شابٌّ عشريني - على الأكثر - فقير بلا مال، ومشردٌ بلا مأوى، وتائه بلا أهل، يقابل رئيس الدولة،
فيطلب منه رئيسُ الدولة أن يطلبَ ما يشاء من احتياجات، فيذهب ويفكر،
ثم يرجع فيخبر رئيس الدولة أنه لا يريد شيئًا مِن هذه الدنيا،
فقط يريد مرافقته في الجنة في الآخرة،
كان هذا الشابُّ هو الصحابيَّ ربيعةَ بن كعب الأسلمي،
وطلبُه مقدَّم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم عليه
أن يُعِينَه على نفسِه بكثرةِ السجود.
لعل أغلبَنا يذكر هذه القصة على سبيل التذكير بفضل السجود والصلاة - وهذا نقرُّ به ولا شك -
ولكن فحوى القصة يَشِي بمعنًى عميق، يفسِّر لنا ألغازًا كثيرة في محاولة فهم سير الجيل الأول الرباني،
الذي قاد الدنيا إلى الإسلام، إنه معنى استحضار الآخرة، وتذكرها الدائم..
إن ربيعةَ لم يتقيَّد بحدود عَوَزِه وفقره وتشرده الدنيوي، ولكنه اغتنم الفرصةَ المقدَّمة له،
وادَّخَرها لوقت هو أحوجُ ما يكون فيه للفرص، إنه وقت الآخرة، حين يجيء كل امرئٍ بما قدمت يداه؛
ليُحاسب عليه أمام الله، ثم يلقى حسابَه مِن النعيم المخلد في الجنة، أو العذاب المُقِيم في الآخرة.
حينما نقرأ القرآن يتجلى لنا مدى الاهتمام البالغ الذي عُني به الإسلام لترسيخ معنى استحضار
الآخرة بتفاصيلها جميعًا في أذهان المسلمين.
وهذا الاستحضار في الحقيقة هام للفرد؛ حيث يجعله يبتعدُ عن المعاصي خشيةً من النار،
ويهم للطاعات رغبةً في الجنة، ويستنكر الفواحش حياءً من لقاء الله وسؤاله؛ فينضبط فِكره،
ويستقيم لسانه،ويحسُنُ خُلقُه مع ربه ومع الناس.
ثم إن تذكُّر الآخرة هو المعينُ على ما يلاقيه الإنسان مِن ابتلاءات في هذه الدنيا،
فأيُّ مسلمٍ يَعي أن كلَّ مصيبة تصيبه - مهما صغُرت - تكفِّرُ سيئاته، وترفع درجاتِه، وبالتالي تقرِّبه مِن الجنة،
وتبعده عن النار؛ فهو يتناسى آلامها المؤقتة المنتهية؛ طمعًا في ثوابها اللاحق الباقي.
أما قيمةُ استحضار الآخرة وتذكُّرها على مستوى المجتمع، فيكفي أنها تصنع مجتمعًا يؤثِر بعضه بعضًا
في متاع الدنيا؛ طلبًا لمتاع الآخرة، مجتمعًا تحسُنُ أخلاقُ أفراده، وتستقيم سرائرهم، وتتحقَّق
فيه أسمى معاني الأخوَّة والوفاء.
هذا غير أن المجتمع سيَعِزُّ بعزة يقينه بالآخرة، فلا يهاب الموت؛
إذ هو دائمُ التذكر والاستعداد له،
فلا يجبُنُ أفرادُه عن مقاومة محتلٍّ خارجي، أو ردعِ حاكم طاغٍ مهما بلغت قوتُه
، وهذه مقوماتٌ تجعلُ أيَّ مجتمع يتحلى بها مثاليًّا تتطلع الأنظار إليه.
كون الآخرة تبقى ولا تفنى، فهذا سببٌ كافٍ لتفضيلها على الدنيا، فكيف إذا كانت تبقى وهي خير منها في متاعها؟!
﴿ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 17]!
وبدَهيٌّ أن كلامَنا عن الآخرة وتذكرها لا يتنافى مع الأمر بالسَّعي في إعمار الأرض وإصلاحها؛
فاستحضارُ الآخرة خيرُ معينٍ لأن تبذل الخير في هذه الأرض؛ لأنك مَجْزِيٌّ به يوم الحساب.
ذاتَ مرة شاب متفوق سألوه عن سبب تفوقه، فقال: لحظةُ الامتحان لم تفارق مخيلتي ثانيةً واحدة، وهكذا سيعبِّرُ
بعضُ المؤمنين عن سبب فلاحهم يوم القيامة ونجاتهم؛ أنهم أبدًا ما نسُوا الآخرةَ وحسابَها وهم يعيشون ويسعَوْنَ في هذه الدنيا.
إن التذكيرَ بالآخرة بكل تفاصيلها مِفتاحٌ مناسبٌ لتذكير الغافل، وتنبيه اللاهي، وعزاء المصاب،
وشحن القلوب بالإيمان في أي وقت، فحريٌّ بكل مؤمنٍ أن يتعلَّم ويقرأَ عن الآخرة
من المعلومات ما يردَعُه عند المعصية، ويذكِّره عند الغفلة، ويواسيه عند المصيبة،
وحريٌّ بكل داعية إلى الله أن يذكِّرَ الناسَ بالآخرة دائمًا!إسلام فتحي
فيطلب منه رئيسُ الدولة أن يطلبَ ما يشاء من احتياجات، فيذهب ويفكر،
ثم يرجع فيخبر رئيس الدولة أنه لا يريد شيئًا مِن هذه الدنيا،
فقط يريد مرافقته في الجنة في الآخرة،
كان هذا الشابُّ هو الصحابيَّ ربيعةَ بن كعب الأسلمي،
وطلبُه مقدَّم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم عليه
أن يُعِينَه على نفسِه بكثرةِ السجود.
لعل أغلبَنا يذكر هذه القصة على سبيل التذكير بفضل السجود والصلاة - وهذا نقرُّ به ولا شك -
ولكن فحوى القصة يَشِي بمعنًى عميق، يفسِّر لنا ألغازًا كثيرة في محاولة فهم سير الجيل الأول الرباني،
الذي قاد الدنيا إلى الإسلام، إنه معنى استحضار الآخرة، وتذكرها الدائم..
إن ربيعةَ لم يتقيَّد بحدود عَوَزِه وفقره وتشرده الدنيوي، ولكنه اغتنم الفرصةَ المقدَّمة له،
وادَّخَرها لوقت هو أحوجُ ما يكون فيه للفرص، إنه وقت الآخرة، حين يجيء كل امرئٍ بما قدمت يداه؛
ليُحاسب عليه أمام الله، ثم يلقى حسابَه مِن النعيم المخلد في الجنة، أو العذاب المُقِيم في الآخرة.
حينما نقرأ القرآن يتجلى لنا مدى الاهتمام البالغ الذي عُني به الإسلام لترسيخ معنى استحضار
الآخرة بتفاصيلها جميعًا في أذهان المسلمين.
وهذا الاستحضار في الحقيقة هام للفرد؛ حيث يجعله يبتعدُ عن المعاصي خشيةً من النار،
ويهم للطاعات رغبةً في الجنة، ويستنكر الفواحش حياءً من لقاء الله وسؤاله؛ فينضبط فِكره،
ويستقيم لسانه،ويحسُنُ خُلقُه مع ربه ومع الناس.
ثم إن تذكُّر الآخرة هو المعينُ على ما يلاقيه الإنسان مِن ابتلاءات في هذه الدنيا،
فأيُّ مسلمٍ يَعي أن كلَّ مصيبة تصيبه - مهما صغُرت - تكفِّرُ سيئاته، وترفع درجاتِه، وبالتالي تقرِّبه مِن الجنة،
وتبعده عن النار؛ فهو يتناسى آلامها المؤقتة المنتهية؛ طمعًا في ثوابها اللاحق الباقي.
أما قيمةُ استحضار الآخرة وتذكُّرها على مستوى المجتمع، فيكفي أنها تصنع مجتمعًا يؤثِر بعضه بعضًا
في متاع الدنيا؛ طلبًا لمتاع الآخرة، مجتمعًا تحسُنُ أخلاقُ أفراده، وتستقيم سرائرهم، وتتحقَّق
فيه أسمى معاني الأخوَّة والوفاء.
هذا غير أن المجتمع سيَعِزُّ بعزة يقينه بالآخرة، فلا يهاب الموت؛
إذ هو دائمُ التذكر والاستعداد له،
فلا يجبُنُ أفرادُه عن مقاومة محتلٍّ خارجي، أو ردعِ حاكم طاغٍ مهما بلغت قوتُه
، وهذه مقوماتٌ تجعلُ أيَّ مجتمع يتحلى بها مثاليًّا تتطلع الأنظار إليه.
كون الآخرة تبقى ولا تفنى، فهذا سببٌ كافٍ لتفضيلها على الدنيا، فكيف إذا كانت تبقى وهي خير منها في متاعها؟!
﴿ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 17]!
وبدَهيٌّ أن كلامَنا عن الآخرة وتذكرها لا يتنافى مع الأمر بالسَّعي في إعمار الأرض وإصلاحها؛
فاستحضارُ الآخرة خيرُ معينٍ لأن تبذل الخير في هذه الأرض؛ لأنك مَجْزِيٌّ به يوم الحساب.
ذاتَ مرة شاب متفوق سألوه عن سبب تفوقه، فقال: لحظةُ الامتحان لم تفارق مخيلتي ثانيةً واحدة، وهكذا سيعبِّرُ
بعضُ المؤمنين عن سبب فلاحهم يوم القيامة ونجاتهم؛ أنهم أبدًا ما نسُوا الآخرةَ وحسابَها وهم يعيشون ويسعَوْنَ في هذه الدنيا.
إن التذكيرَ بالآخرة بكل تفاصيلها مِفتاحٌ مناسبٌ لتذكير الغافل، وتنبيه اللاهي، وعزاء المصاب،
وشحن القلوب بالإيمان في أي وقت، فحريٌّ بكل مؤمنٍ أن يتعلَّم ويقرأَ عن الآخرة
من المعلومات ما يردَعُه عند المعصية، ويذكِّره عند الغفلة، ويواسيه عند المصيبة،
وحريٌّ بكل داعية إلى الله أن يذكِّرَ الناسَ بالآخرة دائمًا!إسلام فتحي