تَرَكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم النَّاسَ مِنْ ثَلاثٍ: كَانَ لا يَذُمُّ أَحَدًا، وَلا يَعِيبُهُ، وَلا يَطْلُبُ عَوْرتَهُ، وَلا يَتَكَلَّمُ إِلا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ، وَإِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ، كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ، فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا لا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ، وَمَنْ تَكَلَّمَ عِنْدَهُ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ، حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِهِمْ، يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ، وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ ليستجلبونهم، وَيَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ حَاجَةٍ يطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ، وَلا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلا مِنْ مُكَافِئٍ وَلا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُوزَ فَيَقْطَعُهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ
{وَلا يَطْلُبُ عَوْرتَهُ} أى لا يبحث عن المستور، جريمة الناس في هذا الزمان، يبحثون عن الأشياء المستورة ليكشفوها، الأخ الذي يبحث عن عورة أخيه وصفه الله في قرآنه بأنه شرُّ من الغراب: {قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي} المائدة31
وستراً لعورات الأحبة كلهم وعفوا عن الزلات فالعفو أرفق
سألوا أبو الدرداء رضي الله عنه وكان له أخ قد زلّ: فلان أخاك زلّ في كذا فماذا أنت صانع؟ فقال لهم رضي الله عنه: أرأيتم إن وقع أخاكم في بئر ماذا أنتم فاعلون؟ قالوا: نمد أيدينا إليه لننقذه، قال: كذلك أخاكم إن وقع في الذنب
وقال في ذلك الإمام أبو العزائم رضي الله عنه: "كن أقرب إلى أخيك عندما يكون قريباً من إبليس" لا تتركه للشيطان يصطاده وينسج عليه خيوطه وحبائله، لكن اقترب منه لترده إلى طريق الله، ولا تجعله يقع في أَسْر عدو الله وهو الشيطان الرجيم.
{وَلا يَتَكَلَّمُ إِلا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ}، يُفكر ثم ينطق، لا ينطق ثم يُفكر، لأن الذي ينطق ثم يُفكر يقع في أخطاء، ثم يلوم نفسه ويعتذر، ويظهر بمظهر غير حميد، الروية مطلوبة، فكر وقدِّر لنفسك، فإذا كان الكلام لك فأمضه، وإذا كان عليك فأخفه، وقد قال بعض الصالحين: "من عدَّ كلامه من عمله قلَّ كلامه".
{وَإِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ}، عندما وُصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الأوصاف كانت له هيبة، ومن هذه الهيبة أنه إذا تكلم أطرق جلساؤه، لأن له هيبة في النفوس، يستمعون بآذان قلوبهم: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} الحاقة12
ويودون أن الحديث لا ينتهي.
{كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ}، هيئتهم عند سماع حديثه صلى الله عليه وسلم كمن وقف على رأسه طائر يريد أن يصطاده، فلا يتحرك بل يسكن تماماً حتى يتمكن من اصطياد هذا الطائر، لا حركة ولا همهمة ولا همسة، كانوا يكتمون ما لا غِنى لهم عنه في مجلسه صلى الله عليه وسلم تأدباً مع حضرته صلوات ربي وتسليماته عليه
وكان صلى الله عليه وسلم إمامهم في ذلك، فقد قيل في وصفه: "كان إذا جلس بين أصحابه لا يمد رجليه في وسطهم، كان يمد رجليه فإذا دخل أحدهم يضم رجليه، ولا يُخرج شيئاً لا من أنفه، ولا من أُذنه، ولا من فمه، ولا من عينه وهو جالس بين إخوانه، قالوا في ذلك: "كان يحفظ أطرافه" وقد علَّمهم ذلك، وتعلموا ذلك.
{فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا لا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ}، يتكلمون مع بعضهم همساً.
{وَمَنْ تَكَلَّمَ عِنْدَهُ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ}، أدبهم مع بعضهم أن يستمعوا لمن يتكلم حتى ينتهي من حديثه، أين ذاك في مجالس المسلمين الآن؟ وهذا أدب علَّمهم إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِهِمْ}، بمعنى إذا أرادوا أن يتكلموا يُراعوا الترتيب، الأول فالأول في الدخول، أو الأكبر فالأكبر بحسب السن، أو الأتقى فالأتقى بحسب الرؤية، المهم تقديم ذوي التقديم، لأن هذا مقام كريم بين يدي النبي العظيم صلى الله عليه وسلم.
{يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ}، كان صلى الله عليه وسلم من أدبه العالي يتنزل لهم ويعاملهم كأنه أحدهم: فيضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه. ولذلك دَخَلَ نَفَرٌ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، فَقَالُوا لَهُ: {حَدِّثْنَا أَحَادِيثَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: مَاذَا أُحَدِّثُكُمْ؟ "كُنْتُ جَارَهُ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، بَعَثَ إِلَيَّ، فَكَتَبْتُهُ لَهُ، فَكُنَّا إذَا ذَكَرْنَا الدُّنْيَا، ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الآخِــرَةَ، ذَكَــرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَــرْنَا الطَّـــعَامَ، ذَكَــرَهُ مَعَنَا، فَكُلُّ هَذَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم}{1}
ساعات خفيفة يشاركهم فيها من أجل الأُنس والتنزل ليألفوه.. لا يجوز أن تأخذ الحديث كله في العلم، لأن ذلك يسبب مللاً .. لكنه صلى الله عليه وسلم كان يتنزل لهم ويألفهم ويأنس بهم فيشاركهم في بعض هذه الأحاديث.
{وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ}، إذا جاء غريب ليس من القوم، وحديث عهد بالإسلام، فكان يصبر له، وتحكي كُتب السيرة وقائع كثيرة في هذا الأمر، لأن الغريب لم يتعلم بعد، ولم يتهذب، ولم يتأدب، ويأمر أصحابه أن يُهذبونه، ويؤدبونه، ويُعلمونه.
{حَتَّى إِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ ليستجلبونهم}، كان أصحابه لشدة أدبهم يكفون عن السؤال حياءاً من حضرته، فكانوا يأتون بالغرباء فيسألوا حضرة النبي ليستفيدوا هم من أسئلة هؤلاء الغرباء.
{وَيَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ حَاجَةٍ يطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ}، يشجعهم النبي صلى الله عليه وسلم على قضاء مصالح إخوانهم، ومعاونته ومساعدته ليبلغ هذه المصلحة وهذه المنفعة.
{وَلا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلا مِنْ مُكَافِئٍ} أي مقابل، إما أن يكون إنساناً آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وثبت إيمانه، فيستمع لمديحه وثناءه عليه، لأنه عرف أنه صادق الإيمان، لكنه لا يسمع للمنافقين، لأن الله قال له في شأنهم: {وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ} المنافقون4
فكان لا يستمع إليهم صلى الله عليه وسلم ولا يُشجعهم على الكلام
وإما أن يكون المكافيء إنساناً أسدى له النبي صلى الله عليه وسلم خدمة وأراد أن يشكر النبي عليها، فلا مانع من أن يسمع الثناء من هذا الرجل ويوجه الثناء إلى الله، لكن لا يسمع الثناء من الكافر ولا من المنافق، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: {اللهم لا تجعل لكافر علي يدا فيحبه قلبي}{2}
{وَلا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُوزَ فَيَقْطَعُهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ}، لا يقطع حديث أحد حتى يتزيد في الحديث عن الحد، فيوقفه، أو يستأذن فيقوم، وفي رواية أخرى: {وَلا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُور} أي يتجاوز الحد في الإثم فيتكلم في غيبة أونميمة، فيستأذن صلى الله عليه وسلم ويقوم.
آداب المجالس يجب أن نُطبقها في مجالسنا أجمعين، إن كانت مجالسنا في المساجد، أو في بيوتنا، أو في مصالحنا، أو في أي مكان، فهذا هو بداية السلوك الصحيح إلى الله، لقوله تعالى: {فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} الأنعام68
{1} أخرجه التِّرْمِذِي، في"الشَّمائل" عن زيد بن ثابت ،المسند الجامع.
{2} رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس: من حديث معاذ بن جبل، تخريج أحاديث الإحياء العراقي
{وَلا يَطْلُبُ عَوْرتَهُ} أى لا يبحث عن المستور، جريمة الناس في هذا الزمان، يبحثون عن الأشياء المستورة ليكشفوها، الأخ الذي يبحث عن عورة أخيه وصفه الله في قرآنه بأنه شرُّ من الغراب: {قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي} المائدة31
وستراً لعورات الأحبة كلهم وعفوا عن الزلات فالعفو أرفق
سألوا أبو الدرداء رضي الله عنه وكان له أخ قد زلّ: فلان أخاك زلّ في كذا فماذا أنت صانع؟ فقال لهم رضي الله عنه: أرأيتم إن وقع أخاكم في بئر ماذا أنتم فاعلون؟ قالوا: نمد أيدينا إليه لننقذه، قال: كذلك أخاكم إن وقع في الذنب
وقال في ذلك الإمام أبو العزائم رضي الله عنه: "كن أقرب إلى أخيك عندما يكون قريباً من إبليس" لا تتركه للشيطان يصطاده وينسج عليه خيوطه وحبائله، لكن اقترب منه لترده إلى طريق الله، ولا تجعله يقع في أَسْر عدو الله وهو الشيطان الرجيم.
{وَلا يَتَكَلَّمُ إِلا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ}، يُفكر ثم ينطق، لا ينطق ثم يُفكر، لأن الذي ينطق ثم يُفكر يقع في أخطاء، ثم يلوم نفسه ويعتذر، ويظهر بمظهر غير حميد، الروية مطلوبة، فكر وقدِّر لنفسك، فإذا كان الكلام لك فأمضه، وإذا كان عليك فأخفه، وقد قال بعض الصالحين: "من عدَّ كلامه من عمله قلَّ كلامه".
{وَإِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ}، عندما وُصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الأوصاف كانت له هيبة، ومن هذه الهيبة أنه إذا تكلم أطرق جلساؤه، لأن له هيبة في النفوس، يستمعون بآذان قلوبهم: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} الحاقة12
ويودون أن الحديث لا ينتهي.
{كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ}، هيئتهم عند سماع حديثه صلى الله عليه وسلم كمن وقف على رأسه طائر يريد أن يصطاده، فلا يتحرك بل يسكن تماماً حتى يتمكن من اصطياد هذا الطائر، لا حركة ولا همهمة ولا همسة، كانوا يكتمون ما لا غِنى لهم عنه في مجلسه صلى الله عليه وسلم تأدباً مع حضرته صلوات ربي وتسليماته عليه
وكان صلى الله عليه وسلم إمامهم في ذلك، فقد قيل في وصفه: "كان إذا جلس بين أصحابه لا يمد رجليه في وسطهم، كان يمد رجليه فإذا دخل أحدهم يضم رجليه، ولا يُخرج شيئاً لا من أنفه، ولا من أُذنه، ولا من فمه، ولا من عينه وهو جالس بين إخوانه، قالوا في ذلك: "كان يحفظ أطرافه" وقد علَّمهم ذلك، وتعلموا ذلك.
{فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا لا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ}، يتكلمون مع بعضهم همساً.
{وَمَنْ تَكَلَّمَ عِنْدَهُ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ}، أدبهم مع بعضهم أن يستمعوا لمن يتكلم حتى ينتهي من حديثه، أين ذاك في مجالس المسلمين الآن؟ وهذا أدب علَّمهم إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِهِمْ}، بمعنى إذا أرادوا أن يتكلموا يُراعوا الترتيب، الأول فالأول في الدخول، أو الأكبر فالأكبر بحسب السن، أو الأتقى فالأتقى بحسب الرؤية، المهم تقديم ذوي التقديم، لأن هذا مقام كريم بين يدي النبي العظيم صلى الله عليه وسلم.
{يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ}، كان صلى الله عليه وسلم من أدبه العالي يتنزل لهم ويعاملهم كأنه أحدهم: فيضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه. ولذلك دَخَلَ نَفَرٌ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، فَقَالُوا لَهُ: {حَدِّثْنَا أَحَادِيثَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: مَاذَا أُحَدِّثُكُمْ؟ "كُنْتُ جَارَهُ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، بَعَثَ إِلَيَّ، فَكَتَبْتُهُ لَهُ، فَكُنَّا إذَا ذَكَرْنَا الدُّنْيَا، ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الآخِــرَةَ، ذَكَــرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَــرْنَا الطَّـــعَامَ، ذَكَــرَهُ مَعَنَا، فَكُلُّ هَذَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم}{1}
ساعات خفيفة يشاركهم فيها من أجل الأُنس والتنزل ليألفوه.. لا يجوز أن تأخذ الحديث كله في العلم، لأن ذلك يسبب مللاً .. لكنه صلى الله عليه وسلم كان يتنزل لهم ويألفهم ويأنس بهم فيشاركهم في بعض هذه الأحاديث.
{وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ}، إذا جاء غريب ليس من القوم، وحديث عهد بالإسلام، فكان يصبر له، وتحكي كُتب السيرة وقائع كثيرة في هذا الأمر، لأن الغريب لم يتعلم بعد، ولم يتهذب، ولم يتأدب، ويأمر أصحابه أن يُهذبونه، ويؤدبونه، ويُعلمونه.
{حَتَّى إِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ ليستجلبونهم}، كان أصحابه لشدة أدبهم يكفون عن السؤال حياءاً من حضرته، فكانوا يأتون بالغرباء فيسألوا حضرة النبي ليستفيدوا هم من أسئلة هؤلاء الغرباء.
{وَيَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ حَاجَةٍ يطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ}، يشجعهم النبي صلى الله عليه وسلم على قضاء مصالح إخوانهم، ومعاونته ومساعدته ليبلغ هذه المصلحة وهذه المنفعة.
{وَلا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلا مِنْ مُكَافِئٍ} أي مقابل، إما أن يكون إنساناً آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وثبت إيمانه، فيستمع لمديحه وثناءه عليه، لأنه عرف أنه صادق الإيمان، لكنه لا يسمع للمنافقين، لأن الله قال له في شأنهم: {وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ} المنافقون4
فكان لا يستمع إليهم صلى الله عليه وسلم ولا يُشجعهم على الكلام
وإما أن يكون المكافيء إنساناً أسدى له النبي صلى الله عليه وسلم خدمة وأراد أن يشكر النبي عليها، فلا مانع من أن يسمع الثناء من هذا الرجل ويوجه الثناء إلى الله، لكن لا يسمع الثناء من الكافر ولا من المنافق، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: {اللهم لا تجعل لكافر علي يدا فيحبه قلبي}{2}
{وَلا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُوزَ فَيَقْطَعُهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ}، لا يقطع حديث أحد حتى يتزيد في الحديث عن الحد، فيوقفه، أو يستأذن فيقوم، وفي رواية أخرى: {وَلا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُور} أي يتجاوز الحد في الإثم فيتكلم في غيبة أونميمة، فيستأذن صلى الله عليه وسلم ويقوم.
آداب المجالس يجب أن نُطبقها في مجالسنا أجمعين، إن كانت مجالسنا في المساجد، أو في بيوتنا، أو في مصالحنا، أو في أي مكان، فهذا هو بداية السلوك الصحيح إلى الله، لقوله تعالى: {فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} الأنعام68
{1} أخرجه التِّرْمِذِي، في"الشَّمائل" عن زيد بن ثابت ،المسند الجامع.
{2} رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس: من حديث معاذ بن جبل، تخريج أحاديث الإحياء العراقي