ليلة القدر خصَّ الله -سبحانه وتعالى- المسلمين بالعديد من الشّعائر التي ميَّزت دينهم عن غيره من الأديان، لتصدُق فيه صفة الدّيمومة والصّلاحية لكلّ زمانٍ ومكانٍ، وليكون شاملاً عامّاً كاملاً مُتكامِلاً، ومن أبرز وأهمِّ ما ميّز الله به المسلمين هو صيام شهر رمضان وقيامه، فجعله خيرَ شهور السّنة على الإطلاق، وكان من خِيريته أنْ ضاعف فيه أجور ما يقوم به المسلم من الصّالحات؛ فالحسنة فيه بعشرٍ ممّا في سِواه، وقد خصّ من شهر رمضان الذي هو أفضل أشهُر السّنة ليلةً جعلها أفضل ليالي رمضان، وبهذا تكون ليلة القدر أفضل ليلة في السّنة، لذلك يسعى المسلمون كلّ سنةٍ لقيام ليلة القدر، وذلك بأداء العديد من الطّاعات، مثل: الصّلاة، وقراءة القرآن، وذِكر الله بشتّى الوسائل والطُّرق، وحتّى لا يركن المسلمون إلى الرّاحة طيلة شهر رمضان المُبارك، ويقصدوا ليلة القدر تحديداً بالقِيام والصّلاة والذِّكر، فقد جعل الله موعد ليلة القدر مُبهَماً، فيقوم الناس بعض لياليه التي يعتقدون أنّها ربّما تكون هي ليلة القدر؛ إدراكاً لفضلها، فما هو وقت ليلة القدر؟ وكيف يمكن الاستدلال عليه؟ Volume 0% معنى ليلة القدر ليلة القدر لُغةً تتكوّن ليلة القدر من لفظتَين، لكلٍّ منهما تعريفها الخاصّ، والذي لا بُدّ من معرفة جزئيّاته للوصول إلى المعنى اللغويّ المقصود بليلة القدر، وفيما يأتي بيان ذلك:[١] ليلة: يُقصَد بهذه اللفظة الجزء من اليوم؛ فاليوم قسمان: نهار، وليل؛ يتعلّق النهار بالجزء المُشرق من اليوم، بينما يتعلّق الليل بالجزء المُظلِم منه، أمّا حدُّ الليلة فيبدأ بعد غروب شمس اليوم، وينتهي بطلوع الفجر الصّادق؛ أي الفجر الثاني. القدر: تحمل هذه اللفظة عدّة معانٍ في اللغة، منها مثلاً: القدر: بمعنى الشّرف والعَظَمة والوقار، كما في قوله تعالى: (وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ)،[٢] ومن هنا جاء سبب تسمية ليلة القدر بذلك الاسم؛ لما لها من شرفٍ وعظَمةٍ ووقار، وسرُّ تعظيمها أن نزل فيها القرآن الكريم. القدر: بمعنى الفصل أو التّقدير، وهو هنا مقترن بلفظة القضاء؛ فعندما يُقال: القضاء والقدر؛ فإنّ هذا يعني أنّ الله -عزّ وجلّ- يُقدِّر أحكام السُّنة في تلك الليلة، كما يُقدّر وقتها ومن سيُدركها من المسلمين ومن ستفوته، قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِين*فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم).[٣] ليلة القدر اصطلاحاً يُمكن تعريف ليلة القدر في الاصطلاح بأنّها: ليلةٌ من الليالي العشر الأواخر في شهر رمضان المُبارَك، فضَّلها الله على باقي ليالي الشّهر والسّنة، كما أنزل فيها القرآن الكريم، وفيها يُقدِّر الله -سبحانه وتعالى- ما يكون في باقي السّنة من مقادير الأمور التي ستجري للخلائق خلال العام، والعمل في هذه اللية خيرٌ من ألف شهرٍ من العمل في سِواها من اللّيالي.[٤] وقت ليلة القدر بقي عِلم ليلة القدر مجهولاً؛ لحِكَمٍ لا يعلمها إلا الله، وقد أشار النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى توقيتها في أكثر من حادثة، ولمَّح في بعض الأحاديث إلى ما يُرشد إليها من علامات ودلائل، أمّا الثابت حولها فوقوعها في الليالي الفرديّة من العشر الأواخر من شهر رمضان، فتكون محصورةً في خمس ليالٍ من الشّهر فقط، هي ليالي: الحادي والعشرين، والثّالث والعشرين، والخامس والعشرين، والسّابع والعشرين، والتّاسع والعشرين من شهر رمضان؛ ودليل كونها من العشر الأواخر ما رُوِي عن عُبادة بن الصّامت -رضي الله عنه- أنّه قال: (خرج النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يُخبِرنا بليلةِ القدرِ، فتلاحَى رجُلانِ من المسلمينَ، فقال: خرجْت لأُخبِركم بليلةِ القدرِ، فتلاحَى فُلانٌ وفُلانٌ فرُفِعَت، وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمِسوها في التّاسعةِ والسّابِعةِ والخامِسةِ).[٥] يُثبِت الحديث أنّ وقت ليلة القدر كان معلوماً، وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يريد إخبار الصّحابة بذلك الوقت، فلمّا اختلف الصّحابيّان رُفِع عِلم وقتها عن النبيّ صلّى الله عليم وسلّم، ولكنّه حدّدها في ثلاث ليالٍ من العشر الأواخر، هُنَّ ليالي: الليلة الخامسة، والسّابعة، والتاسعة، من العشر الأواخر من شهر رمضان، وقد جاء في حديثٍ آخر رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (هيَ في العَشرِ، هيَ في تِسعٍ يَمضِينَ، أو في سَبعٍ يَبقَينَ؛ يعني ليلةَ القدرِ)؛[٦] فقد جعل هذا الحديث احتمال وقوع ليلة القدر في العشر الأواخر مُتساوياً عندما قال هي في العشر، ثمّ رجَّح حدوثها ليلة السّابع والعشرين أو التّاسع والعشرين في قوله: (هي في تسعٍ يمضين أو سبعٍ يبقين). علامات ليلة القدر بما أنّ معرفة موعد لَيلة القدر ووقتها تتعذّر على المسلمين جميعهم؛ لأنّ الله قد رفع علمها بعد أن اختلف الصّحابة كما مرّ بيانُه، إلا أنّ لها بعض الدلّائل والعلامات التي ربّما تُشير إليها، وقد أشار النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى ذلك في العديد من النّصوص، منها الحديث الذي يرويه الصحابيّ الجليل عبادة بن الصّامت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (... إنَّ أمارةَ ليلةِ القدرِ أنّها صافيةٌ بَلِجَةٌ، كأنَّ فيها قمراً ساطعاً، ساكنةٌ ساجيةٌ لا بردَ فيها، ولا حرَّ، ولا يحِلُّ لكوكبٍ أنْ يُرمى به فيها حتّى تُصبِحَ، وإنّ أمارتَها أنَّ الشّمسَ صبيحتَها تخرجُ مُستوِيةً ليس لها شعاعٌ مثلَ القمرِ ليلةَ البدرِ، لا يحلُّ للشّيطانِ أن يخرُجَ معها يومَئذٍ).[٧] فقد ذكر الحديث السّابق علامات ليلة القدر، وهي كما يأتي:[٤] تكون الشّمس في ليلة القدر وصباحها بلا شعاع؛ فتكون خافتةً لا ساطعةً ولا حارِقةً. تستقرّ الأجواء في ليلة القدر وتسكن؛ فلا تكون ليلةً باردةً بردُها قارس، ولا حارّةً شديدة الحرارة. تكون السّماء في ليلة القدر صافيةً؛ القمر فيها ساطع، والسماء خالية من جميع ما يُكدّرها من الغيوم، والغبار، وغير ذلك. تُصفَّد الشّياطين ليلة القدر بشكلٍ أظهر من غيرها من أيام وليالي شهر رمضان المبارك، وتنتشر الملائكة في الأرض. فضل ليلة القدر لِلَيلة القدر فضلٌ عظيم ومنزلة رفيعة تفوق فضل سائر ليالي السّنة عموماً وليالي شهر رمضان خصوصاً، ومن فضلها ما يأتي:[٨] كان نزول القرآن على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في ليلة القدر، قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِين).[٣] . خصَّ الله سبحانه وتعالى ليلة القدر بالذِّكر في كتابه في العديد من المواضع، كما قرَنَها بالبركة في عدّة مواضع، كما في قوله عزَّ وجلّ: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِين).[٣] خصَّ الله -سبحانه وتعالى- ليلة القدر بأن جعل فيها توزيع أمور العباد وأعمالهم وأرزاقهم، لقوله عزَّ وجلّ: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم).[٩] يكون العمل في ليلة القدر مُضاعَفاً عمّا في غيرها من الليالي والأيّام، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ هذا الشَّهرَ قد حضركم، وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ، مَن حُرِمَها فقد حُرِم الخيرَ كُلَّه، ولا يُحرَمُ خيرَها إلَّا محرومٌ).[١٠]