إن شاء الله هذا الموضوع متجدد فأرجوا أن يعجبكم يا أعضاء الإبداع.
نبدأ على بركة الله :)
....
أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207)
قال عمرو بن ميمون بن مهران: خرجت بأبي اقوده في بعض سكك البصرة، فمررت بجدول، فلم يستطع الشيخ يتخطاه، فاضطجعت له فمر على ظهري، ثم قمت فأخذت بيده، فدفعنا إلى منزل الحسن، فطرقت الباب، فخرجت جارية سداسية، فقالت: من هذا ؟
فقلت: هذا ميمون بن مهران اراد لقاء الحسن.
فقالت: كاتب عمر بن عبد العزيز ؟
قلت لها: نعم.
قالت: يا شقي ما أبقاك إلى هذا الزمان السوء ؟
قال: فبكى الشيخ
فسمع الحسن بكاءه فخرج إليه، فاعتنقا ثم دخلا
فقال ميمون: يا أبا سعيد إني قد آنست من قلبي غلظة، فاستلن لي منه فقرأ الحسن: بسم الله الرحمان الرحيم
(أفرأيت إن متعناهم سنين.ثم جاءهم ما كانوا يوعدون.ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون)
قال: فسقط الشيخ، فرأيته يفحص برجله ما تفحص الشاة المذبوحة، فأقام طويلا، ثم أفاق فجاءت الجارية، فقالت: قد أتعبتم الشيخ قوموا تفرقوا، فأخذت بيد أبي فخرجت به
ثم قلت له: يا أبتاه هذا الحسن قد كنت أحسب انه اكثر من هذا.
قال: فوكز في صدري، ثم قال: يا بني لقد قرأ علينا آية لو تفهمتها بقلبك لألفيت لها فيه كلوماً.
====
وفد عاصم بن أبي بكر بن عبد العزيز بن مروان على سليمان بن عبد الملك ومعه عمر بن عبد العزيز فنزلت على عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز وهو أعزب وكنت معه في بيته فلما صلينا العشاء وأوى كل رجل منا إلى فراشه أوى عبد الملك إلى فراشه فلما ظن أن قد نمنا قام إلى المصباح فأطفأه وأنا أنظر إليه ثم جعل يصلي حتى ذهب بي النوم قال فاستيقظت فإذا هو يقرأ في هذه الآية
" أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون " ثم بكى ثم رجع إليها ثم بكى ثم لم يزل يفعل ذلك حتى قلت سيقتله البكاء فلما رأيت ذلك قلت سبحان الله والحمد لله كالمستيقظ من النوم لأقطع ذلك عنه
فلما سمعني ألبد فلم أسمع له حسا
===
حدثني محمد بن الحسين ، حدثنا عبيد الله بن موسى قال : سمعت الحسن بن صالح ، يقول :
« لقد دخل التراب من هذا المصر قوم قطعوا عنهم الدنيا بالصبر على طاعة الله ، وبين لهم هذا القرآن غير الدنيا قال : أفرأيت إن متعناهم سنين ، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ، ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون » ثم بكى الحسن
ثم قال : « إذا جاء الموت وسكراته لم يغن عن الفتى ما كان فيه من النعيم واللذة ثم مال مغشيا عليه »
==
قال ابن رجب:
ما مضى من العمر وإن طالت أوقاته فقد ذهب لذاته وبقيت تبعاته وكأنه لم يكن إذا جاء الموت وميقاته قال الله عز وجل:
{أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ,ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ ، مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}
تلا بعض السلف هذه الآية وبكى وقال: إذا جاء الموت لم يغن عن المرء ما كان فيه من اللذة والنعيم وفي هذا المعنى ما أنشده أبو العتاهية للرشيد حين بنى قصره واستدعى إليه ندماءه.
عش ما بدا لك سالما ... في ظل شاهقة القصور
يسعى عليك بما اشتهيت ... لدى الرواح وفي البكور
فإذا النفوس تقعقعت ... في ضيق حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنا ... ما كنت إلا في غرور
قال ابن القيم:
وإن من أيام اللذات لو صفت للعبد من أول عمره إلى آخره لكانت كسحابة صيف تنقشع عن قليل وخيال طيف ما استتم الزيارة حتى آذن بالرحيل قال الله تعالى:
أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون
ومن ظفر بمأموله من ثواب الله فكأنه لم يوتر من دهره بما كان يحاذره ويخشاه
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتمثل بهذا البيت من الشعر
كأنك لم توتر من الدهر مرة ... إذا أنت أدركت الذي أنت طالبه
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُم وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيْكُمْ بِهِ
قال ابن الجوزي/ صيد الخاطر:
قرأت هذه الآية: " قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُم وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيْكُمْ بِهِ " فلاحت لي فيها إشارة كدت أطيش منها.
وذلك أنه إن كان عني بالآية نفس السمع والبصر فإن السمع آلة لإدراك المسموعات، والبصر آلة لإدراك المبصرات، فهما يعرضان ذلك على القلب، فيتدبر، ويعتبر.
فإذا عرضت المخلوقات على السمع والبصر، أوصلا إلى القلب أخبارها من أنها تدل على الخالق، وتحمل على طاعة الصانع، وتحذر من بطشه عند مخالفته.
وإن عني معنى السمع والبصر، فذلك يكون بذهولهما عن حقائق ما أدركا، شغلا بالهوى، فيعاقب الإنسان بسلب معاني تلك الآلات، فيرى وكأنه ما رأى ويسمع وكأنه ما سمع، والقلب ذاهل عن ما يتأدب به، فيبقى الإنسان خاطئاً على نفسه لا يدري ما يراد به، لا يؤثر عنده أنه يبلى، ولا تنفعه موعظة تجلى، ولا يدري أين هو، ولا ما المراد منه، ولا إلى أين يحمل، وإنما يلاحظ بالطبع مصالح عاجلته ولا يتفكر في خسران آجلته، لا يعتبر برفيقه، ولا يتعظ بصديقه، ولا يتزود لطريقه كما قال الشاعر:
الناس في غفلة والموت يوقظهم ... وما يفيقون حتى ينفد العمر
يشيعون أهاليهم بجمعهم ... وينظرون إلى ما فيه قد قبروا
ويرجعون إلى أحلام غفلتهم ... كأنهم ما رأوا شيئاً ولا نظروا
وهذه حالة أكثر الناس، فنعوذ بالله من سلب فوائد الآلات، فإنها أقبح الحالات.
الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ
فقلت: هذا ميمون بن مهران اراد لقاء الحسن.
فقالت: كاتب عمر بن عبد العزيز ؟
قلت لها: نعم.
قالت: يا شقي ما أبقاك إلى هذا الزمان السوء ؟
قال: فبكى الشيخ
فسمع الحسن بكاءه فخرج إليه، فاعتنقا ثم دخلا
فقال ميمون: يا أبا سعيد إني قد آنست من قلبي غلظة، فاستلن لي منه فقرأ الحسن: بسم الله الرحمان الرحيم
(أفرأيت إن متعناهم سنين.ثم جاءهم ما كانوا يوعدون.ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون)
قال: فسقط الشيخ، فرأيته يفحص برجله ما تفحص الشاة المذبوحة، فأقام طويلا، ثم أفاق فجاءت الجارية، فقالت: قد أتعبتم الشيخ قوموا تفرقوا، فأخذت بيد أبي فخرجت به
ثم قلت له: يا أبتاه هذا الحسن قد كنت أحسب انه اكثر من هذا.
قال: فوكز في صدري، ثم قال: يا بني لقد قرأ علينا آية لو تفهمتها بقلبك لألفيت لها فيه كلوماً.
====
وفد عاصم بن أبي بكر بن عبد العزيز بن مروان على سليمان بن عبد الملك ومعه عمر بن عبد العزيز فنزلت على عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز وهو أعزب وكنت معه في بيته فلما صلينا العشاء وأوى كل رجل منا إلى فراشه أوى عبد الملك إلى فراشه فلما ظن أن قد نمنا قام إلى المصباح فأطفأه وأنا أنظر إليه ثم جعل يصلي حتى ذهب بي النوم قال فاستيقظت فإذا هو يقرأ في هذه الآية
" أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون " ثم بكى ثم رجع إليها ثم بكى ثم لم يزل يفعل ذلك حتى قلت سيقتله البكاء فلما رأيت ذلك قلت سبحان الله والحمد لله كالمستيقظ من النوم لأقطع ذلك عنه
فلما سمعني ألبد فلم أسمع له حسا
===
حدثني محمد بن الحسين ، حدثنا عبيد الله بن موسى قال : سمعت الحسن بن صالح ، يقول :
« لقد دخل التراب من هذا المصر قوم قطعوا عنهم الدنيا بالصبر على طاعة الله ، وبين لهم هذا القرآن غير الدنيا قال : أفرأيت إن متعناهم سنين ، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ، ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون » ثم بكى الحسن
ثم قال : « إذا جاء الموت وسكراته لم يغن عن الفتى ما كان فيه من النعيم واللذة ثم مال مغشيا عليه »
==
قال ابن رجب:
ما مضى من العمر وإن طالت أوقاته فقد ذهب لذاته وبقيت تبعاته وكأنه لم يكن إذا جاء الموت وميقاته قال الله عز وجل:
{أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ,ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ ، مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}
تلا بعض السلف هذه الآية وبكى وقال: إذا جاء الموت لم يغن عن المرء ما كان فيه من اللذة والنعيم وفي هذا المعنى ما أنشده أبو العتاهية للرشيد حين بنى قصره واستدعى إليه ندماءه.
عش ما بدا لك سالما ... في ظل شاهقة القصور
يسعى عليك بما اشتهيت ... لدى الرواح وفي البكور
فإذا النفوس تقعقعت ... في ضيق حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنا ... ما كنت إلا في غرور
قال ابن القيم:
وإن من أيام اللذات لو صفت للعبد من أول عمره إلى آخره لكانت كسحابة صيف تنقشع عن قليل وخيال طيف ما استتم الزيارة حتى آذن بالرحيل قال الله تعالى:
أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون
ومن ظفر بمأموله من ثواب الله فكأنه لم يوتر من دهره بما كان يحاذره ويخشاه
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتمثل بهذا البيت من الشعر
كأنك لم توتر من الدهر مرة ... إذا أنت أدركت الذي أنت طالبه
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُم وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيْكُمْ بِهِ
قال ابن الجوزي/ صيد الخاطر:
قرأت هذه الآية: " قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُم وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيْكُمْ بِهِ " فلاحت لي فيها إشارة كدت أطيش منها.
وذلك أنه إن كان عني بالآية نفس السمع والبصر فإن السمع آلة لإدراك المسموعات، والبصر آلة لإدراك المبصرات، فهما يعرضان ذلك على القلب، فيتدبر، ويعتبر.
فإذا عرضت المخلوقات على السمع والبصر، أوصلا إلى القلب أخبارها من أنها تدل على الخالق، وتحمل على طاعة الصانع، وتحذر من بطشه عند مخالفته.
وإن عني معنى السمع والبصر، فذلك يكون بذهولهما عن حقائق ما أدركا، شغلا بالهوى، فيعاقب الإنسان بسلب معاني تلك الآلات، فيرى وكأنه ما رأى ويسمع وكأنه ما سمع، والقلب ذاهل عن ما يتأدب به، فيبقى الإنسان خاطئاً على نفسه لا يدري ما يراد به، لا يؤثر عنده أنه يبلى، ولا تنفعه موعظة تجلى، ولا يدري أين هو، ولا ما المراد منه، ولا إلى أين يحمل، وإنما يلاحظ بالطبع مصالح عاجلته ولا يتفكر في خسران آجلته، لا يعتبر برفيقه، ولا يتعظ بصديقه، ولا يتزود لطريقه كما قال الشاعر:
الناس في غفلة والموت يوقظهم ... وما يفيقون حتى ينفد العمر
يشيعون أهاليهم بجمعهم ... وينظرون إلى ما فيه قد قبروا
ويرجعون إلى أحلام غفلتهم ... كأنهم ما رأوا شيئاً ولا نظروا
وهذه حالة أكثر الناس، فنعوذ بالله من سلب فوائد الآلات، فإنها أقبح الحالات.
الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ
قال ابن القيم/ الفوائدك
الناس إذا أرسل الله إليهم الرسل بين أمرين :
إما أن يقول أحدهم آمنا
وإما أن لا يقول آمنا بل يستمر على عمل السيئات
فمن قال آمنا امتحنه الرب عز و جل وابتلاه وألبسه الابتلاء والاختبار ليبين الصادق من الكاذب
ومن لم يقل آمنا فلا يحسب أنه يسبق الرب لتجربته فإن أحدا لن يعجز الله تعالى
هذه سنته تعالى يرسل الرسل إلى الخلق فيكذبهم الناس ويؤذنهم
قال تعالى :
وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن
وقال تعالى كذلك:
ما أتي الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون
وقال تعالى :
ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك
ومن آمن بالرسل وأطاعهم عادوه وآذوه فابتلى بما يؤلمه ,
وإن لم يؤمن بهم عوقب فحصل ما يؤلمه أعظم وأدوم
فلا بد من حصول الألم لكل نفس سواء آمنت أم كفرت
لكن المؤمن يحصل له الألم في مدة من الدنيا ابتداء ثم تكون له العاقبة والآخرة
والكافر تحصل له النعمة ابتداء ثم يصير في الألم
سأل رجل الشافعي فقال :يا أبا عبد الله أيما أفضل للرجل أن يمكن ؟أو يبتلي ؟
فقال الشافعي :لا يمُكن حتى يبتلي فإن الله ابتلي نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فلما صبروا مكنهم
فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة
وهذا اصل عظيم فينبغي للعاقل أن يعرفه وهذا يحصل لكل أحد
فإن الإنسان مدني بالطبع لا بد له من أن يعيش مع الناس والناس لهم إرادات وتصورات يطلبون منه أن يوافقهم عليها وإن لم يوافقوهم آذوه وعذبوه وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب تارة منهم وتاره من غيرهم
ومن اختبر أحواله وأحوال الناس وجد من هذا شيئا كثيرا
و المقصود هنا أنه لا بد من الابتلاء بما يؤذي الناس فلا خلاص لأحد مما يؤذيه البتة ولهذا ذكر الله تعالى في غير موضع انه لا بد أن يبتلي الناس والابتلاء يكون بالسراء والضراء ولا بد أن يبتلى الإنسان بما يسره وبما يسوؤه فهو محتاج إلى أن يكون صابرا شكورا
ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد
قال الذهبي/ السير:
قَالَ يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ،: دَخَلْنَا عَلَى ابْنِ سُوْقَةَ، فَقَالَ:
يَا ابْنَ أَخِي، أُحَدِّثُكُم بِحَدِيْثٍ، لَعَلَّهُ يَنْفَعُكُم، فَقَدْ نَفَعَنِي، قَالَ لَنَا عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ:
إِنَّ مَنْ قَبْلَكُم كَانُوا يَعُدُّوْنَ فُضُوْلَ الكَلاَمِ مَا عَدَا كِتَابِ اللهِ، أَوْ أَمْرٍ بِمَعْرُوْفٍ، أَوْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ، أَوْ أَنْ تَنْطِقَ فِي مَعِيْشَتِكَ الَّتِي لاَ بُدَّ لَكَ مِنْهَا، أَتُنْكِرُوْنَ أَنَّ عَلَيْكُم حَافِظِيْنَ، كِرَاماً كَاتِبِيْنَ، عَنِ اليَمِيْنِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيْدٌ، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيْبٌ عَتِيْدٌ؟
أَمَا يَسْتَحْي أَحَدُكُم لَوْ نُشِرَتْ صَحِيْفَتُهُ الَّتِي أَمْلَى صَدْرَ نَهَارِهِ، وَلَيْسَ فِيْهَا شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ آخِرَتِهِ؟
===
قَالَ مَرَّةً رَجُلٌ: مَا أَشَدَّ البَرْدَ اليَوْمَ، فَالتَفَتَ إِلَيْهِ المُعَافَى، وَقَالَ:
أَسْتَدْفَأْتَ الآنَ؟ لَوْ سَكَتَّ، لَكَانَ خَيْراً لَكَ.
قُلْتُ( الذهبي): قَوْلُ مِثْلِ هَذَا جَائِزٌ، لَكِنَّهُم كَانُوا يَكْرَهُوْنَ فُضُولَ الكَلاَمِ، وَاخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي الكَلاَمِ المُبَاحِ، هَلْ يَكْتُبُهُ المَلَكَانِ، أَمْ لاَ يَكْتُبَانِ إِلاَّ المُسْتَحَبَّ الَّذِي فِيْهِ أَجْرٌ، وَالمَذْمُوْمَ الَّذِي فِيْهِ تَبِعَةٌ؟
وَالصَّحِيْحُ كِتَابَةُ الجَمِيْعِ، لِعُمُوْمِ النَّصِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيْبٌ عَتِيْدٌ} [ق: 18]، ثُمَّ لَيْسَ إِلَى المَلَكَيْنِ اطِّلاَعٌ عَلَى النِّيَّاتِ وَالإِخْلاَصِ، بَلْ يَكْتُبَانِ النُّطْقَ، وَأَمَّا السَّرَائِرُ البَاعِثَةُ لِلنُّطْقِ، فَاللهُ يَتَوَلاَّهَا.
==
قال مالك بن أنس في قول الله عز وجل { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد }
يكتب عليه حتى الأنين فى مرضه
==
قال ابن الجوزي
قال سفيان الثوري يوما لأصحابه أخبروني لو كان معكم من يرفع الحديث إلى السلطان أكنتم تتكلمون بشيء ؟
قالوا: لا
قال :فإن معكم من يرفع الحديث إلى الله عز وجل قوله تعالى:
( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )
أي ما يتكلم من كلام فيلفظه أي يرميه من فيه إلا لديه رقيب عتيد أي حافظ وهو الملك الموكل به
والعتيد الحاضر معه أينما كان
يا كثير الكلام حسابك شديد
يا عظيم الإجرام عذابك جديد
يا مؤثرا ما يضره ما رأيك سديد
يا ناطقا بما لا يجدي ولا يفيد
( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )
كلامك مكتوب وقولك محسوب وأنت يا هذا مطلوب ولك ذنوب وما تتوب وشمس الحياة قد أخذت في الغروب فما أقسى قلبك من بين القلوب وقد أتاه ما يصدع الحديد
( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )
أتظن أنك متروك مهمل أم تحسب أنه ينسى ما تعمل أو تعتقد أن الكاتب يغفل
هذا صائح النصائح قد أقبل يا قاتلا نفسه بكفه لا تفعل يا من أجله ينقص وأمله يزيد
( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )
أنا من خوف الوعيد=== في قيام وقعود
كيف لا أزداد خوفا===وعلى النار ورودي
كيف جحدي ما تجرمت===وأعضائي شهودي
كيف إنكاري ذنوبي===أم ترى كيف جحودي
وعلي القول يحصى===برقيب وعتيد
====
قال ابن القيم
والكلام أسيرك فإذا خرج من فيك صرت أسيره
و الله عند لسان كل قائل
و ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد
و فى اللسان آفتان عظيمتان إن خلص العبد من احدهما لم يخلص من الآخرة
آفة الكلام و آفة السكوت
و قد يكون كل منهما أعظم إثما من الاخرى في وقتها
فالساكت عن الحق شيطان أخرس عاص لله مراء مداهن إذا لم يخف على نفسه
والمتكلم بالباطل شيطان ناطق عاص لله
وأكثر الخلق منحرف فى كلامه وسكوته فهم بين هذين النوعين
و أهل الوسط و هم أهل الصراط المستقيم كفوا ألسنتهم عن الباطل واطلقوها فيما يعود عليهم نفعه فى الآخرة
فلا يرى أحدهم أنه يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة بلا منفعة فضلا أن تضره فى آخرته
و إن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها
و يأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله عز و جل وما اتصل به
إن شجرة الزقوم طعام الأثيم
ابن رجب الحنبلي / التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار
قال المؤمن الصايغ : دعوت رباحا القيسي ذات ليلة إلى منزلي فجاءني في السحر فقربت إليه طعاما فأصاب منه شيئا فقلت : ازدد فما أراك شبعت
قال : فصاح صيحة أفزعتني فقال : كيف أشبع أيام الدنيا و شجرة الزقوم بين يدي طعام الأثيم
قال : فرفعت الطعام من بين يديه و قلت : أنت في شيء و نحن في شيء
===
و دخل عبيد الله بن الوليد التيمي على حبابة التميمية فقدمت إليه سمنا و خبزا و عسلا فقال : يا حبابة أما تخافين أن يكون بعد هذا الضريع قال : فما زال يبكي و تبكي حتى قام و لم يأكل شيئا
و بإسناده عن سوار بن عبد الله القريعي قال : كنا مع عمر بن درهم في بعض السواحل قال : و كان لا يأكل إلا من السحر إلى السحر فجئنا بطعام فلما رفع الطعام إلى فيه سمع بعض المتجهدين يقرأ هذه الآية :
{ إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم * كالمهل يغلي في البطون * كغلي الحميم }
فغشي عليه و سقطت اللقمة من يده فلم يفق إلا بعد طلوع الفجر فمكث بذلك سبعا لا يطعم شيئا كلما قرب إليه طعام عرضت له الآية فيقوم و لا يطعم شيئا فاجتمع إليه أصحابه فقالوا سبحان الله ! تقتل نفسك ؟ ! فلم يزالوا به حتى أصاب شيئا
لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ
تفسير ابن كثير
روى وَكِيع في تفسيره عن شريك، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ } قال: البر الجنة
وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، سمع أنس بن مالك يقول: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا وكانَ أحبَّ أمواله إليه بيْرَحاءُ -وكانت مُسْتقْبلة المسجد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب-قال أنس: فلما نزلت: { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ }
قال أبو طلحة: يا رسول الله، إن الله يقول: { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } وإن أحبَّ أموالي إلَيَّ بيْرَحاءُ وإنها صدقة لله أرجو بِرَّها وذُخْرَها عند الله تعالى، فَضَعْها يا رسول الله حيث أراك الله تعالى
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بَخٍ، ذَاكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَاكَ مَالٌ رَابِح، وَقَدْ سَمِعْتُ، وَأَنَا أرَى أنْ تجْعَلَهَا فِي الأقْرَبِينَ".
فقال أبو طلحة: أفْعَلُ يا رسول الله. فَقَسَمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه. أخرجاه
وفي الصحيحين أن عُمَر رضي الله عنه قال: يا رسول الله، لم أُصِبْ مالا قطُّ هو أنْفَسُ عندي من سهمي الذي هو بِخَيْبَرَ، فما تأمرني به؟
قال حَبِّس الأصْل وسَبِّل الثَّمَرَةَ".
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى الحَساني، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا محمد بن عمْرو، عن أبي عمرو بن حَماس عن حمزة بن عبد الله بن عُمر، قال: قال عبد الله: حضرتني هذه الآية: { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } فذكرتُ ما أعطاني الله، فلم أجد شيئًا أحبَّ إليّ من جارية رُوميَّة، فقلتُ، هي حُرَّة لوجه الله. فلو أنِّي أعود في شيء جعلته لله لنكَحْتُها، يعني تَزوَّجتُها
=====
ذم الهوى /ابن الجوزي
كان عبد الله بن عمر اعتق جاريته التي يقال لها رميثة وقال إني سمعت الله قال في كتابه لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإني والله إن كنت لأحبك في الدينا اذهبي فأنت لوجه الله
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا
قال ابن كثير / تفسير القرآن العظيم
قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا يعقوب القُمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جُبير قال: جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محزون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا فلان، ما لي أراك محزونًا؟"
قال: يا نبي الله شيء فكرت فيه؟
قال: "ما هو؟"
قال: نحن نغدو عليك ونروح، ننظر إلى وجهك ونجالسك، وغدا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك.
فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه شيئا، فأتاه جبريل بهذه الآية: { وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَم اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} فبعث النبي صلى الله عليه وسلم فبشره.
قال ابن جرير: حدثنا المثنى، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قوله: { وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ [فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَم اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ] } الآية،
قال: إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: قد علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم له فضل على من آمن به في درجات الجنة ممن اتبعه وصدقه، وكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنة أن يرى بعضهم بعضا؟
فأنزل الله في ذلك -يعني هذه الآية-فقال: يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الأعْلَيْنَ ينحدرون إلى من هو أسفل منهم، فيجتمعون في رياضها، فيذكرون ما أنعم الله عليهم ويثنون عليه، وينزل لهم أهل الدرجات فيسعون عليهم بما يشتهُون وما يدعون به، فهم في روضة يحبرون ويتنعمون
قال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم، حدثنا إسماعيل بن أحمد بن أسيد، حدثنا عبد الله بن عمران، حدثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إنك لأحب إلي من نفسي و أحب إلي من أهلي، و أحب إلي من ولدي، و إني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، و إذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، و إن دخلت الجنة خشيت ألا أراك.
فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت عليه: { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا }
وهكذا رواه الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه: "صفة الجنة"، من طريق الطبراني، عن أحمد بن عمرو بن مسلم الخلال، عن عبد الله بن عمران العابدي، به. ثم قال: لا أرى بإسناده بأسا
و أعظم من هذا كله بشارة ما ثبت في الصحاح والمسانيد وغيرهما، من طرق متواترة عن جماعة من الصحابة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟
فقال: "المرء مع من أحب" قال أنس: فما فرح المسلمون فرحهم بهذا الحديث
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ
الناس إذا أرسل الله إليهم الرسل بين أمرين :
إما أن يقول أحدهم آمنا
وإما أن لا يقول آمنا بل يستمر على عمل السيئات
فمن قال آمنا امتحنه الرب عز و جل وابتلاه وألبسه الابتلاء والاختبار ليبين الصادق من الكاذب
ومن لم يقل آمنا فلا يحسب أنه يسبق الرب لتجربته فإن أحدا لن يعجز الله تعالى
هذه سنته تعالى يرسل الرسل إلى الخلق فيكذبهم الناس ويؤذنهم
قال تعالى :
وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن
وقال تعالى كذلك:
ما أتي الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون
وقال تعالى :
ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك
ومن آمن بالرسل وأطاعهم عادوه وآذوه فابتلى بما يؤلمه ,
وإن لم يؤمن بهم عوقب فحصل ما يؤلمه أعظم وأدوم
فلا بد من حصول الألم لكل نفس سواء آمنت أم كفرت
لكن المؤمن يحصل له الألم في مدة من الدنيا ابتداء ثم تكون له العاقبة والآخرة
والكافر تحصل له النعمة ابتداء ثم يصير في الألم
سأل رجل الشافعي فقال :يا أبا عبد الله أيما أفضل للرجل أن يمكن ؟أو يبتلي ؟
فقال الشافعي :لا يمُكن حتى يبتلي فإن الله ابتلي نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فلما صبروا مكنهم
فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة
وهذا اصل عظيم فينبغي للعاقل أن يعرفه وهذا يحصل لكل أحد
فإن الإنسان مدني بالطبع لا بد له من أن يعيش مع الناس والناس لهم إرادات وتصورات يطلبون منه أن يوافقهم عليها وإن لم يوافقوهم آذوه وعذبوه وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب تارة منهم وتاره من غيرهم
ومن اختبر أحواله وأحوال الناس وجد من هذا شيئا كثيرا
و المقصود هنا أنه لا بد من الابتلاء بما يؤذي الناس فلا خلاص لأحد مما يؤذيه البتة ولهذا ذكر الله تعالى في غير موضع انه لا بد أن يبتلي الناس والابتلاء يكون بالسراء والضراء ولا بد أن يبتلى الإنسان بما يسره وبما يسوؤه فهو محتاج إلى أن يكون صابرا شكورا
ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد
قال الذهبي/ السير:
قَالَ يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ،: دَخَلْنَا عَلَى ابْنِ سُوْقَةَ، فَقَالَ:
يَا ابْنَ أَخِي، أُحَدِّثُكُم بِحَدِيْثٍ، لَعَلَّهُ يَنْفَعُكُم، فَقَدْ نَفَعَنِي، قَالَ لَنَا عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ:
إِنَّ مَنْ قَبْلَكُم كَانُوا يَعُدُّوْنَ فُضُوْلَ الكَلاَمِ مَا عَدَا كِتَابِ اللهِ، أَوْ أَمْرٍ بِمَعْرُوْفٍ، أَوْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ، أَوْ أَنْ تَنْطِقَ فِي مَعِيْشَتِكَ الَّتِي لاَ بُدَّ لَكَ مِنْهَا، أَتُنْكِرُوْنَ أَنَّ عَلَيْكُم حَافِظِيْنَ، كِرَاماً كَاتِبِيْنَ، عَنِ اليَمِيْنِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيْدٌ، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيْبٌ عَتِيْدٌ؟
أَمَا يَسْتَحْي أَحَدُكُم لَوْ نُشِرَتْ صَحِيْفَتُهُ الَّتِي أَمْلَى صَدْرَ نَهَارِهِ، وَلَيْسَ فِيْهَا شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ آخِرَتِهِ؟
===
قَالَ مَرَّةً رَجُلٌ: مَا أَشَدَّ البَرْدَ اليَوْمَ، فَالتَفَتَ إِلَيْهِ المُعَافَى، وَقَالَ:
أَسْتَدْفَأْتَ الآنَ؟ لَوْ سَكَتَّ، لَكَانَ خَيْراً لَكَ.
قُلْتُ( الذهبي): قَوْلُ مِثْلِ هَذَا جَائِزٌ، لَكِنَّهُم كَانُوا يَكْرَهُوْنَ فُضُولَ الكَلاَمِ، وَاخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي الكَلاَمِ المُبَاحِ، هَلْ يَكْتُبُهُ المَلَكَانِ، أَمْ لاَ يَكْتُبَانِ إِلاَّ المُسْتَحَبَّ الَّذِي فِيْهِ أَجْرٌ، وَالمَذْمُوْمَ الَّذِي فِيْهِ تَبِعَةٌ؟
وَالصَّحِيْحُ كِتَابَةُ الجَمِيْعِ، لِعُمُوْمِ النَّصِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيْبٌ عَتِيْدٌ} [ق: 18]، ثُمَّ لَيْسَ إِلَى المَلَكَيْنِ اطِّلاَعٌ عَلَى النِّيَّاتِ وَالإِخْلاَصِ، بَلْ يَكْتُبَانِ النُّطْقَ، وَأَمَّا السَّرَائِرُ البَاعِثَةُ لِلنُّطْقِ، فَاللهُ يَتَوَلاَّهَا.
==
قال مالك بن أنس في قول الله عز وجل { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد }
يكتب عليه حتى الأنين فى مرضه
==
قال ابن الجوزي
قال سفيان الثوري يوما لأصحابه أخبروني لو كان معكم من يرفع الحديث إلى السلطان أكنتم تتكلمون بشيء ؟
قالوا: لا
قال :فإن معكم من يرفع الحديث إلى الله عز وجل قوله تعالى:
( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )
أي ما يتكلم من كلام فيلفظه أي يرميه من فيه إلا لديه رقيب عتيد أي حافظ وهو الملك الموكل به
والعتيد الحاضر معه أينما كان
يا كثير الكلام حسابك شديد
يا عظيم الإجرام عذابك جديد
يا مؤثرا ما يضره ما رأيك سديد
يا ناطقا بما لا يجدي ولا يفيد
( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )
كلامك مكتوب وقولك محسوب وأنت يا هذا مطلوب ولك ذنوب وما تتوب وشمس الحياة قد أخذت في الغروب فما أقسى قلبك من بين القلوب وقد أتاه ما يصدع الحديد
( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )
أتظن أنك متروك مهمل أم تحسب أنه ينسى ما تعمل أو تعتقد أن الكاتب يغفل
هذا صائح النصائح قد أقبل يا قاتلا نفسه بكفه لا تفعل يا من أجله ينقص وأمله يزيد
( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )
أنا من خوف الوعيد=== في قيام وقعود
كيف لا أزداد خوفا===وعلى النار ورودي
كيف جحدي ما تجرمت===وأعضائي شهودي
كيف إنكاري ذنوبي===أم ترى كيف جحودي
وعلي القول يحصى===برقيب وعتيد
====
قال ابن القيم
والكلام أسيرك فإذا خرج من فيك صرت أسيره
و الله عند لسان كل قائل
و ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد
و فى اللسان آفتان عظيمتان إن خلص العبد من احدهما لم يخلص من الآخرة
آفة الكلام و آفة السكوت
و قد يكون كل منهما أعظم إثما من الاخرى في وقتها
فالساكت عن الحق شيطان أخرس عاص لله مراء مداهن إذا لم يخف على نفسه
والمتكلم بالباطل شيطان ناطق عاص لله
وأكثر الخلق منحرف فى كلامه وسكوته فهم بين هذين النوعين
و أهل الوسط و هم أهل الصراط المستقيم كفوا ألسنتهم عن الباطل واطلقوها فيما يعود عليهم نفعه فى الآخرة
فلا يرى أحدهم أنه يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة بلا منفعة فضلا أن تضره فى آخرته
و إن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها
و يأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله عز و جل وما اتصل به
إن شجرة الزقوم طعام الأثيم
ابن رجب الحنبلي / التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار
قال المؤمن الصايغ : دعوت رباحا القيسي ذات ليلة إلى منزلي فجاءني في السحر فقربت إليه طعاما فأصاب منه شيئا فقلت : ازدد فما أراك شبعت
قال : فصاح صيحة أفزعتني فقال : كيف أشبع أيام الدنيا و شجرة الزقوم بين يدي طعام الأثيم
قال : فرفعت الطعام من بين يديه و قلت : أنت في شيء و نحن في شيء
===
و دخل عبيد الله بن الوليد التيمي على حبابة التميمية فقدمت إليه سمنا و خبزا و عسلا فقال : يا حبابة أما تخافين أن يكون بعد هذا الضريع قال : فما زال يبكي و تبكي حتى قام و لم يأكل شيئا
و بإسناده عن سوار بن عبد الله القريعي قال : كنا مع عمر بن درهم في بعض السواحل قال : و كان لا يأكل إلا من السحر إلى السحر فجئنا بطعام فلما رفع الطعام إلى فيه سمع بعض المتجهدين يقرأ هذه الآية :
{ إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم * كالمهل يغلي في البطون * كغلي الحميم }
فغشي عليه و سقطت اللقمة من يده فلم يفق إلا بعد طلوع الفجر فمكث بذلك سبعا لا يطعم شيئا كلما قرب إليه طعام عرضت له الآية فيقوم و لا يطعم شيئا فاجتمع إليه أصحابه فقالوا سبحان الله ! تقتل نفسك ؟ ! فلم يزالوا به حتى أصاب شيئا
لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ
تفسير ابن كثير
روى وَكِيع في تفسيره عن شريك، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ } قال: البر الجنة
وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، سمع أنس بن مالك يقول: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا وكانَ أحبَّ أمواله إليه بيْرَحاءُ -وكانت مُسْتقْبلة المسجد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب-قال أنس: فلما نزلت: { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ }
قال أبو طلحة: يا رسول الله، إن الله يقول: { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } وإن أحبَّ أموالي إلَيَّ بيْرَحاءُ وإنها صدقة لله أرجو بِرَّها وذُخْرَها عند الله تعالى، فَضَعْها يا رسول الله حيث أراك الله تعالى
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بَخٍ، ذَاكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَاكَ مَالٌ رَابِح، وَقَدْ سَمِعْتُ، وَأَنَا أرَى أنْ تجْعَلَهَا فِي الأقْرَبِينَ".
فقال أبو طلحة: أفْعَلُ يا رسول الله. فَقَسَمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه. أخرجاه
وفي الصحيحين أن عُمَر رضي الله عنه قال: يا رسول الله، لم أُصِبْ مالا قطُّ هو أنْفَسُ عندي من سهمي الذي هو بِخَيْبَرَ، فما تأمرني به؟
قال حَبِّس الأصْل وسَبِّل الثَّمَرَةَ".
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى الحَساني، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا محمد بن عمْرو، عن أبي عمرو بن حَماس عن حمزة بن عبد الله بن عُمر، قال: قال عبد الله: حضرتني هذه الآية: { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } فذكرتُ ما أعطاني الله، فلم أجد شيئًا أحبَّ إليّ من جارية رُوميَّة، فقلتُ، هي حُرَّة لوجه الله. فلو أنِّي أعود في شيء جعلته لله لنكَحْتُها، يعني تَزوَّجتُها
=====
ذم الهوى /ابن الجوزي
كان عبد الله بن عمر اعتق جاريته التي يقال لها رميثة وقال إني سمعت الله قال في كتابه لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإني والله إن كنت لأحبك في الدينا اذهبي فأنت لوجه الله
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا
قال ابن كثير / تفسير القرآن العظيم
قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا يعقوب القُمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جُبير قال: جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محزون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا فلان، ما لي أراك محزونًا؟"
قال: يا نبي الله شيء فكرت فيه؟
قال: "ما هو؟"
قال: نحن نغدو عليك ونروح، ننظر إلى وجهك ونجالسك، وغدا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك.
فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه شيئا، فأتاه جبريل بهذه الآية: { وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَم اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} فبعث النبي صلى الله عليه وسلم فبشره.
قال ابن جرير: حدثنا المثنى، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قوله: { وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ [فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَم اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ] } الآية،
قال: إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: قد علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم له فضل على من آمن به في درجات الجنة ممن اتبعه وصدقه، وكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنة أن يرى بعضهم بعضا؟
فأنزل الله في ذلك -يعني هذه الآية-فقال: يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الأعْلَيْنَ ينحدرون إلى من هو أسفل منهم، فيجتمعون في رياضها، فيذكرون ما أنعم الله عليهم ويثنون عليه، وينزل لهم أهل الدرجات فيسعون عليهم بما يشتهُون وما يدعون به، فهم في روضة يحبرون ويتنعمون
قال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم، حدثنا إسماعيل بن أحمد بن أسيد، حدثنا عبد الله بن عمران، حدثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إنك لأحب إلي من نفسي و أحب إلي من أهلي، و أحب إلي من ولدي، و إني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، و إذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، و إن دخلت الجنة خشيت ألا أراك.
فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت عليه: { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا }
وهكذا رواه الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه: "صفة الجنة"، من طريق الطبراني، عن أحمد بن عمرو بن مسلم الخلال، عن عبد الله بن عمران العابدي، به. ثم قال: لا أرى بإسناده بأسا
و أعظم من هذا كله بشارة ما ثبت في الصحاح والمسانيد وغيرهما، من طرق متواترة عن جماعة من الصحابة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟
فقال: "المرء مع من أحب" قال أنس: فما فرح المسلمون فرحهم بهذا الحديث
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ