الأخلاق الإسلاميَّة جاءت الشَّريعة الإسلاميَّةٌ بما فيها من نُظمٍ وما شرعته من أحكامٍ غارسةً للقيم والأخلاق الحميدة وحاثَّةً على التَّخلُّق بها، وامتِثالها في تَعاملاتهم فيما بينهم عملاً وتطبيقاً ونهجاً سلوكيَّاً؛ فيكون المجتمع بأفراده المتخلِّقين بالأخلاق الحسنة مُجتمعاً فاضلاً صالحاً، يُجاري غيره في شتى المناحي الحياتيَّة، والجوانب العلميَّة والعمليَّة المختلفة، فجاءت الكثير من النُّصوص الشرعيَّة من القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة داعيةً لأخلاقٍ حسنةٍ ومنفِّرةً ومحذِّرةً من أخلاقٍ سيئة، ببيان أثرها على الفرد والمُجتمع تارَّةً وبيان الجزء المترتِّب عليها تارَّةً أخرى. تالياً بيانٌ لحديثٍ نبوي شريفٍ يُوضّح فيه النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- أصناف ثلاثةٍ من النَّاس ذوي أخلاقياتٍ وسلوكيَّاتٍ مُعيَّنةٍ، والجزاء الذي رتَّبه الله تعالى على أصحاب هذه الأخلاقيّات السَيّئة الثَّلاثة. الثَّلاثة الذين لا يكلِّمهم الله وردت روايةٌ مُتقاربةٌ عن النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- تذكر وتعرِّف بالثَّلاثة الذين لا يكلِّمهم الله تعالى، ومنها ما جاء في صحيح مسلم، في رواية أبي ذرٍ الغفاري -رضي الله عنه- عن النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: (ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهمْ اللهُ يومَ القِيامةِ: المَنَّانُ الذي لا يُعطِي شيئًا إلا مِنَّةً، والمُنفِقُ سِلْعَتَهُ بِالحَلِفِ الفاجرِ، والمُسبِلُ إزارَهُ. وفي روايةٍ: ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهمْ اللهُ ولا يَنظُرُ إليهِمْ ولا يُزَكِّيهِمْ ولهمْ عذابٌ ألِيمٌ).[١] بَيّن العُلماء الذين شرحوا الحديث الشَّريف مفرداته والقصد منها؛ فذَكَر الإمام النَّووي في شرحه لهذا الحديث أنَّ المُراد في الحديث الشَّريف بثلاثة؛ أي ثلاثة أنفسٍ أو أفرادٍ، ومقتضى معنى أنَّ الله تعالى لا يكلِّمهم أي لا يُكلِّمهم كَكلامه مع أهل الخير بإظهار الرّضا عنهم بل يكلِّمهم بكلام أهل السّخط والعذاب، وقيل معنى لا يكلِّمه أي لا يرسل إليهم الملائكة بالتحيَّة والسَّلام عليهم، وقيل إنَّ المُراد الإعراض عنهم، وجمهور المُفسِّرين بيّنوا أنّ المقصود هو أنَّ الله لا يُكلِّمهم كلاماً يسرُّهم وينفعهم، أمّا قوله -عليه الصَّلاة والسَّلام-: (لا ينظر إليهم) الواردة في الرِّوايات الأخرى للحديث، فمعنى عدم نظر الله تعالى لهذه الأصناف الثَّلاثة أي إعراضه عنهم، ونظرة الله تعالى للعباد المراد منها رحمته -سبحانه وتعالى- ولطفه بهم، وأمَّا قول النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-: (لا يزكِّيهم) كما في الروايات الأخرى، فالمراد بها أنَّ الله تعالى لا يطهِّرهم من دنس الذنوب التي اقترفوها، وقيل لا يثني عليهم بالخير أو يَمتدحهم.[٢] الأصناف المذمومة في الحديث ذكر الحديث الشَّريف أصنافاً ثلاثةً من النَّاس ذوي أخلاقيَّاتٍ سيئةٍ، وبيَّن مقت الله تعالى على هذه الأخلاق والصِّفات وما رُتِّب عليها من عدم كلام ونظر وتزكية الله تعالى لأصحابها كما ذُكر سابقاً، وتالياً حديثٌ عن كلِّ صنفٍ من هذه الأصناف وبيانٌ لكلِّ واحدٍ منها على حدة. المنَّان المنَّان من المنِّ، والميم والنُّون أصلان صحيحان، أحدهما يدلُّ على القطع والانقطاع ومنه قول الله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)،[٣] أي أجرٌ غير مُنقطع، والأصل الثاني دالٌّ على اصطِناع الخير، وهو المعنى المُراد في الحديث الشَّريف،[٤] ومنَّ فلان على فلان أي عظَّم إحسانه إليه وفخر به، وتحدَّث عن هذا الإحسان والعطاء وأبدأ فيه وأعاد، وهو من الخصال الذَّميمة، وفيه قالت العرب: (المنَّة تهدم الصَّنيعة).[٥] ذَمَّ الحديث الشَّريف المنَّ وفاعله، والمنُّ هو ذِكر الإنسان لما أنعم به على الآخرين، وهو من الأفعال المستقبحة المذمومة، ولا يُقبل إلّا في حال كان المُنعَم عليه منكراً وكافراً لنعمة الآخرين وجاحداً لإحسانهم، ففي هذه الحالة لا يُذمُّ المنُّ، وقد جاء التَّحذير من المنِّ وبيان عواقبه في القرآن الكريم، ومنه قول الله تعالى في سورة البقرة: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)،[٦] فالمن يُحبط العمل، وينقض الأجر، بل قد يُلغيه بالكلِّيَّة، وهو آفةٌ نفسيَّةٌ إذا لازمت النَّفس أخسرتها محبَّة النَّاس في الدُّنيا، ورضا الله تعالى والأجر والثَّواب منه في الآخرة.[٧] المنفق سلعته بالحلف الفاجر المُراد به التَّاجر أو البائع الذي يُروّج سلعته ويبيعها مُستعملاً الحلف الكاذب ليغري المشتري فيشتريها، أو يحلف كاذباً بأنَّه اشترى السلعة بأعلى من ثمنها الحقيقي ليخدع المشتري فيشتريها بالسعر الأعلى، كأن يحلف البائع أنَّه اشترى السلعة بعشرة وهو في الحقيقة اشتراها بثمانية ليرفع السِّعر على المشتري.[٨] المسبل لإزاره المراد بالإزار الثَّوب وإسباله أي ترخيته وإسداله ليجرَّ طرفه على الأرض؛ خُيلاءً وكبراً واستعلاءً، فالعقوبة لَيست على مجرَّد الإسبال للثَّوب فحسب بل العقوبة للمسبل الذي يُسبل ثوبه خيلاءً وكبراً،[٢] وتقييد النَّهي عن إسبال الثَّوب لغرض الكبر والخيلاء جاء ونُصَّ عليه في حديثٍ نبويّ آخر، فقد روى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنَّ النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: (مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ، لم ينظُرِ اللهُ إليه يومَ القيامة، فقال أبو بكرٍ: إنَّ أحدَ شِقَّيْ ثوبي يَسْتَرْخِي، إلا أن أتعاهَدَ ذلكَ منه؟ فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنكَ لَنْ تَصْنَعَ ذلِكَ خُيَلاءً).[٩]