الراعي ورعيته
لا تتعجَّب إن قلتُ:
إن هناك أخوَّة بين الراعي ورعيته، فالراعي ورعيته هما الحاكم وشعبه، والزوج وأهله، فعلى كل مسؤول أن يقوِّيَ العَلاقة بين رعيتِه؛ حتى تترابط الأخوة، فلا مسؤولية مع الفُرْقة، ولا بد من المؤاخاة حتى تكتمل الأخوَّة بين الجميع، الأمر الذي بسببه يأتي النصر على الأعداء، وأولهم بنو صهيون.
1- الحاكم وشعبه:
أول ما يجبُ على الحاكم لمؤاخاةِ شعبه أن يحكمَ بشرع الله - تعالى - حتى لا يدخلَ الظلم على أحد، وبتحكيم شرع الله - تعالى - لا نجدُ خلافًا بين الحاكم والمحكوم، ولا نجد تباغضًا ولا تدابُرًا، الأمر الذي يقوِّي الصفوف، ويجعل الأمة تعتزُّ بوحدتها، لا يرهبها إرهاب متكبِّر، ولا يزعزعها منافقٌ، بل الجميع واحد، أمرهم شورى، لا اعوجاج فيه، ومن هنا لا يغلبهم عدوٌّ، ولا يستطيع أن يُملِي عليهم شروطه، بل هم مَن يملُون الشروط؛ لأن نصرهم يأتي من قوَّتهم، ولن تأتي قوتهم إلا بوحدتهم، ولن تأتي وحدتهم إلا من خلال ترابطهم، ولن يأتي الترابط إلا إذا أعطى كلُّ واحدٍ ما له وما عليه، ولن يأتي ذلك إلا من تطبيق شرع الله - تعالى - فالنصر على الأعداء - وعلى رأسهم دولة إسرائيل - لن يأتي إلا بتحكيم شرع الله - تعالى - وإنه "لما أعرض الناسُ عن تحكيم الكتاب والسنة، والمحاكمة إليهما، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، وعدلوا إلى الآراء، والقياس، والاستحسان، وأقوال الشيوخ، عرض لهم من ذلك فسادٌ في فطرهم، وظلمة في قلوبهم، وكدر في أفهامهم، ومحق في عقولهم، وعمَّتْهم هذه الأمور، وغلبتْ عليهم حتى ربِّي فيها الصغير، وهرم عليها الكبير، فلم يروها منكرًا، فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن، والنفس مقام العقل، والهوى مقام الرشد، والضلال مقام الهدى، والمنكر مقام المعروف، والجهل مقام العمل، والرياء مقام الإخلاص، والباطل مقام الحق، والكذب مقام الصدق، والمداهنة مقام النصيحة، والظلم مقام العدل؛ فصارت الدولة والغلبة لهذه الأمور، وأهلُها هم المشار إليهم، وكانت قبل ذلك لأضدادها، وكان أهلها هم المشار إليهم، وإذا رأيت دولة هذه الأمور قد أقبلت، وراياتها قد نصبت، وجيوشها قد ركبت، فبطن الأرض والله خير من ظهرها، وقلل الجبال خير من السهول، ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس"[1].
وأردِّد قائلاً - ولن أجد لها مثيلاً؛ لأن قائلها هو مَن وضع الشرع، وأمر بحكمه - قولَه - تعالى -: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]، وقال - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51]، وقال - تعالى -: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50].
ويجب على الحكَّام التعامل مع المحكومين بالحكمة والموعظة الحسنة؛ لذلك "فولاة الأمورِ يجب عليهم الرفق بالرعية، والإحسان إليهم، واتباع مصالحهم، وتولية مَن هو أهل للولاية، ودفع الشر عنهم، وغير ذلك من مصالحهم؛ لأنهم مسؤولون عنهم أمام الله - عز وجل"[2]، قال - تعالى -: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 215]، وقال - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته))؛ (متفق عليه)، وعن أبي يعلى معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيته، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيته، إلا حرَّم الله عليه الجنة))، وفي رواية: ((فلم يَحُطْها بنصحه لم يجدْ رائحة الجنة))، وفي رواية لمسلم: ((ما من أميرٍ يلي أمور المسلمين، ثم لا يجهد لهم، وينصح لهم، إلا لم يدخل معهم الجنة))؛ ((متفق عليه)).
ويجب على الرعية أيضًا أن يكونوا على قدرٍ من الالتزامِ بكل ما يصدره الحاكم إذا لم يخالف شرع الله، فالواجب عليهم السمع والطاعة في غير المعصية، والنصح للولاة، وعدم التشويش عليهم، وعدم إثارة الناس عليهم، وطي مساوئهم، وبيان محاسنهم؛ لأن المساوئ يمكن أن ينصحَ فيها الولاة سرًّا بدون أن تنشر على الناس؛ لأن نشر مساوئ ولاة الأمور أمام الناس لا يستفاد منه، بل لا يزيد الأمر إلا شدَّة، فتحمل صدور الناس الكراهية والبغضاء لولاة الأمور، وإذا كره الناسُ ولاةَ الأمور وأبغضوهم، وتمردوا عليهم، ورأوا أمرهم بالخير أمرًا بالشر، لم يسكتوا عن مساوئهم، وحصل بذلك إيغار للصدور، وشر وفساد، والأمة إذا تفرَّقت وتمزَّقت حصلت الفتنة بينهما ووقعت"[3]، ومن هنا يحصل الضعف، وتأتي الهزيمة، أما إذا تتبعنا الأمر، وأخذ كل ذي حقٍّ حقَّه، أتى النصر على الأعداء عاجلاً لا آجلاً، وعلى رأسهم بنو صهيون.
2- الزوج وأهل بيته:
الزوج والزوجة وجهانِ لعملة واحدة، إذا فسد الأول فسد الثاني والعكس، ولأنهما أساس أي أسرة، فلا ينبغي أن يدخل الشيطان بينهما؛ لأن الشيطان لو دخل بينهما لهدمت الأسرة بالكامل، فهما دعامتان يركن كلٌّ منهما إلى الآخر، فإذا صَلَحا صَلَحت الأسرة كلها، ومن ثَمَّ صَلَحت الأمة كلها، وأصبحت قوية، فلا يمكن لعدو أن يخترقها، وكلما قويت الأمة اقترب النصر، وإذا فسدت الدعامتان فسدت الأسرة كلها، وإذا فسدت الأسرة فسدت الأمة بأكملها، وأصبحت ضعيفة هشة تذروها الرياح، ويمكن للعدو بأقل إمكانيات أن ينتصر عليها، فواجبٌ على الزوج - وهو الراعي - أن يعرف الحقوق المفروضة عليه لإقامة حدود الله - تعالى - داخل أسرته.
فالسبيل الوحيد إلى النصر يأتي من الأسرة التي تُقِيم حدود الله - تعالى - ومن هذا المنطلق يكون بداية الطريق إلى النصر، قال - تعالى -: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾ [النساء: 34]؛ فقوامة الرجل لم تأتِ هباءً، ولكن القوامة تأتي لأنه هو الذي يُنفِق على المرأة، "وهو الذي يدبِّرها ويوجِّهها، ويأمرها فتطيع إلا إذا أمرها بمعصية الله، فلا سمع ولا طاعة، وفي المقابل، فإن الزوجة لا بدَّ أن تكون صالحة قانتة مديمة للطاعة، تحفظ سر الرجل وغيبته، فيجب على الرجل أن يعرفَ ما عليه وما له، وأن تعرف الزوجة ما عليها وما لها؛ كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته))؛ الحديث، فالراعي لا بد أن يقوم على الشيء، ويرعى مصالحه فيهيِّئها له، ويرعى مفاسده فيجنبه إياها؛ كراعي الغنم ينظر ويبحث عن المكان المرْبع حتى يذهب بالغنم إليه، وينظر في المكان المجدب فلا يتركها في هذا المكان.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((دينارٌ أنفقتَه في سبيل الله، ودينارٌ أنفقتَه في رقبة، ودينار أنفقتَه على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك))؛ (رواه مسلم)؛ فالأسرة هي الوحدة التي تتكوَّن منها وحدات المجتمعات الإسلامية، وقد أحاطها الله بتشريعات، جعلتْها تتضامن وتتماسك تماسكًا وثيقًا منذ نزلت تشريعات الإسلام على الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم، وجعلت الشريعة الإسلامية على الآباء حقوقًا كثيرة لأبنائهم ذكورًا وإناثًا، فعليهم أن يحسنوا تربيتهم، وأن يرشدوهم دائمًا إلى السلوك الفاضل، وأن يعدُّوهم منذ البلوغ لأداء فرائض الإسلام، وأن يأخذوهم بالتعلم، ويجب على الأب أن يظل يُنفِق على ابنه في تعليمه، وحتى يستطيع الكسب لمعاشه، وبالمثل البنت"[4].
فلن يأتيَ النصر إلا إذا كانتِ الأسرة ذاتَ صلة قوية ببعضها البعض، يقيمون حدود الله - تعالى - ويقدِّمون شعائر الله - تعالى - فلن نعودَ إلى ما كنَّا عليه في أيام العزَّة إلا إذا عادتِ الأسرة إلى ربِّها، ولن يكون ذلك إلا إذا كان الراعي - وهو الزوج - على قدر المسؤولية، وفي نفس الوقت أن تكون الزوجة والأولاد على قدر المسؤولية، ومن هنا يأتي النصر على إسرائيل وغيرها عاجلاً لا آجلاً.
لا تتعجَّب إن قلتُ:
إن هناك أخوَّة بين الراعي ورعيته، فالراعي ورعيته هما الحاكم وشعبه، والزوج وأهله، فعلى كل مسؤول أن يقوِّيَ العَلاقة بين رعيتِه؛ حتى تترابط الأخوة، فلا مسؤولية مع الفُرْقة، ولا بد من المؤاخاة حتى تكتمل الأخوَّة بين الجميع، الأمر الذي بسببه يأتي النصر على الأعداء، وأولهم بنو صهيون.
1- الحاكم وشعبه:
أول ما يجبُ على الحاكم لمؤاخاةِ شعبه أن يحكمَ بشرع الله - تعالى - حتى لا يدخلَ الظلم على أحد، وبتحكيم شرع الله - تعالى - لا نجدُ خلافًا بين الحاكم والمحكوم، ولا نجد تباغضًا ولا تدابُرًا، الأمر الذي يقوِّي الصفوف، ويجعل الأمة تعتزُّ بوحدتها، لا يرهبها إرهاب متكبِّر، ولا يزعزعها منافقٌ، بل الجميع واحد، أمرهم شورى، لا اعوجاج فيه، ومن هنا لا يغلبهم عدوٌّ، ولا يستطيع أن يُملِي عليهم شروطه، بل هم مَن يملُون الشروط؛ لأن نصرهم يأتي من قوَّتهم، ولن تأتي قوتهم إلا بوحدتهم، ولن تأتي وحدتهم إلا من خلال ترابطهم، ولن يأتي الترابط إلا إذا أعطى كلُّ واحدٍ ما له وما عليه، ولن يأتي ذلك إلا من تطبيق شرع الله - تعالى - فالنصر على الأعداء - وعلى رأسهم دولة إسرائيل - لن يأتي إلا بتحكيم شرع الله - تعالى - وإنه "لما أعرض الناسُ عن تحكيم الكتاب والسنة، والمحاكمة إليهما، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، وعدلوا إلى الآراء، والقياس، والاستحسان، وأقوال الشيوخ، عرض لهم من ذلك فسادٌ في فطرهم، وظلمة في قلوبهم، وكدر في أفهامهم، ومحق في عقولهم، وعمَّتْهم هذه الأمور، وغلبتْ عليهم حتى ربِّي فيها الصغير، وهرم عليها الكبير، فلم يروها منكرًا، فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن، والنفس مقام العقل، والهوى مقام الرشد، والضلال مقام الهدى، والمنكر مقام المعروف، والجهل مقام العمل، والرياء مقام الإخلاص، والباطل مقام الحق، والكذب مقام الصدق، والمداهنة مقام النصيحة، والظلم مقام العدل؛ فصارت الدولة والغلبة لهذه الأمور، وأهلُها هم المشار إليهم، وكانت قبل ذلك لأضدادها، وكان أهلها هم المشار إليهم، وإذا رأيت دولة هذه الأمور قد أقبلت، وراياتها قد نصبت، وجيوشها قد ركبت، فبطن الأرض والله خير من ظهرها، وقلل الجبال خير من السهول، ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس"[1].
وأردِّد قائلاً - ولن أجد لها مثيلاً؛ لأن قائلها هو مَن وضع الشرع، وأمر بحكمه - قولَه - تعالى -: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]، وقال - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51]، وقال - تعالى -: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50].
ويجب على الحكَّام التعامل مع المحكومين بالحكمة والموعظة الحسنة؛ لذلك "فولاة الأمورِ يجب عليهم الرفق بالرعية، والإحسان إليهم، واتباع مصالحهم، وتولية مَن هو أهل للولاية، ودفع الشر عنهم، وغير ذلك من مصالحهم؛ لأنهم مسؤولون عنهم أمام الله - عز وجل"[2]، قال - تعالى -: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 215]، وقال - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته))؛ (متفق عليه)، وعن أبي يعلى معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيته، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيته، إلا حرَّم الله عليه الجنة))، وفي رواية: ((فلم يَحُطْها بنصحه لم يجدْ رائحة الجنة))، وفي رواية لمسلم: ((ما من أميرٍ يلي أمور المسلمين، ثم لا يجهد لهم، وينصح لهم، إلا لم يدخل معهم الجنة))؛ ((متفق عليه)).
ويجب على الرعية أيضًا أن يكونوا على قدرٍ من الالتزامِ بكل ما يصدره الحاكم إذا لم يخالف شرع الله، فالواجب عليهم السمع والطاعة في غير المعصية، والنصح للولاة، وعدم التشويش عليهم، وعدم إثارة الناس عليهم، وطي مساوئهم، وبيان محاسنهم؛ لأن المساوئ يمكن أن ينصحَ فيها الولاة سرًّا بدون أن تنشر على الناس؛ لأن نشر مساوئ ولاة الأمور أمام الناس لا يستفاد منه، بل لا يزيد الأمر إلا شدَّة، فتحمل صدور الناس الكراهية والبغضاء لولاة الأمور، وإذا كره الناسُ ولاةَ الأمور وأبغضوهم، وتمردوا عليهم، ورأوا أمرهم بالخير أمرًا بالشر، لم يسكتوا عن مساوئهم، وحصل بذلك إيغار للصدور، وشر وفساد، والأمة إذا تفرَّقت وتمزَّقت حصلت الفتنة بينهما ووقعت"[3]، ومن هنا يحصل الضعف، وتأتي الهزيمة، أما إذا تتبعنا الأمر، وأخذ كل ذي حقٍّ حقَّه، أتى النصر على الأعداء عاجلاً لا آجلاً، وعلى رأسهم بنو صهيون.
2- الزوج وأهل بيته:
الزوج والزوجة وجهانِ لعملة واحدة، إذا فسد الأول فسد الثاني والعكس، ولأنهما أساس أي أسرة، فلا ينبغي أن يدخل الشيطان بينهما؛ لأن الشيطان لو دخل بينهما لهدمت الأسرة بالكامل، فهما دعامتان يركن كلٌّ منهما إلى الآخر، فإذا صَلَحا صَلَحت الأسرة كلها، ومن ثَمَّ صَلَحت الأمة كلها، وأصبحت قوية، فلا يمكن لعدو أن يخترقها، وكلما قويت الأمة اقترب النصر، وإذا فسدت الدعامتان فسدت الأسرة كلها، وإذا فسدت الأسرة فسدت الأمة بأكملها، وأصبحت ضعيفة هشة تذروها الرياح، ويمكن للعدو بأقل إمكانيات أن ينتصر عليها، فواجبٌ على الزوج - وهو الراعي - أن يعرف الحقوق المفروضة عليه لإقامة حدود الله - تعالى - داخل أسرته.
فالسبيل الوحيد إلى النصر يأتي من الأسرة التي تُقِيم حدود الله - تعالى - ومن هذا المنطلق يكون بداية الطريق إلى النصر، قال - تعالى -: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾ [النساء: 34]؛ فقوامة الرجل لم تأتِ هباءً، ولكن القوامة تأتي لأنه هو الذي يُنفِق على المرأة، "وهو الذي يدبِّرها ويوجِّهها، ويأمرها فتطيع إلا إذا أمرها بمعصية الله، فلا سمع ولا طاعة، وفي المقابل، فإن الزوجة لا بدَّ أن تكون صالحة قانتة مديمة للطاعة، تحفظ سر الرجل وغيبته، فيجب على الرجل أن يعرفَ ما عليه وما له، وأن تعرف الزوجة ما عليها وما لها؛ كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته))؛ الحديث، فالراعي لا بد أن يقوم على الشيء، ويرعى مصالحه فيهيِّئها له، ويرعى مفاسده فيجنبه إياها؛ كراعي الغنم ينظر ويبحث عن المكان المرْبع حتى يذهب بالغنم إليه، وينظر في المكان المجدب فلا يتركها في هذا المكان.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((دينارٌ أنفقتَه في سبيل الله، ودينارٌ أنفقتَه في رقبة، ودينار أنفقتَه على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك))؛ (رواه مسلم)؛ فالأسرة هي الوحدة التي تتكوَّن منها وحدات المجتمعات الإسلامية، وقد أحاطها الله بتشريعات، جعلتْها تتضامن وتتماسك تماسكًا وثيقًا منذ نزلت تشريعات الإسلام على الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم، وجعلت الشريعة الإسلامية على الآباء حقوقًا كثيرة لأبنائهم ذكورًا وإناثًا، فعليهم أن يحسنوا تربيتهم، وأن يرشدوهم دائمًا إلى السلوك الفاضل، وأن يعدُّوهم منذ البلوغ لأداء فرائض الإسلام، وأن يأخذوهم بالتعلم، ويجب على الأب أن يظل يُنفِق على ابنه في تعليمه، وحتى يستطيع الكسب لمعاشه، وبالمثل البنت"[4].
فلن يأتيَ النصر إلا إذا كانتِ الأسرة ذاتَ صلة قوية ببعضها البعض، يقيمون حدود الله - تعالى - ويقدِّمون شعائر الله - تعالى - فلن نعودَ إلى ما كنَّا عليه في أيام العزَّة إلا إذا عادتِ الأسرة إلى ربِّها، ولن يكون ذلك إلا إذا كان الراعي - وهو الزوج - على قدر المسؤولية، وفي نفس الوقت أن تكون الزوجة والأولاد على قدر المسؤولية، ومن هنا يأتي النصر على إسرائيل وغيرها عاجلاً لا آجلاً.