بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الإيمان :
أيها الأخوة الكرام، الحديث الشهير الذي رواه سيدنا عمر بن الخطاب من أشهر الأحاديث الشريفة التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإيمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإحْسَانِ، قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا، قَالَ: أَنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيّاً ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ. ))
[ مسلم عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]
في الدرس الماضي اقتطعنا من هذا الحديث الشريف الأساسي فقرة واحدة هي الإحسان ووجدت من المناسب أن نتابع الحديث حول هذا الحديث الشريف الذي يعد من أصول الدين، الفقرة الثانية اليوم عن الإيمان.
الوجل والخشوع :
أيها الأخوة، خطورة هذا الدرس تتأتى من أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف الإيمان، وكل منا يظن أنه مؤمن وإن شاء الله نحن مؤمنون، لكن حين يصف لك النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة الإيمان، وصفات المؤمن، وخصائص المؤمن، أنت أمام مشكلة هي أن تبحث في مدى انطباق صفاتك على صفات المؤمنين، فإن انطبقت فهنيئاً لك وإن لم تنطبق فعليك أن تجدد إيمانك وعليك أن تسعى إلى المستوى الذي ينجيك.
خشوع الجوارح دليل على خشوع القلب
فلذلك شراح هذا الحديث استنبطوا من أحاديث كثيرة جداً خصائص الإيمان وربطوها بهذا الحديث، فإذا كان الدرس الماضي عن الإحسان فاليوم عن الإيمان، والأحد القادم إن شاء الله عن الإسلام، وهذه المراحل الثلاث الذي ينبغي للمؤمن أن يمر فيها.
أولاً يدخل في مسمى الإيمان: وجل القلوب من ذكر الله، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾
[ سورة الأنفال: 2 ]
القلب هل يضطرب؟ هل يخاف؟ هل يخشى؟ هل يرجو؟ معنى وجل خاف، وقد تشير إلى مطلق الاضطراب، أحياناً يقول لك: خبر هز أعماقي، أحياناً فكرة لم أنم الليل البارحة، يا ترى الإيمان يتغلغل إلى أعماق القلب يضطرب القلب له خوفاً، أو رجاءً، أو تشوقاً، هل هناك أثر في القلب؟ يدخل في مسمى الإيمان وجل القلوب من ذكر الله، وخشوعها عند سماعها ذكره وكتابه، الوجل والخشوع.
الخشوع هو السكون، لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه، فإذا الإنسان كلما تليت عليه آيات الله عز وجل لا يتأثر أبداً، كلما تليت عليه مواعظ الواعظين، حكم الحكماء، إرشادات المرشدين، دلائل المستدلين، آيات كونية، آيات قرآنية، آيات تكوينية، لم يضطرب قلبه لا خوفاً، ولا شوقاً، ولا رجاءً، ولم يقشعر جلده، فهذا الإنسان يحتاج إلى أن يجدد إيمانه، وأن يبحث عن مشكلة تحول بينه وبين هذا المستوى.
من علامة الإيمان أنه يزيد وينقص :
شيء آخر الإيمان يزيد لأن الله عز وجل يقول:
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾
[ سورة الكهف: 13 ]
الإيمان ينبغي أن يزيد، وعقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، أنت آمنت بالله ولكن كلما تليت عليك إحدى آياته تزداد إيماناً، كلما سمعت قصة تجسد أحكام الله عز وجل تزداد إيماناً، كلما رأيت فعل الله يؤكد كلامه تزداد إيماناً، كلما رأيت عدالته صارخةً تزداد إيماناً، كلما رأيت توفيقه لعباده المؤمنين تزداد إيماناً، فلذلك من علامة الإيمان أنه يزيد وينقص.
المؤمن كالسنبلة
قد يمر المؤمن في اليوم بأربعين حالاً، بينما لا يمر المنافق في الأربعين عاماً بحال واحد، المنافق يستقر على حال واحد أربعين عاماً بينما المؤمن يتقلب في اليوم الواحد بين أربعين حالاً، حال خوف، وجل، شوق، رجاء.
من علامة الإيمان تحقيق التوكل على الله عز وجل، قال تعالى:
﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة المائدة: 23 ]
الحقيقة لحكمة أرادها الله عز وجل الحياة كلها أخطار، والإنسان لا يدري يأتيه الخطر من مركبته، من سفره، من مرض، من فيروس، من عدوى، من ورطة، من مشكلة، من قوي تلبسه، ولا تطمئن إلا إذا لذت بحماه وتوكلت عليه، الإنسان لا يستطيع أن يغطي كل الأخطار، لا أنت ولا أذكى منك ولا أقوى منك، لو كنت أقوى الأقوياء من يضمن لك أن هذه الخلايا لا تنمو نمواً عشوائياً في وقت ما، الذين أصيبوا بأورام خبيثة قبل أن يصابوا كانوا أناساً أصحاء أقوياء، هذا الذي أصابهم لماذا أصابهم؟ لا يعلمون.
التوكل على الله من صفات المؤمنين :
لا يوجد إنسان لا أخطار أمامه على الإطلاق، إلا وهناك آلاف الأخطار تتهدده، بدءاً من صحته مروراً ببيته، بعمله، برزقه، بمجتمعه، أحياناً يتورط وهو بريء براءة الذئب من دم يوسف، ومع ذلك فهذه الأخطار لن تستطيع أن تغطيها، لن تستطيع أن تغلقها أبداً إلا أن تتوكل على الله، عليك أن تطيعه وعندئذ يمكن أن تتوكل عليه. فالتوكل على الله من صفات المؤمنين، قال تعالى:
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة آل عمران: 139 ]
﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة المائدة: 23 ]
خذ الأسباب وهذا واجب ديني، لكن بعد أن تأخذ الأسباب عليك أن تتوكل على رب الأرباب.
المتوكل على الله لا يخشى شيئا
مرة ثانية أخواننا الكرام في أي مكان من العالم الأخطار التي تتهدد الإنسان لا تعد ولا تحصى، أنت راكب طائرة خلل بسيط جداً، خبر يصدر تتناوله وكالات الأنباء لقد سقطت الطائرة الفلانية ومات جميع ركابها، والآن يبحثون عن العلبة السوداء ليستمعوا بين آخر المكالمات وبين أجهزة المراقبة، أنت مسافر وكيل شركة ذاهب إلى قضاء إجازة ركبت طائرة يوجد احتمال أن تسقط الطائرة، وأنت تقود مركبتك يوجد احتمال أن الذي أمامك نائم، فلذلك الأخطار كبيرة جداً، في مكان في العالم، أخطار الصحة، آلاف الأمراض حتى الآن لا يعرف أسبابها، الضغط مثلاً، ارتفاع الضغط له أخطار كبيرة جداً، أحد هذه الأخطار خثرة دموية في الدماغ شيء مخيف، أي مكان تستقر فيه عمى، شلل، أحياناً لزوجة الدم في الشرايين، أخطار الجسم، أخطار العمل، أخطار الأقوياء، أخطار المجتمع، لذلك لا بد من أن تتوكل، أنت عليك أن تطيعه وإن أطعته توكل عليه، لكن بيني وبينكم لا يصح التوكل مع المعصية، تستحي أن تتوكل عليه وأنت تعصيه، لكن إذا أطعته لك أن تتوكل عليه، بل إن توكلك عليه تحصيل حاصل، تشعر أنك في ظل الله، أنك تحت مظلة الله، ما دمت في طاعته فأنت تحت مظلته.
خوف الله في السر والعلانية :
خوف الله سراً وعلانيةً، أخوانا الكرام: أنا الآن أضع بين أيديكم حقائق الإيمان: أن تخاف الله سراً وعلانية، المؤمن الذي يخشى الله في خلوته كما يخشاه في جلوته، في سره كما يخشاه في علانيته، في بيته كما يخشاه أمام أخوانه، في سفره كما يخشاه في حضره.
((من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله))
[رواه ابن أبي الدنيا والطبراني عن أنس بن مالك]
((ركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط))
[أبو نعيم عن أنس]
الصفة الثالثة: خوف الله في السر والعلانية، والرضا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً.
المؤمن الصادق يعتز بانتمائه إلى هذه الأمة، ضعيف الإيمان يحدثك عن الأمم المنحلة أخلاقياً وعن تقدمها وعن صناعتها، وعن نمط الحياة فيها، ويتعامى عن سلبياتها، وعن سقوطها، وعن تفسخها، وعن انحطاطها، يتمنى أن يكون أحد رعاياها، أما المؤمن يرضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبالنبي صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.
من صفات المؤمن اختيار تلف النفوس بأعظم أنواع الآلام على الكفر، المؤمن الصادق يتمنى أن تتلف أعضاءه مع الآلام الشديدة على أن يعود كافراً، يكره أن يعود بالكفر كما يكره أن يلقى في النار، المؤمن الصادق يخاف أن يعود إلى ما كان عليه من ضلالات وانحراف وشرود ويتمنى لو أنه قطع إِرباً إرباً على أن يعود إلى ما كان عليه.
صحابي جليل وأظنه خبيب بن عدي وقع أسيراً بيد كفار قريش، وسأله أبو سفيان سؤال الفاحص: أتحب أن تكون في أهلك وولدك ومحمد مكانك؟ قال: والله لا أحب أن أكون في أهلي وفي ولدي وعندي عافية الدنيا ونعيمها ويصاب رسول الله بشوكة.
أنا أشعر أن المؤمن ليس على حرف، ضغط قليل يعصي، ضغط أدبي خفيف يترك الصلاة، ضغط أدبي من أهله يعمل في الربا، لا المؤمن في الأعماق كما قال عليه الصلاة والسلام: والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أدع هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه، هو في الأعماق.
لذلك أهل الدنيا إذا عندهم ابن تدين يقول لك: هذه ثورة ثم يعود، لو علموا حقيقة الإيمان، يئسوا من عودته لأنه على ازدياد، وكلما توغل الإنسان في طريق الإيمان يزداد ثبوتاً، وتزداد قناعته وتقل إمكانية رجوعه.
علامات أخرى للإيمان :
من علامة الإيمان استشعار قرب الله من العبد ودوام استحضارها، يشعر المؤمن أن الله قريب منه، لذلك إذا دعاه يدعوه سراً، إنكم لا تدعون صماً تدعون سميعاً بصيراً، فالمؤمن أحياناً يدعو الله في قلبه، دون أن يحرك شفتيه، وهذا من علامة الإيمان أيضاً.
من علامة الإيمان إيثار محبة الله ورسوله على محبة ما سواهما، كيف أصبحت يا عمر؟ أصبحت أحب الله ورسوله أكثر من أهلي وولدي ومالي، إلا نفسي التي بين جنبي، قال: كلا لما بعد يا عمر، إلى أن قال له: الآن أصبحت أحبك يا رسول الله أكثر من أهلي ومن ولدي ومالي والناس أجمعين ونفسي التي بين جنبي، قال: الآن يا عمر.
من علامة الإيمان الحب بالله والبغض بالله، أن تحب الرجل لا تحبه إلا لله، وأن تبغض الرجل لا تبغضه إلا لله، بل أن تحب مؤمناً دون أن ينالك منه شيء، وأن تبغض في مؤمن ولو أغدق عليك من النعم ما أغدق، هذه علامة الإيمان، أما الآن الناس يحبون من تأتيهم منه الخيرات مؤمناً كان أم كافراً، ويكرهون من ليس عنده شيء، أما المؤمن يحب من منعه، إذا كان مؤمناً ويكره من أعطاه إذا كان غير مؤمن، أعتقد الذي جاء بعد سيدنا عمر بن عبد العزيز جاءه رجل من أهل البيت يشكو إليه، قال له: إن جدك قطعني أرضاً واسترجعها مني عمر رحمه الله، قال له: عجبت لك الذي أعطاك الأرض لم تترحم عليه أما الذي استرجعها منك ترحمت عليه، وهو لا يشعر، سيدنا عمر بن عبد العزيز استرجعها منه، علامة المؤمن أنه يحب المؤمن ولم ينل منه شيئاً.
غنى المؤمن العمل الصالح
أن تكون جميع حركات المؤمن وسكناته لله عز وجل، أي حبه لله، بغضه لله، عطاؤه لله، منعه لله، غضبه لله، رضاؤه لله، هذه صفات المؤمنين.
سماحة النفوس بالطاعة المالية والبدنية، أي يوجد شخص يدفع الزكاة كقطع رأسه، ويوجد مؤمن يدفع الزكاة عن طيب نفس ولو بلغت ما بلغت، يوجد أشخاص ما دام الزكاة بالألفات ماشي الحال، أحياناً يكون حجم ماله بمئات الملايين، فالزكاة خمسة ملايين، ثمانية ملايين، لا يدفعها، رقم كبير لا تسمح نفسه بدفع هذا المبلغ لله.
سماحة النفوس بالطاعة المالية والبدنية، والاستبشار بالعمل الصالح والفرح به، الحقيقة المؤمن يفرح أشد الفرح حينما يقدر الله على يديه عملاً صالحاً، والحقيقة العمل الصالح هو الغنى الحقيقي، غنى أهل الإيمان العمل الصالح، وفقرهم من العمل الصالح.
ملخص ما في الأحاديث الشريفة حول خصائص الإيمان :
أيها الأخوة الكرام، سيدنا موسى قال تعالى:
﴿ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾
[ سورة القصص: 24 ]
يا رب أنا مفتقر لفضلك وهذا هو الفضل الحقيقي، أحياناً أنا أدعو وأقول: اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم، رجل عنده بيت ثمنه ثلاثين مليوناً يقول لك: إطلالته، مساحته، موقعه، حوله حدائق، رجل عنده بستان قرت عينه به، إنسان عنده زوجة مثالية، إنسان عنده أولاد نجباء، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم أقرر أعيننا من رضوانك.
المؤمن لا تقر عينه إلا برضاء الله عز وجل، فإذا شعر أن الله راضٍ عنه كأنما ملك الدنيا بحذافيرها.
الاستبشار بالأعمال الصالحة والفرح بها لأنها الغنى الحقيقي، والألم بعمل السيئات والحزن عليها، تراه كاليتيم، كالمكسور، صحته طيبة لا يوجد شيء فيه ولكن زلت قدمه، تكلم كلمة لا ترضي الله، تورط بشيء أبعده عن الله، دائماً في خجل:
((من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن.))
[الطبراني عن أبى موسى]
المؤمنون أخوة
إيثار المؤمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه وأمواله، كما قلت: والله لا أحب أن أكون في أهلي وفي ولدي وعندي عافية الدنيا ونعيمها ويصاب رسول الله بشوكة.
معاضدة المؤمنين ومناصرتهم، والحزن بما يحزنهم، من علامة إيمانك أنك لا تسلم المؤمن بل تنصره وتعينه، وتأخذ بيده، وتدافع عنه لأنك أخ له وهو أخ لك، هذا ملخص ما في الأحاديث الشريفة حول خصائص الإيمان.
في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم:
((عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ))
[متفق عليه عن أَبِي مُوسَى]
والحديث له معنى دقيق، قد يتوهم متوهم أن المسلمون إذا سلموا منه فهو مسلم، أما غير المسلمين ينبغي أن لا يسلموا منه، ليس هذا هو المعنى إطلاقاً، المعنى هو أن سمعة المسلمين تسلم منه، فكل مسلم إذا أساء جر للمسلمين عامة سمعة سيئة.
المؤمن يجلّ قلبه ويزداد إيمانه كلما تليت عليه بعض آيات الله عز وجل :
أما ما ورد عن الإيمان بالتحديد، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾
[ سورة الأنفال: 2 ]
المؤمن يجل قلبه ويزداد إيمانه كلما تليت عليه بعض آيات الله عز وجل، قال تعالى:
﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة المائدة: 23 ]
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة آل عمران: 175 ]
المؤمن يتوكل ويخاف، ويجل قلبه، ويزداد إيمانه.
((عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبّاً وَبِالإسْلامِ دِيناً وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيّاً وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ))
[مسلم عن أَبِي سعيد الخدري]
كأنكم لاحظتم أن هذه الخصائص التي ذكرتها تباعاً مستنبطة من آيات قرآنية حصراً ومن أحاديث شريفة صحيحة.
المؤمن يستسلم لحكم الله وحكم رسول الله :
أحياناً الإنسان يعتز ببطاقة خضراء تجيز له أن يسافر إلى أمريكا متى شاء ويحرص عليها حرصه على حياته، ويدفع مئة ألف كل حين ليثبت وجوده هناك ويقول: معي أنا هذا الكرت، المؤمن الصادق يعتز بانتمائه إلى هذا الدين العظيم ولهذه الأمة المحمدية، اعتزازه بدينه وبإسلامه وبأمته، والرضا بالإسلام ديناً، يوجد شخص كلما تحدث لا يتحدث إلا عن تخلف المسلمين وعن تأخرهم وعن الفوضى التي فيهم، وعن عدم لياقتهم، وعدم تحضرهم، والفوضى التي في حياتهم، وكأن هذه الأمة ليس فيها ولا ميزة، فإذا تحدث عن أهل الغرب سال لعابه وحدثك حديثاً شيقاً، وعمي عن كل أخطائهم، وعن كل جرائمهم، وعن كل انحلالهم، شيء دقيق.
((كل نفس تحشر على هواها فمن هوى الكفرة فهو مع الكفرة ولا ينفعه من عمله شيئاً.))
[السيوطي عن جابر]
((من أقام مع المشركين فقد برئت منه الذمة.))
[ابن المنذر عن جرير بن عبد الله البجلي]
المؤمن يعتز بأمته، يعتز ببلده المسلم، يعتز بدينه، يرى أن انتماءه للنبي أكبر عز له، المؤمن لو اختلف مع أخيه رفع الأمر إلى محكم تجاري، أو إلى قاضٍ، وألقى على مسامعه حكم الله عز وجل وحكم رسوله، المؤمن يقول: سمعاً وطاعة، يرضى بحكم رسول الله، قال تعالى:
﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾
[ سورة النساء: 65 ]
المؤمن يستسلم لحكم رسول الله، هذا ليس لك، أما بعض الناس إن جاء حكم رسول الله مخالفاً لهواه يقول: أريد حكم القانون، لا يلقي بالاً لحكم رسول الله ويلتفت إلى حكم القانون الوضعي لأن مصالحه تتحقق مع القانون لا مع سنة رسول الله.
((عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ؛ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))
[ متفق عليه عن أنس بن مالك ]
إن لم تجتهد بالتعرف إلى رسول الله وإلى كماله وشمائله فلن تستطيع أن تحبه :
كما قلت لكم قبل قليل كل الحقائق النظرية التي أدرجتها قبل حين هي مستنبطة من نصوص قرآنية وأحاديث نبوية صحيحة:
(( لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ))
[ أحمد عن أنس بن مالك ]
أحد أصحاب النبي فيما رواه الإمام أحمد:
((عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ تُحْرَقَ بِالنَّارِ أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تُشْرِكَ بِاللَّهِ وَأَنْ تُحِبَّ غَيْرَ ذِي نَسَبٍ لا تُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِذَا كُنْتَ كَذَلِكَ فَقَدْ دَخَلَ حُبُّ الإيمَانِ فِي قَلْبِكَ كَمَا دَخَلَ حُبُّ الْمَاءِ لِلظَّمْآنِ فِي الْيَوْمِ الْقَائِظِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ لِي بِأَنْ أَعْلَمَ أَنِّي مُؤْمِنٌ؟ قَالَ: مَا مِنْ أُمَّتِي أَوْ هَذِهِ الأمَّةِ عَبْدٌ يَعْمَلُ حَسَنَةً فَيَعْلَمُ أَنَّهَا حَسَنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَازِيهِ بِهَا خَيْراً وَلا يَعْمَلُ سَيِّئَةً فَيَعْلَمُ أَنَّهَا سَيِّئَةٌ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لا يَغْفِرُ إِلا هُوَ إِلا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ))
[ أحمد عن أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ ]
لكن لو وقفنا الآن قليلاً، كيف يكون الله ورسوله أحب إليك؟ إن لم تجتهد بالتعرف إلى رسول الله، إلى كماله، إلى شمائله لن تستطيع أن تحبه، وبالتالي لن تستطيع أن تؤثره على سواه، لو إنسان سأل نفسه هذا السؤال: ماذا تعرف عن رسول الله؟ يقول لك: نبي هذه الأمة أرسله الله لهذه الأمة ليكون نبياً لها، فقط، المؤمن الصادق يتحدث عن رسول الله ساعات طويلة دون كلل أو ملل وعينه تفيض بالدمع، فمعرفة النبي المعرفة الحقيقية، بل إن الله سبحانه وتعالى:
﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُون ﴾
[ سورة المؤمنون:69]
يجب أن تقرأ سيرته، يجب أن تقرأ تحليل سيرته، يجب أن تقرأ شمائله، يجب أن تقرأ سنته، يجب أن تتصور أخلاقه الرفيعة حتى إذا ذكر النبي وصليت عليه تصلي عليه الصلاة التي تليق به.
من خصائص المؤمن أنه دائماً يقيم موازنة بينه وبين فعل النبي :
الآن الكلمات الإسلامية الرائعة فرغت من مضمونها، إذا هناك شجار بين شخصين يقول له: صلي على النبي، ولا يفقه الذي يقول صلي على النبي ما معنى الصلاة على النبي، وأحياناً الإنسان إذا غضب يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، يشهد أنه لا إله إلا الله إذا غضب كأنها متنفس له، هذه الكلمات كلمات التوحيد وكلمات الرسالة أصبحت كلمات نرددها ولا نفقه معناها إطلاقاً.
((...قَالَ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِمَّا سِوَاهُمَا))
[ أحمد عن أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ ]
المؤمن لا يقبل المال الحرام
قال العلماء: لا بد من أن يكون في حياتك رجل تصبو إليه، في شخصيتنا شخصية نكونها، وشخصية نتمنى أن نكونها، وشخصية نكره أن نكونها، يوجد في حياتنا ثلاث شخصيات؛ واحدة هي أنت، وواحدة تتمنى أن تكونها، وواحدة تكره أن تكونها، فالذي تتمنى أن تكونها من هي؟ يجوز بعض التجار يوجد تاجر رفيع المستوى من أضخم تجار الحقل الذي يعمل به، دائماً يتمنى أن يكون مثل هذا التاجر حجمه المالي كبير، شبكة علاقاته كبيرة جداً، يجوز أستاذ جامعة مبتدأ يصبو إلى مدرس قديم له مكانة كبيرة، أما المؤمن الحقيقي الشخصية التي يتمنى أن يكونها أو أن يكون على طريقها، أو أن يكون في أثرها، أو أن يقلدها هو رسول الله.
صدقوني أيها الأخوة المؤمن الحق كلما فعل شيء يعمل موازنة بين فعله وفعل النبي، يا ترى النبي غضب مثل هذا الغضب، تكلم هذا الكلام، قسا على امرأته هذه القسوة، قسا على أولاده هذه القسوة، يا ترى النبي الكريم قتر على أهله هذا التقتير، أنفق المال جزافاً، دائماً يقيم موازنة بينه وبين فعل النبي، لأن الشخصية التي يتمنى أن يكونها هي رسول الله ليكون على طريقها وعلى شاكلتها، وعلى منوالها ويقتفي أثرها، هذه خاصة من خصائص المؤمن.
يوجد أناس فنان من الفنانين هو الشخصية التي يتمنى أن يكونها، يجوز لاعب كرة، يجوز موسيقي، مشكلة كبيرة جداً أن تكون الشخصية التي يتمنى أن يكونها ليست في المكان الرفيع. احرص على المثل الذي ترمي إليه، دقق في المثل الذي تصبو إليه، دقق في الشخصية التي تسعى إلى أن تقلدها، ينبغي أن يكون النبي هو المثل وهو القدوة وهو الأسوة.
الإنسان لا يكون مؤمناً حقاً إلا إذا استوى عنده التبر والتراب :
يقول عليه الصلاة والسلام:
((...وَأَنْ تُحْرَقَ بِالنَّارِ أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تُشْرِكَ بِاللَّهِ))
[ أحمد عن أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ ]
أحدهم ربح خمسمئة ألف في سحب، طبعاً الورقة لم يشترها وجاءت هدية مزقها، طاعته لله أحب إليه من نصف مليون ليرة، والمؤمن من مليون ومن ألف مليون، طاعة الله عز وجل، لا تكون مؤمناً حقاً إلا إذا استوى عندك التبر والتراب، الذهب والتراب. نحن ما زلنا في الحديث السابق:
((...وَأَنْ تُحِبَّ غَيْرَ ذِي نَسَبٍ لا تُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِذَا كُنْتَ كَذَلِكَ فَقَدْ دَخَلَ حُبُّ الإيمَانِ فِي قَلْبِكَ كَمَا دَخَلَ حُبُّ الْمَاءِ لِلظَّمْآنِ فِي الْيَوْمِ الْقَائِظِ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ لِي بِأَنْ أَعْلَمَ أَنِّي مُؤْمِنٌ، قَالَ: مَا مِنْ أُمَّتِي أَوْ هَذِهِ الأمَّةِ عَبْدٌ يَعْمَلُ حَسَنَةً فَيَعْلَمُ أَنَّهَا حَسَنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَازِيهِ بِهَا خَيْراً وَلا يَعْمَلُ سَيِّئَةً فَيَعْلَمُ أَنَّهَا سَيِّئَةٌ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لا يَغْفِرُ إِلا هُوَ إِلا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ))
[ أحمد عن أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ ]
عملت عملاً صالحاً، علمت أنه عمل صالح وأن الله سيجازيك به أنت مؤمن ورب الكعبة، عملت عملاً سيئاً تبت، فتألمت وخفت ووجلت، وعلمت أن الله سيحاسبك، تبت أنت مؤمن ورب الكعبة.
(( عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ النَّاسَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَامِي فِيكُمْ فَقَالَ اسْتَوْصُوا بِأَصْحَابِي خَيْراً ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَبْتَدِئُ بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ بَحْبَحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ لا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ))
[أحمدعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ]
هذا مقياس النبي في المسند وغيره.
المؤمنون في الدنيا على ثلاثة أجزاء :
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
((...وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ))
[أحمدعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ]
لذلك الإنسان إذا عمل عملاً لا يرضي الله وتألم أشد الألم ينبغي أن يكون مع هذا الألم مستبشراً لأنه تألم لأنه مؤمن، ولو لم يكن مؤمناً لما تألم، إذا الإنسان خاف أن يكون ثقيلاً فليس بثقيل، قالوا: لو علم الثقيل أنه ثقيل فليس بثقيل، لكن الثقيل الذي لا يحتمل الذي لا يعلم أنه ثقيل ويعلم أنه خفيف الدم، أما إذا علم الثقيل أنه ثقيل فليس بثقيل.
لمجرد أن تعلم أن هذه سيئة وأن تخاف منها فأنت مؤمن، قال رجل سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم علامةً دالة على الإيمان، قال: صريح الإيمان إذا أسأت أو ظلمت أحداً من الناس صمت أو تصدقت وإذا أحسنت استبشرت.
المؤمن إذا غلط رأساً يتبع هذا الغلط إحساناً، وأتبع السيئة الحسنة تمحوها، يوجد مؤمن يتصدق، مؤمن ينفق، مؤمن يصوم، مؤمن يعتذر، يصلي، يتهجد.
المؤمنون في الدنيا كما قال عليه الصلاة والسلام على ثلاثة أجزاء.
((عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ فِي الدُّنْيَا عَلَى ثَلاثَةِ أَجْزَاءٍ؛ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا، وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِي يَأْمَنُهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ الَّذِي إِذَا أَشْرَفَ عَلَى طَمَعٍ تَرَكَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ))
[أحمد عن أَبِي سعيد الخدري]
والله أيها الأخوة المؤمن الصادق يشعر أن زوال الدنيا أهون من أن يأكل درهماً حراماً، لذلك يوجد نعمة من المؤمنين لا يعرفها إلا من فقدها، أحضرت إلى بيتك دهاناً مؤمناً تكون مطمئناً، لا يسرق الدهان ولا يغيرهم ولا يتكلم مكالمات خارجية في غيابك، لا يستطيع، المؤمن مقيد بالشرع، أما علاقتك مع غير المؤمن علاقة تشنج، معركة، دائماً تخاف يا ترى القطعة وضعها جديدة وهو وضعها مستعملة، أو القطعة صحيحة وقال لك: غيرتها، لا تطمئن إطلاقاً، أما المؤمن تربحه لا يكذب ولا يغش ولا يعمل بأسلوب ملتو، فإذا نحن تعاملنا مع بعضنا وفق الإسلام نحن في نعمة لا يعلمها إلا من ذاقها، نعمة الطمأنينة، يوجد أشخاص يغير الجمع أحياناً، ويغير ويبدل مواصفات الشيء، الإنسان مع غير المؤمنين في معركة دائمة، يوجد تشنج وترقب غير مريح.
((... وَالَّذِي يَأْمَنُهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ الَّذِي إِذَا أَشْرَفَ عَلَى طَمَعٍ تَرَكَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ))
[أحمد عن أَبِي سعيد الخدري]
الإيمان يتماشى مع حسن الخلق :
قال لي أخ لا أعرف اسمه، أرسل لي ورقة: إنسان وضع معه عشرين مليون ليرة وتوفي هذا الإنسان ولا يعلم أهله إطلاقاً بهذا المبلغ، جاءهم وقدمه لهم وهو يستطيع أن يأكله وليس مدان على وجه الأرض، هذا هو المؤمن؛ يأمنه الناس على أموالهم وأنفسهم:
((...ثُمَّ الَّذِي إِذَا أَشْرَفَ عَلَى طَمَعٍ تَرَكَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ))
[أحمد عن أَبِي سعيد الخدري]
(( عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه مَنْ تَبِعَكَ عَلَى هَذَا الأمْرِ، قَالَ: حُرٌّ وَعَبْدٌ، قُلْتُ: مَا الإسْلامُ؟ قَالَ: طِيبُ الْكَلَامِ وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ، قُلْتُ: مَا الإيمَانُ؟ قَالَ: الصَّبْرُ وَالسَّمَاحَةُ، قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الإسْلامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الإيمَانِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: خُلُقٌ حَسَنٌ. ))
[مسلم عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ ]
فسره الحسن البصري قال: الصبر عن المحارم، والسماحة بأداء الفرائض، وسئل النبي الكريم:
((... أَيُّ الإيمَانِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: خُلُقٌ حَسَنٌ. ))
[مسلم عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ ]
من زاد عليك بالإيمان زاد عليك بالخلق، الإيمان يتماشى مع حسن الخلق.
((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيِّ مِنْ غَاضِرَةِ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ طَعْمَ الْإِيمَانِ؛ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ رَافِدَةً عَلَيْهِ كُلَّ عَامٍ، وَلا يُعْطِي الْهَرِمَةَ وَلا الدَّرِنَةَ وَلا الْمَرِيضَةَ وَلا الشَّرَطَ اللَّئِيمَةَ وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهُ وَلَمْ يَأْمُرْكُمْ بِشَرِّهِ.))
[أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيِّ مِنْ غَاضِرَةِ قَيْسٍ ]
لذلك ليس لك الحق أن تقول عن مؤمن يؤدي زكاة ماله أنه بخيل الله يحاسبك، لأن النبي يقول:
((برئ من الشح من أدى زكاة ماله.))
[ابن مردويه عن جابر بن عبد الله]
((مَنْ حَمَلَ سِلْعَتَهُ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الْكِبْرِ.))
[البيهقي عن أبي أمامة]
((من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق.))
[البيهقي عن أبي هريرة]
كيف يذكي الإنسان نفسه؟ قال عليه الصلاة والسلام:
((أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت.))
[الطبراني وأبو نعيم عن عبادة بن الصامت]
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمَانِ))
[متفق عليه عَنْ أبي هريرة ]
الحياء غير الخجل، الخجل مذموم، والحياء مطلوب، من لوازم الإيمان الحياء:
((الحياء والإيمان قرنا جميعًا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر.))
[أبو نعيم في الحلية والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر]
((عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ))
[متفق عليه عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ]
أخواننا الكرام، هذا الدرس فيه حشر، معنى حشر أي جمع في الآيات والأحاديث الصحيحة التي تتحدث عن الإيمان، فالإنسان المؤمن عليه أن يوازن بينه وبين هذه الأحاديث فكلما انطبقت فليحمد الله، وإذا لم تنطبق فعليه أن يشمر وأن يسعى من جديد ليستكمل إيمانه.
والحمد لله رب العالمين
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الإيمان :
أيها الأخوة الكرام، الحديث الشهير الذي رواه سيدنا عمر بن الخطاب من أشهر الأحاديث الشريفة التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإيمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإحْسَانِ، قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا، قَالَ: أَنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيّاً ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ. ))
[ مسلم عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]
في الدرس الماضي اقتطعنا من هذا الحديث الشريف الأساسي فقرة واحدة هي الإحسان ووجدت من المناسب أن نتابع الحديث حول هذا الحديث الشريف الذي يعد من أصول الدين، الفقرة الثانية اليوم عن الإيمان.
الوجل والخشوع :
أيها الأخوة، خطورة هذا الدرس تتأتى من أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف الإيمان، وكل منا يظن أنه مؤمن وإن شاء الله نحن مؤمنون، لكن حين يصف لك النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة الإيمان، وصفات المؤمن، وخصائص المؤمن، أنت أمام مشكلة هي أن تبحث في مدى انطباق صفاتك على صفات المؤمنين، فإن انطبقت فهنيئاً لك وإن لم تنطبق فعليك أن تجدد إيمانك وعليك أن تسعى إلى المستوى الذي ينجيك.
خشوع الجوارح دليل على خشوع القلب
فلذلك شراح هذا الحديث استنبطوا من أحاديث كثيرة جداً خصائص الإيمان وربطوها بهذا الحديث، فإذا كان الدرس الماضي عن الإحسان فاليوم عن الإيمان، والأحد القادم إن شاء الله عن الإسلام، وهذه المراحل الثلاث الذي ينبغي للمؤمن أن يمر فيها.
أولاً يدخل في مسمى الإيمان: وجل القلوب من ذكر الله، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾
[ سورة الأنفال: 2 ]
القلب هل يضطرب؟ هل يخاف؟ هل يخشى؟ هل يرجو؟ معنى وجل خاف، وقد تشير إلى مطلق الاضطراب، أحياناً يقول لك: خبر هز أعماقي، أحياناً فكرة لم أنم الليل البارحة، يا ترى الإيمان يتغلغل إلى أعماق القلب يضطرب القلب له خوفاً، أو رجاءً، أو تشوقاً، هل هناك أثر في القلب؟ يدخل في مسمى الإيمان وجل القلوب من ذكر الله، وخشوعها عند سماعها ذكره وكتابه، الوجل والخشوع.
الخشوع هو السكون، لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه، فإذا الإنسان كلما تليت عليه آيات الله عز وجل لا يتأثر أبداً، كلما تليت عليه مواعظ الواعظين، حكم الحكماء، إرشادات المرشدين، دلائل المستدلين، آيات كونية، آيات قرآنية، آيات تكوينية، لم يضطرب قلبه لا خوفاً، ولا شوقاً، ولا رجاءً، ولم يقشعر جلده، فهذا الإنسان يحتاج إلى أن يجدد إيمانه، وأن يبحث عن مشكلة تحول بينه وبين هذا المستوى.
من علامة الإيمان أنه يزيد وينقص :
شيء آخر الإيمان يزيد لأن الله عز وجل يقول:
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾
[ سورة الكهف: 13 ]
الإيمان ينبغي أن يزيد، وعقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، أنت آمنت بالله ولكن كلما تليت عليك إحدى آياته تزداد إيماناً، كلما سمعت قصة تجسد أحكام الله عز وجل تزداد إيماناً، كلما رأيت فعل الله يؤكد كلامه تزداد إيماناً، كلما رأيت عدالته صارخةً تزداد إيماناً، كلما رأيت توفيقه لعباده المؤمنين تزداد إيماناً، فلذلك من علامة الإيمان أنه يزيد وينقص.
المؤمن كالسنبلة
قد يمر المؤمن في اليوم بأربعين حالاً، بينما لا يمر المنافق في الأربعين عاماً بحال واحد، المنافق يستقر على حال واحد أربعين عاماً بينما المؤمن يتقلب في اليوم الواحد بين أربعين حالاً، حال خوف، وجل، شوق، رجاء.
من علامة الإيمان تحقيق التوكل على الله عز وجل، قال تعالى:
﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة المائدة: 23 ]
الحقيقة لحكمة أرادها الله عز وجل الحياة كلها أخطار، والإنسان لا يدري يأتيه الخطر من مركبته، من سفره، من مرض، من فيروس، من عدوى، من ورطة، من مشكلة، من قوي تلبسه، ولا تطمئن إلا إذا لذت بحماه وتوكلت عليه، الإنسان لا يستطيع أن يغطي كل الأخطار، لا أنت ولا أذكى منك ولا أقوى منك، لو كنت أقوى الأقوياء من يضمن لك أن هذه الخلايا لا تنمو نمواً عشوائياً في وقت ما، الذين أصيبوا بأورام خبيثة قبل أن يصابوا كانوا أناساً أصحاء أقوياء، هذا الذي أصابهم لماذا أصابهم؟ لا يعلمون.
التوكل على الله من صفات المؤمنين :
لا يوجد إنسان لا أخطار أمامه على الإطلاق، إلا وهناك آلاف الأخطار تتهدده، بدءاً من صحته مروراً ببيته، بعمله، برزقه، بمجتمعه، أحياناً يتورط وهو بريء براءة الذئب من دم يوسف، ومع ذلك فهذه الأخطار لن تستطيع أن تغطيها، لن تستطيع أن تغلقها أبداً إلا أن تتوكل على الله، عليك أن تطيعه وعندئذ يمكن أن تتوكل عليه. فالتوكل على الله من صفات المؤمنين، قال تعالى:
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة آل عمران: 139 ]
﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة المائدة: 23 ]
خذ الأسباب وهذا واجب ديني، لكن بعد أن تأخذ الأسباب عليك أن تتوكل على رب الأرباب.
المتوكل على الله لا يخشى شيئا
مرة ثانية أخواننا الكرام في أي مكان من العالم الأخطار التي تتهدد الإنسان لا تعد ولا تحصى، أنت راكب طائرة خلل بسيط جداً، خبر يصدر تتناوله وكالات الأنباء لقد سقطت الطائرة الفلانية ومات جميع ركابها، والآن يبحثون عن العلبة السوداء ليستمعوا بين آخر المكالمات وبين أجهزة المراقبة، أنت مسافر وكيل شركة ذاهب إلى قضاء إجازة ركبت طائرة يوجد احتمال أن تسقط الطائرة، وأنت تقود مركبتك يوجد احتمال أن الذي أمامك نائم، فلذلك الأخطار كبيرة جداً، في مكان في العالم، أخطار الصحة، آلاف الأمراض حتى الآن لا يعرف أسبابها، الضغط مثلاً، ارتفاع الضغط له أخطار كبيرة جداً، أحد هذه الأخطار خثرة دموية في الدماغ شيء مخيف، أي مكان تستقر فيه عمى، شلل، أحياناً لزوجة الدم في الشرايين، أخطار الجسم، أخطار العمل، أخطار الأقوياء، أخطار المجتمع، لذلك لا بد من أن تتوكل، أنت عليك أن تطيعه وإن أطعته توكل عليه، لكن بيني وبينكم لا يصح التوكل مع المعصية، تستحي أن تتوكل عليه وأنت تعصيه، لكن إذا أطعته لك أن تتوكل عليه، بل إن توكلك عليه تحصيل حاصل، تشعر أنك في ظل الله، أنك تحت مظلة الله، ما دمت في طاعته فأنت تحت مظلته.
خوف الله في السر والعلانية :
خوف الله سراً وعلانيةً، أخوانا الكرام: أنا الآن أضع بين أيديكم حقائق الإيمان: أن تخاف الله سراً وعلانية، المؤمن الذي يخشى الله في خلوته كما يخشاه في جلوته، في سره كما يخشاه في علانيته، في بيته كما يخشاه أمام أخوانه، في سفره كما يخشاه في حضره.
((من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله))
[رواه ابن أبي الدنيا والطبراني عن أنس بن مالك]
((ركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط))
[أبو نعيم عن أنس]
الصفة الثالثة: خوف الله في السر والعلانية، والرضا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً.
المؤمن الصادق يعتز بانتمائه إلى هذه الأمة، ضعيف الإيمان يحدثك عن الأمم المنحلة أخلاقياً وعن تقدمها وعن صناعتها، وعن نمط الحياة فيها، ويتعامى عن سلبياتها، وعن سقوطها، وعن تفسخها، وعن انحطاطها، يتمنى أن يكون أحد رعاياها، أما المؤمن يرضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبالنبي صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.
من صفات المؤمن اختيار تلف النفوس بأعظم أنواع الآلام على الكفر، المؤمن الصادق يتمنى أن تتلف أعضاءه مع الآلام الشديدة على أن يعود كافراً، يكره أن يعود بالكفر كما يكره أن يلقى في النار، المؤمن الصادق يخاف أن يعود إلى ما كان عليه من ضلالات وانحراف وشرود ويتمنى لو أنه قطع إِرباً إرباً على أن يعود إلى ما كان عليه.
صحابي جليل وأظنه خبيب بن عدي وقع أسيراً بيد كفار قريش، وسأله أبو سفيان سؤال الفاحص: أتحب أن تكون في أهلك وولدك ومحمد مكانك؟ قال: والله لا أحب أن أكون في أهلي وفي ولدي وعندي عافية الدنيا ونعيمها ويصاب رسول الله بشوكة.
أنا أشعر أن المؤمن ليس على حرف، ضغط قليل يعصي، ضغط أدبي خفيف يترك الصلاة، ضغط أدبي من أهله يعمل في الربا، لا المؤمن في الأعماق كما قال عليه الصلاة والسلام: والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أدع هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه، هو في الأعماق.
لذلك أهل الدنيا إذا عندهم ابن تدين يقول لك: هذه ثورة ثم يعود، لو علموا حقيقة الإيمان، يئسوا من عودته لأنه على ازدياد، وكلما توغل الإنسان في طريق الإيمان يزداد ثبوتاً، وتزداد قناعته وتقل إمكانية رجوعه.
علامات أخرى للإيمان :
من علامة الإيمان استشعار قرب الله من العبد ودوام استحضارها، يشعر المؤمن أن الله قريب منه، لذلك إذا دعاه يدعوه سراً، إنكم لا تدعون صماً تدعون سميعاً بصيراً، فالمؤمن أحياناً يدعو الله في قلبه، دون أن يحرك شفتيه، وهذا من علامة الإيمان أيضاً.
من علامة الإيمان إيثار محبة الله ورسوله على محبة ما سواهما، كيف أصبحت يا عمر؟ أصبحت أحب الله ورسوله أكثر من أهلي وولدي ومالي، إلا نفسي التي بين جنبي، قال: كلا لما بعد يا عمر، إلى أن قال له: الآن أصبحت أحبك يا رسول الله أكثر من أهلي ومن ولدي ومالي والناس أجمعين ونفسي التي بين جنبي، قال: الآن يا عمر.
من علامة الإيمان الحب بالله والبغض بالله، أن تحب الرجل لا تحبه إلا لله، وأن تبغض الرجل لا تبغضه إلا لله، بل أن تحب مؤمناً دون أن ينالك منه شيء، وأن تبغض في مؤمن ولو أغدق عليك من النعم ما أغدق، هذه علامة الإيمان، أما الآن الناس يحبون من تأتيهم منه الخيرات مؤمناً كان أم كافراً، ويكرهون من ليس عنده شيء، أما المؤمن يحب من منعه، إذا كان مؤمناً ويكره من أعطاه إذا كان غير مؤمن، أعتقد الذي جاء بعد سيدنا عمر بن عبد العزيز جاءه رجل من أهل البيت يشكو إليه، قال له: إن جدك قطعني أرضاً واسترجعها مني عمر رحمه الله، قال له: عجبت لك الذي أعطاك الأرض لم تترحم عليه أما الذي استرجعها منك ترحمت عليه، وهو لا يشعر، سيدنا عمر بن عبد العزيز استرجعها منه، علامة المؤمن أنه يحب المؤمن ولم ينل منه شيئاً.
غنى المؤمن العمل الصالح
أن تكون جميع حركات المؤمن وسكناته لله عز وجل، أي حبه لله، بغضه لله، عطاؤه لله، منعه لله، غضبه لله، رضاؤه لله، هذه صفات المؤمنين.
سماحة النفوس بالطاعة المالية والبدنية، أي يوجد شخص يدفع الزكاة كقطع رأسه، ويوجد مؤمن يدفع الزكاة عن طيب نفس ولو بلغت ما بلغت، يوجد أشخاص ما دام الزكاة بالألفات ماشي الحال، أحياناً يكون حجم ماله بمئات الملايين، فالزكاة خمسة ملايين، ثمانية ملايين، لا يدفعها، رقم كبير لا تسمح نفسه بدفع هذا المبلغ لله.
سماحة النفوس بالطاعة المالية والبدنية، والاستبشار بالعمل الصالح والفرح به، الحقيقة المؤمن يفرح أشد الفرح حينما يقدر الله على يديه عملاً صالحاً، والحقيقة العمل الصالح هو الغنى الحقيقي، غنى أهل الإيمان العمل الصالح، وفقرهم من العمل الصالح.
ملخص ما في الأحاديث الشريفة حول خصائص الإيمان :
أيها الأخوة الكرام، سيدنا موسى قال تعالى:
﴿ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾
[ سورة القصص: 24 ]
يا رب أنا مفتقر لفضلك وهذا هو الفضل الحقيقي، أحياناً أنا أدعو وأقول: اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم، رجل عنده بيت ثمنه ثلاثين مليوناً يقول لك: إطلالته، مساحته، موقعه، حوله حدائق، رجل عنده بستان قرت عينه به، إنسان عنده زوجة مثالية، إنسان عنده أولاد نجباء، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم أقرر أعيننا من رضوانك.
المؤمن لا تقر عينه إلا برضاء الله عز وجل، فإذا شعر أن الله راضٍ عنه كأنما ملك الدنيا بحذافيرها.
الاستبشار بالأعمال الصالحة والفرح بها لأنها الغنى الحقيقي، والألم بعمل السيئات والحزن عليها، تراه كاليتيم، كالمكسور، صحته طيبة لا يوجد شيء فيه ولكن زلت قدمه، تكلم كلمة لا ترضي الله، تورط بشيء أبعده عن الله، دائماً في خجل:
((من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن.))
[الطبراني عن أبى موسى]
المؤمنون أخوة
إيثار المؤمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه وأمواله، كما قلت: والله لا أحب أن أكون في أهلي وفي ولدي وعندي عافية الدنيا ونعيمها ويصاب رسول الله بشوكة.
معاضدة المؤمنين ومناصرتهم، والحزن بما يحزنهم، من علامة إيمانك أنك لا تسلم المؤمن بل تنصره وتعينه، وتأخذ بيده، وتدافع عنه لأنك أخ له وهو أخ لك، هذا ملخص ما في الأحاديث الشريفة حول خصائص الإيمان.
في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم:
((عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ))
[متفق عليه عن أَبِي مُوسَى]
والحديث له معنى دقيق، قد يتوهم متوهم أن المسلمون إذا سلموا منه فهو مسلم، أما غير المسلمين ينبغي أن لا يسلموا منه، ليس هذا هو المعنى إطلاقاً، المعنى هو أن سمعة المسلمين تسلم منه، فكل مسلم إذا أساء جر للمسلمين عامة سمعة سيئة.
المؤمن يجلّ قلبه ويزداد إيمانه كلما تليت عليه بعض آيات الله عز وجل :
أما ما ورد عن الإيمان بالتحديد، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾
[ سورة الأنفال: 2 ]
المؤمن يجل قلبه ويزداد إيمانه كلما تليت عليه بعض آيات الله عز وجل، قال تعالى:
﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة المائدة: 23 ]
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة آل عمران: 175 ]
المؤمن يتوكل ويخاف، ويجل قلبه، ويزداد إيمانه.
((عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبّاً وَبِالإسْلامِ دِيناً وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيّاً وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ))
[مسلم عن أَبِي سعيد الخدري]
كأنكم لاحظتم أن هذه الخصائص التي ذكرتها تباعاً مستنبطة من آيات قرآنية حصراً ومن أحاديث شريفة صحيحة.
المؤمن يستسلم لحكم الله وحكم رسول الله :
أحياناً الإنسان يعتز ببطاقة خضراء تجيز له أن يسافر إلى أمريكا متى شاء ويحرص عليها حرصه على حياته، ويدفع مئة ألف كل حين ليثبت وجوده هناك ويقول: معي أنا هذا الكرت، المؤمن الصادق يعتز بانتمائه إلى هذا الدين العظيم ولهذه الأمة المحمدية، اعتزازه بدينه وبإسلامه وبأمته، والرضا بالإسلام ديناً، يوجد شخص كلما تحدث لا يتحدث إلا عن تخلف المسلمين وعن تأخرهم وعن الفوضى التي فيهم، وعن عدم لياقتهم، وعدم تحضرهم، والفوضى التي في حياتهم، وكأن هذه الأمة ليس فيها ولا ميزة، فإذا تحدث عن أهل الغرب سال لعابه وحدثك حديثاً شيقاً، وعمي عن كل أخطائهم، وعن كل جرائمهم، وعن كل انحلالهم، شيء دقيق.
((كل نفس تحشر على هواها فمن هوى الكفرة فهو مع الكفرة ولا ينفعه من عمله شيئاً.))
[السيوطي عن جابر]
((من أقام مع المشركين فقد برئت منه الذمة.))
[ابن المنذر عن جرير بن عبد الله البجلي]
المؤمن يعتز بأمته، يعتز ببلده المسلم، يعتز بدينه، يرى أن انتماءه للنبي أكبر عز له، المؤمن لو اختلف مع أخيه رفع الأمر إلى محكم تجاري، أو إلى قاضٍ، وألقى على مسامعه حكم الله عز وجل وحكم رسوله، المؤمن يقول: سمعاً وطاعة، يرضى بحكم رسول الله، قال تعالى:
﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾
[ سورة النساء: 65 ]
المؤمن يستسلم لحكم رسول الله، هذا ليس لك، أما بعض الناس إن جاء حكم رسول الله مخالفاً لهواه يقول: أريد حكم القانون، لا يلقي بالاً لحكم رسول الله ويلتفت إلى حكم القانون الوضعي لأن مصالحه تتحقق مع القانون لا مع سنة رسول الله.
((عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ؛ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))
[ متفق عليه عن أنس بن مالك ]
إن لم تجتهد بالتعرف إلى رسول الله وإلى كماله وشمائله فلن تستطيع أن تحبه :
كما قلت لكم قبل قليل كل الحقائق النظرية التي أدرجتها قبل حين هي مستنبطة من نصوص قرآنية وأحاديث نبوية صحيحة:
(( لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ))
[ أحمد عن أنس بن مالك ]
أحد أصحاب النبي فيما رواه الإمام أحمد:
((عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ تُحْرَقَ بِالنَّارِ أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تُشْرِكَ بِاللَّهِ وَأَنْ تُحِبَّ غَيْرَ ذِي نَسَبٍ لا تُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِذَا كُنْتَ كَذَلِكَ فَقَدْ دَخَلَ حُبُّ الإيمَانِ فِي قَلْبِكَ كَمَا دَخَلَ حُبُّ الْمَاءِ لِلظَّمْآنِ فِي الْيَوْمِ الْقَائِظِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ لِي بِأَنْ أَعْلَمَ أَنِّي مُؤْمِنٌ؟ قَالَ: مَا مِنْ أُمَّتِي أَوْ هَذِهِ الأمَّةِ عَبْدٌ يَعْمَلُ حَسَنَةً فَيَعْلَمُ أَنَّهَا حَسَنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَازِيهِ بِهَا خَيْراً وَلا يَعْمَلُ سَيِّئَةً فَيَعْلَمُ أَنَّهَا سَيِّئَةٌ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لا يَغْفِرُ إِلا هُوَ إِلا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ))
[ أحمد عن أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ ]
لكن لو وقفنا الآن قليلاً، كيف يكون الله ورسوله أحب إليك؟ إن لم تجتهد بالتعرف إلى رسول الله، إلى كماله، إلى شمائله لن تستطيع أن تحبه، وبالتالي لن تستطيع أن تؤثره على سواه، لو إنسان سأل نفسه هذا السؤال: ماذا تعرف عن رسول الله؟ يقول لك: نبي هذه الأمة أرسله الله لهذه الأمة ليكون نبياً لها، فقط، المؤمن الصادق يتحدث عن رسول الله ساعات طويلة دون كلل أو ملل وعينه تفيض بالدمع، فمعرفة النبي المعرفة الحقيقية، بل إن الله سبحانه وتعالى:
﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُون ﴾
[ سورة المؤمنون:69]
يجب أن تقرأ سيرته، يجب أن تقرأ تحليل سيرته، يجب أن تقرأ شمائله، يجب أن تقرأ سنته، يجب أن تتصور أخلاقه الرفيعة حتى إذا ذكر النبي وصليت عليه تصلي عليه الصلاة التي تليق به.
من خصائص المؤمن أنه دائماً يقيم موازنة بينه وبين فعل النبي :
الآن الكلمات الإسلامية الرائعة فرغت من مضمونها، إذا هناك شجار بين شخصين يقول له: صلي على النبي، ولا يفقه الذي يقول صلي على النبي ما معنى الصلاة على النبي، وأحياناً الإنسان إذا غضب يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، يشهد أنه لا إله إلا الله إذا غضب كأنها متنفس له، هذه الكلمات كلمات التوحيد وكلمات الرسالة أصبحت كلمات نرددها ولا نفقه معناها إطلاقاً.
((...قَالَ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِمَّا سِوَاهُمَا))
[ أحمد عن أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ ]
المؤمن لا يقبل المال الحرام
قال العلماء: لا بد من أن يكون في حياتك رجل تصبو إليه، في شخصيتنا شخصية نكونها، وشخصية نتمنى أن نكونها، وشخصية نكره أن نكونها، يوجد في حياتنا ثلاث شخصيات؛ واحدة هي أنت، وواحدة تتمنى أن تكونها، وواحدة تكره أن تكونها، فالذي تتمنى أن تكونها من هي؟ يجوز بعض التجار يوجد تاجر رفيع المستوى من أضخم تجار الحقل الذي يعمل به، دائماً يتمنى أن يكون مثل هذا التاجر حجمه المالي كبير، شبكة علاقاته كبيرة جداً، يجوز أستاذ جامعة مبتدأ يصبو إلى مدرس قديم له مكانة كبيرة، أما المؤمن الحقيقي الشخصية التي يتمنى أن يكونها أو أن يكون على طريقها، أو أن يكون في أثرها، أو أن يقلدها هو رسول الله.
صدقوني أيها الأخوة المؤمن الحق كلما فعل شيء يعمل موازنة بين فعله وفعل النبي، يا ترى النبي غضب مثل هذا الغضب، تكلم هذا الكلام، قسا على امرأته هذه القسوة، قسا على أولاده هذه القسوة، يا ترى النبي الكريم قتر على أهله هذا التقتير، أنفق المال جزافاً، دائماً يقيم موازنة بينه وبين فعل النبي، لأن الشخصية التي يتمنى أن يكونها هي رسول الله ليكون على طريقها وعلى شاكلتها، وعلى منوالها ويقتفي أثرها، هذه خاصة من خصائص المؤمن.
يوجد أناس فنان من الفنانين هو الشخصية التي يتمنى أن يكونها، يجوز لاعب كرة، يجوز موسيقي، مشكلة كبيرة جداً أن تكون الشخصية التي يتمنى أن يكونها ليست في المكان الرفيع. احرص على المثل الذي ترمي إليه، دقق في المثل الذي تصبو إليه، دقق في الشخصية التي تسعى إلى أن تقلدها، ينبغي أن يكون النبي هو المثل وهو القدوة وهو الأسوة.
الإنسان لا يكون مؤمناً حقاً إلا إذا استوى عنده التبر والتراب :
يقول عليه الصلاة والسلام:
((...وَأَنْ تُحْرَقَ بِالنَّارِ أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تُشْرِكَ بِاللَّهِ))
[ أحمد عن أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ ]
أحدهم ربح خمسمئة ألف في سحب، طبعاً الورقة لم يشترها وجاءت هدية مزقها، طاعته لله أحب إليه من نصف مليون ليرة، والمؤمن من مليون ومن ألف مليون، طاعة الله عز وجل، لا تكون مؤمناً حقاً إلا إذا استوى عندك التبر والتراب، الذهب والتراب. نحن ما زلنا في الحديث السابق:
((...وَأَنْ تُحِبَّ غَيْرَ ذِي نَسَبٍ لا تُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِذَا كُنْتَ كَذَلِكَ فَقَدْ دَخَلَ حُبُّ الإيمَانِ فِي قَلْبِكَ كَمَا دَخَلَ حُبُّ الْمَاءِ لِلظَّمْآنِ فِي الْيَوْمِ الْقَائِظِ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ لِي بِأَنْ أَعْلَمَ أَنِّي مُؤْمِنٌ، قَالَ: مَا مِنْ أُمَّتِي أَوْ هَذِهِ الأمَّةِ عَبْدٌ يَعْمَلُ حَسَنَةً فَيَعْلَمُ أَنَّهَا حَسَنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَازِيهِ بِهَا خَيْراً وَلا يَعْمَلُ سَيِّئَةً فَيَعْلَمُ أَنَّهَا سَيِّئَةٌ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لا يَغْفِرُ إِلا هُوَ إِلا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ))
[ أحمد عن أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ ]
عملت عملاً صالحاً، علمت أنه عمل صالح وأن الله سيجازيك به أنت مؤمن ورب الكعبة، عملت عملاً سيئاً تبت، فتألمت وخفت ووجلت، وعلمت أن الله سيحاسبك، تبت أنت مؤمن ورب الكعبة.
(( عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ النَّاسَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَامِي فِيكُمْ فَقَالَ اسْتَوْصُوا بِأَصْحَابِي خَيْراً ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَبْتَدِئُ بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ بَحْبَحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ لا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ))
[أحمدعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ]
هذا مقياس النبي في المسند وغيره.
المؤمنون في الدنيا على ثلاثة أجزاء :
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
((...وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ))
[أحمدعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ]
لذلك الإنسان إذا عمل عملاً لا يرضي الله وتألم أشد الألم ينبغي أن يكون مع هذا الألم مستبشراً لأنه تألم لأنه مؤمن، ولو لم يكن مؤمناً لما تألم، إذا الإنسان خاف أن يكون ثقيلاً فليس بثقيل، قالوا: لو علم الثقيل أنه ثقيل فليس بثقيل، لكن الثقيل الذي لا يحتمل الذي لا يعلم أنه ثقيل ويعلم أنه خفيف الدم، أما إذا علم الثقيل أنه ثقيل فليس بثقيل.
لمجرد أن تعلم أن هذه سيئة وأن تخاف منها فأنت مؤمن، قال رجل سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم علامةً دالة على الإيمان، قال: صريح الإيمان إذا أسأت أو ظلمت أحداً من الناس صمت أو تصدقت وإذا أحسنت استبشرت.
المؤمن إذا غلط رأساً يتبع هذا الغلط إحساناً، وأتبع السيئة الحسنة تمحوها، يوجد مؤمن يتصدق، مؤمن ينفق، مؤمن يصوم، مؤمن يعتذر، يصلي، يتهجد.
المؤمنون في الدنيا كما قال عليه الصلاة والسلام على ثلاثة أجزاء.
((عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ فِي الدُّنْيَا عَلَى ثَلاثَةِ أَجْزَاءٍ؛ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا، وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِي يَأْمَنُهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ الَّذِي إِذَا أَشْرَفَ عَلَى طَمَعٍ تَرَكَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ))
[أحمد عن أَبِي سعيد الخدري]
والله أيها الأخوة المؤمن الصادق يشعر أن زوال الدنيا أهون من أن يأكل درهماً حراماً، لذلك يوجد نعمة من المؤمنين لا يعرفها إلا من فقدها، أحضرت إلى بيتك دهاناً مؤمناً تكون مطمئناً، لا يسرق الدهان ولا يغيرهم ولا يتكلم مكالمات خارجية في غيابك، لا يستطيع، المؤمن مقيد بالشرع، أما علاقتك مع غير المؤمن علاقة تشنج، معركة، دائماً تخاف يا ترى القطعة وضعها جديدة وهو وضعها مستعملة، أو القطعة صحيحة وقال لك: غيرتها، لا تطمئن إطلاقاً، أما المؤمن تربحه لا يكذب ولا يغش ولا يعمل بأسلوب ملتو، فإذا نحن تعاملنا مع بعضنا وفق الإسلام نحن في نعمة لا يعلمها إلا من ذاقها، نعمة الطمأنينة، يوجد أشخاص يغير الجمع أحياناً، ويغير ويبدل مواصفات الشيء، الإنسان مع غير المؤمنين في معركة دائمة، يوجد تشنج وترقب غير مريح.
((... وَالَّذِي يَأْمَنُهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ الَّذِي إِذَا أَشْرَفَ عَلَى طَمَعٍ تَرَكَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ))
[أحمد عن أَبِي سعيد الخدري]
الإيمان يتماشى مع حسن الخلق :
قال لي أخ لا أعرف اسمه، أرسل لي ورقة: إنسان وضع معه عشرين مليون ليرة وتوفي هذا الإنسان ولا يعلم أهله إطلاقاً بهذا المبلغ، جاءهم وقدمه لهم وهو يستطيع أن يأكله وليس مدان على وجه الأرض، هذا هو المؤمن؛ يأمنه الناس على أموالهم وأنفسهم:
((...ثُمَّ الَّذِي إِذَا أَشْرَفَ عَلَى طَمَعٍ تَرَكَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ))
[أحمد عن أَبِي سعيد الخدري]
(( عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه مَنْ تَبِعَكَ عَلَى هَذَا الأمْرِ، قَالَ: حُرٌّ وَعَبْدٌ، قُلْتُ: مَا الإسْلامُ؟ قَالَ: طِيبُ الْكَلَامِ وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ، قُلْتُ: مَا الإيمَانُ؟ قَالَ: الصَّبْرُ وَالسَّمَاحَةُ، قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الإسْلامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الإيمَانِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: خُلُقٌ حَسَنٌ. ))
[مسلم عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ ]
فسره الحسن البصري قال: الصبر عن المحارم، والسماحة بأداء الفرائض، وسئل النبي الكريم:
((... أَيُّ الإيمَانِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: خُلُقٌ حَسَنٌ. ))
[مسلم عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ ]
من زاد عليك بالإيمان زاد عليك بالخلق، الإيمان يتماشى مع حسن الخلق.
((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيِّ مِنْ غَاضِرَةِ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ طَعْمَ الْإِيمَانِ؛ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ رَافِدَةً عَلَيْهِ كُلَّ عَامٍ، وَلا يُعْطِي الْهَرِمَةَ وَلا الدَّرِنَةَ وَلا الْمَرِيضَةَ وَلا الشَّرَطَ اللَّئِيمَةَ وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهُ وَلَمْ يَأْمُرْكُمْ بِشَرِّهِ.))
[أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيِّ مِنْ غَاضِرَةِ قَيْسٍ ]
لذلك ليس لك الحق أن تقول عن مؤمن يؤدي زكاة ماله أنه بخيل الله يحاسبك، لأن النبي يقول:
((برئ من الشح من أدى زكاة ماله.))
[ابن مردويه عن جابر بن عبد الله]
((مَنْ حَمَلَ سِلْعَتَهُ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الْكِبْرِ.))
[البيهقي عن أبي أمامة]
((من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق.))
[البيهقي عن أبي هريرة]
كيف يذكي الإنسان نفسه؟ قال عليه الصلاة والسلام:
((أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت.))
[الطبراني وأبو نعيم عن عبادة بن الصامت]
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمَانِ))
[متفق عليه عَنْ أبي هريرة ]
الحياء غير الخجل، الخجل مذموم، والحياء مطلوب، من لوازم الإيمان الحياء:
((الحياء والإيمان قرنا جميعًا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر.))
[أبو نعيم في الحلية والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر]
((عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ))
[متفق عليه عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ]
أخواننا الكرام، هذا الدرس فيه حشر، معنى حشر أي جمع في الآيات والأحاديث الصحيحة التي تتحدث عن الإيمان، فالإنسان المؤمن عليه أن يوازن بينه وبين هذه الأحاديث فكلما انطبقت فليحمد الله، وإذا لم تنطبق فعليه أن يشمر وأن يسعى من جديد ليستكمل إيمانه.
والحمد لله رب العالمين