الكتاب: شرح التصريف
المؤلف: أبو القاسم عمر بن ثابت الثمانيني (المتوفى: 442هـ)
فأمّا أهل الحجاز فإنّه إذا سكن الثاني لوقف أو جزم ردُّوا إلى الحرف
الذي قبله حركته فسكن الأوّل فقالوا: "يَرْدُدْ ويعْضَضْ ويفْرِرْ".
فإن كان أمرًا اجتلبوا له ألف الوصل فقالوا: "امْدُدْ" و"اعْضَضْ" و"افْرِرْ".
فإن بنوا هذا المدغَم لما لم يسمَّ فاعله جاز فيه وجهان إذا كان في الماضي: قالوا: "قد رُدَّ زيدٌ" و"قد رِدَّ زيدٌ" بضمّ الراء وكسرها، وقد قرئ: (رُدُّوا إلى الله) [الأنعام: 62] و (رِدُّوا إلى الله) فمن قال (رِدُّوا إلى الله) بالكسر فأصله: "رُدِدَ" فأسقط ضمّة الرّاء، ونقل إليها كسرة الدّال فقال: "رِدُّوا" و"رِدَّ زيدٌ" فالكسرة في الرّاء هي المنقولة إليها من الدّال فقال: "رِدُّوا"، وهذه أقلُّ القراءتين.
فأمّا من ضمّ الرّاء فالأصل فيه: "رُدِدَ" فأسقط حركة الدّال الأولى، وأدغمها في الثانية، وبقيت ضمّة الرّاء فيها فقالوا: "رُدَّ زيدٌ".
فأمّا في المستقبل فيقال: "يُرَدُّ زيدٌ" فالفتحة في الرّاء هي المنقولة إليها من
الدّال، لأنّ الأصل فيه: "يُرْدَدُ".
فأمّا: "عَضَّ" فإذا بنيته لما لم يسمّ فاعله جاز فيه: "عِضَّ الخبزُ" و"عُضَّ الخبزُ". فمن قال: "عِضَّ" بكسر العين فالأصل فيه: "عُضِضَ" فأسقط ضمّة العين، ونقل كسرة الضّاد، وأدغم الضّاد في الضّاد فقال: "عِضَّ" والكسرة في العين هي المنقولة إليها من الضّاد.
فأمّا من قال: "عُضَّ" فالأصل فيه: "عُضِضَ" فأسقط كسرة الضّاد، وأدغمها في الضّاد الأخرى فقال: "عُضَّ".
وأمّا في المستقبل فإنّه يقول "يُعَضُّ" فالفتحة في العين هي المنقولة إليها من الضّاد، لأنّ الأصل: "يُعْضَضُ".
فأمّا: "فَرَّ" فإذا بنيته لما لم يسمّ فاعله جاز فيه كسر الفاء وضمّها تقول: "قد فِرَّ الفرارُ" و"فُرَّ الفرارُ" فمن كسر الفاء فأصله: "فُرِرَ" فأسقط ضمّة الفاء، ونقل إليها كسرة الرّاء، ثم أدغم الرّاء في الرّاء فقال: "قد فِرَّ".
فأمّا من ضمَّ الفاء فالأصل فيه: "فُرِرَ" فأسقط كسرة الرّاء، ثمّ أدغمها في الرّاء فقال: "فُرَّ الفرارُ".
فأمّا في المستقبل فيقول: "يُفَرُّ" فالفتحة في الفاء هي المنقولة إليها من الرّاء، لأنّ الأصل "يُفْرَرُ".
وإذا كانت لام فعل ألفًا قد انقلبت عن ياء أو واو نحو: "رمَى" و"غَزا"، لأنّ الأصل فيه: "رَمَيَ" و"غَزَوَ" فلمّا تحرّكتا وانفتح ما قبلهما قلبتا ألفًا
فإذا رددته إلى المستقبل قلت: "يغزُو" و"يرمِي" فصحّت الواو لانضمام ما قبلها، وصحّت الياء لانكسار ما قبلها.
فإذا بنيت الماضي لما لم يسمّ فاعله قلت: "غُزِيَ زيدٌ" و"رُمِيَ عمروٌ" وانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، وفتحت الياء، لأنّ آخر الماضي مبنيٌّ على الفتح.
فإذا بنيت المستقبل لما لم يسمّ فاعله قلت: "يُرْمَى زيدٌ" و"يُغْزى عمروٌ" قلبت الياء والواو ألفًا لتحرّكهما وانفتاح ما قبلهما.
فإذا ثنّيت الضمير قلت: "يُغْزيان" و"يُرْمَيان" وصارت الواو في "يُغْزَيان" ياء، لأنّ الواو إذا وقعت رابعة قلبت إلى الياء.
وإذا كان الماضي على "فَعِلَ" ولامه واو، قلبت ياء لانكسار ما قبلها، وإنّما بنوه على: "فَعِلَ" لتنقلب واوه ياء، لأنّ الياء أخفُّ عليهم من الواو نحو: "رَضِيَ" و"شَقِيَ" و"غَبِيَ" لأنّه من الغباوة والشّقاوة والرّضوان والأصل: "رَضِوَ" و"شَقِوَ" و"غَبِوَ" فانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.
فإذا صرت إلى المستقبل قلت: "يرْضَى" و"يَشْقى" و"يَغْبَى" قلبت الياء ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها.
فإذا ثبَّتَ الضمير قلت: "يرضيان" فهذه ياء انقلبت عن ألف: "يرْضَى" وألف "يرْضى" انقلبت عن ياء: "رَضِيَ"، وياء "رَضِيَ" انقلبت عن واو "رَضِوَ".
فإن بنيت: "رَضِيَ" لما لم يسمّ فاعله قلت: "رُضِيَ" عنه فتحت الياء، لأنّ الماضي مفتوح الآخر.
فإن سكّنت الضّاد على مذهب من قال في: "عَلِمَ: عَلْمَ" أبقيت الياءَ
فقلت: "رضْيَ عنه"، ولم تردَّ الياءَ إلى الواو، لأنّ سكون الضّاد عارضٌ، والكسرة فيها مقدّرة. وهذا قياس مستمرٌّ في نظائره.
وكذلك لو بنيت: "فَعُلَ" ممّا لامه ياء إذا أردت المبالغة قلت: "قد رَمُوَتْ يدُه" إذا حذِقَ الرّماية، و"قد قَضُوَ الرجل" إذا حذق القضاء.
فإن سكّنتَ ما قبل الواو للتّخفيف على مذهب من قال: "ظَرْفَ" في: "ظَرُفَ" قلت: "قد رمَوَتْ يدُهُ"، و"قد قَضْوَ الرّجلُ" ولم تردَّ الواوَ إلى الياء، لأنّ السكون الذي قبلها عارضٌ، والضّمّة مقدّرة.
وتقول: "رَمَى" فإذا ألحقتها التّاء أسقطتها، لسكونها وسكون التّاء فقلت: "رَمَتْ" و"غَزَتْ" كما تقول: "بِعْ" و"خَفْ" و"قُلْ" فتسقط الياء والواو والألف لسكونها وسكون ما بعدها.
فإن تحرّك السّاكن الأخير لساكن بعده نحو: "رَمَتْ المرأةُ" و"غزتِ اليومَ" و"خفِ اللهَ" و"قلِ الحقَّ" و"بعِ الثّوبَ" لم يرجع السّاكن الأوّل، لأنّ
حركة السّاكن الثاني عارضة إذا كان الساكن الثالث غير لازم، ألا تراك تقول: "رمتْ هندٌ" و"قلْ حقًّا" و"خف ربَّك" فلا يكون بعد السّاكن الثاني ساكن ثالث، فعلمت أنّ الساكن الثالث عارض، وكذلك الحركة التي تجب عنه عارضة.
وتقول: "رامَى" فإذا ألحقته تاء التأنيث قلت: "رامَتْ" فسقطت الألف للتّاء، فإن قلت: "رامتِ المرأةُ" لم ترجع الألف، لأنّ حركة التّاء عارضة إذا كان الساكن الذي بعدها غير لازم.
وتقول: "يرمِي الغرضَ" و"يغزو العدوَّ" و"يسعى اليومَ" فتسقط هذه الحروف لالتقاء السّاكنين.
فإن بنيت اسم الفاعل من "ساءَ يسُوءُ" و"جاءَ يجِيئُ" فقد بيَّنْتُ لك أنّه يجب أن يزاد قبل هذه الألف ألفٌ تحرّك هذه الألف، وإذا حرّكتها انقلبت همزة، وبعدها همزة، اجتمع همزتان نحو: "جائِئٌ" و"سائِئٌ" من: "جئْتُ" و"سُؤْتُ".
فيجتمع همزتان والخليل لا يرى اجتماع همزتين في كلمة واحدة،
وكذلك البصريّون فيقلبون الثانية ياء، لانكسار ما قبلها فيقولون: "جائِيٌ" و"سائِيٌ" فوزنه فاعِلٌ على وزن "قاضٍ".
وكان الخليل يقدِّم الهمزة التي هي اللام على الألف التي انقلبت عن العين فتحصل الألف آخرًا وقبلها كسرة فتنقلب ياء فتقول: "جائِيٌ" و"سائِيٌ" فوزنه على مذهب الخليل: "فالِعٌ".
فقول الخليل والجماعة في اللفظ واحد، وفي التقدير مختلف.
فإذا زاد الماضي على ثلاثة أحرف، وكانت عينه ألفًا قد انقلبت عن ياء أو واو، نحو: "أقامَ" و"أرادَ" و"أعانَ" و"استعانَ" و"استغاث" و"اسْتَراثَ" و"اسْتَكانَ" و"اسْتبانَ" و"اسْتضاء" ففيهم من يقول: لمّا اعتلَّ الفعلُ، وأدخل الهمزة عليه بقّاه على اعتلاله لمّا أدخل الهمزة سكنت القاف فصار: "أقْوَمَ" و"أرْوَدَ" و"اسْتَقْوَمَ" و"اسْتَعْوَنَ" و"اسْتَلْيَنَ" و"اسْتَرْيَثَ" و"اسْتَضْوَأ" فنقل فتحة الواو والياء إلى السّاكن، فسكنت الياء والواو، وأتبعتا الفتحة التي قبلها فصارتا ألفًا.
ومن النحويين من يقول: راعَوْا حركتهما قبل النّقل، وفتحة ما قبلهما بعد النّقل، والكلمة واحدة، فصارتا كأنّهما متحرّكتان وقبلهما فتحة، فانقلبتا ألفًا فقالوا: "أراد" و"أقام" و"أجاد" و"استراث" و"استعاذ" و"استضاء".
فإذا ردَّ إلى المستقبل قال: "يُقِيمُ" و"يُرِيدُ"، والأصل: "يُقْوِمُ" و"يُرْوِدُ"، فنقل كسرة الواو إلى ما قبلها، فلمّا سكنت الواو وقبلها كسرة انقلبت ياء فقال: "يُقِيمُ" و"يُرِيدُ" و"يُعِيدُ"، وكذلك "يستعينُ" و"يستضيءُ" أصله: "يسْتَعْوِنُ" و"يستضْوِئُ" فقنل كسرة الواو إلى ما قبلها، ثمّ انقلبت الواو ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها.
و"يستَبِينُ" و"يسترِيثُ" أصله: "يسْتَبْيِنُ" و"يسترْيِثُ" فنقلوا كسرة الياء إلى ما قبلها، فلمّا سكنت الياء وقبلها كسرة تمكّنت.
وتقول في اسم الفاعل من هذا: "مُقِيمٌ" و"مُريدٌ" و"مُسْتضِيئٌ" و"مُستعِينٌ" والأصل "مُقْوِمٌ" و"مُرْوِدٌ" و"مُسْتَضْوِئٌ" و"مُسْتَعْوِنٌ" ثمّ تنقل كسرة الواو إلى ما قبلها، فلمّا سكنت الواو، وقبلها كسرة قلبت ياء فقلت: "مُقيمٌ" و"مُرِيدٌ" و"مُسْتَعِينٌ" و"مُسْتَضيئٌ".
فأمّا: "مُسْتَرِيثٌ" و"مُسْتَبِينٌ" فأصله: "مُسْتَرْيِثٌ" و"مُسْتَبْيِنٌ" فنقلت
كسرة الياء إلى ما قبلها فسكنت الياء، وقبلها كسرة فتمكّنت، فقلت: "مُسْتَريثٌ" و"مُسْتَبِينٌ".
فأمّا اسم المفعول فقولك: "مُرادٌ" و"مُقامٌ"، والأصل: "مُقْوَمٌ" و"مُرْوَدٌ"، و"مُسْتعانٌ" الأصل: "مُسْتَعْوَنٌ" و"مُسْتضاءٌ" الأصل: "مُسْتَضْوَءٌ"، و"مُسْتبانٌ" و"مُسْتَراثٌ"، الأصل:"مُسْتَبْيَنٌ" و"مُسْتَرْيَثٌ" فنقلت حركة الواو والياء إلى ما قبلهما ثمّ أتبعتا الفتحة فصارتا ألفًا فقلت: "مُقامٌ" و"مُرادٌ" و"مُسْتعانٌ" و"مُسْتَراثٌ" و"مُسْتبانٌ" و"مُسْتَضاءٌ".
وقد صحّحوا من هذه الأفعال شيئًا دلّوا به على الأصل الذي أعَلُّوه فمن ذلك: (اسْتَحْوَذَ) صحِّح، فهذا حقيقة في الاستعمال، وشاذٌّ في القياس ولم يرد إلا مصحَّحًا.
وقد قالوا: "أغْيَلَتِ المرأةُ" و"أغالتْ" فأوردوه تارة مُعلا وتارة
مصحَّحًا وقالوا: "اسْتَتْيَسَتِ الشّاةُ" فصحّحوا ليدُلّوا به على الأصل الذي أُعِلَّ.
فأمّا مصادر هذه الأفعال فنحو قولهم: "أراد يُريد إرادةً" والأصل: "إرْوادًا" و"أقام يُقيمُ إقامةً" والأصل: "إقْوامًا" فقلبوا من الواو ألفًا ليُعَلَّ المصدرُ كما أعلَّ الفعل، فاجتمع ألفان: الأولى منقلبة عن عين الكلمة، والثانية زائدة.
فالخليل وسيبويه يسقطان الأخيرة، لأنّها ليست لمعنى، فوزن الكلمة عندهما: "إفْعَل".
وكان الأخفش يسقط الألف الأولى ويبقي الثانية، وقال: إنّها دخلت لمعنى، والأولى ليست لمعنى: والذي دخل لمعنى أولى بالإبقاء، فوزن الكلمة عند الأخفش: "إِفال".
وعوّضوا تاء التّأنيث من الألف السّاقطة سواء كانت السّاقطة الأصليّة أو الزّائدة، فقالوا: "إقامةٌ" و"إرادة" فوزنها عند الخليل: "إفْعَلَةٌ"، وعند
الأخفش: "إفالة"، وربّما أسقطوا التّاء وجعلوا المضاف إليه عوضًا منها (وإقامَ الصلاة) والأصل: "إقامة الصلاة".
وكذلك: "استضاء استضاءة" والأصل: "اسْتِضْواء" و"اسْتقام يستقِيمُ استقامة" والأصل: "اسْتِقْوامًا" و"اسْتعاذ استعاذة"، والأصل "اسْتِعْواذًا" ففعلوا فيه ما بيّنت لك، والطّريقة في إعلال الأفعال واحدة في هذه المواضع كلّها.
واعلم بأنّه قد يجيءُ اسم الفاعل والمفعول بلفظ واحد، والتقدير فيهما مختلف، تقول: "اخترت الثوبَ فأنا مُخْتارٌ" فهذا اسم الفاعل، و"الثوب مختارٌ" فهذا اسم المفعول، وهما في اللفظ واحدٌ، إلاَّ أنّ اسم الفاعل "مُخْتَيِرٌ" في الأصل بكسر العين، واسم المفعول: "مُخْتَيَرٌ" بفتح العين، والعين هي الياء، فلمّا تحرّكت وقبلها فتحة انقلبت ألفًا، فينبغي أن يقدَّر على الألف في اسم الفاعل كسرة وفي اسم المفعول فتحة كما كانت على الياء.
وكذلك: "انقاد الفرسُ فهو مُنْقادٌ" والأصل: "مُنْقَوِدٌ" فلمّا تحرّكت الواو وقبلها فتحة انقلبت ألفًا، ويقدَّر على الألف كسرة، لأنّه اسم فاعل.
وكذلك يجيءُ في الإدغام اسم الفاعل واسم المفعول بلفظ واحد لأنّ الإدغام قد أذهب الحركة منهما تقول: "اقْشعرَّ زيدٌ فهو مقشعِرٌّ" والأصل: "مُقْشَعْرِرٌ" فنقلت حركة الرّاء الأولى إلى ما قبلها، وأدغمتها فيما بعدها، فالكسرة في العين من "مُقْشَعِرّ" هي المنقولة إليها من الرّاء، ومثل هذا كثير في "مُحْمَرٌّ"، إذا كان اسمًا للفاعل فأصلها: "مُحْمَرِرٌ" فأسقطت [كسرة] الرّاء الأولى وأدغمتها فيما بعدها، وتقول: "هذا مكانٌ محمَرٌّ فيه"، والأصل: "مُحْمَرَرٌ فيه" فأسقطت فتحة الرّاء الأولى، وأدغمتها فيما
بعدها فقد بان لك أنّ اسم الفاعل والمفعول قد يكونان على صورة واحدة في اللفظ، ويختلفان في المعنى.
فإن كان الاسم والفعل على وزن واحد صحّحوا الاسم وأعلّوا الفعل؛ وإنّما أعلّوا الفعل، لأنّ الألف خفيفة، والفعل ثقيل، فجعل الخفيف مع الثقيل فقالوا: "أقام يُقيمُ" و"أراد يُريدُ" و"استجاب يستجيب".
وصحّحوا في الاسم، لأنّ الاسم على كلّ وجه أخفُّ من الفعل فهو أحمل للثّقل فقالوا: "هذا أقْوَمُ منك" و"زيدٌ أبْيَعُ من عمرٍو".
فإن قيل فقد صحّحوا فعل التّعجّب فقالوا: "ما أبْيَعَهُ"، و"ما أقْوَمَهُ" و"ما أقْوَلَ زيدًا".
قيل له: فعل التّعجّب لمّا لم يتصرّف أشبه الأسماء فصحّحوا فيه العين، كما صحّحوا في الاسم؛ ولأجل شبهه بالأسماء ما دخله التّصغير فقالوا: "ما أُحَيْسِنَ زيدًا" و"ما أُمَيْلِحَهُ".
فإن كان في أوّل الاسم ميمٌ زال شبهه بالفعل، لأنّ الميم ليست من زيادات الفعل، وإذا زال التباسه بالفعل وجب أن يعلَّ قالوا: "مُقامٌ" والأصل: "مُقْوَمٌ" فنقلوا فتحة الواو إلى القاف فسكنت الواو، وانفتح ما قبلها، ثمّ أتبعت الفتحة فصارت ألفًا فقالوا: "مُقامٌ" وكذلك قالوا: "مَعاشٌ" والأصل: "مَعْيَشٌ" نقلوا فتحة الياء إلى العين، فلمّا سكنت وانفتح ما قبلها أتبعوها الفتحة فانقلبت ألفًا، لأنّه نقل فقلب.
وقالوا: "المَعيشُ" و"المَعِيشةُ" والأصل "مَعْيِشَةٌ" و"مَعْيِشٌ" فنقلوا كسرة الياء إلى العين، فلمّا سكنت الياء وقبلها كسرة تمكّنت، فوزن: "مَعِيش": "مَفْعِل" ومثله: "المَقِيل" و"المَحِيص" أصله: "مَحْيِصٌ" فنقلوا كسرة الياء إلى ما قبلها فقالوا: "مَحِيصٌ" و"مَقِيلٌ" أصله: "مَقْوِلٌ" فنقلوا كسرة الواو إلى ما قبلها، فلمّا سكنت وقبلها كسرة انقلبت ياء.
فأمّا: "مَعِيشةٌ" فعند سيبويه يجوز أن تكون: "مَفْعِلَة" أصلها: "مَعْيِشَة" فنقلوا كسرة الياء إلى ما قبلها فثبتت، لأنّها ساكنة وقبلها كسرة.
ويجوز أن تكون: "مَفْعُلَة" أصلها: "مَعْيُشَة" فنقل ضمّة الياء إلى العين فسكنت الياء وقبلها ضمّة فقلب من الضّمّة كسرة؛ لقرب الياء من الطّرف لأنّه لا يُعْتَدُّ بتاء التّأنيث فقال: "مَعِيشَة".
وكذلك "مَعِيشٌ" يجوز أن يكون "مَفْعُلا" "مَعْيُش" فنقل ضمّة الياء إلى العين فسكنت الياء وقبلها ضمّة، ثمّ قلب من الضّمّة كسرة لتسلم الياء إذ كانت قريبًا من الطّرف كما كسروا الباء من "بِيضٍ" لتثبت الياء ولا تنقلب واوًا إذ كانت قريبًا من الطّرف، لأنّ وزنه "بُيْضٌ" على وزن "حُمْر"، وكذلك فعلوا في: "عِين" أصله "عُيْنٌ" على وزن "صُفْر" قال الأخفش إنّما قلبت الضّمّة في الجمع كسرة في: "بِيضٌ" و"عِين" لئلاّ أجمع على الكلمة ثقل الجمع، وثقل الواو؛ ولأنّ الياء إذا سكنت وقبلها ضمّة وجب أن تقلب واوًا.
وقال الأخفش لو كان "مَعِيشُ" مَفْعُلاً لقلت: "مَعُوشًا، وكذلك لو كانت: "مَعِيشَةٌ" مَفْعُلَةً لقلت "مَعُوشَةً"، وكذلك "عَيُشَ" لو كان فَعُلاً لقلت "عُوشٌ" و"عِيشَةٌ" لو كانت فَعُلَةً لقلت "عُوشَةٌ"، لأنّ الواحد خفيف فلا يستثقل فيه ما يستثقل في الجمع.
فأمّا قولهم: "عُوطَطٌ" فالأصل فيه: "عُيْطَطٌ".
وكذلك "مُوقِنٌ" و"مُوسِرٌ" الأصل فيهما "مُيْقِنٌ" و"مُيْسِر" فقلبوا الياء واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها لمّا بعدت من الطّرف، ولو قربت من الطّرف لقلبوا من الضّمّة كسرة كما فعلوا في: "بِيضٍ" و"عِينٍ".
فأمّا: "مُقام" و"مُراد" فالأصل فيهما: "مُقْوَمٌ" و"مُرْوَدٌ" فنقلوا فتحة الواو إلى ما قبلها فسكنت الواو وقبلها فتحة ثم أتبعت الفتحة فصارت ألفًا.
وكذلك ما فوق هذا الاسم من العدد في نحو: "مُسْتغاثٍ" و"مُسْتجابٍ" و"مُسْتعانٍ"، الطّريقة في إعلاله واحدة.
فأمّا: "مُعْطَى" و"مَرْمَى" و"مَدْعَى" فالأصل فيه: "مُعْطَوٌ" و"مَرْمِيٌ" و"مَدْعُوٌ" فلمّا تحرّكت الياء في: "مَرْمِيٍ" وقبلها فتحة انقلبت ألفًا.
ولمّا وقعت الواو في "مَدْعَوٍ" و"مُعْطَوٍ" رابعة قلبت ياء، وتحرّكت
الياء، وقبلها فتحة انقلبت ألفًان وكذلك يفعلون في الواو إذا وقعت رابعة فصاعدًا طرفًا يقلبونها ياء، والأصل هذا في الفعل، وإنّما تحمل الأسماء المشتقّة منه عليه، ألا تراهم قالوا في الفعل: "يُدْنِي" و"يُغْزِي" والأصل "يدْنُو" و"يغْزُو"؟؛ لأنّه من "دَنَوْتُ" و"غَزَوْتُ" فلمّا انكسر ما قبل الواو انقلبت ياء، ثم قلبوا هذه الياء ألفًا في: "أدْنَى" و"أغْزَى"، والأصل: "أغْزَيَ" و"أدْنَيَ" فلمّا تحرّكت الياء وقبلها فتحة قلبت ألفًا فقيل: "أدْنَى" و"أغْزَى" فهذه ألف انقلبت عن ياء انقلبت عن واو.
فإن قيل: فلم انقلبت في "تَرَجَّيْنا" و"تعاطَيْنا" و"تغازينا"؟ وأنت تقول: "تغازى يتغازى" و"تعاطى يتعاطى" و"ترجّى يترجّى" وليست هنا كسرة توجب قلب الواو ياء؟
قيل له الأصل: "غازى يُغازِو" و"عاطى يُعاطِو" و"رَجَّى يُرَجِّو" فانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، ثمّ دخلت التّاء في أوّله بعد القلب فبقي القلب على حاله فقالوا: "ترجّى يترجَّى" و"تعاطى يتعاطَى" و"تغازى يتغازى" وأمثلته كثيرة.
وإذا كان الماضي على ثلاثة أحرف، وكانت عينه ولامه من جنس واحد، وتحرّك الثاني منهما حركة لازمة ثقل عليهم إظهارهما، فأسقطوا حركة
الأوّل وأدغموه في الثاني سواء كان الفعل على "فَعِلَ" أو "فَعُلَ" أو "فَعَلَ" قالوا: "مَدَّ" و"رَدَّ" و"ضَنَّ" و"حبَّذَا" والأصل "مَدَدَ" و"رَدَدَ" و"ضَنِنَ" و"حَبُبَ" فأسكنوا الأوّل وأدغموه في الثاني.
فإن اتّصل المثل الثاني بتاء المتكلم وتثنيته وجمعه، وتاء المخاطب وتثنيته وجمعه، وتاء المخاطَبة وتثنيتها وجمعها، ونون التّأنيث فُكَّ الإدغام، لأنّه لمّا سكن الثاني استحال أن يدغم فيه لمّا حصل في مكان لا يمكن أن تصل إليه حركة.
فأمّا قولهم: "مَرَّتُ" فهذا في الحقيقة ليس بإدغام، فاختلسوا الحركة.
فإن قيل: الفتحة لا تسقط كما تسقط الضّمّة والكسرة لخفّة الفتحة.
قيل له: الفتحة وإن لم تسقط يجوز أن تختلس فيخيَّل للسّامع أنّ الحرف قد أسكن وهو متحرّك.
وإن كان المثلان قد ألحقا بمتحرّكين وجب أن يظهرا ليكونا على وزن ما ألحقتا به؛ لأنّ الإدغام يزيل الإلحاق ويبطلة، كما قالوا في الأرض الصّلبة: "قَرْدَدٌ" لمّا ألحقوه بـ"جَعْفَر"، وقالوا في اسم المرأة: "مَهْدَدٌ" لمّا ألحقوه بـ"جَعْفَر". ولو بنيت من "ضَرَبَ" مثال: "دَحْرَجَ" لقلت: "ضَرْبَبَ" فأظهرت المثلين ليكون على وزن: "دَحْرَجَ".
فإن زاد الماضي على ثلاثة أحرف، وكان في آخره مثلان نقلت حركة المثل الأوّل إلى السّاكن الذي قبله فتحرّك الساكن وسكن المتحرك فأدغمته في الذي بعده فقلت: "اسْتَعَدَّ" و"اطْمَأنَّ" و"اقْشَعَرَّ"، والأصل فيه: "اسْتَعْدَدَ" و"اطْمأنَنَ" و"اقْشَعْرَرَ" فنقلت الحركة من المثل الأوّل، وأدغمته في الثاني فالفتحة في العين من: "اسْتَعَدَّ" هي المنقولة إليها من الدّال، والفتحة في عين "اقْشَعَرَّ" هي المنقولة إليها من الرّاء، والفتحة في همزة: "اطْمأنَّ" هي المنقولة إليها من النّون.
فإن اتّصل المثل الثاني بالضمائر التي ذكرتها وجب أن يظهر المدغم، وتردَّ إليه حركته نحو: "اطْمأنَنْتُ" و"اقْشَعْرَرْتُ" و"اسْحَنْكَكْتُ".
فأمّا "احْمارَّ" فالأصل فيه: "احْمارَرَ" فأسقطوا حركة المثل الأوّل، وأدغموه في الثاني، ولم يجز أن ينقلوها، لأنّ الألف لا تتحرّك.
فإن اتّصل هذا بتاء المتكلّم وما جرى مجراه سكن الثاني فانفكّ الإدغام، وردوا إلى الأوّل حركته فقالوا: "احْمارَرْتُ" ومثل هذا كثير.
فإذا صرت إلى المستقبل في: "يَرُدُّ" و"يَضَنُّ" ألقوا حركة الأوّل على ما قبله، وأدغموه في الثاني، فالضّمّة في ميم "يَمُدُّ" هي المنقولة إليها من الدّال، والفتحة في ضاد "يَضَنُّ" هي المنقولة إليها من النّون.
وكذلك إن زاد على الثلاثة في نحو: "يَسْتَعِدُّ "و"يَطْمَئِنُّ" و"يَقْشَعِرُّ" فالكسرة في عين "يَسْتَعِدُّ" هي المنقولة إليها من الدّال، والكسرة في [همزة] "يَطْمَئِنُّ" هي المنقولة إليها من النّون، والكسرة في عين "يَقْشَعِرُّ" هي المنقولة إليها من الرّاء.
فأمّا: "اسْحَنْكَكَ يَسْحَنْكِكُ" فإنّما لم يجز إدغام الكاف في الثانية، لأنّه ملحق بـ"احْرَنْجَمَ" "يَحْرَنْجِمُ"،
فأمّا قراءة من قرأ: (ويخشَ الله ويتَّقِه) [النور: 52] فإنّه خلط الهاء بما قبلها واشتقّ من الكلمتين مثالاً واحدًا فقال: "تَقِهْ" مثل "كَتِف" فأسقط الحركة من القاف فاجتمع ساكنان: الهاء والقاف، فكسر الهاء لالتقاء السّاكنين.
وكذلك قول الشاعر:
قالت سُلَيْمَى اشْتَرْ لنا دقيقا
خلط اللام بما قبلها، واشتقّ من الكلمتين مثالاً واحدًا فصار: "تَرِلَ" على مثال: "عَلِمَ" فسكّن الرّاء تخفيفًا كما قالوا في: "عَلِمَ" "عَلْمَ" فسكّن الرّاء تخفيفًا، وقال الآخر:
ألا رُبَّ مولودٍ وليس له أب ... وذي ولدٍ لم يلْدَهُ أبوان
والمولود الذي ليس له أبٌ هو عيسى عليه السّلام، وذي ولدٍ لم يلْدَهُ أبوان هو آدم عليه السلام.
والأصل في: "يَلْدَهُ: يَلِدْهُ" فسكّن الدّالَ للجزم فصار "يَلِدْ" على وزن "كَتِفْ" فسكّن اللام كما تقول في: "كَتِفٍ: كَتْفٌ" فاجتمع ساكنان اللام والدّالُ، ولم يجز الجمع بينهما، فحرّك الدّال لالتقاء السّاكنين، واختار لها الفتح إتباعًا لفتحة الياء التي قبلها، ولم يحفل بالحرف الذي قبلها لمّا كان ساكنًا.
المؤلف: أبو القاسم عمر بن ثابت الثمانيني (المتوفى: 442هـ)
فأمّا أهل الحجاز فإنّه إذا سكن الثاني لوقف أو جزم ردُّوا إلى الحرف
الذي قبله حركته فسكن الأوّل فقالوا: "يَرْدُدْ ويعْضَضْ ويفْرِرْ".
فإن كان أمرًا اجتلبوا له ألف الوصل فقالوا: "امْدُدْ" و"اعْضَضْ" و"افْرِرْ".
فإن بنوا هذا المدغَم لما لم يسمَّ فاعله جاز فيه وجهان إذا كان في الماضي: قالوا: "قد رُدَّ زيدٌ" و"قد رِدَّ زيدٌ" بضمّ الراء وكسرها، وقد قرئ: (رُدُّوا إلى الله) [الأنعام: 62] و (رِدُّوا إلى الله) فمن قال (رِدُّوا إلى الله) بالكسر فأصله: "رُدِدَ" فأسقط ضمّة الرّاء، ونقل إليها كسرة الدّال فقال: "رِدُّوا" و"رِدَّ زيدٌ" فالكسرة في الرّاء هي المنقولة إليها من الدّال فقال: "رِدُّوا"، وهذه أقلُّ القراءتين.
فأمّا من ضمّ الرّاء فالأصل فيه: "رُدِدَ" فأسقط حركة الدّال الأولى، وأدغمها في الثانية، وبقيت ضمّة الرّاء فيها فقالوا: "رُدَّ زيدٌ".
فأمّا في المستقبل فيقال: "يُرَدُّ زيدٌ" فالفتحة في الرّاء هي المنقولة إليها من
الدّال، لأنّ الأصل فيه: "يُرْدَدُ".
فأمّا: "عَضَّ" فإذا بنيته لما لم يسمّ فاعله جاز فيه: "عِضَّ الخبزُ" و"عُضَّ الخبزُ". فمن قال: "عِضَّ" بكسر العين فالأصل فيه: "عُضِضَ" فأسقط ضمّة العين، ونقل كسرة الضّاد، وأدغم الضّاد في الضّاد فقال: "عِضَّ" والكسرة في العين هي المنقولة إليها من الضّاد.
فأمّا من قال: "عُضَّ" فالأصل فيه: "عُضِضَ" فأسقط كسرة الضّاد، وأدغمها في الضّاد الأخرى فقال: "عُضَّ".
وأمّا في المستقبل فإنّه يقول "يُعَضُّ" فالفتحة في العين هي المنقولة إليها من الضّاد، لأنّ الأصل: "يُعْضَضُ".
فأمّا: "فَرَّ" فإذا بنيته لما لم يسمّ فاعله جاز فيه كسر الفاء وضمّها تقول: "قد فِرَّ الفرارُ" و"فُرَّ الفرارُ" فمن كسر الفاء فأصله: "فُرِرَ" فأسقط ضمّة الفاء، ونقل إليها كسرة الرّاء، ثم أدغم الرّاء في الرّاء فقال: "قد فِرَّ".
فأمّا من ضمَّ الفاء فالأصل فيه: "فُرِرَ" فأسقط كسرة الرّاء، ثمّ أدغمها في الرّاء فقال: "فُرَّ الفرارُ".
فأمّا في المستقبل فيقول: "يُفَرُّ" فالفتحة في الفاء هي المنقولة إليها من الرّاء، لأنّ الأصل "يُفْرَرُ".
وإذا كانت لام فعل ألفًا قد انقلبت عن ياء أو واو نحو: "رمَى" و"غَزا"، لأنّ الأصل فيه: "رَمَيَ" و"غَزَوَ" فلمّا تحرّكتا وانفتح ما قبلهما قلبتا ألفًا
فإذا رددته إلى المستقبل قلت: "يغزُو" و"يرمِي" فصحّت الواو لانضمام ما قبلها، وصحّت الياء لانكسار ما قبلها.
فإذا بنيت الماضي لما لم يسمّ فاعله قلت: "غُزِيَ زيدٌ" و"رُمِيَ عمروٌ" وانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، وفتحت الياء، لأنّ آخر الماضي مبنيٌّ على الفتح.
فإذا بنيت المستقبل لما لم يسمّ فاعله قلت: "يُرْمَى زيدٌ" و"يُغْزى عمروٌ" قلبت الياء والواو ألفًا لتحرّكهما وانفتاح ما قبلهما.
فإذا ثنّيت الضمير قلت: "يُغْزيان" و"يُرْمَيان" وصارت الواو في "يُغْزَيان" ياء، لأنّ الواو إذا وقعت رابعة قلبت إلى الياء.
وإذا كان الماضي على "فَعِلَ" ولامه واو، قلبت ياء لانكسار ما قبلها، وإنّما بنوه على: "فَعِلَ" لتنقلب واوه ياء، لأنّ الياء أخفُّ عليهم من الواو نحو: "رَضِيَ" و"شَقِيَ" و"غَبِيَ" لأنّه من الغباوة والشّقاوة والرّضوان والأصل: "رَضِوَ" و"شَقِوَ" و"غَبِوَ" فانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.
فإذا صرت إلى المستقبل قلت: "يرْضَى" و"يَشْقى" و"يَغْبَى" قلبت الياء ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها.
فإذا ثبَّتَ الضمير قلت: "يرضيان" فهذه ياء انقلبت عن ألف: "يرْضَى" وألف "يرْضى" انقلبت عن ياء: "رَضِيَ"، وياء "رَضِيَ" انقلبت عن واو "رَضِوَ".
فإن بنيت: "رَضِيَ" لما لم يسمّ فاعله قلت: "رُضِيَ" عنه فتحت الياء، لأنّ الماضي مفتوح الآخر.
فإن سكّنت الضّاد على مذهب من قال في: "عَلِمَ: عَلْمَ" أبقيت الياءَ
فقلت: "رضْيَ عنه"، ولم تردَّ الياءَ إلى الواو، لأنّ سكون الضّاد عارضٌ، والكسرة فيها مقدّرة. وهذا قياس مستمرٌّ في نظائره.
وكذلك لو بنيت: "فَعُلَ" ممّا لامه ياء إذا أردت المبالغة قلت: "قد رَمُوَتْ يدُه" إذا حذِقَ الرّماية، و"قد قَضُوَ الرجل" إذا حذق القضاء.
فإن سكّنتَ ما قبل الواو للتّخفيف على مذهب من قال: "ظَرْفَ" في: "ظَرُفَ" قلت: "قد رمَوَتْ يدُهُ"، و"قد قَضْوَ الرّجلُ" ولم تردَّ الواوَ إلى الياء، لأنّ السكون الذي قبلها عارضٌ، والضّمّة مقدّرة.
وتقول: "رَمَى" فإذا ألحقتها التّاء أسقطتها، لسكونها وسكون التّاء فقلت: "رَمَتْ" و"غَزَتْ" كما تقول: "بِعْ" و"خَفْ" و"قُلْ" فتسقط الياء والواو والألف لسكونها وسكون ما بعدها.
فإن تحرّك السّاكن الأخير لساكن بعده نحو: "رَمَتْ المرأةُ" و"غزتِ اليومَ" و"خفِ اللهَ" و"قلِ الحقَّ" و"بعِ الثّوبَ" لم يرجع السّاكن الأوّل، لأنّ
حركة السّاكن الثاني عارضة إذا كان الساكن الثالث غير لازم، ألا تراك تقول: "رمتْ هندٌ" و"قلْ حقًّا" و"خف ربَّك" فلا يكون بعد السّاكن الثاني ساكن ثالث، فعلمت أنّ الساكن الثالث عارض، وكذلك الحركة التي تجب عنه عارضة.
وتقول: "رامَى" فإذا ألحقته تاء التأنيث قلت: "رامَتْ" فسقطت الألف للتّاء، فإن قلت: "رامتِ المرأةُ" لم ترجع الألف، لأنّ حركة التّاء عارضة إذا كان الساكن الذي بعدها غير لازم.
وتقول: "يرمِي الغرضَ" و"يغزو العدوَّ" و"يسعى اليومَ" فتسقط هذه الحروف لالتقاء السّاكنين.
فإن بنيت اسم الفاعل من "ساءَ يسُوءُ" و"جاءَ يجِيئُ" فقد بيَّنْتُ لك أنّه يجب أن يزاد قبل هذه الألف ألفٌ تحرّك هذه الألف، وإذا حرّكتها انقلبت همزة، وبعدها همزة، اجتمع همزتان نحو: "جائِئٌ" و"سائِئٌ" من: "جئْتُ" و"سُؤْتُ".
فيجتمع همزتان والخليل لا يرى اجتماع همزتين في كلمة واحدة،
وكذلك البصريّون فيقلبون الثانية ياء، لانكسار ما قبلها فيقولون: "جائِيٌ" و"سائِيٌ" فوزنه فاعِلٌ على وزن "قاضٍ".
وكان الخليل يقدِّم الهمزة التي هي اللام على الألف التي انقلبت عن العين فتحصل الألف آخرًا وقبلها كسرة فتنقلب ياء فتقول: "جائِيٌ" و"سائِيٌ" فوزنه على مذهب الخليل: "فالِعٌ".
فقول الخليل والجماعة في اللفظ واحد، وفي التقدير مختلف.
فإذا زاد الماضي على ثلاثة أحرف، وكانت عينه ألفًا قد انقلبت عن ياء أو واو، نحو: "أقامَ" و"أرادَ" و"أعانَ" و"استعانَ" و"استغاث" و"اسْتَراثَ" و"اسْتَكانَ" و"اسْتبانَ" و"اسْتضاء" ففيهم من يقول: لمّا اعتلَّ الفعلُ، وأدخل الهمزة عليه بقّاه على اعتلاله لمّا أدخل الهمزة سكنت القاف فصار: "أقْوَمَ" و"أرْوَدَ" و"اسْتَقْوَمَ" و"اسْتَعْوَنَ" و"اسْتَلْيَنَ" و"اسْتَرْيَثَ" و"اسْتَضْوَأ" فنقل فتحة الواو والياء إلى السّاكن، فسكنت الياء والواو، وأتبعتا الفتحة التي قبلها فصارتا ألفًا.
ومن النحويين من يقول: راعَوْا حركتهما قبل النّقل، وفتحة ما قبلهما بعد النّقل، والكلمة واحدة، فصارتا كأنّهما متحرّكتان وقبلهما فتحة، فانقلبتا ألفًا فقالوا: "أراد" و"أقام" و"أجاد" و"استراث" و"استعاذ" و"استضاء".
فإذا ردَّ إلى المستقبل قال: "يُقِيمُ" و"يُرِيدُ"، والأصل: "يُقْوِمُ" و"يُرْوِدُ"، فنقل كسرة الواو إلى ما قبلها، فلمّا سكنت الواو وقبلها كسرة انقلبت ياء فقال: "يُقِيمُ" و"يُرِيدُ" و"يُعِيدُ"، وكذلك "يستعينُ" و"يستضيءُ" أصله: "يسْتَعْوِنُ" و"يستضْوِئُ" فقنل كسرة الواو إلى ما قبلها، ثمّ انقلبت الواو ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها.
و"يستَبِينُ" و"يسترِيثُ" أصله: "يسْتَبْيِنُ" و"يسترْيِثُ" فنقلوا كسرة الياء إلى ما قبلها، فلمّا سكنت الياء وقبلها كسرة تمكّنت.
وتقول في اسم الفاعل من هذا: "مُقِيمٌ" و"مُريدٌ" و"مُسْتضِيئٌ" و"مُستعِينٌ" والأصل "مُقْوِمٌ" و"مُرْوِدٌ" و"مُسْتَضْوِئٌ" و"مُسْتَعْوِنٌ" ثمّ تنقل كسرة الواو إلى ما قبلها، فلمّا سكنت الواو، وقبلها كسرة قلبت ياء فقلت: "مُقيمٌ" و"مُرِيدٌ" و"مُسْتَعِينٌ" و"مُسْتَضيئٌ".
فأمّا: "مُسْتَرِيثٌ" و"مُسْتَبِينٌ" فأصله: "مُسْتَرْيِثٌ" و"مُسْتَبْيِنٌ" فنقلت
كسرة الياء إلى ما قبلها فسكنت الياء، وقبلها كسرة فتمكّنت، فقلت: "مُسْتَريثٌ" و"مُسْتَبِينٌ".
فأمّا اسم المفعول فقولك: "مُرادٌ" و"مُقامٌ"، والأصل: "مُقْوَمٌ" و"مُرْوَدٌ"، و"مُسْتعانٌ" الأصل: "مُسْتَعْوَنٌ" و"مُسْتضاءٌ" الأصل: "مُسْتَضْوَءٌ"، و"مُسْتبانٌ" و"مُسْتَراثٌ"، الأصل:"مُسْتَبْيَنٌ" و"مُسْتَرْيَثٌ" فنقلت حركة الواو والياء إلى ما قبلهما ثمّ أتبعتا الفتحة فصارتا ألفًا فقلت: "مُقامٌ" و"مُرادٌ" و"مُسْتعانٌ" و"مُسْتَراثٌ" و"مُسْتبانٌ" و"مُسْتَضاءٌ".
وقد صحّحوا من هذه الأفعال شيئًا دلّوا به على الأصل الذي أعَلُّوه فمن ذلك: (اسْتَحْوَذَ) صحِّح، فهذا حقيقة في الاستعمال، وشاذٌّ في القياس ولم يرد إلا مصحَّحًا.
وقد قالوا: "أغْيَلَتِ المرأةُ" و"أغالتْ" فأوردوه تارة مُعلا وتارة
مصحَّحًا وقالوا: "اسْتَتْيَسَتِ الشّاةُ" فصحّحوا ليدُلّوا به على الأصل الذي أُعِلَّ.
فأمّا مصادر هذه الأفعال فنحو قولهم: "أراد يُريد إرادةً" والأصل: "إرْوادًا" و"أقام يُقيمُ إقامةً" والأصل: "إقْوامًا" فقلبوا من الواو ألفًا ليُعَلَّ المصدرُ كما أعلَّ الفعل، فاجتمع ألفان: الأولى منقلبة عن عين الكلمة، والثانية زائدة.
فالخليل وسيبويه يسقطان الأخيرة، لأنّها ليست لمعنى، فوزن الكلمة عندهما: "إفْعَل".
وكان الأخفش يسقط الألف الأولى ويبقي الثانية، وقال: إنّها دخلت لمعنى، والأولى ليست لمعنى: والذي دخل لمعنى أولى بالإبقاء، فوزن الكلمة عند الأخفش: "إِفال".
وعوّضوا تاء التّأنيث من الألف السّاقطة سواء كانت السّاقطة الأصليّة أو الزّائدة، فقالوا: "إقامةٌ" و"إرادة" فوزنها عند الخليل: "إفْعَلَةٌ"، وعند
الأخفش: "إفالة"، وربّما أسقطوا التّاء وجعلوا المضاف إليه عوضًا منها (وإقامَ الصلاة) والأصل: "إقامة الصلاة".
وكذلك: "استضاء استضاءة" والأصل: "اسْتِضْواء" و"اسْتقام يستقِيمُ استقامة" والأصل: "اسْتِقْوامًا" و"اسْتعاذ استعاذة"، والأصل "اسْتِعْواذًا" ففعلوا فيه ما بيّنت لك، والطّريقة في إعلال الأفعال واحدة في هذه المواضع كلّها.
واعلم بأنّه قد يجيءُ اسم الفاعل والمفعول بلفظ واحد، والتقدير فيهما مختلف، تقول: "اخترت الثوبَ فأنا مُخْتارٌ" فهذا اسم الفاعل، و"الثوب مختارٌ" فهذا اسم المفعول، وهما في اللفظ واحدٌ، إلاَّ أنّ اسم الفاعل "مُخْتَيِرٌ" في الأصل بكسر العين، واسم المفعول: "مُخْتَيَرٌ" بفتح العين، والعين هي الياء، فلمّا تحرّكت وقبلها فتحة انقلبت ألفًا، فينبغي أن يقدَّر على الألف في اسم الفاعل كسرة وفي اسم المفعول فتحة كما كانت على الياء.
وكذلك: "انقاد الفرسُ فهو مُنْقادٌ" والأصل: "مُنْقَوِدٌ" فلمّا تحرّكت الواو وقبلها فتحة انقلبت ألفًا، ويقدَّر على الألف كسرة، لأنّه اسم فاعل.
وكذلك يجيءُ في الإدغام اسم الفاعل واسم المفعول بلفظ واحد لأنّ الإدغام قد أذهب الحركة منهما تقول: "اقْشعرَّ زيدٌ فهو مقشعِرٌّ" والأصل: "مُقْشَعْرِرٌ" فنقلت حركة الرّاء الأولى إلى ما قبلها، وأدغمتها فيما بعدها، فالكسرة في العين من "مُقْشَعِرّ" هي المنقولة إليها من الرّاء، ومثل هذا كثير في "مُحْمَرٌّ"، إذا كان اسمًا للفاعل فأصلها: "مُحْمَرِرٌ" فأسقطت [كسرة] الرّاء الأولى وأدغمتها فيما بعدها، وتقول: "هذا مكانٌ محمَرٌّ فيه"، والأصل: "مُحْمَرَرٌ فيه" فأسقطت فتحة الرّاء الأولى، وأدغمتها فيما
بعدها فقد بان لك أنّ اسم الفاعل والمفعول قد يكونان على صورة واحدة في اللفظ، ويختلفان في المعنى.
فإن كان الاسم والفعل على وزن واحد صحّحوا الاسم وأعلّوا الفعل؛ وإنّما أعلّوا الفعل، لأنّ الألف خفيفة، والفعل ثقيل، فجعل الخفيف مع الثقيل فقالوا: "أقام يُقيمُ" و"أراد يُريدُ" و"استجاب يستجيب".
وصحّحوا في الاسم، لأنّ الاسم على كلّ وجه أخفُّ من الفعل فهو أحمل للثّقل فقالوا: "هذا أقْوَمُ منك" و"زيدٌ أبْيَعُ من عمرٍو".
فإن قيل فقد صحّحوا فعل التّعجّب فقالوا: "ما أبْيَعَهُ"، و"ما أقْوَمَهُ" و"ما أقْوَلَ زيدًا".
قيل له: فعل التّعجّب لمّا لم يتصرّف أشبه الأسماء فصحّحوا فيه العين، كما صحّحوا في الاسم؛ ولأجل شبهه بالأسماء ما دخله التّصغير فقالوا: "ما أُحَيْسِنَ زيدًا" و"ما أُمَيْلِحَهُ".
فإن كان في أوّل الاسم ميمٌ زال شبهه بالفعل، لأنّ الميم ليست من زيادات الفعل، وإذا زال التباسه بالفعل وجب أن يعلَّ قالوا: "مُقامٌ" والأصل: "مُقْوَمٌ" فنقلوا فتحة الواو إلى القاف فسكنت الواو، وانفتح ما قبلها، ثمّ أتبعت الفتحة فصارت ألفًا فقالوا: "مُقامٌ" وكذلك قالوا: "مَعاشٌ" والأصل: "مَعْيَشٌ" نقلوا فتحة الياء إلى العين، فلمّا سكنت وانفتح ما قبلها أتبعوها الفتحة فانقلبت ألفًا، لأنّه نقل فقلب.
وقالوا: "المَعيشُ" و"المَعِيشةُ" والأصل "مَعْيِشَةٌ" و"مَعْيِشٌ" فنقلوا كسرة الياء إلى العين، فلمّا سكنت الياء وقبلها كسرة تمكّنت، فوزن: "مَعِيش": "مَفْعِل" ومثله: "المَقِيل" و"المَحِيص" أصله: "مَحْيِصٌ" فنقلوا كسرة الياء إلى ما قبلها فقالوا: "مَحِيصٌ" و"مَقِيلٌ" أصله: "مَقْوِلٌ" فنقلوا كسرة الواو إلى ما قبلها، فلمّا سكنت وقبلها كسرة انقلبت ياء.
فأمّا: "مَعِيشةٌ" فعند سيبويه يجوز أن تكون: "مَفْعِلَة" أصلها: "مَعْيِشَة" فنقلوا كسرة الياء إلى ما قبلها فثبتت، لأنّها ساكنة وقبلها كسرة.
ويجوز أن تكون: "مَفْعُلَة" أصلها: "مَعْيُشَة" فنقل ضمّة الياء إلى العين فسكنت الياء وقبلها ضمّة فقلب من الضّمّة كسرة؛ لقرب الياء من الطّرف لأنّه لا يُعْتَدُّ بتاء التّأنيث فقال: "مَعِيشَة".
وكذلك "مَعِيشٌ" يجوز أن يكون "مَفْعُلا" "مَعْيُش" فنقل ضمّة الياء إلى العين فسكنت الياء وقبلها ضمّة، ثمّ قلب من الضّمّة كسرة لتسلم الياء إذ كانت قريبًا من الطّرف كما كسروا الباء من "بِيضٍ" لتثبت الياء ولا تنقلب واوًا إذ كانت قريبًا من الطّرف، لأنّ وزنه "بُيْضٌ" على وزن "حُمْر"، وكذلك فعلوا في: "عِين" أصله "عُيْنٌ" على وزن "صُفْر" قال الأخفش إنّما قلبت الضّمّة في الجمع كسرة في: "بِيضٌ" و"عِين" لئلاّ أجمع على الكلمة ثقل الجمع، وثقل الواو؛ ولأنّ الياء إذا سكنت وقبلها ضمّة وجب أن تقلب واوًا.
وقال الأخفش لو كان "مَعِيشُ" مَفْعُلاً لقلت: "مَعُوشًا، وكذلك لو كانت: "مَعِيشَةٌ" مَفْعُلَةً لقلت "مَعُوشَةً"، وكذلك "عَيُشَ" لو كان فَعُلاً لقلت "عُوشٌ" و"عِيشَةٌ" لو كانت فَعُلَةً لقلت "عُوشَةٌ"، لأنّ الواحد خفيف فلا يستثقل فيه ما يستثقل في الجمع.
فأمّا قولهم: "عُوطَطٌ" فالأصل فيه: "عُيْطَطٌ".
وكذلك "مُوقِنٌ" و"مُوسِرٌ" الأصل فيهما "مُيْقِنٌ" و"مُيْسِر" فقلبوا الياء واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها لمّا بعدت من الطّرف، ولو قربت من الطّرف لقلبوا من الضّمّة كسرة كما فعلوا في: "بِيضٍ" و"عِينٍ".
فأمّا: "مُقام" و"مُراد" فالأصل فيهما: "مُقْوَمٌ" و"مُرْوَدٌ" فنقلوا فتحة الواو إلى ما قبلها فسكنت الواو وقبلها فتحة ثم أتبعت الفتحة فصارت ألفًا.
وكذلك ما فوق هذا الاسم من العدد في نحو: "مُسْتغاثٍ" و"مُسْتجابٍ" و"مُسْتعانٍ"، الطّريقة في إعلاله واحدة.
فأمّا: "مُعْطَى" و"مَرْمَى" و"مَدْعَى" فالأصل فيه: "مُعْطَوٌ" و"مَرْمِيٌ" و"مَدْعُوٌ" فلمّا تحرّكت الياء في: "مَرْمِيٍ" وقبلها فتحة انقلبت ألفًا.
ولمّا وقعت الواو في "مَدْعَوٍ" و"مُعْطَوٍ" رابعة قلبت ياء، وتحرّكت
الياء، وقبلها فتحة انقلبت ألفًان وكذلك يفعلون في الواو إذا وقعت رابعة فصاعدًا طرفًا يقلبونها ياء، والأصل هذا في الفعل، وإنّما تحمل الأسماء المشتقّة منه عليه، ألا تراهم قالوا في الفعل: "يُدْنِي" و"يُغْزِي" والأصل "يدْنُو" و"يغْزُو"؟؛ لأنّه من "دَنَوْتُ" و"غَزَوْتُ" فلمّا انكسر ما قبل الواو انقلبت ياء، ثم قلبوا هذه الياء ألفًا في: "أدْنَى" و"أغْزَى"، والأصل: "أغْزَيَ" و"أدْنَيَ" فلمّا تحرّكت الياء وقبلها فتحة قلبت ألفًا فقيل: "أدْنَى" و"أغْزَى" فهذه ألف انقلبت عن ياء انقلبت عن واو.
فإن قيل: فلم انقلبت في "تَرَجَّيْنا" و"تعاطَيْنا" و"تغازينا"؟ وأنت تقول: "تغازى يتغازى" و"تعاطى يتعاطى" و"ترجّى يترجّى" وليست هنا كسرة توجب قلب الواو ياء؟
قيل له الأصل: "غازى يُغازِو" و"عاطى يُعاطِو" و"رَجَّى يُرَجِّو" فانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، ثمّ دخلت التّاء في أوّله بعد القلب فبقي القلب على حاله فقالوا: "ترجّى يترجَّى" و"تعاطى يتعاطَى" و"تغازى يتغازى" وأمثلته كثيرة.
وإذا كان الماضي على ثلاثة أحرف، وكانت عينه ولامه من جنس واحد، وتحرّك الثاني منهما حركة لازمة ثقل عليهم إظهارهما، فأسقطوا حركة
الأوّل وأدغموه في الثاني سواء كان الفعل على "فَعِلَ" أو "فَعُلَ" أو "فَعَلَ" قالوا: "مَدَّ" و"رَدَّ" و"ضَنَّ" و"حبَّذَا" والأصل "مَدَدَ" و"رَدَدَ" و"ضَنِنَ" و"حَبُبَ" فأسكنوا الأوّل وأدغموه في الثاني.
فإن اتّصل المثل الثاني بتاء المتكلم وتثنيته وجمعه، وتاء المخاطب وتثنيته وجمعه، وتاء المخاطَبة وتثنيتها وجمعها، ونون التّأنيث فُكَّ الإدغام، لأنّه لمّا سكن الثاني استحال أن يدغم فيه لمّا حصل في مكان لا يمكن أن تصل إليه حركة.
فأمّا قولهم: "مَرَّتُ" فهذا في الحقيقة ليس بإدغام، فاختلسوا الحركة.
فإن قيل: الفتحة لا تسقط كما تسقط الضّمّة والكسرة لخفّة الفتحة.
قيل له: الفتحة وإن لم تسقط يجوز أن تختلس فيخيَّل للسّامع أنّ الحرف قد أسكن وهو متحرّك.
وإن كان المثلان قد ألحقا بمتحرّكين وجب أن يظهرا ليكونا على وزن ما ألحقتا به؛ لأنّ الإدغام يزيل الإلحاق ويبطلة، كما قالوا في الأرض الصّلبة: "قَرْدَدٌ" لمّا ألحقوه بـ"جَعْفَر"، وقالوا في اسم المرأة: "مَهْدَدٌ" لمّا ألحقوه بـ"جَعْفَر". ولو بنيت من "ضَرَبَ" مثال: "دَحْرَجَ" لقلت: "ضَرْبَبَ" فأظهرت المثلين ليكون على وزن: "دَحْرَجَ".
فإن زاد الماضي على ثلاثة أحرف، وكان في آخره مثلان نقلت حركة المثل الأوّل إلى السّاكن الذي قبله فتحرّك الساكن وسكن المتحرك فأدغمته في الذي بعده فقلت: "اسْتَعَدَّ" و"اطْمَأنَّ" و"اقْشَعَرَّ"، والأصل فيه: "اسْتَعْدَدَ" و"اطْمأنَنَ" و"اقْشَعْرَرَ" فنقلت الحركة من المثل الأوّل، وأدغمته في الثاني فالفتحة في العين من: "اسْتَعَدَّ" هي المنقولة إليها من الدّال، والفتحة في عين "اقْشَعَرَّ" هي المنقولة إليها من الرّاء، والفتحة في همزة: "اطْمأنَّ" هي المنقولة إليها من النّون.
فإن اتّصل المثل الثاني بالضمائر التي ذكرتها وجب أن يظهر المدغم، وتردَّ إليه حركته نحو: "اطْمأنَنْتُ" و"اقْشَعْرَرْتُ" و"اسْحَنْكَكْتُ".
فأمّا "احْمارَّ" فالأصل فيه: "احْمارَرَ" فأسقطوا حركة المثل الأوّل، وأدغموه في الثاني، ولم يجز أن ينقلوها، لأنّ الألف لا تتحرّك.
فإن اتّصل هذا بتاء المتكلّم وما جرى مجراه سكن الثاني فانفكّ الإدغام، وردوا إلى الأوّل حركته فقالوا: "احْمارَرْتُ" ومثل هذا كثير.
فإذا صرت إلى المستقبل في: "يَرُدُّ" و"يَضَنُّ" ألقوا حركة الأوّل على ما قبله، وأدغموه في الثاني، فالضّمّة في ميم "يَمُدُّ" هي المنقولة إليها من الدّال، والفتحة في ضاد "يَضَنُّ" هي المنقولة إليها من النّون.
وكذلك إن زاد على الثلاثة في نحو: "يَسْتَعِدُّ "و"يَطْمَئِنُّ" و"يَقْشَعِرُّ" فالكسرة في عين "يَسْتَعِدُّ" هي المنقولة إليها من الدّال، والكسرة في [همزة] "يَطْمَئِنُّ" هي المنقولة إليها من النّون، والكسرة في عين "يَقْشَعِرُّ" هي المنقولة إليها من الرّاء.
فأمّا: "اسْحَنْكَكَ يَسْحَنْكِكُ" فإنّما لم يجز إدغام الكاف في الثانية، لأنّه ملحق بـ"احْرَنْجَمَ" "يَحْرَنْجِمُ"،
فأمّا قراءة من قرأ: (ويخشَ الله ويتَّقِه) [النور: 52] فإنّه خلط الهاء بما قبلها واشتقّ من الكلمتين مثالاً واحدًا فقال: "تَقِهْ" مثل "كَتِف" فأسقط الحركة من القاف فاجتمع ساكنان: الهاء والقاف، فكسر الهاء لالتقاء السّاكنين.
وكذلك قول الشاعر:
قالت سُلَيْمَى اشْتَرْ لنا دقيقا
خلط اللام بما قبلها، واشتقّ من الكلمتين مثالاً واحدًا فصار: "تَرِلَ" على مثال: "عَلِمَ" فسكّن الرّاء تخفيفًا كما قالوا في: "عَلِمَ" "عَلْمَ" فسكّن الرّاء تخفيفًا، وقال الآخر:
ألا رُبَّ مولودٍ وليس له أب ... وذي ولدٍ لم يلْدَهُ أبوان
والمولود الذي ليس له أبٌ هو عيسى عليه السّلام، وذي ولدٍ لم يلْدَهُ أبوان هو آدم عليه السلام.
والأصل في: "يَلْدَهُ: يَلِدْهُ" فسكّن الدّالَ للجزم فصار "يَلِدْ" على وزن "كَتِفْ" فسكّن اللام كما تقول في: "كَتِفٍ: كَتْفٌ" فاجتمع ساكنان اللام والدّالُ، ولم يجز الجمع بينهما، فحرّك الدّال لالتقاء السّاكنين، واختار لها الفتح إتباعًا لفتحة الياء التي قبلها، ولم يحفل بالحرف الذي قبلها لمّا كان ساكنًا.