يُعبِّرُ عن قُدرةِ الكاتبِ على ترجمة الأعيانِ والمَشاعر والأشياء بل الوجود كلِّه إلى مَفاهيمَ وأفكارٍ مَبنيّةٍ في أنساقٍ وأنظمةٍ ذاتِ عَلائقَ منطقيّةٍ. الكاتبُ حين يَكتبُ يُقرِّبُ المَوضوعَ إلى المُخاطَب وينقُلُه بوسائطَ ومقاييسَ متعدّدةٍ متداخلةٍ مُختلفةِ الأجناسِ، وتفوُّقُ الكاتبِ رهينٌ بفقه التقريبِ والنقلِ والترجمَة، رهينٌ بالموقع الذي ينبغي أن يَقفَ فيه لتحويلِ العالَم إلى أفكارٍ ومفاهيم، فموقعُه هذا هو الزاويةُ المُنتقاةُ التي سَتَزْوي لَه العالَم في أقرب صورِه وأيسرها تَناوُلاً وأوضحها إدراكاً وفَهماً.
ثُمَّ تأتي محنةُ البيانِ اللغويّ وانتقاءِ الأبيَن من البُنى اللغويّة التي تَعكسُ البنى الفكريّة . وهذا مَيْدانٌ يتفاوتُ فيه الناسُ أشدَّ التفاوُت، إلى درجة أن منهم مَن يأتي بالمُعمَّياتِ زاعماً غموضَ عالَم الأفكار وصعوبةَ استنباطها من الأعيان وصعوبةَ تكوين الأنساق؛ وأكثر الكتاباتِ التي تأتي على هذا النّحوِ يَزهدُ فيها القُرّاءُ ولو كثُرَت، وتتراكمُ على الرفوف ولو كان كاتبُها سخيَّ اليد بالكتابة والطبع والنشر.
فالكتابةُ فعلٌ حضاريٌّ لأنها مُعاناةٌ وعَناءٌ