لاعبو كلوب استُنزفوا ذهنياً في موسم صعب... ليس فقط أمام خصوم أكفاء بل أيضاً أمام ميزانيات يسيل لها اللعاب
لا أفهم، لا بل لا أستوعب، أو قل إني غير قادر على استيعاب ذاك التهليل المبالغ به لفوز مانشستر سيتي على ليفربول برباعية نظيفة، قبل أيام، في الدوري الإنكليزي الممتاز لكرة القدم.
من يتذكر خسارة إسبانيا في أولى مبارياتها ضمن الدور الأول من بطولة كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا أمام سويسرا؟
من يتذكر خسارة هولندا في الدور الأول لـ«يورو 1988» في ألمانيا (الغربية سابقاً) أمام الاتحاد السوفياتي السابق؟
من يتذكر الخسارة الفادحة لألمانيا (الغربية سابقاً) في الدور الأول لمونديال 1954 في بيرن (سويسرا) أمام المجر بنتيجة 3-8؟
«عشّاق التفاصيل» لم ينسوا هذه القصص التي عاشتها أبرز بطولتين على الإطلاق في لغة اللعبة الأكثر شعبية.
هي مجرد أمثلة، وليست «كل شيء». هي عيّنة، ليس إلّا.
في كأس العالم 2010، عادت إسبانيا وتوّجت باللقب على حساب هولندا بالهدف الشهير لأندريس إنييستا.
في «يورو 1988»، استنهضت هولندا قواها بقيادة رود غوليت والهداف «المرّ» ماركو فان باستن وقيادة المدرب الفذّ رينوس ميكلز، وتوّجت باللقب الوحيد في تاريخها بفوزها، على مَن؟ على الاتحاد السوفياتي نفسه الذي كان هزمها في الدور الأول.
وفي مونديال 1954، ألمانيا «تعود إلى الحياة» وتبلغ النهائي لتثأر من المجر التي سحقتها في الدور الأول بـ«الثمانية» وتفوز عليها 3-2 بعد التأخر بهدفين نظيفين وتنتزع لقبها العالمي الأول من أصل 4.
حيثيات نستعرضها كأمثلة للدلالة على أنّ «العبرة في الخواتيم».
وإذا كان التعويض في بطولة مجمّعة لا يتعدّى عمرها الـ15 يوماً (يورو 88) أو الـ18 يوماً (مونديال 54) أو حتى الشهر (مونديال 2010)، فما القول في بطولة دوري محلي تستمر 9 أشهر وتستنزف اللاعبين تماماً مع العلم أنها ليست الوحيدة التي تُخاض في تلك الفترة، بل يضاف إليها استحقاق بطولات الكأس وأحياناً التحديات القارية.
لا يمكن المقارنة بين مسابقة مجمّعة تقام، عادةً، في بلد واحد ككأس العالم، على سبيل المثال، وبطولة دوري تستمر فترة أشهر مديدة وتشهد تقلبات وإصابات وتبدّل معطيات وربما استراحة شتوية، وفوق كل ذلك فترة انتقالات شتوية قد تقلب موازين القوى، لكن الحديث هنا يرتكز إلى مقاربة منطقية.
من سيتذكر «القليل» (خسارة في الدور الأول)، إن حصل، في النهاية، على الكثير، لا بل على كل شيء؟
ليفربول «دمّر» إنكلترا، في الموسم الراهن. لاعبوه، بقيادة المدرب الألماني «المجنون»، يورغن كلوب، لم يدخلوا تحدّياً مع أحد، بل تحدّوا ذواتهم.
يقيم البعض مقارنة بين موسم ليفربول الراهن والموسم «الذهبي» لأرسنال في 2003-2004 عندما توّج بلقب الدوري الممتاز من دون أي خسارة، بواقع 26 فوزاً و12 تعادلاً في 38 مباراة.
لكن هل كان الوضع العام، في تلك الحقبة، على ما هو عليه اليوم؟ هل أن صعوبة تحقيق اللقب، في مطلع الألفية، يعادل صعوبة تحقيقه اليوم؟ سؤال آخر: لمَ اعتُبر تتويج ليستر سيتي في 2016 بلقب الـ«بريمير ليغ» بمثابة «المعجزة»؟
ليفربول في الموسم الراهن، ومسيرته فيه، هما أشبه بالدروس «الغريبة» على واقع كرة القدم الحالية.
وما خروج الفريق من دور الـ16 لدوري أبطال أوروبا على يد أتلتيكو مدريد الإسباني وتوديع كأس الرابطة مبكراً (نتيجة المشاركة بالصف الثاني) وكأس الاتحاد الإنكليزي سوى أمثلة على مدى التضحية في سبيل تحقيق حلم طال انتظاره منذ 1990.
نعلم بأن مانشستر يونايتد توّج بالثلاثية التاريخية (الدوري والكأس ودوري الأبطال) في 1999، ولم ننسَ استحواذ «سيتي» على الرباعية (الدرع، الدوري، الكأس وكأس الرابطة) في الموسم الماضي، بيد أن أيّاً منها، ومن غيرهما، دخل معترك الـ«بريمير ليغ» في ظل ضغوطات وجوب التتويج، كليفربول «العريق».
كان مشجعو «الحمر»، بمعظمهم، يفضلون اللقب المحلي على القاري. ليس من اليوم، بل من سنوات. إلى هذا الحد اشتاقوا إلى «المجد المنسي 30 سنة».
لن نغوص في السياسة التعاقدية التي تبنّاها كلوب أو نهجه الفنيّ والتحفيزي منذ وصوله إلى «أنفيلد» في 2015، كي لا يجري اتهامنا بمحاباة ليفربول الذي لا يكنّ له كاتب هذه السطور أيّ عاطفة من أي نوع كان.
في المقابل، يجدر بنا التسليم بأن لاعبي الفريق، بمعظمهم، لم يكونوا قد ولدوا في 1990 عندما توج النادي بلقبه المحلي الأخير، غير أن تقاليد ليفربول ترسخ في معظم من يرتدي قميصه، إلى حدّ تشعر معه وكأن المصري محمد صلاح عانى ما عاناه الجمهور طيلة 30 سنة من الانتظار، إلى أن جاء الفرج.
لاعبو كلوب استُنزفوا ذهنياً في موسم صعب، ليس فقط أمام خصوم أكفاء، بل أيضاً أمام ميزانيات يسيل لها اللعاب. تُوِّجوا في الموسم الذي سبق، باللقب الأوروبي الأسمى، فكبُرت الطموحات وخصوصاً «الواجبات».
المهم أنّ المهمة اكتملت، وعاد «سيّد المجد» إلى النقطة الأعلى من منصة تتويج عزّت عليه، وباستحقاق منقطع النظير.
اللافت أنّ ثمة من يصرّ على القول: «مانشستر سيتي سحق ليفربول برباعية نظيفة. وهذا الأهم. سقط البطل... يا لفداحة السقوط».
ونحن نقول: «حصل، نعم... لكن بعد فوات الأوان وضمان اللقب... وبعدما طارت الطيور بأرزاقها».
فلنتواضع قليلاً... أمام «الدرس - الإنجاز» الفريد لليفربول.