السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32)﴾
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما، ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماُ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، وردت آية النهي عن الزنى بين آيتي النهي عن القتل !
﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾
( سورة الإسراء: 31)
﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾
( سورة الإسراء: 33)
جاءت بينهما آية النهي عن الزنى.
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32)﴾
( سورة الإسراء: 32)
فبعض العلماء استنبط من أن تكون آية النهي عن الزنى بين آيتي النهي عن القتل أن الزنى نوعٌ من أنواع القتل، ولكن هذا القتل قتلٌ معنوي، وليس قتلاً مادياً، فهذه المرأة التي تقع في الزنى كأنك قتلتها فأخرجتها من إنسانيتها، وأبعدتها عن مهمتها المقدسة، وعن الوظيفة العليا التي خلقت من أجلها، وعن أن تقوم بدورها الطبيعي الإنساني.
بدل أن تكون أمًّا، زوجةً مخلصةً لزوجٍ وفيٍ، وبدل أن تكون أماً لأولادٍ مهذبين، وبدل أن تكون جدةً يشع منها الخير والعطف والحنان، جعلتها مومساً، ساقطة، بلا معيل، وجعلتها حين يزوي جمالها في الحضيض.
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32)﴾
فالقتل نوعان: قتل النفس قتلاً مادياً، وقتلها قتلاً معنوياً، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾
(سورة البقرة: 191)
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾
ليس النهي في هذه الآية عن ارتكاب الزنى ! ولكن النهي عن الاقتراب من الزنى، فأي شيء يقربك إلى الزنى أنت منهي عنه بنص هذه الآية، فالنظر إلى النساء خطوة أولى نحو الزنى، والحديث معهن حديثاً فيه لين، كذلك خطوة إلى الزنا، ومجالسة أهل الزنى والاختلاط، وقراءة الأدب الرخيص، ومشاهدة الأشياء التي تسبب إثارة المشاعر، ومتابعة التمثيليات الفاضحة كلها خطوة إلى الزنا، وربنا سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾
لم ينهنا الله عز وجل عن الزنى فحسب ! بل نهانا عن أن نقترب منه، ويبدو أن الشيء الذي له قدرة على الجذب، المعصية التي لها القدرة على الجذب، نهانا الله سبحانه وتعالى عن أن نقترب منها، أو أمرنا أن نجتنبها، والاجتناب أن تبقي بينك وبينها هامش أمان، وهذا هو الاجتناب، لقوله تعالى:
﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾
( سورة البقرة: 187)
وفي آية أخرى:
﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا﴾
( سورة البقرة: 229)
من الموازنة بين الآيتين الكريمتين يتضح أن بعض المعاصي يجب أن تبقي بينك وبينها هامش أمان ! وبعض المعاصي أنت منهي عن أن تقع فيها فقط من دون هامش، يبدو أن المعاصي التي تتصل بالشهوات الأساسية التي أودعها الله في الإنسان أُمِرنا أن نجتنب أسبابها، وأُمرنا أن لا نقترب منها، لذلك ربنا سبحانه وتعالى قال:
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32)﴾
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( الْعَيْنُ تَزْنِي، وَالْقَلْبُ يَزْنِي، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا الْقَلْبِ التَّمَنِّي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ مَا هُنَالِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ ))
[أحمد في المسند]
وهناك الزنى المعروف، إذاً الجوارح تزني ! لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( إن النظر سهم من سهام إبليس مسموم، من تركها مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه ))
[أخرجه الطبراني عن ابن مسعود]
وعَنْ جَرِيرٍ قَالَ:
(( سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ فَقَالَ: اصْرِفْ بَصَرَكَ ))
(سنن أبي داود)
كل هذه الأحاديث إنما هي مستنبطة من هذه الآية:
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32)﴾
الاختلاط والنظر والمصافحة والحديث والمشاهدة، مشاهدة بعض البرامج الفاضحة، ومتابعة بعض الأعمال الفنية الرخيصة، وقراءة الأدب الرخيص، ومصاحبة الأراذل، مع أن الفقهاء اجتمعوا على أن هناك مجموعة كبيرة من البنود التي إذا فعلها الرجل المسلم جُرِحت عدالته، ومن هذه البنود: صحبة الأراذل، والأكل في الطريق، والمشي حافياً، والحديث عن النساء، وتطفيف بتمرة، وأكل لقمة من حرام، ومن أطلق لفرسه العنان، ومن قاد بِرذَوناً، ومن تنزه في الطريق، ومن علا صياحه في البيت، ومن لعب بالشطرنج، ومن بال في الطريق.... كل هذه الأعمال تجرح العدالة، أما الكذب والظلم والإخلاف فهذا يسقطها، من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته، إذاً هناك حكمة بالغة من هذا النهي:
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾
فلو أن الله عز وجل قال: ولاتزنوا لكانت كل هذه المقدمات مباحة، ولكن الله عز وجل يقول:
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32)﴾
الزنى طريق غير مشروع لإرواء هذه الشهوة، فما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها طريقاً مشروعاً، ومتنفساً طبيعياً، وقناة نظيفة، تماماً كما لو أن الوقود الذي في مستودع السيارة إذا سار في أنابيبه المحكمة، وانتقل إلى الموزع، فإلى غرفة الانفجار، فأنشأ هذا الوقود السائل حركة تعود علينا بالنفع العميم، فإذا خرج هذا الوقود عن مساره الطبيعي، وألقي فوق المحرك، وجاءته شرارة، أحرق السيارة، كذلك الشهوة سلاح ذو حدين، إما أن يكون قوة نافعة، وإما أن يكون قوة مدمرة تصور إنساناً استقام على أمر الله قبل زواجه، وغض بصره عن محارم الله، وعف، وصبر عن الحرام حتى جاءه الحلال، فأكرمه الله عز وجل بعد هذا الصبر، وهذه العفة، وهذا الورع، وتلك الاستقامة، وأكرمه الله بزوجة صالحة، إن نظر إليها سرته، وإن غاب عنها حفظته، وإن أمرها أطاعته، وأنجب أولاداً، وكان بيته بيتاً إسلامياً، ترفرف عليه المحبة والمودة، والعطف والإخلاص، والوفاء والطهر، إلى أن شدّ الأولاد في هذه الأجواء الصحيحة، تحسّ أن هذه الشهوة التي أودعها الله في الإنسان هي سبب كل هذه السعادة، لا رقي في الجنة من دون هذه الشهوات، لكن الشر يتأتّى من سوء استخدامها من خروج صاحبها عن مسار الشرع، لخروجه عن الطريق الصحيحة التي رسمها الله لنا، فلا تقربوا الزنى، الزنى محرم، والزواج حلال، الربا حرام، البيع حلال، والخمر حرام، مئات المشروبات حلال، المشروب الذي حرمه الله علينا يقابله أنواع منوعة من المشروبات التي أحلها الله لنا ! وهذا الطريق القذر في قضاء الشهوة حرمه الله علينا، بينما أباح الزواج، إنك مطمئن.
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32)﴾
الحقيقة أنّ المعاصي كثيرة، ولكن الزنى خُصّ بهذا الوصف، إنه كان فاحشة لأنه من أقبح المعاصي ! إنه معصية له آثار خطيرة، آثار اجتماعية، وآثار شخصية، فيه فضيحة، فقد ينقلب الزنى إلى قتل، وجرائم القتل التي مبعثها الزنى لا تعد ولا تحصى، بل إن عند ضباط التحقيق في المباحث الجنائية قاعدة: " فتش عن المرأة في كل جريمة "، وفي كل قضية فتش عن المرأة، إذاً:
﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾
جزء من محاضرة
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1987-07-24
وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32)﴾
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما، ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماُ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، وردت آية النهي عن الزنى بين آيتي النهي عن القتل !
﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾
( سورة الإسراء: 31)
﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾
( سورة الإسراء: 33)
جاءت بينهما آية النهي عن الزنى.
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32)﴾
( سورة الإسراء: 32)
فبعض العلماء استنبط من أن تكون آية النهي عن الزنى بين آيتي النهي عن القتل أن الزنى نوعٌ من أنواع القتل، ولكن هذا القتل قتلٌ معنوي، وليس قتلاً مادياً، فهذه المرأة التي تقع في الزنى كأنك قتلتها فأخرجتها من إنسانيتها، وأبعدتها عن مهمتها المقدسة، وعن الوظيفة العليا التي خلقت من أجلها، وعن أن تقوم بدورها الطبيعي الإنساني.
بدل أن تكون أمًّا، زوجةً مخلصةً لزوجٍ وفيٍ، وبدل أن تكون أماً لأولادٍ مهذبين، وبدل أن تكون جدةً يشع منها الخير والعطف والحنان، جعلتها مومساً، ساقطة، بلا معيل، وجعلتها حين يزوي جمالها في الحضيض.
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32)﴾
فالقتل نوعان: قتل النفس قتلاً مادياً، وقتلها قتلاً معنوياً، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾
(سورة البقرة: 191)
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾
ليس النهي في هذه الآية عن ارتكاب الزنى ! ولكن النهي عن الاقتراب من الزنى، فأي شيء يقربك إلى الزنى أنت منهي عنه بنص هذه الآية، فالنظر إلى النساء خطوة أولى نحو الزنى، والحديث معهن حديثاً فيه لين، كذلك خطوة إلى الزنا، ومجالسة أهل الزنى والاختلاط، وقراءة الأدب الرخيص، ومشاهدة الأشياء التي تسبب إثارة المشاعر، ومتابعة التمثيليات الفاضحة كلها خطوة إلى الزنا، وربنا سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾
لم ينهنا الله عز وجل عن الزنى فحسب ! بل نهانا عن أن نقترب منه، ويبدو أن الشيء الذي له قدرة على الجذب، المعصية التي لها القدرة على الجذب، نهانا الله سبحانه وتعالى عن أن نقترب منها، أو أمرنا أن نجتنبها، والاجتناب أن تبقي بينك وبينها هامش أمان، وهذا هو الاجتناب، لقوله تعالى:
﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾
( سورة البقرة: 187)
وفي آية أخرى:
﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا﴾
( سورة البقرة: 229)
من الموازنة بين الآيتين الكريمتين يتضح أن بعض المعاصي يجب أن تبقي بينك وبينها هامش أمان ! وبعض المعاصي أنت منهي عن أن تقع فيها فقط من دون هامش، يبدو أن المعاصي التي تتصل بالشهوات الأساسية التي أودعها الله في الإنسان أُمِرنا أن نجتنب أسبابها، وأُمرنا أن لا نقترب منها، لذلك ربنا سبحانه وتعالى قال:
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32)﴾
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( الْعَيْنُ تَزْنِي، وَالْقَلْبُ يَزْنِي، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا الْقَلْبِ التَّمَنِّي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ مَا هُنَالِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ ))
[أحمد في المسند]
وهناك الزنى المعروف، إذاً الجوارح تزني ! لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( إن النظر سهم من سهام إبليس مسموم، من تركها مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه ))
[أخرجه الطبراني عن ابن مسعود]
وعَنْ جَرِيرٍ قَالَ:
(( سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ فَقَالَ: اصْرِفْ بَصَرَكَ ))
(سنن أبي داود)
كل هذه الأحاديث إنما هي مستنبطة من هذه الآية:
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32)﴾
الاختلاط والنظر والمصافحة والحديث والمشاهدة، مشاهدة بعض البرامج الفاضحة، ومتابعة بعض الأعمال الفنية الرخيصة، وقراءة الأدب الرخيص، ومصاحبة الأراذل، مع أن الفقهاء اجتمعوا على أن هناك مجموعة كبيرة من البنود التي إذا فعلها الرجل المسلم جُرِحت عدالته، ومن هذه البنود: صحبة الأراذل، والأكل في الطريق، والمشي حافياً، والحديث عن النساء، وتطفيف بتمرة، وأكل لقمة من حرام، ومن أطلق لفرسه العنان، ومن قاد بِرذَوناً، ومن تنزه في الطريق، ومن علا صياحه في البيت، ومن لعب بالشطرنج، ومن بال في الطريق.... كل هذه الأعمال تجرح العدالة، أما الكذب والظلم والإخلاف فهذا يسقطها، من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته، إذاً هناك حكمة بالغة من هذا النهي:
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾
فلو أن الله عز وجل قال: ولاتزنوا لكانت كل هذه المقدمات مباحة، ولكن الله عز وجل يقول:
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32)﴾
الزنى طريق غير مشروع لإرواء هذه الشهوة، فما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها طريقاً مشروعاً، ومتنفساً طبيعياً، وقناة نظيفة، تماماً كما لو أن الوقود الذي في مستودع السيارة إذا سار في أنابيبه المحكمة، وانتقل إلى الموزع، فإلى غرفة الانفجار، فأنشأ هذا الوقود السائل حركة تعود علينا بالنفع العميم، فإذا خرج هذا الوقود عن مساره الطبيعي، وألقي فوق المحرك، وجاءته شرارة، أحرق السيارة، كذلك الشهوة سلاح ذو حدين، إما أن يكون قوة نافعة، وإما أن يكون قوة مدمرة تصور إنساناً استقام على أمر الله قبل زواجه، وغض بصره عن محارم الله، وعف، وصبر عن الحرام حتى جاءه الحلال، فأكرمه الله عز وجل بعد هذا الصبر، وهذه العفة، وهذا الورع، وتلك الاستقامة، وأكرمه الله بزوجة صالحة، إن نظر إليها سرته، وإن غاب عنها حفظته، وإن أمرها أطاعته، وأنجب أولاداً، وكان بيته بيتاً إسلامياً، ترفرف عليه المحبة والمودة، والعطف والإخلاص، والوفاء والطهر، إلى أن شدّ الأولاد في هذه الأجواء الصحيحة، تحسّ أن هذه الشهوة التي أودعها الله في الإنسان هي سبب كل هذه السعادة، لا رقي في الجنة من دون هذه الشهوات، لكن الشر يتأتّى من سوء استخدامها من خروج صاحبها عن مسار الشرع، لخروجه عن الطريق الصحيحة التي رسمها الله لنا، فلا تقربوا الزنى، الزنى محرم، والزواج حلال، الربا حرام، البيع حلال، والخمر حرام، مئات المشروبات حلال، المشروب الذي حرمه الله علينا يقابله أنواع منوعة من المشروبات التي أحلها الله لنا ! وهذا الطريق القذر في قضاء الشهوة حرمه الله علينا، بينما أباح الزواج، إنك مطمئن.
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32)﴾
الحقيقة أنّ المعاصي كثيرة، ولكن الزنى خُصّ بهذا الوصف، إنه كان فاحشة لأنه من أقبح المعاصي ! إنه معصية له آثار خطيرة، آثار اجتماعية، وآثار شخصية، فيه فضيحة، فقد ينقلب الزنى إلى قتل، وجرائم القتل التي مبعثها الزنى لا تعد ولا تحصى، بل إن عند ضباط التحقيق في المباحث الجنائية قاعدة: " فتش عن المرأة في كل جريمة "، وفي كل قضية فتش عن المرأة، إذاً:
﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾
جزء من محاضرة
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1987-07-24