د. بدر عبد الحميد هميسه
المسلم الحق هو الذي لا يلتمس إلا رضا خالقه ومولاه ,ولا يهتم بمراقبة الناس بل بمراقبة مولاه , فإرضاء الناس غاية لا يدركها إنسان , فينبغي أن يكون عملك خالصاً لله تعالى وحده .
وإن من أعظم آفات الناس اليوم أنهم أصبحوا يراقبون بعضهم بعضاً , فلا يعمل المرء عملاً إلا بعد أن يرى إذا كان هذا العمل يعجب الناس أم لا , وانظر إلى ما يحدث مثلاً في أفراحنا ومعازينا من مظاهر كاذبة قد سيطر عليها إرضاء الناس وليس إرضاء الله تعالى , روى ابن أبي حاتم من حديث معمر عن عبد الكريم الجزري عن طاوس قال قال رجل: \"يا رسول الله، إني أقف أريد وجه الله، وأحب أن يرى موطني\"، فلم يرد عليه شيئًا حتى نزلت هذه الآية: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف، من الآية: 110] مرسل، أخرجه الحاكم في المستدرك موصولًا، انظر: السيوطي, لباب النقول في أسباب النزول 146.
ولقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : \" وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ\" الأحزاب 37 , وقال للمؤمنين :\" أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) التوبة 13 ,وقال : \" يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)التوبة62 .
وروى البخاري ومسلم، واللفظ له عن أبي موسى الأشعري, رضي الله عنه: أن رجلًا أعرابيًّا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله, الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: \"من قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في سبيل الله\", وفي رواية: \"من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله\". البخاري ومسلم, كتاب الجهاد؛ ومسلم, كتاب الإمارة, باب 42.
وروى النسائي عن أبي أمامة الباهلي, قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذكر, ما له؟ فقال صلى الله عليه وسلم: \"لا شيء له\"، ثم قال: \"إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا، وابتُغي به وجهه\". النسائي, كتاب الجهاد, باب من غزا يلتمس الأجر والذكر.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: \"قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه\" انظر مسلم, كتاب الزهد, باب 5.
وإن أول من يحاسب ويجازى على عمله يوم القيامة هؤلاء المراءون الذين لم يقصدوا بأعمالهم سوى رضا الخلق , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: \" إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ . قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِىءٌ . فَقَدْ قِيلَ . ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ . قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ . وَقَرَأْتَ الْقَرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ . فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ في النَّارِ . وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَع ْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ . فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِىَ في النَّار. أخرجه أحمد 2/321(8260) و\"مسلم\" 6/47 و\"النَّسائي\" 6/23 , وفي \"الكبرى\" 4330 و11495 .
وجاء في سنن الترمذي بسند صحيح، أن معاوية -رضي الله عنه- كتب إلى عائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- أن اكتبي إلي كتاباً توصيني فيه، ولا تكثري عليّ، فكتبت عائشة -رضي الله تعالى عنها- إلى معاوية: سلام عليك، أما بعد: فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: \"من التمس رضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس والسلام عليك\". سنن الترمذي (2414)، وابن حبان (276).
قال الشافعي رضي الله عنه : رضا الناس غاية لا تدرك ، فعليك بالأمر الذي يصلحك فالزمه ، ودع ما سواه فلا تعانه . فإرضاء الخلق لا مقدور ولا مأمور ، وإرضاء الخالق مقدور ومأمور .مختصر صفة الصفوة 85.
كان الإمام أحمد كثيراً ما ينشد قول الشاعر:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقـل * * * خلــوت ولكن قل عي رقيب
ولا تحسبن الله يغفـــل ساعة* * * ولا أن مـا يخفـى علـيه يغيب
وقال الغزالي في الإحياء : \" ومهما عرف العبد مضرة الرياء وما يفوته من صلاح قلبه وما يحرم عنه في الحال من التوفيق وفي الآخرة من المنزلة عند الله وما يتعرض له من العقاب العظيم والمقت الشديد والخزي الظاهر حيث ينادى على رؤوس الخلائق يا فاجر يا غادر يا مرائي أما استحييت إذا اشتريت بطاعة الله عرض الدنيا وراقبت قلوب العباد واستهزأت بطاعة الله وتحببت إلى العباد بالتبغض إلى الله وتزينت لهم بالشين عند الله وتقربت إليهم بالبعد من الله وتحمدت إليهم بالتذمم عند الله وطلبت رضاهم بالتعرض لسخط الله أما كان أحد أهون عليك من الله فمهما تفكر العبد في هذا الخزي وقابل ما يحصل له من العباد والتزين لهم في الدنيا بما يفوته في الآخرة وبما يحبط من ثواب الأعمال مع أن العمل الواحد ربما كان يترجح به ميزان حسناته لو خلص فإذا فسد بالرياء حول إلى كفة السيئات فترجح به ويهوي إلى النار فلو لم يكن في الرياء إلا إحباط عبادة واحدة لكان ذلك كافيا في معرفة ضرره وإن كان مع ذلك سائر حسناته راجحة فقد كان ينال بهذه الحسنة علو الرتبة عند الله في زمرة النبيين والصديقين وقد حط عنهم بسبب الرياء رد إلى صف النعال من مراتب ا لأولياء هذا مع ما يتعرض له في الدنيا من تشتت الهم بسبب ملاحظة قلوب الخلق فإن رضا الناس غاية لا تدرك فكل ما يرضي به فريق يسخط به فريق ورضا بعضهم في سخط بعضهم ومن طلب رضاهم في سخط الله سخط الله عليه وأسخطهم أيضا عليه ثم أي غرض له في مدحهم وإيثار ذم الله لأجل حمدهم ولا يزيده حمدهم رزقا ولا أجلا ولا ينفعه يوم فقره وفاقته وهو يوم القيامة وأما الطمع فيما في أيديهم فبأن يعلم أن الله تعالى هو المسخر للقلوب بالمنع والإعطاء وأن الخلق مضطرون فيه ولا رازق إلا الله ومن طمع في الخلق لم يخل من الذل والخيبة وإن وصل إلى المراد لم يخل عن المنة والمهانة فكيف يترك ما عند الله برجاء كاذب ووهم فاسد قد يصيب وقد يخطئ. إحياء علوم الدين 3/311.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :ومما يجب أن يعلم: أنه لا يسوغ في العقل ولا الدين طلب رضا المخلوقين لوجهين :
أحدهما: أن هذا غير ممكن، كما قال الشافعي رضي الله عنه: الناس غاية لا تدرك، فعليك بالأمر الذي يصلحك فالزمه، ودع ما سواه ولا تعانه.
والثاني: أنا مأمورون بأن نتحرى رضا الله ورسوله، كما قال تعالى:(وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ) [التوبة: 62]، وعلينا أن نخاف الله فلا نخاف أحدًا إلا الله، كما قال تعالى: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]، وقال: {فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 44]، وقال: {فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل: 51]، {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [البقرة: 41]. فعلينا أن نخاف الله، ونتقيه في الناس، فلا نظلمهم بقلوبنا، ولا جوارحنا، ونؤدي إليهم حقوقهم بقلوبنا وجوارحنا، ولا نخافهم في الله فنترك ما أمر الله به ورسوله خيفة منهم. مجموع فتاوى شيخ الإسلام(المجلد الثالث-صفحة233).
نظر أبو محمد سهل إلى رجل من الفقراء فقال له : اعمل كذا وكذا فقال : يا أستاذ لا أقدر على هذا لأجل الناس ، فالتفت إلى أصحابه فقال : لا ينال العبد حقيقة من هذا الأمر حتى يكون بأحد وصفين : عبد يسقط الناس عن عينه فلا يرى في الدار إلاّ هو وخالقه ، وأنّ أحد لا يقدر أنْ يضره ولا ينفعه ، أو عبد أسقط الناس عن قلبه فلا يبالي بأي حال يرونه .
فلا تراقبْ تصرُّفات الناس فإنَّهم لا يملكون ضرّاً ولا نفعاً ، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ، ولا ثواباً ولا عقاباً .
قال بشار بن برد:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطّيّبات الفاتك اللّهج
أخذه سلم الخاسر وكان تلميذه فقال:
من راقب الناس مات غمّا ... وفاز باللّذة الجسور
قال العقاد:
صغيرٌ يطلبُ الكبرا * * * وشيخٌ ود لو صغرا
وخال ٍ يشتهى عملاً * * * وذو عملٍ به ضجرا
ورب المال في تعبٍ * * * وفى تعبٍ من افتقرا
ويشقى المرء منهزمًا * * * و لا يرتاح منتصرا
ولا يرضى بلا عَقِبِ * * * فإن يعقب فلا وزرا
ويبغى المجدَ فى لهفٍ* * * فإن يظفر به فترا
ويخمد إن سلا ، فإذا * * * توله قلبه زفرا
فهل حاروا مع الأقدار * * * أو هم حيروا القدرا
شكاةٌ مالها حكم* * * سوى الخصمين إن حضرا
وحدثونا عن إمام الأئمة الحسن بن يسار البصري رحمه اللّه أنَّ رجلاً قال له : يا أبا سعيد إنّ قوماً يحضرون مجلسك ليس بغيتهم الفائدة منك ، ولا الأخذ عنك ، إنما همهم تتبع سقط كلامك وتعنتك في السؤال ليعيبوك بذلك ، فتبسم الحسن ثم قال : هوّن عليك يا ابن أخي فإني حدثت نفسي بسكنى الحنان ، فطمعت وحدثت نفسي بمعانقة الحور الحسان ، فطمعت وحدثت نفسي بمجاورة الرحمن ، فطمعت وما حدثت نفسي قط بالسلامة من الناس ، لأني قد علمت أنّ خالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم لم يسلم منهم ، فكيف أحدث نفسي بالسلامة منهم ، وبمعناه ما روي عن موسى( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : يا ربّ احبس عني ألسنة الناس ، فقال اللّّه تبارك وتعالى : يا موسى هذا شيء لم أفعله لنفسي ، فكيف أفعله بك ، وفي لفظ آخر : لو خصصت بهذا أحداً لخصصت به نفسي ، وقد كان أبو الدرداء رضي اللّه عنه يقول : ما من يوم أصبح فيه حيًّا وأمسي ولا يرميني فيه الناس بداهية إلاّ عددته نعمة من اللّه تعالى عليّ وأنشد :
وإن امرًءا يمسي ويصبح سالماً . . . من الناس إلاّ ما جنا لسعيد
قال أحدهم :
ضحكت فقالوا : ألا تحتشم * * * بكيت فقالوا: ألا تبتسم
بسمت فقالوا : يرائي بها * * * عبست فقالوا: بدا ما كتم
صمت فقالوا: كليل اللسان * * * نطقت فقالوا : كثير الكلم
حلمت فقالوا: صنيع الجبان * * * ولو كان مقتدراً لانتقم
بسلت فقالوا: لطيش به * * * وما كان مجترئاً لو حكم
يقولون: شذ إذ قلت لا * * * وإمعة حين وافقتهم
فأيقنت أني مهما أرد * * * رضي الناس لابد أن أذم
قال ابن القيم رحمه الله : \" إذا استغنى الناس بالدنيا استغن أنت بالله, وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله, وإذا أنسوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله, وإذا تعرفوا إلى ملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزة والرفعة فتعرف أنت إلى الله, وتودد إليه تنل بذلك غاية العز والرفعة. قال بعض الزهاد: ما علمت أن أحدا سمع بالجنة والنار تأتي عليه ساعة لا يطيع الله فيها بذكر أو صلاة أو قراءة أو إحسان. فقال له رجل: إني أكثر البكاء. فقال: إنك إن تضحك وأنت مقر بخطيئتك خير من أن تبكي وأنت مدل بعملك, فإن المدل لا يصعد عمله فوق رأسه. فقال: أوصني. فقال: دع الدنيا لأهلها كما تركوا همّ الآخرة لأهلها, وكن في الدنيا كالنحلة, إن أكلت أكلت طيبا, وإن أطعمت أطعمت طيبا, وإن سقطت على شيء لم تكسره ولم تخدشه.الفوائد لابن قيم الجوزية ص : 118.
وتذكرت قصه جحا الذي أراد أن يثبت لابنه أن كلام الناس غـاية لا تدرك .. وهي عندما ركب الأب الحمار وجره ابنه الصغير مر على قرية قالوا الله ما أقسى هذا الأب يركب الحمار ويترك ابنه يمشي
ثم نزل من على الحمار واركب ابنه ثم مر على قرية فقالوا انظروا إلى هذا الولد العاق يركب ويترك أباه يمشي ثم نزل الابن وأصبحوا يمشون والحمار خلفهم فمروا على قرية أخرى فقالوا الناس لهم
ما هؤلاء الأغبياء يمشون ويتركون الدابة خلفهم ثم ركبوا الاثنين عليها ومروا بقرية أخرى فقال الناس لهم انظروا إلى هؤلاء الجبابرة يحملون الدواب فوق طاقتها .
ومن القصص الظريفة التي قرأتها في بعض المنتديات , أن رجلاً انتقل مع زوجته إلى منزل جديد وفي صبيحة اليوم الأول وبينما يتناولان وجبة الإفطار قالت الزوجة مشيرة من خلف زجاج النافذة المطلة على الحديقة المشتركة بينهما وبين جيرانهما : انظر يا عزيزي . إن غسيل جارتنا ليس نظيفا .. لابد أنها تشتري مسحوقا رخيصا .... ودأبت الزوجة على إلقاء نفس التعليق في كل مرة ترى جارتها تنشر الغسيل وبعد شهر اندهشت الزوجة عندما رأت الغسيل نظيفا على حبال جارتها .. وقالت لزوجها : انظر .. لقد تعلمت أخيرا كيف تغسل .. فأجاب الزوج : عزيزتي لقد نهضت مبكرا هذا الصباح ونظفت زجاج النافذة التي تنظرين منها .. !!! أصلح عيوبك قبل أن تصلح عيوب الآخرين.
ومما ابتليتْ به الأمة في هذا العصر أقلام كثير من الكتاب والصحفيين الذين يكيلون المدح والذم جزافا حسب ما تمليه مذاهبهم وأهواؤهم وأطماعهم ومن أحسن ما قيل في جنس الصحفيين ما قاله محمد بن سالم البيحاني إذ يقول :
وأرى الصحفــيين في أقلامهم * * * وحي السماء وفتنة الشيطان
فهم الجنات على الفضيلة دائما * * * وهم الحمـاة لحرمة الأديان
فلربما رفعوا الوضـيع سفـاهة * * * ولربمـا وضعوا رفيع الشان
فجيوبهم فيها قلوبهم إذا ملئت * * * فهم من شيعة السلطان
وإذا خلت من فضله ونواله * * * ثاروا عليه بخائن وجبان
قال بعض السلف:منذ عرفت الناس لم أفرح بمدحهم,ولم أحزن على ذمهم,فحامدهم مفرِّط,وذامهم مفرِّط.وقال آخر:لن يكون العبد من المتقين حتى يستوي عنده المادح والذام.
قال أحدهم : والله إني لأستحي أن ينظر الله في قلبي وفيه أحد سواه.
وقيل : من راقب الناس مات كمدا.
فالذي ينبغي على العبد المسلم وطالب العلم من باب أولى أن لا يستسلم,بل يحاول معالجة نيته,وإن كانت المعالجة شديدة في أول الأمر..يقول سفيان الثوري:ما عالجت شيئاً أشد علي من نيتي.
فجاهد نفسك وحسّن نيتك,وحرّر الإخلاص,وجرّد التوحيد,واصدُق الله يصدُقُك,واحفظ الله يحفظك,والله معك,ولن يَتِرَكَ عملك.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق , وألسنتنا من الكذب , وأعيننا من الخيانة,وأعمالنا من الرياء, و جنبنا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن , وارزقنا الإخلاص في القول والعمل
المسلم الحق هو الذي لا يلتمس إلا رضا خالقه ومولاه ,ولا يهتم بمراقبة الناس بل بمراقبة مولاه , فإرضاء الناس غاية لا يدركها إنسان , فينبغي أن يكون عملك خالصاً لله تعالى وحده .
وإن من أعظم آفات الناس اليوم أنهم أصبحوا يراقبون بعضهم بعضاً , فلا يعمل المرء عملاً إلا بعد أن يرى إذا كان هذا العمل يعجب الناس أم لا , وانظر إلى ما يحدث مثلاً في أفراحنا ومعازينا من مظاهر كاذبة قد سيطر عليها إرضاء الناس وليس إرضاء الله تعالى , روى ابن أبي حاتم من حديث معمر عن عبد الكريم الجزري عن طاوس قال قال رجل: \"يا رسول الله، إني أقف أريد وجه الله، وأحب أن يرى موطني\"، فلم يرد عليه شيئًا حتى نزلت هذه الآية: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف، من الآية: 110] مرسل، أخرجه الحاكم في المستدرك موصولًا، انظر: السيوطي, لباب النقول في أسباب النزول 146.
ولقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : \" وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ\" الأحزاب 37 , وقال للمؤمنين :\" أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) التوبة 13 ,وقال : \" يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)التوبة62 .
وروى البخاري ومسلم، واللفظ له عن أبي موسى الأشعري, رضي الله عنه: أن رجلًا أعرابيًّا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله, الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: \"من قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في سبيل الله\", وفي رواية: \"من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله\". البخاري ومسلم, كتاب الجهاد؛ ومسلم, كتاب الإمارة, باب 42.
وروى النسائي عن أبي أمامة الباهلي, قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذكر, ما له؟ فقال صلى الله عليه وسلم: \"لا شيء له\"، ثم قال: \"إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا، وابتُغي به وجهه\". النسائي, كتاب الجهاد, باب من غزا يلتمس الأجر والذكر.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: \"قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه\" انظر مسلم, كتاب الزهد, باب 5.
وإن أول من يحاسب ويجازى على عمله يوم القيامة هؤلاء المراءون الذين لم يقصدوا بأعمالهم سوى رضا الخلق , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: \" إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ . قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِىءٌ . فَقَدْ قِيلَ . ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ . قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ . وَقَرَأْتَ الْقَرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ . فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ في النَّارِ . وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَع ْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ . فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِىَ في النَّار. أخرجه أحمد 2/321(8260) و\"مسلم\" 6/47 و\"النَّسائي\" 6/23 , وفي \"الكبرى\" 4330 و11495 .
وجاء في سنن الترمذي بسند صحيح، أن معاوية -رضي الله عنه- كتب إلى عائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- أن اكتبي إلي كتاباً توصيني فيه، ولا تكثري عليّ، فكتبت عائشة -رضي الله تعالى عنها- إلى معاوية: سلام عليك، أما بعد: فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: \"من التمس رضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس والسلام عليك\". سنن الترمذي (2414)، وابن حبان (276).
قال الشافعي رضي الله عنه : رضا الناس غاية لا تدرك ، فعليك بالأمر الذي يصلحك فالزمه ، ودع ما سواه فلا تعانه . فإرضاء الخلق لا مقدور ولا مأمور ، وإرضاء الخالق مقدور ومأمور .مختصر صفة الصفوة 85.
كان الإمام أحمد كثيراً ما ينشد قول الشاعر:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقـل * * * خلــوت ولكن قل عي رقيب
ولا تحسبن الله يغفـــل ساعة* * * ولا أن مـا يخفـى علـيه يغيب
وقال الغزالي في الإحياء : \" ومهما عرف العبد مضرة الرياء وما يفوته من صلاح قلبه وما يحرم عنه في الحال من التوفيق وفي الآخرة من المنزلة عند الله وما يتعرض له من العقاب العظيم والمقت الشديد والخزي الظاهر حيث ينادى على رؤوس الخلائق يا فاجر يا غادر يا مرائي أما استحييت إذا اشتريت بطاعة الله عرض الدنيا وراقبت قلوب العباد واستهزأت بطاعة الله وتحببت إلى العباد بالتبغض إلى الله وتزينت لهم بالشين عند الله وتقربت إليهم بالبعد من الله وتحمدت إليهم بالتذمم عند الله وطلبت رضاهم بالتعرض لسخط الله أما كان أحد أهون عليك من الله فمهما تفكر العبد في هذا الخزي وقابل ما يحصل له من العباد والتزين لهم في الدنيا بما يفوته في الآخرة وبما يحبط من ثواب الأعمال مع أن العمل الواحد ربما كان يترجح به ميزان حسناته لو خلص فإذا فسد بالرياء حول إلى كفة السيئات فترجح به ويهوي إلى النار فلو لم يكن في الرياء إلا إحباط عبادة واحدة لكان ذلك كافيا في معرفة ضرره وإن كان مع ذلك سائر حسناته راجحة فقد كان ينال بهذه الحسنة علو الرتبة عند الله في زمرة النبيين والصديقين وقد حط عنهم بسبب الرياء رد إلى صف النعال من مراتب ا لأولياء هذا مع ما يتعرض له في الدنيا من تشتت الهم بسبب ملاحظة قلوب الخلق فإن رضا الناس غاية لا تدرك فكل ما يرضي به فريق يسخط به فريق ورضا بعضهم في سخط بعضهم ومن طلب رضاهم في سخط الله سخط الله عليه وأسخطهم أيضا عليه ثم أي غرض له في مدحهم وإيثار ذم الله لأجل حمدهم ولا يزيده حمدهم رزقا ولا أجلا ولا ينفعه يوم فقره وفاقته وهو يوم القيامة وأما الطمع فيما في أيديهم فبأن يعلم أن الله تعالى هو المسخر للقلوب بالمنع والإعطاء وأن الخلق مضطرون فيه ولا رازق إلا الله ومن طمع في الخلق لم يخل من الذل والخيبة وإن وصل إلى المراد لم يخل عن المنة والمهانة فكيف يترك ما عند الله برجاء كاذب ووهم فاسد قد يصيب وقد يخطئ. إحياء علوم الدين 3/311.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :ومما يجب أن يعلم: أنه لا يسوغ في العقل ولا الدين طلب رضا المخلوقين لوجهين :
أحدهما: أن هذا غير ممكن، كما قال الشافعي رضي الله عنه: الناس غاية لا تدرك، فعليك بالأمر الذي يصلحك فالزمه، ودع ما سواه ولا تعانه.
والثاني: أنا مأمورون بأن نتحرى رضا الله ورسوله، كما قال تعالى:(وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ) [التوبة: 62]، وعلينا أن نخاف الله فلا نخاف أحدًا إلا الله، كما قال تعالى: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]، وقال: {فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 44]، وقال: {فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل: 51]، {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [البقرة: 41]. فعلينا أن نخاف الله، ونتقيه في الناس، فلا نظلمهم بقلوبنا، ولا جوارحنا، ونؤدي إليهم حقوقهم بقلوبنا وجوارحنا، ولا نخافهم في الله فنترك ما أمر الله به ورسوله خيفة منهم. مجموع فتاوى شيخ الإسلام(المجلد الثالث-صفحة233).
نظر أبو محمد سهل إلى رجل من الفقراء فقال له : اعمل كذا وكذا فقال : يا أستاذ لا أقدر على هذا لأجل الناس ، فالتفت إلى أصحابه فقال : لا ينال العبد حقيقة من هذا الأمر حتى يكون بأحد وصفين : عبد يسقط الناس عن عينه فلا يرى في الدار إلاّ هو وخالقه ، وأنّ أحد لا يقدر أنْ يضره ولا ينفعه ، أو عبد أسقط الناس عن قلبه فلا يبالي بأي حال يرونه .
فلا تراقبْ تصرُّفات الناس فإنَّهم لا يملكون ضرّاً ولا نفعاً ، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ، ولا ثواباً ولا عقاباً .
قال بشار بن برد:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطّيّبات الفاتك اللّهج
أخذه سلم الخاسر وكان تلميذه فقال:
من راقب الناس مات غمّا ... وفاز باللّذة الجسور
قال العقاد:
صغيرٌ يطلبُ الكبرا * * * وشيخٌ ود لو صغرا
وخال ٍ يشتهى عملاً * * * وذو عملٍ به ضجرا
ورب المال في تعبٍ * * * وفى تعبٍ من افتقرا
ويشقى المرء منهزمًا * * * و لا يرتاح منتصرا
ولا يرضى بلا عَقِبِ * * * فإن يعقب فلا وزرا
ويبغى المجدَ فى لهفٍ* * * فإن يظفر به فترا
ويخمد إن سلا ، فإذا * * * توله قلبه زفرا
فهل حاروا مع الأقدار * * * أو هم حيروا القدرا
شكاةٌ مالها حكم* * * سوى الخصمين إن حضرا
وحدثونا عن إمام الأئمة الحسن بن يسار البصري رحمه اللّه أنَّ رجلاً قال له : يا أبا سعيد إنّ قوماً يحضرون مجلسك ليس بغيتهم الفائدة منك ، ولا الأخذ عنك ، إنما همهم تتبع سقط كلامك وتعنتك في السؤال ليعيبوك بذلك ، فتبسم الحسن ثم قال : هوّن عليك يا ابن أخي فإني حدثت نفسي بسكنى الحنان ، فطمعت وحدثت نفسي بمعانقة الحور الحسان ، فطمعت وحدثت نفسي بمجاورة الرحمن ، فطمعت وما حدثت نفسي قط بالسلامة من الناس ، لأني قد علمت أنّ خالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم لم يسلم منهم ، فكيف أحدث نفسي بالسلامة منهم ، وبمعناه ما روي عن موسى( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : يا ربّ احبس عني ألسنة الناس ، فقال اللّّه تبارك وتعالى : يا موسى هذا شيء لم أفعله لنفسي ، فكيف أفعله بك ، وفي لفظ آخر : لو خصصت بهذا أحداً لخصصت به نفسي ، وقد كان أبو الدرداء رضي اللّه عنه يقول : ما من يوم أصبح فيه حيًّا وأمسي ولا يرميني فيه الناس بداهية إلاّ عددته نعمة من اللّه تعالى عليّ وأنشد :
وإن امرًءا يمسي ويصبح سالماً . . . من الناس إلاّ ما جنا لسعيد
قال أحدهم :
ضحكت فقالوا : ألا تحتشم * * * بكيت فقالوا: ألا تبتسم
بسمت فقالوا : يرائي بها * * * عبست فقالوا: بدا ما كتم
صمت فقالوا: كليل اللسان * * * نطقت فقالوا : كثير الكلم
حلمت فقالوا: صنيع الجبان * * * ولو كان مقتدراً لانتقم
بسلت فقالوا: لطيش به * * * وما كان مجترئاً لو حكم
يقولون: شذ إذ قلت لا * * * وإمعة حين وافقتهم
فأيقنت أني مهما أرد * * * رضي الناس لابد أن أذم
قال ابن القيم رحمه الله : \" إذا استغنى الناس بالدنيا استغن أنت بالله, وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله, وإذا أنسوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله, وإذا تعرفوا إلى ملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزة والرفعة فتعرف أنت إلى الله, وتودد إليه تنل بذلك غاية العز والرفعة. قال بعض الزهاد: ما علمت أن أحدا سمع بالجنة والنار تأتي عليه ساعة لا يطيع الله فيها بذكر أو صلاة أو قراءة أو إحسان. فقال له رجل: إني أكثر البكاء. فقال: إنك إن تضحك وأنت مقر بخطيئتك خير من أن تبكي وأنت مدل بعملك, فإن المدل لا يصعد عمله فوق رأسه. فقال: أوصني. فقال: دع الدنيا لأهلها كما تركوا همّ الآخرة لأهلها, وكن في الدنيا كالنحلة, إن أكلت أكلت طيبا, وإن أطعمت أطعمت طيبا, وإن سقطت على شيء لم تكسره ولم تخدشه.الفوائد لابن قيم الجوزية ص : 118.
وتذكرت قصه جحا الذي أراد أن يثبت لابنه أن كلام الناس غـاية لا تدرك .. وهي عندما ركب الأب الحمار وجره ابنه الصغير مر على قرية قالوا الله ما أقسى هذا الأب يركب الحمار ويترك ابنه يمشي
ثم نزل من على الحمار واركب ابنه ثم مر على قرية فقالوا انظروا إلى هذا الولد العاق يركب ويترك أباه يمشي ثم نزل الابن وأصبحوا يمشون والحمار خلفهم فمروا على قرية أخرى فقالوا الناس لهم
ما هؤلاء الأغبياء يمشون ويتركون الدابة خلفهم ثم ركبوا الاثنين عليها ومروا بقرية أخرى فقال الناس لهم انظروا إلى هؤلاء الجبابرة يحملون الدواب فوق طاقتها .
ومن القصص الظريفة التي قرأتها في بعض المنتديات , أن رجلاً انتقل مع زوجته إلى منزل جديد وفي صبيحة اليوم الأول وبينما يتناولان وجبة الإفطار قالت الزوجة مشيرة من خلف زجاج النافذة المطلة على الحديقة المشتركة بينهما وبين جيرانهما : انظر يا عزيزي . إن غسيل جارتنا ليس نظيفا .. لابد أنها تشتري مسحوقا رخيصا .... ودأبت الزوجة على إلقاء نفس التعليق في كل مرة ترى جارتها تنشر الغسيل وبعد شهر اندهشت الزوجة عندما رأت الغسيل نظيفا على حبال جارتها .. وقالت لزوجها : انظر .. لقد تعلمت أخيرا كيف تغسل .. فأجاب الزوج : عزيزتي لقد نهضت مبكرا هذا الصباح ونظفت زجاج النافذة التي تنظرين منها .. !!! أصلح عيوبك قبل أن تصلح عيوب الآخرين.
ومما ابتليتْ به الأمة في هذا العصر أقلام كثير من الكتاب والصحفيين الذين يكيلون المدح والذم جزافا حسب ما تمليه مذاهبهم وأهواؤهم وأطماعهم ومن أحسن ما قيل في جنس الصحفيين ما قاله محمد بن سالم البيحاني إذ يقول :
وأرى الصحفــيين في أقلامهم * * * وحي السماء وفتنة الشيطان
فهم الجنات على الفضيلة دائما * * * وهم الحمـاة لحرمة الأديان
فلربما رفعوا الوضـيع سفـاهة * * * ولربمـا وضعوا رفيع الشان
فجيوبهم فيها قلوبهم إذا ملئت * * * فهم من شيعة السلطان
وإذا خلت من فضله ونواله * * * ثاروا عليه بخائن وجبان
قال بعض السلف:منذ عرفت الناس لم أفرح بمدحهم,ولم أحزن على ذمهم,فحامدهم مفرِّط,وذامهم مفرِّط.وقال آخر:لن يكون العبد من المتقين حتى يستوي عنده المادح والذام.
قال أحدهم : والله إني لأستحي أن ينظر الله في قلبي وفيه أحد سواه.
وقيل : من راقب الناس مات كمدا.
فالذي ينبغي على العبد المسلم وطالب العلم من باب أولى أن لا يستسلم,بل يحاول معالجة نيته,وإن كانت المعالجة شديدة في أول الأمر..يقول سفيان الثوري:ما عالجت شيئاً أشد علي من نيتي.
فجاهد نفسك وحسّن نيتك,وحرّر الإخلاص,وجرّد التوحيد,واصدُق الله يصدُقُك,واحفظ الله يحفظك,والله معك,ولن يَتِرَكَ عملك.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق , وألسنتنا من الكذب , وأعيننا من الخيانة,وأعمالنا من الرياء, و جنبنا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن , وارزقنا الإخلاص في القول والعمل