الاستغناء بالشريعة عما سواها
الحمد لله عالم الغيب والشهادة، المطلع على السر والعلانية، أحمده سبحانه وأشكره على جزيل نعمه المتوالية، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العالم بمصالح خلقه حالاً ومآلا.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أخشى الخلق لربه وأكثرهم له إجلالاً، وأحسنهم فعالاً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا، ما دمتم في دار العمل والإمهال فاعملوا ما يرضى الله تعالى عنه، واجتنبوا كل طريق كان فيه اعوجاج؛ قال الله تعالى آمراً نبيه صـلى الله عليه وسلم- وأمره لنبيه أمر لأمته-: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾[1].
عباد الله إن الله تعالى أغنانا بالحنيفية السمحة عبادات ومعاملات فيما بيننا وبين خالقنا، أو فيما بيننا وبين الناس عن كل قانون وضعي؛ غربياً كان أم شرقياً إنسياً كان أم جنياً، والذي هو من زخرف القول لا يؤمن به إلا من خف ميزانه عند ربه، وضعف إيمانه بآخرته ورغب عن إسلامه.
قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ﴾[2]. لقد أغنانا الله تعالى بالإسلام بما يسره لنا على لسان نبيه صـلى الله عليه وسلم، وسهله لأمته عن الدخول في طرق المكر والكذب والخيانة والغش والخداع؛ ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾[3]، ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾[4]، فأغنانا بالحق عن الباطل وماذا بعد الحق إلا الضلال والكفر والفسوق ﴿ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾[5].
فهل نحن بما أغنانا الله تعالى مستغنون، وبما شرعه لنا عاملون، وبذلك يصدق علينا أننا مسلمون.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [6].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] سورة الجاثية، الآية [18-19].
[2] سورة الأنعام، الآية [112-113].
[3] سورة البقرة ، الآية [ 185].
[4] سورة الحج، الآية [78].
[5] سورة يونس، الآية [32].
[6] سورة الجاثية، الآية [18-19].