع إلى الله - تعالى - بترْك الذنوب وفِعْل الخيرات[6].
حُكم صلاة الضحى (الأوَّابين):
صلاة الضحى عبادة مستحبَّة، فمن شاء ثوابَها فليؤدِّها، وإلاَّ فلا تثريب عليه في ترْكها[7].
وقتُها الشرعي:
من بعد خروج وقت النهي بعد الشروق بارتفاع الشمس مقدار رُمْحٍ إلى وقت الزوال؛ أي: ما قبل الظهر.
أمَّا وقتُها الأفضل، فحين تَرْمَضُ الفِصالُ؛ أي: حين اشتداد الحرِّ؛ لِمَا وردَ في الأحاديث المذكورة آنفًا.
يقول الشيخ العثيمين - رحمه الله -: ووقتُ النهي من طلوع الشمس إلى أن ترتفعَ قَيدَ رُمْحٍ؛ أي: بعين الرائي، وإلاَّ فإنَّ هذا الارتفاعَ قيدَ رُمْحٍ بحسب الواقع أكثرُ من مساحة الأرض بمئات المرَّات، لكن نحن نراه بالأُفق قَيدَ رمحٍ؛ أي: نحو متر.
وبالدقائق المعروفة حوالي اثنتي عشرة دقيقة، ولنجعله خمس عشرة دقيقة؛ لأنه أحوطُ، فإذا مَضَى خمس عشرة دقيقة من طلوع الشمس، فإنه يزول وقتُ النهي، ويدخلُ وقتُ صلاة الضحى.
وقبل زوال الشمس بزمنٍ قليل حوالي عشر دقائق؛ لأن ما قُبيل الزوال وقتُ نهيٍّ يُنهى عن الصلاة فيه، وقائم الظهيرة يكون قُبيل الزوال بنحو عشر دقائق، فإذا كان قُبيل الزوال بعشر دقائق، دَخَلَ وقتُ النهي[8].
عددُ ركعاتها:
وأقلُّها ركعتان، وأدنى الكمال أربع، وأفضلها ثمانٍ، أو ما يزيدُ؛ لِمَا وردَ في صحيح الحديث، ومنه:
- حديث أبي ذر: ((يُصْبِح على كُلِّ سُلاَمَى، ويُجْزِئُ من ذلك ركعتان يركعهما منَ الضحَى)).
- وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى أربعًا، ويزيد ما شاء الله"[9].
- وعن أُمِّ هانئ قالتْ: أنه لَمَّا كان عام الفتح، أتتْ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بأعلى مكةَ، قامَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غُسْله، فسترتْ عليه فاطمة، ثم أخَذَ ثوبَه فالْتَحَفَ به، ثم صلَّى ثماني ركعات سُبْحة الضحى[10].
ويسلِّمُ مِن كلِّ ركعتين؛ لِمَا وردَ في بعض طُرق حديث أمِّ هانئ: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح صلى سُبحة الضحى ثماني ركعات يسلِّمُ من كلِّ ركعتين[11].
فضلُ صلاة الضحى:
ولصلاة الضحى فضلٌ عظيم وثواب كبير، ومما ورَدَ في ذلك:
- عن أبي هريرةَ قال: "أوصاني خليلي بثلاثٍ لا أَدَعهُنَّ حتى أموتَ: صوم ثلاثة أيامٍ من كلِّ شهرٍ، وصلاة الضحى، ونوْم على الوتْر[12].
فوصيَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصاحبه دليلٌ كافٍ على ما لهذه الأعمال من فضْلٍ كبير.
- وعن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يُصْبِحُ على كلِّ سُلاَمَى منْ أحدِكم صَدَقَةٌ، فكلُّ تسبيحة صدقة، وكلُّ تحميدة صدقةٌ، وكلُّ تهْلِيلَة صدقةٌ، وكلُّ تكبيرة صدقةٌ، وأمْرٌ بالمعروف صدقةٌ، ونَهْي عن المنكر صدقةٌ، ويُجْزِئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى))[13].
فمن فضْل هذه الصلاة أنَّ ركعتين منها تجزئان وتعدلان ثلاثمائة وستين صَدَقة، فأكْرِمْ به مِن فضْلٍ![14].
- وعن نُعَيْم بن هَمَّار قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يقول الله - عز وجل -: يا ابن آدمَ، لاَ تُعْجِزْنِي منْ أرْبع ركعاتٍ في أولِ نهارك، أكْفِكَ آخِرَه))[15].
فمن فضْل هذه الصلاة أنَّ الله - سبحانه وتعالى - يتكفَّل لصاحبها بأنْ يكفيه يومَه الذي يصليها فيه، وجاءت الكفاية عامَّة؛ لتشملَ الحفظَ من الشيطان، وتوفير الرزق الحلال، وردَّ الشرِّ والمكروه، وما إلى ذلك [16].
ما ورد من الأحاديث الضعيفة في "صلاة الأوَّابين":
1- (صلِّ الصبحَ والضحى؛ فإنها صلاة الأوَّابين)[17].
2- (صلاة الأبرار، - وفي غيره صلاة الأوَّابين - ركعتان إذا دخلتَ بيتك، وركعتان إذا خرجتَ"[18].
3- (مَن صلى ما بين المغرب والعشاء، فإنها صلاة الأوَّابين)[19].
الركعات الست بعد فرْض المغرب، وهل هي صلاة الأوَّابين؟
ذكرَ بعضُ العلماء أنَّ "صلاة الأوَّابين" هي الركعات الست بين المغرب والعشاء.
فقال الإمام المناوي عند شرح حديث: (مَن صلى ما بين المغرب والعشاء، فإن ذلك صلاة الأوَّابين)، ثم تَلا قولَه - تعالى -: ﴿ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 25].
وفي "الكشَّاف" عن علي بن الحسين أنه كان يصلي بينهما ويقول: أمَا سمعتم قولَه - تعالى -: ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا ﴾[المزمل: 6].
ولم يبيِّنْ عِدة صلاة الأوَّابين؛ تنبيهًا على الإكثار من الصلاة بينهما زيادة على سُنَّة المغرب والعشاء؛ قال بعضُ موالي الروم: والظاهر أن خبرَ مَن في الحديث محذوف، تقديره مَن صلَّى ما بين المغرب والعشاء، يكون في زُمرة الأوَّابين المقبولين عند الله؛ لمشاركتهم إيَّاهم في تلك الصلاة"؛ أ.هـ[20].
وقال الإمام الشوكاني: روى محمد بن نصر عن أنس، قال العراقي بإسناد صحيح: إن قولَه - تعالى -: ﴿ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾ [الذاريات: 17] نزلَ فيمن كان يصلي بين العشاء والمغرب، وأخرجَ محمد بن نصر عن سفيان الثوري أنه سُئل عن قوله - تعالى - ﴿ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾ [آل عمران: 113]، فقال: بلغني أنهم كانوا يصلون ما بين العشاء والمغرب، وقد رُوي عن محمد بن المنكدر: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنها صلاة الأوَّابين))، وهو الحديث المذكور آنفًا.
وهذا وإن كان مُرسلاً لا يعارضه ما في الصحيح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الأوَّابين إذا رَمَضَتِ الفصالُ))، فإنه لا مانعَ أن يكونَ كلٌّ من الصلاتين صلاةَ الأوَّابين؛ أ.هـ [21].
الردُّ على ذلك:
ونردُّ على هذا بضَعف الأحاديث التي استندَ إليها مَن ذهبَ إلى أنَّ صلاة الأوَّابين هي الركعات بين فرْضَي المغرب والعشاء كما رأينا سابقًا، بل إنَّ ما وردَ في خصوصيَّة الصلاة بين هذين الوقتين؛ سواء بعددٍ مُعين، أو اسم مُعَيَّن غير كونها سُنَّة أو نَفْلاً، فلا يصحُّ؛ إذ قال الشيخ ناصر الدين الألباني (الضعيفة 467): "واعْلمْ أنَّ كلَّ ما جاء من الأحاديث في الحضِّ على ركعات مُعينة بين المغرب والعشاء لا يصحُّ، وبعضُه أشدُّ ضَعفًا من بعض، وإنما صحَّتِ الصلاة في هذا الوقتِ مِن فِعْله - صلى الله عليه وسلم - دون تعيين عددٍ، وأما مِن قوله - صلى الله عليه وسلم - فكلُّ ما رُوي عنه واهٍ لا يجوز العمل به".
ما نخلصُ إليه من هذا البحث:
1- أن الأحاديث الصحيحة والمتعلقة بـ"صلاة الأوَّابين" صراحة تبيِّنُ أنها صلاة الضحى لا غيرها.
2- أنَّه لم يردْ صراحة في حديث صحيح عددٌ مُعين لركعات صلاة الضحى من جهة وصفها بأنها
"صلاة الأوَّابين".
3- أنَّ عددَ ركعات صلاة الضحى كما صلاَّها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يتراوح بين ركعتين وثمان ركعات؛ كما بوَّب الإمامُ مسلم في "صحيحه" في كتاب صلاة المسافرين وقصرها: "باب استحباب صلاة الضحى، وأن أَقلَّها ركعتان وأكملَها ثمانِ ركعات، وأوسطها أربعُ ركعات، أو سِتٌّ، والحثِّ على المحافظة عليها"، ووافقه الإمامُ النووي.
وإن جازَ أن تزيدَ عن ذلك؛ لحديث عائشة عند مسلم لقولها: "ويزيدُ ما شاء الله".
4- أنَّ الصفة التي كانت عليها صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها مَثْنى مَثْنى، وأنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلِّيها أحيانًا كما وردَ في حديث علي، قال: "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي حين تزيغُ الشمس ركعتين، وقبل نصف النهار أربَعَ ركعاتٍ يجعلُ التسليمَ في آخره.
ولعلَّ هذه الصفة هي المقصودة في صحيح السُّنَّة الفِعْليَّة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذا وقتٌ تَرْمَضُ فيه الفصالُ"؛ كما وضَحَ لنا آنفًا.
5- أنَّ أفضلَ الوقت لصلاة الضحى الموصوفة بأنها "صلاة الأوَّابين" هو كما وردَ في الحديث الصحيح (حين ترمَضُ الفصالُ)، وقد تقدَّم بيانُ المعنى.
6- أنَّ فضلَ صلاة الضحى الموصوفة بأنها "صلاة الأوَّابين" يرجعُ إلى كونها في وقتٍ من النهار يخلدُ فيه الناسُ إلى راحتهم، فيما يقفُ الراغبون إلى ربِّهم أمامَه في خشوعٍ يصلون، ويجدون في صلاتهم هذه راحتَهم وسكونَهم، راجين أن يقبلَهم الله فيمن يقبلهم.
7- أنَّ ذهابَ البعض إلى أنَّ الصلاة بين فرضَي المغرب والعشاء هي "صلاة الأوَّابين" مما لا دليلَ عليه من صحيح السُّنَّة.
والله الموفِّق:
وصلى الله على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وسلم.
[line]-[/line]
[1] مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الأوَّابين حين تَرْمَضُ الفصالُ.
[2] مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الأوَّابين حين تَرْمَضُ الفصالُ.
[3] أخرجه ابن خُزيمة في "صحيحه"، باب فضل صلاة الضحى؛ إذ هي صلاة الأوَّابين (1224)، والطبراني في "الأوسط" بغير ذِكْرٍ، "وهي صلاة الأوَّابين" (3865)، وأورده المنذري في "الترغيب والترهيب"، وقال: قال: وهي صلاة الأوَّابين مما يُحمل على أنَّ العبارة الأخيرة من قول أبي هريرة (1008). قال الألباني: حَسن؛ "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (7628)، ويقول الشيخ الألباني في هامش "الترغيب والترهيب" تعليقًا على الحديث: "الأوَّابين": جمع أوَّاب، وهو كثير الرجوع إلى الله - سبحانه وتعالى - بالتوبة، قلتُ – أي: الألباني -: وفي الحديث ردٌّ على الذين يسمون الركعات الست التي يصلونها بعد فرض المغرب بـ"صلاة الأوَّابين"، فإن هذه التسمية لا أصلَ لها، وصلاتها بالذات غير ثابتة.
([4]) أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس"، وصححه الألباني: "صحيح الجامع" (3827).
[5] "فيض القدير شرح الجامع الصغير"، (5072).
[6] "سبل السلام"، كتاب الصلاة، باب صلاة التطوع، (36).
[7] " فقه السُّنَّة"، ج (1)، ص (249).
[8] "الشرح الممتع"، ج (2) ، ص (85)، ط دار ابن الجوزي.
[9] مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى وأنَّ أقلَّها ركعتان.
[10] مسلم، كتاب الحيض، باب تستُّر المغتسل بثوبٍ ونحوه.
[11] أبو داود، كتاب التطوع، باب صلاة الضحى، وقال الألباني: ضعيف؛ "ضعيف سنن أبي داود" (1290).
[12] البخاري، كتاب التهجُّد، باب صلاة الضحى في الحضر.
[13] مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة الضحى.
[14] "الجامع لأحكام الصلاة"؛ محمود عبداللطيف عويضة.
[15] أبو داود، كتاب التطوع، باب صلاة الضحى، وصححه الألباني.
[16] المرجع السابق.
[17] أخرجه العقيلي في "الضعفاء"، (ص150-151)، وابن عدي (ق 175/ 2)، وأبو عبدالله الصاعدي في "السداسيات"، (3/ 2) ، وزاهر بن طاهر الشحامي في "سداسياته"، (287/ 2) من طريقين، عن سعيد بن زون، عن أنس مرفوعًا، كما ذَكَرَ الألباني وضَعَّفه: "السلسلة الضعيفة"، (3773).
[18] قال السيوطي: ابن المبارك عن عثمان بن أبي سودة مرسلاً؛ "الجامع الصغير"، وضعفه الألباني: "ضعيف الجامع"، (3508).
[19] ابن المبارك في "الزهد والرقائق"، وضعفه الألباني؛ لإرساله؛ "السلسلة الضعيفة"، (4617).
[20] "فيض القدير"، (8804) .
[21] كتاب الصلاة، أبواب صلاة التطوع، باب ما جاء في الصلاة بين العشاءين.