التعليم الديني وتثبيت الهوية
ما من أمة من الأمم إلا وهي في حاجة للعلم والتعليم، به تصنع مجدها، وتبني مستقبلها.وكلما فرطت في العلم والتعليم كانت في ذيل الأمم تحبو، وعن طريق التقدم والنهضة مجانبة.والدين والتدين فطرة مفطورة في البشرية، والإلحاد شيء عارض لا يستقر ولا يستمر، ولا يمكن أن يكون حالة عامة مطردة.
يبحث البشر عن دين يعتقدونه ويؤمنون به، وفي بحثهم هذا منهم من يهتدي للدين الحق، ومنهم من يضل السبيل فيذهب ذات اليمين وذات الشمال لأديان محرفة أو وضعية.
ولكل دينٍ سدنته والقائمون على تعاليمه، الذين يعرِّفون أتباعه به، ويفسِّرون أوامره ونواهيه، وينشرونه بين العالمين إن كان يأمرهم بذلك.
وهؤلاء السدنة يورِّثون علومهم ومعارفهم لتلاميذَ لهم؛ حتى تستمر الديانة حية في قلوب أتباعها، حاضرة في أذهانهم، ماثلة في تعاملاتهم.
فالتعليم الديني تحتاجه كل أمة، فمنها من تتوسع فيه، ومنها من تضيِّق الخناق عليه، لكنها لا تلغيه تمامًا.
والتعليم الديني لا تختص به مؤسسة واحدة؛ لأن الدين مما لا يستغني عنه إنسان كبيرًا كان أو صغيرًا، رجلاً كان أو امرأة، متعلمًا كان أو أميًّا.
فالبيت محضن أساس وفيه تنشأ البذرة الأولى وتوضع اللبنة الأساسية، ومكاتب تحفيظ القرآن التي تلقِّن الأطفال قصار السور من القرآن مع مبادئ اللغة العربية والحساب، والحضانات ورياض الأطفال، ثم المدارس التعليمية بمراحلها المختلفة، ثم الجامعة، والمسجد صاحب الدور الممتد على طول الحياة، والإذاعة بما تبثه من برامج دينية، وكذا التلفاز والمجلات.
كل تلك المؤسسات لها دور في نشر الثقافة الدينية في المجتمع.
والتعليم الديني يعمل على تثبيت الهوية للشعوب الإسلامية والعربية على حدٍّ سواء.
فالهُوية مصدر صناعي مُشتقٌّ من الضّمير (هُوَ).
وهي فِي الفلسفة تعني: “حَقِيقَة الشَّيْء أَو الشَّخْص الَّتِي تميزه عَن غَيره”([1]).
“يقول أحمد ماضي: إن المعاجم الحديثة تعرف الهوية على أنها (الذات)”([2])، أي: تنتمي لذاتك والبيئة التي نشأت فيها لا لغيرها من البيئات؛ فهي إحساس الإنسان “بالولاء والانتماء إلى فئة ما، أو فكرةٍ ما”([3]).
والهوية بنت بيئتها، وتنشأ من خلال التفاعل بين عدة عناصر تتمثل في: الدين واللغة والجنس والأرض والتاريخ المشترك، وتترسخ الهويات عبر السنين، وتتابع الأجيال على حراستها والتمسك بها.
ولك أن تتصور هذا الدين الذي صنع الأمة العربية؛ إذ كانوا قبل نزول هذا الدين عليهم قبائل متناحرة تابعة للقوى العالمية آنذاك، فوحدها تحت راية واحدة وانطلقوا به في العالمين يبشّرون العالم بخاتم الرسالات.
هذا الدين الذي نزل باللغة العربية وكانت وعاءً للقرآن، وجعلها لغة عالمية بعد أن كانت لغة قومية للعرب وحدهم، فأصبحت العروبة ثقافة وحضارة لا جنسًا وقومية.
فالدين الإسلامي امتزج بالهوية العربية؛ فيكاد يكون الدين هو هوية العرب؛ فهو موحدهم، وصانع تاريخهم المشترك، وحافظ لغتهم.
حتى إن العرب غير المسلمين تجد أثر الثقافة الإسلامية عليهم.
وهيمنة الدين على الهوية العربية خصيصة للعرب لم يشاركهم فيها غيرهم من الأجناس.
فالعربي في الغالب دينه الإسلام، ولغته العربية التي نزل بها القرآن، وتاريخهم الذي طوّره هو الإسلام.
والعرب بلا إسلام لا قيمة لهم، والعرب مادة الإسلام، وبهم انتشر في العالمين.
على عكس الغربي -مثلاً- الذي نزل الإنجيل بغير لغته، ولو درس تاريخ الحواريين فهم من جنس غير جنسه.
فهويته التاريخية واللغوية طرأت عليهما النصرانية؛ فلم تغير النصرانية هويتهم السابقة تغيرًا جذريًّا، بل تعايشت معها، وقبلت الكثير مما كانوا عليه سابقًا، وقد صوّر ذلك القاضي عبد الجبار حينما قال: إن النصرانية عندما دخلت روما لم تنصِّر روما، ولكن النصرانية ترومت.
حتى إن المسلم غير العربي ليفقد بعض الميزات التي أشرنا إليها عند العربي؛ إذ إن الماليزي -مثلاً- لغته هي الملاوية، ولا يفهم القرآن الكريم الذي يقرؤه، قد يجيده تلاوة، لكنه لا يفقه منه كلمة، وكذا الإندونيسي والكثير من القوميات المسلمة غير العربية.
إذن فإن التعليم الديني السليم الخالي من الإفراط والتفريط من أهم الدعامات التي تثبت الهوية، وتحافظ عليها من عاديات الزمن، ومضلات الفتن.
ومن أراد التلاعب بالهوية والعبث بها وضربها في مقتل فإنه يأتي إلى التعليم الديني ويشوهه أو يمنعه أو يضيّق عليه، أو يجعل القائمين عليه من غير ذوي الفهم السليم، عندئذ تتزلزل أهم أركان الهوية.
وهذا كان ديدن المحتل للعالم العربي، مثل الاحتلال الفرنسي وكذا الاحتلال الإنجليزي، وقد تمكنوا بدرجات متفاوتة من العبث بالهوية من خلال التشكيك في الدين وازدرائه وغلق المدارس الدينية وفرض لغته الأجنبية بدلاً من العربية.
لكنهم لم يتمكنوا من اجتثاث الدين من القلوب، وعندما رحلوا حاولت الشعوب العربية أن تعيد اللحمة ما بين هويتها ودينها.
ولا زال الصراع قائمًا بين من يحاول أن يحافظ على هويته العربية الإسلامية الأصيلة ومن يحاول أن يأتي بهوية زائفة لا تمثل العرب لا في لغتهم ولا فكرهم ولا دينهم.
ما من أمة من الأمم إلا وهي في حاجة للعلم والتعليم، به تصنع مجدها، وتبني مستقبلها.وكلما فرطت في العلم والتعليم كانت في ذيل الأمم تحبو، وعن طريق التقدم والنهضة مجانبة.والدين والتدين فطرة مفطورة في البشرية، والإلحاد شيء عارض لا يستقر ولا يستمر، ولا يمكن أن يكون حالة عامة مطردة.
يبحث البشر عن دين يعتقدونه ويؤمنون به، وفي بحثهم هذا منهم من يهتدي للدين الحق، ومنهم من يضل السبيل فيذهب ذات اليمين وذات الشمال لأديان محرفة أو وضعية.
ولكل دينٍ سدنته والقائمون على تعاليمه، الذين يعرِّفون أتباعه به، ويفسِّرون أوامره ونواهيه، وينشرونه بين العالمين إن كان يأمرهم بذلك.
وهؤلاء السدنة يورِّثون علومهم ومعارفهم لتلاميذَ لهم؛ حتى تستمر الديانة حية في قلوب أتباعها، حاضرة في أذهانهم، ماثلة في تعاملاتهم.
فالتعليم الديني تحتاجه كل أمة، فمنها من تتوسع فيه، ومنها من تضيِّق الخناق عليه، لكنها لا تلغيه تمامًا.
والتعليم الديني لا تختص به مؤسسة واحدة؛ لأن الدين مما لا يستغني عنه إنسان كبيرًا كان أو صغيرًا، رجلاً كان أو امرأة، متعلمًا كان أو أميًّا.
فالبيت محضن أساس وفيه تنشأ البذرة الأولى وتوضع اللبنة الأساسية، ومكاتب تحفيظ القرآن التي تلقِّن الأطفال قصار السور من القرآن مع مبادئ اللغة العربية والحساب، والحضانات ورياض الأطفال، ثم المدارس التعليمية بمراحلها المختلفة، ثم الجامعة، والمسجد صاحب الدور الممتد على طول الحياة، والإذاعة بما تبثه من برامج دينية، وكذا التلفاز والمجلات.
كل تلك المؤسسات لها دور في نشر الثقافة الدينية في المجتمع.
والتعليم الديني يعمل على تثبيت الهوية للشعوب الإسلامية والعربية على حدٍّ سواء.
فالهُوية مصدر صناعي مُشتقٌّ من الضّمير (هُوَ).
وهي فِي الفلسفة تعني: “حَقِيقَة الشَّيْء أَو الشَّخْص الَّتِي تميزه عَن غَيره”([1]).
“يقول أحمد ماضي: إن المعاجم الحديثة تعرف الهوية على أنها (الذات)”([2])، أي: تنتمي لذاتك والبيئة التي نشأت فيها لا لغيرها من البيئات؛ فهي إحساس الإنسان “بالولاء والانتماء إلى فئة ما، أو فكرةٍ ما”([3]).
والهوية بنت بيئتها، وتنشأ من خلال التفاعل بين عدة عناصر تتمثل في: الدين واللغة والجنس والأرض والتاريخ المشترك، وتترسخ الهويات عبر السنين، وتتابع الأجيال على حراستها والتمسك بها.
ولك أن تتصور هذا الدين الذي صنع الأمة العربية؛ إذ كانوا قبل نزول هذا الدين عليهم قبائل متناحرة تابعة للقوى العالمية آنذاك، فوحدها تحت راية واحدة وانطلقوا به في العالمين يبشّرون العالم بخاتم الرسالات.
هذا الدين الذي نزل باللغة العربية وكانت وعاءً للقرآن، وجعلها لغة عالمية بعد أن كانت لغة قومية للعرب وحدهم، فأصبحت العروبة ثقافة وحضارة لا جنسًا وقومية.
فالدين الإسلامي امتزج بالهوية العربية؛ فيكاد يكون الدين هو هوية العرب؛ فهو موحدهم، وصانع تاريخهم المشترك، وحافظ لغتهم.
حتى إن العرب غير المسلمين تجد أثر الثقافة الإسلامية عليهم.
وهيمنة الدين على الهوية العربية خصيصة للعرب لم يشاركهم فيها غيرهم من الأجناس.
فالعربي في الغالب دينه الإسلام، ولغته العربية التي نزل بها القرآن، وتاريخهم الذي طوّره هو الإسلام.
والعرب بلا إسلام لا قيمة لهم، والعرب مادة الإسلام، وبهم انتشر في العالمين.
على عكس الغربي -مثلاً- الذي نزل الإنجيل بغير لغته، ولو درس تاريخ الحواريين فهم من جنس غير جنسه.
فهويته التاريخية واللغوية طرأت عليهما النصرانية؛ فلم تغير النصرانية هويتهم السابقة تغيرًا جذريًّا، بل تعايشت معها، وقبلت الكثير مما كانوا عليه سابقًا، وقد صوّر ذلك القاضي عبد الجبار حينما قال: إن النصرانية عندما دخلت روما لم تنصِّر روما، ولكن النصرانية ترومت.
حتى إن المسلم غير العربي ليفقد بعض الميزات التي أشرنا إليها عند العربي؛ إذ إن الماليزي -مثلاً- لغته هي الملاوية، ولا يفهم القرآن الكريم الذي يقرؤه، قد يجيده تلاوة، لكنه لا يفقه منه كلمة، وكذا الإندونيسي والكثير من القوميات المسلمة غير العربية.
إذن فإن التعليم الديني السليم الخالي من الإفراط والتفريط من أهم الدعامات التي تثبت الهوية، وتحافظ عليها من عاديات الزمن، ومضلات الفتن.
ومن أراد التلاعب بالهوية والعبث بها وضربها في مقتل فإنه يأتي إلى التعليم الديني ويشوهه أو يمنعه أو يضيّق عليه، أو يجعل القائمين عليه من غير ذوي الفهم السليم، عندئذ تتزلزل أهم أركان الهوية.
وهذا كان ديدن المحتل للعالم العربي، مثل الاحتلال الفرنسي وكذا الاحتلال الإنجليزي، وقد تمكنوا بدرجات متفاوتة من العبث بالهوية من خلال التشكيك في الدين وازدرائه وغلق المدارس الدينية وفرض لغته الأجنبية بدلاً من العربية.
لكنهم لم يتمكنوا من اجتثاث الدين من القلوب، وعندما رحلوا حاولت الشعوب العربية أن تعيد اللحمة ما بين هويتها ودينها.
ولا زال الصراع قائمًا بين من يحاول أن يحافظ على هويته العربية الإسلامية الأصيلة ومن يحاول أن يأتي بهوية زائفة لا تمثل العرب لا في لغتهم ولا فكرهم ولا دينهم.