مقدمة:
يعتبر الإنسان كائنا متفردا يتميز بقدراته العقلية كالإدراك، التفكير، التأمل و التخيل كملكة تغيير الواقع و التخيل ينقسم إلى قسمين منه ما هو تمثيلي غير هادف، و منه ما هو إبداعي و قد شكل الإبداع محور اهتمام الفلاسفة و المفكرين من خلال البحث في مرجعيتنا و الشروط الكفيلة لإحداثها أين اختلفت آراؤهم و تباينت بين من يعتقد أن الإبداع مرتبط بشروط ذاتية خاصة وبين من يؤكد أنه محصلة ظروف اجتماعية ففي ظل هذا التعارض نطرح الإشكال التالي:
هل الإبداع وليد عوامل ذاتية فحسب؟
أ. العوامل الذاتية النفسية:
يعتقد علماء النفس و الكثير من الفلاسفة أن الإبداع مشروط بعوامل نفسية عقلية فالإبداع يرجع إلى ملكة ذاتية فليس بإمكان أي شخص أن يبدع فالمبدع يملك ذكاء خارق و قدرة على الإقناع فالفيلسوف سقراط استطاع أن يقلب موازين الفكر الفلسفي من خلال منهج السخرية و التهكم فأبطل آراء السوفسطائيين و مغالطاتهم، كما أن الإبداع يحتاج إلى الإلهام إذ يظهر الحل بصورة حدسية فالعالم ارخميدس اكتشف قانون الغضط في حمام منزله و العالم اسحاق نيوتن اكتشف الجاذبية بإلهام من سقوط التفاحة. إذ يقول "إني لأضع موضوع بحثي نصب عيني و أنتظر حتى يلمع الإشراق علي شيئا فشيئا لينقلب إلي نورا جليا" كما أن للرغبة و الميل دور في عملية الإبداع يقول بوانكاري "إن الحظ يحالف النفس المهيأة"
بالإضافة إلى الخبرة التي تشكل عامل مهم و ذلك بتوظيف الذاكرة، فالتاريخ يروي قصص أشخاص كانوا يملكون ذاكرة خارقة خاصة في حفظ القرآن و الأحاديث النبوية الشريفة كالإمام الشافعي و أبو هريرة و غير بعيد عن ذلك أكد علماء النفس أن الحالة النفسية للمبدع تساهم بقدر كبير في عملية الإبداع فالرسام الشاعر المغني كلهم انطلقو من حالة نفسية معينة، قد يكون غضب فرح، حزن، كره أو حب فحسن الخنساء على أخيها "صخر" دفعها إلى نظم قصائد خالدة في الرثاء و حب مفدي زكريا لوطنه و غضبه من المستعمر دفعه إلى إبداع الإلياذة يقول برغسون"إن العضماء اللذين يتخيلون الفروض و الأبطال القديسون اللذين يبدعون المفاهيم الأخلاقية، لا يبدعونها في حالة جمود الدم و إنما يبدعونها في جو حماسي و تيار ديناميكي تتلاطم فيه الأفكار" لذا ربط فرويد بين الإبداع و الحالة اللاشعورية يقول"الإبداع تغبير مهذب نابع من غرائز جنسية مكبوتة" أما تلميذه أدلر فقد اعتبر أن الأبداع ناتج عن الشعور بالنقص. و لا يمكن أن يكون الإبداع دون صبر فمن العلماء من أفنى حياته في لأجل دراسة نظرية لذا يقال "طريق النجاح معبد بالفشل" فالعالم غاليلي قتل بسبب نظريته حول كروية الأرض، و لا يمكن الحديث عن العوامل لذاتية دون الحديث عن عامل الوراثة، فأبناء العباقرة عباقرة و كمثال على ذلك أسرة باخ الألمانية التي أنجبت أكثر من 40 موسيقي
النقد:
لا شك في تدخل العوامل الذاتية لإحداث عملية الإبداع إلا أنها تبقى غير كافية فالمبدع ليس فردا منعزلا عن المجتمع إذ لا بد من مناخ يحتويه و مجتمع يحتضن إبداعاته.
ب. العوامل الموضوعية:
على خلاف الرأي الأول يرى علماء الإجتماع أن عملية الإبداع تتجاوز العوامل النفسية إلى شروط اجتماعية بمعنى أن المجتمع هو الذي يعمل علة صقل موهبة المبدع و إمداده بمختلف الوسائل، فالإبداع ليس عملا فرديا إذ يعتبر المجتمع شرطا ضروريا و من أهم هذه الشروط متطلبات المجتمع و حاجاته التي تدفع المبدع للتغير يقول كارل ماركس"الحاجة أم الإختراع" و يقول باستور"إن الافكار الخصبة للعالم هي بنات الحاجة" فحاجة الإنسان إلى السفر دفعته إلى إبداع وسائل النقل على اختلاف أنواعها و حاجته إلى التواصل دفعته إلى الاختراع وسائل الإتصال بمعنى أن المبدع لا يبدع بنفسه و إنما وفقا لما تحدده حاجته من مجتمعه هذا من جهة و من جهة أخرى يحتضن المجتمع مبدعيه فيهيء الظروف المناسبة للمبدع التي تساعده على إخراج طاقته، فقد يكون الدعم ماديا كالمكتبات، قاعات الانترنت، المخابر المجهزة، الوسائل التكنلوجية. و قد يكون الدعم معنويا كالتحفيز و المتابعة و هذا ما يظهر جليا في العلم، الفن الأدبي، الرياضة فدولة مثل اليابان تحتضن المبدعين و تهتم بما تنتجه أفكارهم يقول تين"إنك لن تفهم أثرا فنيا أو فنانا أو جملة من الفنانين إلا إذا تصورت معالم الفكر العامة و اتجاهات الأخلاق و العادات في زمانهم" لذا فالعوامل الإجتماعية تظهر الكفاءات و تميز الافراد فالتفريق بين الدول المتقدمة و المتخلفة لا يكون إلا بالرجوع إلى إبداعات أفرادها، يقول ماكس بلانك" العلم الحديث ابن ماضيه"فإبداعات دي مورغان في علم الوراثة كملت إبداعات مندل يقول ريبو"مهما كان الإبداع فرديا فإنه يحوي على نصيب إجتماعي"
النقد:
ما من شك في أن المجتمع بما يوفره من وسائل يعد سببا أساسيا و عاملا مؤثرا في عملية الإبداع، إلا أن رد الإبداع إلى المجتمع فحسب هو تقييد لحرية المبدع فكثيرا مابين التاريخ أن المجتمع في حد ذاته شكل عائقا أمام المبدعين فبدل تحفيزهم قم مبادراتهم، فالمجتمع هو الذي سمم سقراط و قتل غاليلي فقتل الإبداع، هذا من جهة ومن جهة أخرى لو كان المجتمع السبب الوحيد في عملية الإبداع لكان كل أفراده مبدعون
التركيب:
يعد الإبداع نشاطا حيويا جوهريا إذ لا يمكن رده إلى شروط نفسية فحسب و لا عوامل إجتماعية فقط فما الفائدة من مبدع ذكي خياله خصب له موهبة و لكن المجتمع لا يحتضنه و يساعده على تجسيد إبداعاته، كما لا فائدة من مجتمع يوفر الوسائل و التقنيات لأفراد لا رغبة و لا قدرة لهم على الإبداع
الخاتمة:
ما يمكنه قوله في الأخير أن الإبداع كصورة متطورة من صور التخيل لايتم بمعزل عن تحديد شروطه و العوامل المتحكمة فيه و على ذلك يمكن القول أن الإبداع نتيجة تفاعل مزدوج بين الإرادة الفردية للمبدع و وسائل المجتمع
يعتبر الإنسان كائنا متفردا يتميز بقدراته العقلية كالإدراك، التفكير، التأمل و التخيل كملكة تغيير الواقع و التخيل ينقسم إلى قسمين منه ما هو تمثيلي غير هادف، و منه ما هو إبداعي و قد شكل الإبداع محور اهتمام الفلاسفة و المفكرين من خلال البحث في مرجعيتنا و الشروط الكفيلة لإحداثها أين اختلفت آراؤهم و تباينت بين من يعتقد أن الإبداع مرتبط بشروط ذاتية خاصة وبين من يؤكد أنه محصلة ظروف اجتماعية ففي ظل هذا التعارض نطرح الإشكال التالي:
هل الإبداع وليد عوامل ذاتية فحسب؟
أ. العوامل الذاتية النفسية:
يعتقد علماء النفس و الكثير من الفلاسفة أن الإبداع مشروط بعوامل نفسية عقلية فالإبداع يرجع إلى ملكة ذاتية فليس بإمكان أي شخص أن يبدع فالمبدع يملك ذكاء خارق و قدرة على الإقناع فالفيلسوف سقراط استطاع أن يقلب موازين الفكر الفلسفي من خلال منهج السخرية و التهكم فأبطل آراء السوفسطائيين و مغالطاتهم، كما أن الإبداع يحتاج إلى الإلهام إذ يظهر الحل بصورة حدسية فالعالم ارخميدس اكتشف قانون الغضط في حمام منزله و العالم اسحاق نيوتن اكتشف الجاذبية بإلهام من سقوط التفاحة. إذ يقول "إني لأضع موضوع بحثي نصب عيني و أنتظر حتى يلمع الإشراق علي شيئا فشيئا لينقلب إلي نورا جليا" كما أن للرغبة و الميل دور في عملية الإبداع يقول بوانكاري "إن الحظ يحالف النفس المهيأة"
بالإضافة إلى الخبرة التي تشكل عامل مهم و ذلك بتوظيف الذاكرة، فالتاريخ يروي قصص أشخاص كانوا يملكون ذاكرة خارقة خاصة في حفظ القرآن و الأحاديث النبوية الشريفة كالإمام الشافعي و أبو هريرة و غير بعيد عن ذلك أكد علماء النفس أن الحالة النفسية للمبدع تساهم بقدر كبير في عملية الإبداع فالرسام الشاعر المغني كلهم انطلقو من حالة نفسية معينة، قد يكون غضب فرح، حزن، كره أو حب فحسن الخنساء على أخيها "صخر" دفعها إلى نظم قصائد خالدة في الرثاء و حب مفدي زكريا لوطنه و غضبه من المستعمر دفعه إلى إبداع الإلياذة يقول برغسون"إن العضماء اللذين يتخيلون الفروض و الأبطال القديسون اللذين يبدعون المفاهيم الأخلاقية، لا يبدعونها في حالة جمود الدم و إنما يبدعونها في جو حماسي و تيار ديناميكي تتلاطم فيه الأفكار" لذا ربط فرويد بين الإبداع و الحالة اللاشعورية يقول"الإبداع تغبير مهذب نابع من غرائز جنسية مكبوتة" أما تلميذه أدلر فقد اعتبر أن الأبداع ناتج عن الشعور بالنقص. و لا يمكن أن يكون الإبداع دون صبر فمن العلماء من أفنى حياته في لأجل دراسة نظرية لذا يقال "طريق النجاح معبد بالفشل" فالعالم غاليلي قتل بسبب نظريته حول كروية الأرض، و لا يمكن الحديث عن العوامل لذاتية دون الحديث عن عامل الوراثة، فأبناء العباقرة عباقرة و كمثال على ذلك أسرة باخ الألمانية التي أنجبت أكثر من 40 موسيقي
النقد:
لا شك في تدخل العوامل الذاتية لإحداث عملية الإبداع إلا أنها تبقى غير كافية فالمبدع ليس فردا منعزلا عن المجتمع إذ لا بد من مناخ يحتويه و مجتمع يحتضن إبداعاته.
ب. العوامل الموضوعية:
على خلاف الرأي الأول يرى علماء الإجتماع أن عملية الإبداع تتجاوز العوامل النفسية إلى شروط اجتماعية بمعنى أن المجتمع هو الذي يعمل علة صقل موهبة المبدع و إمداده بمختلف الوسائل، فالإبداع ليس عملا فرديا إذ يعتبر المجتمع شرطا ضروريا و من أهم هذه الشروط متطلبات المجتمع و حاجاته التي تدفع المبدع للتغير يقول كارل ماركس"الحاجة أم الإختراع" و يقول باستور"إن الافكار الخصبة للعالم هي بنات الحاجة" فحاجة الإنسان إلى السفر دفعته إلى إبداع وسائل النقل على اختلاف أنواعها و حاجته إلى التواصل دفعته إلى الاختراع وسائل الإتصال بمعنى أن المبدع لا يبدع بنفسه و إنما وفقا لما تحدده حاجته من مجتمعه هذا من جهة و من جهة أخرى يحتضن المجتمع مبدعيه فيهيء الظروف المناسبة للمبدع التي تساعده على إخراج طاقته، فقد يكون الدعم ماديا كالمكتبات، قاعات الانترنت، المخابر المجهزة، الوسائل التكنلوجية. و قد يكون الدعم معنويا كالتحفيز و المتابعة و هذا ما يظهر جليا في العلم، الفن الأدبي، الرياضة فدولة مثل اليابان تحتضن المبدعين و تهتم بما تنتجه أفكارهم يقول تين"إنك لن تفهم أثرا فنيا أو فنانا أو جملة من الفنانين إلا إذا تصورت معالم الفكر العامة و اتجاهات الأخلاق و العادات في زمانهم" لذا فالعوامل الإجتماعية تظهر الكفاءات و تميز الافراد فالتفريق بين الدول المتقدمة و المتخلفة لا يكون إلا بالرجوع إلى إبداعات أفرادها، يقول ماكس بلانك" العلم الحديث ابن ماضيه"فإبداعات دي مورغان في علم الوراثة كملت إبداعات مندل يقول ريبو"مهما كان الإبداع فرديا فإنه يحوي على نصيب إجتماعي"
النقد:
ما من شك في أن المجتمع بما يوفره من وسائل يعد سببا أساسيا و عاملا مؤثرا في عملية الإبداع، إلا أن رد الإبداع إلى المجتمع فحسب هو تقييد لحرية المبدع فكثيرا مابين التاريخ أن المجتمع في حد ذاته شكل عائقا أمام المبدعين فبدل تحفيزهم قم مبادراتهم، فالمجتمع هو الذي سمم سقراط و قتل غاليلي فقتل الإبداع، هذا من جهة ومن جهة أخرى لو كان المجتمع السبب الوحيد في عملية الإبداع لكان كل أفراده مبدعون
التركيب:
يعد الإبداع نشاطا حيويا جوهريا إذ لا يمكن رده إلى شروط نفسية فحسب و لا عوامل إجتماعية فقط فما الفائدة من مبدع ذكي خياله خصب له موهبة و لكن المجتمع لا يحتضنه و يساعده على تجسيد إبداعاته، كما لا فائدة من مجتمع يوفر الوسائل و التقنيات لأفراد لا رغبة و لا قدرة لهم على الإبداع
الخاتمة:
ما يمكنه قوله في الأخير أن الإبداع كصورة متطورة من صور التخيل لايتم بمعزل عن تحديد شروطه و العوامل المتحكمة فيه و على ذلك يمكن القول أن الإبداع نتيجة تفاعل مزدوج بين الإرادة الفردية للمبدع و وسائل المجتمع