قيس بن الملوح بن مزاحم العامري.
شاعر غزل من المتيمين من أهل نجد
لم يكن مجنوناً وإنما لقب بذلك لهيامه في حب ليلى بنت سعد
التي نشأ معها إلى أن كبرت وحجبها أبوها،
فهام على وجهه ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش، فيرى حيناً في الشام
وحيناً في نجد وحيناً في الحجاز، إلى أن وجد ملقى بين أحجار
وهو ميت فحمل إلى أهله.
عاش قيس بن الملوح في زمن خلافة مروان بن الحكم في مطالع خلافة بني أمية
إتبع الأمويون سياسة الاسترضاء في الجزيرة، وبخاصة في الحجاز،
فأخذوا يتقربون من القبائل العربية المنتشرة في البادية والمدن، بالمصاهرة تارةً،
وبإغداق الأموال والعطايا تارة أخرى، لتقف هذه القبائل إلى جانب الخلافة.
ولذلك تميز العصر الأموي في شبه الجزيرة بأمرين:
عرب الحضر ، وعرب البادية.
- عرب الحضر: في الحجاز (مكة المكرمة، والمدينة المنورة)، مَدْرَجُ الرسول،
ومنبعُ الرسالة الإسلامية، ومهبط الوحي، ومقام الصحابة والتابعين، وأسس التشريع
الإسلامي.
ولذلك لا عجب إذا ما رأينا أن التيار الديني هو السائد فيهما، فقد كانتا مقصداً لكل من أراد التفقُّهَ في الدين،
والأخذ بتعاليم الإسلام من منابعه الأصيلة من تفسير لآيات
القرآن الكريم، أو لحديث شريف مُثبت، أم من تتبُّعٍ لسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
- عرب البادية: وأما عرب البادية فقد استمروا في بداوتهم رُحلاً يقومون
على رعي الماشية، وطلب الكلأ والماء. فلم يغير الإسلام في نمط حياتهم
ومعيشتهم، وإنما غير في تصرفاتهم ومعتقداتهم وعباداتهم، وأبقى على ما
كان يتَّصفُ به البدوي من خِلالٍ حميدةٍ، كعِفَّةِ النفسِ، وصونِ العرضِ،
وقِرى الضَّيف ...
ليلى العامرية وهيامة بها
هي ليلى بنت مهدي بن سعد بن ربيعة بن عامر، كانت ترعى ماشية أهلها في جبل
اسمه التوباد، وهناك التقت قيساً، فإذا هما أولاد عمومة ومن حي واحد، فتعارفا،
ودرجا صغيرين، علق كل منهما الآخر. ولما كبرا، كبر معهما حبهما وصار قيس
يتردد نهاراً على حي ليلى، ويَذكر اسمها ليلاً أمام أصحابه، وينظم فيها الشعر،
مكتفياً بها عن سائر بنات القبيلة، وكلما اقتربت منه إحداهن أعرض عنها حتى صار
عشقه مدار حديث أهل الحي.
فوصل خبره إلى أهل ليلى فأنكروا عليه ذلك ومنعوه من الإقتراب منها والتحدث
إليها، صوناً لعرضهم وشرفهم. فثارت ثائرته على أبيها وأهلها، وهجاهم وأغلظ في
هجائه لحرمانه من ليلاه.
فاجتمع عليه أهله وقومه، ولاموه على فعله، وعلى ما يصنع بنفسه، وأخذوا يغرونه
بالزواج من امرأة غيرها، ويعرضون عليه أجمل بنات الحي، فيأبى ويستنكر ويظل
يلهج بذكرها، وحرمانه، وكلما زادوه ملاماً، ازداد هُياماً.
وأجابهم يوماً فقال: "إن الذي بي من الهوى ليس بهيِّنٍ، فأقِلُّوا من ملامكم،
فلست بسامع فيها، ولا مطيعٍ لقول قائل".
ولطالما كانت ليلى تَعِده بزيارة، ويلبث منتظراً متشوقاً على أمل لقاءٍ لا يتحقق فيرسل
إليها المراسيل، وهي تعد وتُسوِّفُ. فأتى الحي يوماً قربَ منزلها وجلس إلى نسوة
من أهلها، وأخذ يُنشدهُنَّ آخر ما نظم من شعر.
ولما انتهى تضاحكنَ متهامساتٍ. فاستحيتْ ليلى وَرَقَّتْ لحاله حتى بكتْ.
فقلنْ له: ما الذي دعاكَ إلى أن أحللتَ بنفسك ما ترى في هوى ليلى،
وإنما هي امرأة من النساء؟ وهل لك في أن تصرف هواك عنها إلى إحدانا
فنجزيك بهواك، ويرجع إليك ما ضاع من عقلك، ويصح جسمك؟
فقال: لات ساعة ندامةٍ لو استطعتُ لعشتُ مستريحاً. فقلنَ له:
ما أعجبك منها؟ فقال:
هي البدرُ حسناً والنساءُ كواكبٌ /// فشتَّانَ ما بين البدر والكواكبِ
ولما اشتد عليه المرض، وعاف الطعام والشراب، وعاش مستوحشاً، صعب أمره
على قلب أمه فذهبت إلى ليلى ترجوها أن تلقاه ولو مرة، عله يتوب إلى نفسه
ويعود عليه عقله. فأتته ليلاً في غفلة من أهلها فقالت له وكانت شاعرة مُقلَّة:
أُخبرتُ أنك من أجلي جُنِنْتَ وقد /// فارقتَ أهلكَ لمْ تعقِلْ ولم تَفِقِ
فأنشدها:
قالتْ جُننتَ على رأسي فقلتُ لها /// أَلحبُ أعظمُ مما بالمجانين
الحب ليس يفيقُ الدهرَ صاحبهُ /// وإنما يُصرعُ المجنون في الحين
لو تعلمين إذا ما غبتِ ما سَقَمي /// وكيف تسهرُ عيني لم تلوميني
فبكت معه وتحدثا طويلاً ثم ودَّعته وكان آخر عهده بها.
هام قيس بن الملوح المعروف بمجنون بني عامر بليلى بنت سعد ..
هياماً شديدا فقده عقله .
ثم عن ابا المجنون و أمه ورجال عشيرته اجتمعوا الى ابي ليلى فوعظوه
وناشدوه الله والرحم ، و قالوا له : ان هذا الرجل لهالك .
و أقبح من الاهلاك ذهاب عقله ، و انك فاجع به أباه و أهله ، فنشدناك الله
والرحم أن تزوجه ليلى فوالله ماهي اشرف منه ،
ولا لك مثل مال أبيه ،
وقد حكمك في المهر ، و ان شئت ان يخلع نفسه اليك من ماله فعل .
فأبى وحلف بالله وبطلاق امها انه لا يزوجه إياها ابدا
فانصرفوا عنه ، و خالفهم لوقته فزوجها رجال من قومها و ادخلها إليه ،
فما امسى إلا وقد بنى بها ( تزوجها وافتض بكارتها ) و بلغ المجنون الخبر
فأيس منها حينئذٍ و زال عقله جملة ، فقال الحيّ لأبيه :
احجُج به الى مكة وادعُ الله عز وجل له ، ومُرهُ أن يتعلق بأستار الكعبة
فيسأل الله ان يعافيه مما به ويبغّضها اليه ، فلعل الله ان يخلصه
من هذا البلاء ، فحج به ابوه ، فلما صاروا بمنى سمع صائحا في الليل يصيح :
ياليلى ، فصرخ صرخة ظنوا أن نفسه قد تلفت ، وسقط مغشيا
عليه ، فلم يزل كذلك حتى أصبح ثم افاق متغير اللون ذاهلا
فأنشأ يقول :
عرضتُ على قلبي العزاء فقال لي *** من الآن فأيأس لا أعزك من صبرِ
ثم قال له أبوه : تعلق بأستار الكعبة واسأل الله أن يعافيك من حب ليلى ،
فتعلق بأستارالكعبة و قال :
(( اللهم زدني ليلى حبا و بها كلَفاً ولا تُنسني ذكرها أبداً ))
قالوا : وقد كان يهيم في البرية مع الوحش ولا يأكل الا ماينبت في البرية
من بقل، ولا يشرب الا مع الظباء إذا وردت مناهلها ، و طال شعر جسده
و رأسه و ألفته الظباء والوحوش فكانت لا تنفر منه ، وجعل يهيم حتى يبلغ
حدود الشام ، فإذا ثاب اليه عقله سأل من يمر به من أحياء العرب عن نجد
فيقال له :
و أين أنت من نجد ! قد شارفت الشام ! أنت في موضع كذا ، فيقول :
فأروني وجهة الطريق، فيرحمونه و يعرضون عليه أن يحملوه أو يكسوه
فيأبى ، فيدلونه على طريق نجد فيتوجه نحوه ..
وبقي على حاله حتى وجد في وادٍ كثير الحجارة وهو ميت بين تلك الحجارة
فاحتملهأهله فغسلوه وكفنوه ودفنوه..
ويقال انه سمع بموت ليلى فذهب عند قبرها وبكى كثيرا الى ان وجد ميت
عند قبرها ودفن بقربها والله اعلم
شاعر غزل من المتيمين من أهل نجد
لم يكن مجنوناً وإنما لقب بذلك لهيامه في حب ليلى بنت سعد
التي نشأ معها إلى أن كبرت وحجبها أبوها،
فهام على وجهه ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش، فيرى حيناً في الشام
وحيناً في نجد وحيناً في الحجاز، إلى أن وجد ملقى بين أحجار
وهو ميت فحمل إلى أهله.
عاش قيس بن الملوح في زمن خلافة مروان بن الحكم في مطالع خلافة بني أمية
إتبع الأمويون سياسة الاسترضاء في الجزيرة، وبخاصة في الحجاز،
فأخذوا يتقربون من القبائل العربية المنتشرة في البادية والمدن، بالمصاهرة تارةً،
وبإغداق الأموال والعطايا تارة أخرى، لتقف هذه القبائل إلى جانب الخلافة.
ولذلك تميز العصر الأموي في شبه الجزيرة بأمرين:
عرب الحضر ، وعرب البادية.
- عرب الحضر: في الحجاز (مكة المكرمة، والمدينة المنورة)، مَدْرَجُ الرسول،
ومنبعُ الرسالة الإسلامية، ومهبط الوحي، ومقام الصحابة والتابعين، وأسس التشريع
الإسلامي.
ولذلك لا عجب إذا ما رأينا أن التيار الديني هو السائد فيهما، فقد كانتا مقصداً لكل من أراد التفقُّهَ في الدين،
والأخذ بتعاليم الإسلام من منابعه الأصيلة من تفسير لآيات
القرآن الكريم، أو لحديث شريف مُثبت، أم من تتبُّعٍ لسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
- عرب البادية: وأما عرب البادية فقد استمروا في بداوتهم رُحلاً يقومون
على رعي الماشية، وطلب الكلأ والماء. فلم يغير الإسلام في نمط حياتهم
ومعيشتهم، وإنما غير في تصرفاتهم ومعتقداتهم وعباداتهم، وأبقى على ما
كان يتَّصفُ به البدوي من خِلالٍ حميدةٍ، كعِفَّةِ النفسِ، وصونِ العرضِ،
وقِرى الضَّيف ...
ليلى العامرية وهيامة بها
هي ليلى بنت مهدي بن سعد بن ربيعة بن عامر، كانت ترعى ماشية أهلها في جبل
اسمه التوباد، وهناك التقت قيساً، فإذا هما أولاد عمومة ومن حي واحد، فتعارفا،
ودرجا صغيرين، علق كل منهما الآخر. ولما كبرا، كبر معهما حبهما وصار قيس
يتردد نهاراً على حي ليلى، ويَذكر اسمها ليلاً أمام أصحابه، وينظم فيها الشعر،
مكتفياً بها عن سائر بنات القبيلة، وكلما اقتربت منه إحداهن أعرض عنها حتى صار
عشقه مدار حديث أهل الحي.
فوصل خبره إلى أهل ليلى فأنكروا عليه ذلك ومنعوه من الإقتراب منها والتحدث
إليها، صوناً لعرضهم وشرفهم. فثارت ثائرته على أبيها وأهلها، وهجاهم وأغلظ في
هجائه لحرمانه من ليلاه.
فاجتمع عليه أهله وقومه، ولاموه على فعله، وعلى ما يصنع بنفسه، وأخذوا يغرونه
بالزواج من امرأة غيرها، ويعرضون عليه أجمل بنات الحي، فيأبى ويستنكر ويظل
يلهج بذكرها، وحرمانه، وكلما زادوه ملاماً، ازداد هُياماً.
وأجابهم يوماً فقال: "إن الذي بي من الهوى ليس بهيِّنٍ، فأقِلُّوا من ملامكم،
فلست بسامع فيها، ولا مطيعٍ لقول قائل".
ولطالما كانت ليلى تَعِده بزيارة، ويلبث منتظراً متشوقاً على أمل لقاءٍ لا يتحقق فيرسل
إليها المراسيل، وهي تعد وتُسوِّفُ. فأتى الحي يوماً قربَ منزلها وجلس إلى نسوة
من أهلها، وأخذ يُنشدهُنَّ آخر ما نظم من شعر.
ولما انتهى تضاحكنَ متهامساتٍ. فاستحيتْ ليلى وَرَقَّتْ لحاله حتى بكتْ.
فقلنْ له: ما الذي دعاكَ إلى أن أحللتَ بنفسك ما ترى في هوى ليلى،
وإنما هي امرأة من النساء؟ وهل لك في أن تصرف هواك عنها إلى إحدانا
فنجزيك بهواك، ويرجع إليك ما ضاع من عقلك، ويصح جسمك؟
فقال: لات ساعة ندامةٍ لو استطعتُ لعشتُ مستريحاً. فقلنَ له:
ما أعجبك منها؟ فقال:
هي البدرُ حسناً والنساءُ كواكبٌ /// فشتَّانَ ما بين البدر والكواكبِ
ولما اشتد عليه المرض، وعاف الطعام والشراب، وعاش مستوحشاً، صعب أمره
على قلب أمه فذهبت إلى ليلى ترجوها أن تلقاه ولو مرة، عله يتوب إلى نفسه
ويعود عليه عقله. فأتته ليلاً في غفلة من أهلها فقالت له وكانت شاعرة مُقلَّة:
أُخبرتُ أنك من أجلي جُنِنْتَ وقد /// فارقتَ أهلكَ لمْ تعقِلْ ولم تَفِقِ
فأنشدها:
قالتْ جُننتَ على رأسي فقلتُ لها /// أَلحبُ أعظمُ مما بالمجانين
الحب ليس يفيقُ الدهرَ صاحبهُ /// وإنما يُصرعُ المجنون في الحين
لو تعلمين إذا ما غبتِ ما سَقَمي /// وكيف تسهرُ عيني لم تلوميني
فبكت معه وتحدثا طويلاً ثم ودَّعته وكان آخر عهده بها.
هام قيس بن الملوح المعروف بمجنون بني عامر بليلى بنت سعد ..
هياماً شديدا فقده عقله .
ثم عن ابا المجنون و أمه ورجال عشيرته اجتمعوا الى ابي ليلى فوعظوه
وناشدوه الله والرحم ، و قالوا له : ان هذا الرجل لهالك .
و أقبح من الاهلاك ذهاب عقله ، و انك فاجع به أباه و أهله ، فنشدناك الله
والرحم أن تزوجه ليلى فوالله ماهي اشرف منه ،
ولا لك مثل مال أبيه ،
وقد حكمك في المهر ، و ان شئت ان يخلع نفسه اليك من ماله فعل .
فأبى وحلف بالله وبطلاق امها انه لا يزوجه إياها ابدا
فانصرفوا عنه ، و خالفهم لوقته فزوجها رجال من قومها و ادخلها إليه ،
فما امسى إلا وقد بنى بها ( تزوجها وافتض بكارتها ) و بلغ المجنون الخبر
فأيس منها حينئذٍ و زال عقله جملة ، فقال الحيّ لأبيه :
احجُج به الى مكة وادعُ الله عز وجل له ، ومُرهُ أن يتعلق بأستار الكعبة
فيسأل الله ان يعافيه مما به ويبغّضها اليه ، فلعل الله ان يخلصه
من هذا البلاء ، فحج به ابوه ، فلما صاروا بمنى سمع صائحا في الليل يصيح :
ياليلى ، فصرخ صرخة ظنوا أن نفسه قد تلفت ، وسقط مغشيا
عليه ، فلم يزل كذلك حتى أصبح ثم افاق متغير اللون ذاهلا
فأنشأ يقول :
عرضتُ على قلبي العزاء فقال لي *** من الآن فأيأس لا أعزك من صبرِ
ثم قال له أبوه : تعلق بأستار الكعبة واسأل الله أن يعافيك من حب ليلى ،
فتعلق بأستارالكعبة و قال :
(( اللهم زدني ليلى حبا و بها كلَفاً ولا تُنسني ذكرها أبداً ))
قالوا : وقد كان يهيم في البرية مع الوحش ولا يأكل الا ماينبت في البرية
من بقل، ولا يشرب الا مع الظباء إذا وردت مناهلها ، و طال شعر جسده
و رأسه و ألفته الظباء والوحوش فكانت لا تنفر منه ، وجعل يهيم حتى يبلغ
حدود الشام ، فإذا ثاب اليه عقله سأل من يمر به من أحياء العرب عن نجد
فيقال له :
و أين أنت من نجد ! قد شارفت الشام ! أنت في موضع كذا ، فيقول :
فأروني وجهة الطريق، فيرحمونه و يعرضون عليه أن يحملوه أو يكسوه
فيأبى ، فيدلونه على طريق نجد فيتوجه نحوه ..
وبقي على حاله حتى وجد في وادٍ كثير الحجارة وهو ميت بين تلك الحجارة
فاحتملهأهله فغسلوه وكفنوه ودفنوه..
ويقال انه سمع بموت ليلى فذهب عند قبرها وبكى كثيرا الى ان وجد ميت
عند قبرها ودفن بقربها والله اعلم