قال الأصمعي:
دخلت على هارون- ومجلسه حافل- فقال: يا أصمعي، ما أغفلك عنا، وأجفاك لحضرتنا! قلت: يا أمير المؤمنين، ما لاقتني أرض بعدك حتى أتيتك، فأمرني بالجلوس، فجلست، وسكت. فلما تفرق الناس إلا أقلهم نهضت، فأقعدني حتى خلا، قال: يا أبا سعيد، ما لاقتني؟ قلت: أمسكتني يا أمير المؤمين:
كفاك كفّ ما تليق درهما
جودا وأخرى تعطي بالسيف الدما
فقال: أحسنت، وهكذا فكن.. وأمر لي بخمسة آلاف دينار.
وقيل: إنه قال له: مالاقتني بعدك أرض. فلما خرج الناس قال له: ما معنى: ما لاقتني أرض؟ قال: ما استقرت بي أرض، كما يقال: فلان لا يليق شيئا أي: لا يستقر معه شيء، وقال له: هذا حسن، ولكن لا ينبغي أن تكلمني بين يدي الناس إلا بما أفهمه، فإذا خلوت فعلّمني، فإنه إما أن أسكت فيعلم الناس أني لا أفهم، وإما أن أجيب بغير صواب، فيعلم الناس أني لم أفهم. قال الأصمعي: فعلّمني أكثر مما علمته.
عن تاريخ دمشق لابن عساكر.