الكتاب: البديع في نقد الشعر
المؤلف: أبو المظفر مؤيد الدولة مجد الدين أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الكلبي الشيزري (المتوفى: 584هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
باب
الحشو
الحشو أن تأتي في الكلام بألفاظ زائدة، ليس فيها فائدة، كقول النابغة:
توهمتُ آياتٍ لها فعرفتها ... لستةِ أعوامٍ وذا العامُ سابعُ
وكان الأجود أن يقول: لسبعة أعوام، فيستغني عن قوله: ستة أعوام، وعام سابع.
ومنه:
نأت سلمى، فعاودني ... صداعُ الرأس والوصبُ
فالرأس حشو، لا فائدة فيه؛ لأن الصداع لا يون إلا في الرأس.
ومن ذلك في الحماسة:
أبغي فتىً، لم تذرَّ الشمسُ طالعةً ... يوماً من الدهرِ إلاَّ ضرَّ أو نفعا
فقوله: طالعة. حشو لا فائدة فيه، لأن ذرت وطلعت بمعنى واحد.
ومنه قول الآخر:
فما برحتْ تومي إليه بطرفها ... تحذره خوف الوشاةِ وتومضُ
فقوله: وتومض. مكرر، لأن الإيماض هو الإيماض بعينه، كما قال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هلا أومضت إلي، فقال: النبي لا يغمز.
ومن التطريق قول بعض العرب:
ولست بخابئٍ لغدٍ طعاماً ... حذارَ غدٍ، لكلّ غدٍ طعامُ
كرر لفظ غد، وهو الذي يسمى التطريق.
ومنه للمتنبي:
أسدٌ فرائسها الأسود، يقودها ... أسدٌ تصير له الأسودُ ثعالبا
قال الصاحب بن عباد: العجب كيف خلص من هذه الأجمة.
وكذلك قوله:
يدٌ للزمانِ الجمعُ بيني وبينه ... لتفريقه بيني وبينَ النوائبِ
ومثله:
أحرقَ البينُ فؤادي ... عميَ البينُ وصما
لو رأيتُ البينَ يوماً ... لسقيتُ البينَ سما
وقال المتنبي:
وللضعفَ حتى يبلغ الضعف ضعفهُ ... ولا ضعفَ ضعفِ الضعفِ بل مثله ألفُ
قال الصاحب بن عباد: هذا البيت يصلح أن يكون مسلة في كتاب ديوفيطس.
وقوله أيضاً:
عظمتَ، فلما لم تعظمْ مهابةً ... عظمتَ فكان العظم عظماً على عظمِ
قال الصاحب رحمه الله تعالى: هذا البيت يصلح أن يكون ناووساً في كبار المقابر لكثرة ما فيه من العظام.
وكما قال الأعشى في قصيدته التي أولها: ودع هريرة إن الركب مرتحل وهي في غاية الفصاحة:
وقدْ غدوت إلى الحاناتِ يتبعني ... شاوٍ مشلّ شلولٌ شلشلٌ شولُ
سئل الأصمعي عن هذا البيت فقال: لا أعرف معناه.
ومنه قول مسلم في الخمر:
سلتْ وسلتْ ثم سلَّ سليلها ... فغدا سليلُ سليلها مسلولا
وتبعه أبو تمام في مثل هذا فقال يصف مطراً:
وقرى كلَّ قريةٍ كان يق ... ريها قرىً لا يجف منه قريُّ
جمع الغثانة والرثاثة والثقل والركاكة.
وقال أبو الطيب المتنبي:
وقلقلَ بالوجد الذي قلقلَ الحشا ... قلاقلَ همٍّ كلهنَّ قلاقلُ
فقال بعض البلغاء: إن الأعشى شلشل، وإن مسلماً سلسل، وإن المتنبي قلقل.
ولقد أحسن من قال:
إن حشو الكلام من لكنة ال ... مرء، وإيجازه من الإحسان
المؤلف: أبو المظفر مؤيد الدولة مجد الدين أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الكلبي الشيزري (المتوفى: 584هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
باب
الحشو
الحشو أن تأتي في الكلام بألفاظ زائدة، ليس فيها فائدة، كقول النابغة:
توهمتُ آياتٍ لها فعرفتها ... لستةِ أعوامٍ وذا العامُ سابعُ
وكان الأجود أن يقول: لسبعة أعوام، فيستغني عن قوله: ستة أعوام، وعام سابع.
ومنه:
نأت سلمى، فعاودني ... صداعُ الرأس والوصبُ
فالرأس حشو، لا فائدة فيه؛ لأن الصداع لا يون إلا في الرأس.
ومن ذلك في الحماسة:
أبغي فتىً، لم تذرَّ الشمسُ طالعةً ... يوماً من الدهرِ إلاَّ ضرَّ أو نفعا
فقوله: طالعة. حشو لا فائدة فيه، لأن ذرت وطلعت بمعنى واحد.
ومنه قول الآخر:
فما برحتْ تومي إليه بطرفها ... تحذره خوف الوشاةِ وتومضُ
فقوله: وتومض. مكرر، لأن الإيماض هو الإيماض بعينه، كما قال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هلا أومضت إلي، فقال: النبي لا يغمز.
ومن التطريق قول بعض العرب:
ولست بخابئٍ لغدٍ طعاماً ... حذارَ غدٍ، لكلّ غدٍ طعامُ
كرر لفظ غد، وهو الذي يسمى التطريق.
ومنه للمتنبي:
أسدٌ فرائسها الأسود، يقودها ... أسدٌ تصير له الأسودُ ثعالبا
قال الصاحب بن عباد: العجب كيف خلص من هذه الأجمة.
وكذلك قوله:
يدٌ للزمانِ الجمعُ بيني وبينه ... لتفريقه بيني وبينَ النوائبِ
ومثله:
أحرقَ البينُ فؤادي ... عميَ البينُ وصما
لو رأيتُ البينَ يوماً ... لسقيتُ البينَ سما
وقال المتنبي:
وللضعفَ حتى يبلغ الضعف ضعفهُ ... ولا ضعفَ ضعفِ الضعفِ بل مثله ألفُ
قال الصاحب بن عباد: هذا البيت يصلح أن يكون مسلة في كتاب ديوفيطس.
وقوله أيضاً:
عظمتَ، فلما لم تعظمْ مهابةً ... عظمتَ فكان العظم عظماً على عظمِ
قال الصاحب رحمه الله تعالى: هذا البيت يصلح أن يكون ناووساً في كبار المقابر لكثرة ما فيه من العظام.
وكما قال الأعشى في قصيدته التي أولها: ودع هريرة إن الركب مرتحل وهي في غاية الفصاحة:
وقدْ غدوت إلى الحاناتِ يتبعني ... شاوٍ مشلّ شلولٌ شلشلٌ شولُ
سئل الأصمعي عن هذا البيت فقال: لا أعرف معناه.
ومنه قول مسلم في الخمر:
سلتْ وسلتْ ثم سلَّ سليلها ... فغدا سليلُ سليلها مسلولا
وتبعه أبو تمام في مثل هذا فقال يصف مطراً:
وقرى كلَّ قريةٍ كان يق ... ريها قرىً لا يجف منه قريُّ
جمع الغثانة والرثاثة والثقل والركاكة.
وقال أبو الطيب المتنبي:
وقلقلَ بالوجد الذي قلقلَ الحشا ... قلاقلَ همٍّ كلهنَّ قلاقلُ
فقال بعض البلغاء: إن الأعشى شلشل، وإن مسلماً سلسل، وإن المتنبي قلقل.
ولقد أحسن من قال:
إن حشو الكلام من لكنة ال ... مرء، وإيجازه من الإحسان