في كل يوم يتوافد إلى تلك السفينة العامرة أولئك التائهون الغارقون في بحر الظلمات والضلال .. يتوافدون بعد أن لعبت بهم أمواج النظريات الزائفة والفلسفات التي لا تسمن ولا تغني من جوع .. يتوافدون بعد تعب السنين التي قضوها في ترهات الأمور .. يتوافدون ليعلنوا بصوت جلي لا يخفى عن انتماءهم لهذا الدين العظيم .. الإسلام .. ويعلنوا عن أيمانهم بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) نبياً ورسولاً .. يتوافدون إلى تلك السفينة العامرة التي تشق طريقها بقوة في البحر ، تضيء الظلمات وتنقد الغارقين وتبعث عزماً وتصميماً للمترددين ، بل وتشع القاً تضيء العالمين .. إنها سفينة الإسلام .. من ركبها نجا ومن حاد عنها وقال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء هلك ..
وهؤلاء البشر الناجون من الغرق والتيه والضلال ليسوا ـ كما يعتقد البعض ـ هم من بسطاء الناس وجهلائهم حتى يُتهموا بعدم الإدراك والفهم لحقائق الأمور أو لأنهم ينشدون الخلاص في السراب ، بل ان هناك من الناجين من هو من مستويات ثقافية عالية من مفكرين ومؤرخين وفلاسفة وأطباء ومهندسين وغيرهم من أصحاب الفكر والاختصاص الذين ذاعت شهرتهم العالم وأطبقت وكانوا ممن دخلوا التاريخ من أبوابه الواسعة الرحبة ، فضلاً عن القاعدة الشعبية العريضة التي تهتدي كل يوم إلى هذا الدين .. هؤلاء عندما راجعوا أنفسهم ونظروا إلى دياناتهم ونظرياتهم وفلسفاتهم اكتشفوا أن ما كانوا يدينون له ليس أهلاً لان يدان له ، ومن ثم وجدوا السفينة العامرة ـ الإسلام ـ هذه السفينة التي لا تبخل لأحد بل تمد يد العون والمساعدة دائماً لينتشل الغارقين من بحر الأهواء الذي يغرقهم كل يوم في أعماقه آلاف المرات ، وجدوا أن هذه السفينة اكبر من كل ما افترضوه ورسموه وخطّوه ، وبكل تواضع راحوا يسجلون أسماءهم ـ الواحد تلو الآخر ـ في قائمة العائدين إلى الله تعالى ..
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا هو :
لماذا كل هذا الإقبال على الإسلام ؟؟
ولماذا لا يجد التائهون سبيلاً غير منارته ؟؟
بل لماذا يتركون الديانة والثقافة والفكر مع ما يتعرضون له من النقد أو الاستهزاء اوالتشرد والقسوة ؟؟
والحق يقال ، إن الكلمات وحدها لا تستطيع أن تجيب عن هذه التساؤلات ، لان الكلمات مهما تعالت وتعاظمت وتحاشدت لا تكفي في تعبير ذلك الشعور الروحي الذي يتدفق في الإنسان ، في كل كيانه في اللحظة التي ينطق بها لسانه بـ ( اشهد أن لا اله إلا الله وان محمد رسول الله ) ..
وهذا الشعور هو السعادة والراحة والطمأنينة ..
نعم .. إن الإسلام وحده هو مصدر السعادة والطمأنينة وما سواه ضياع وتيه وحزن وكآبة ، ولهذا فان كل أصحاب الديانات الأخرى والنظريات الزائفة والأفكار الخاطئة والمعتقدات المغلوطة ، كل هؤلاء كانوا يعيشون حياة التمزق والضياع قبل أن يرسوا في شاطئ الإسلام الرحبة الواسعة .. لأنهم بحثوا ونقبوا فلم يجدوا غير الإسلام من يؤمن لهم سعادتهم الدنيوية والأخروية ، ولهذا اقبلوا إليه .. ففي الإسلام كل القوانين والتشريعات التي تنتشل الإنسان من مستنقع الماديات ، حيث التخبط في الوحل ، إلى مقامات عالية يشعر فيه الإنسان بقربه من الله تعالى ..
فنرى في بداية الدعوة الإسلامية تدفق الناس إلى اعتناق هذا الدين .. نرى منهم الشعراء والتجار وأصحاب الرأي والسيادة والقوة إضافة إلى من كان يثقل كاهله عبوديته لغير الله تعالى .. فأي شيء يجعل أبي بكر ينفق أمواله في سبيل الله تعالى .. وما الذي يجعل عثمان بن عفان يرفض الغنى والجاه ويختار الفقر ويتحمل سياط عمه .. وما الذي جعل بلالاً وهو عبد لطاغية من طواغيت قريش أن يعلن إسلامه في وجهه وبالتالي يتحمل ألوان العذاب وأصنافه ..
انه الإسلام الذي يهب راحة الروح وهدوءها وسكينتها .. وماذا بعد راحة الروح من راحة ؟؟..
ولعل من الأمثلة الكثيرة أيضاً لهذه العودة المباركة إلى الله تعالى في العصر الحديث .