الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم، وبعد:
إن خطبة الجمعة محاضرة أسبوعية واجب حضورها على كل مسلم عاقل بالغ مقيم صحيح، والتخلف عنها جد خطير، ففي مستدرك الحاكم وغيره عن أبي الجعد الضمري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه)) قال الحاكم: "حديث صحيح على شرط مسلم"(1).
وهذه المكانة للجمعة تلقي بأعبائها على الإمام والمأموم، وأخطأ من تصور أن الاعتناء بالجمعة واجب يقع على عاتق المأموم، فليبكر في الحضور متنظفاً متطيباً، وليصغ سمعه لما يقول الإمام، ولا يتلفت ولا يتشاغل، وغير ذلك مما ينبغي للمأموم أن يراعيه، ثم لا يجول بخاطره أن تلك التوجيهات تتضمن الأمر للخطباء والأئمة بإحسان الخطبة وإتقانها وإلا:
فلماذا يبكر ويحرص على شهود الخطبة قبل مبتدئها!
ولماذا ينصت إذا كان الإمام يلقي كلاماً مرتجلاً مليء بالعثرات لا يستحق أن يلقى له بال!
ولماذا لا يتشاغل فلا يمس حصى ولا يفرقع أصابع، وكلام الإمام منذ العام هو هو لم يتغير!
وكيف يحترم الخطيب أو كلامه، والخطيب لم يحترم آلاف العقول التي بين يديه فيما يقدمه لها! ولم يحترم قبل ذلك الأمانة التي حملها!
إن الخطيب ينبغي له أن يعتني بأمور، حتى تكون خطبته مؤثرة، منها ما يتعلق بموضوع الخطبة كحاجة الناس إليه وتوقيته، ومنها ما يتعلق بمراعاة السامعين وأحوالهم، ومنها ما يتعلق بأسلوب الأداء، وبعد ذلك يأتي بعضهم فيتساءل: ما بال الناس يتأخرون في الحضور؟ ولماذا لا يتفعالون مع الخطبة!
سبحان الله تثبطهم بفعلك ومقالك ثم تتساءل عن سبب تأخرهم! كيف يتفاعل الحاضرون مع خطبة لم يتفاعل معها ملقيها! وكيف يتأثرون بكلام لم يؤثر في قائله!
قد يتصنع الإمام العبارات، وقد يحسن إظهار انطباعات لم يتعدى أثرها إلى قلبه، فتكون النتيجة أن يحسن الناس تصنع الإنصات غير أن الكلام يدخل بأذن ويخرج بأخرى لا يمس قلباً، وتظل الحال هي الحال.
وبالمقابل:
حديث الروح للأرواح يسري *** وتحمله القلوب بلا عناء
أما التفاعل الصادق مع الخطبة فقد كان من هديه - صلى الله عليه وسلم - ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [وهو الصادق المصدق] إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم.
فهل تأمل هذا ذلك الخطيب الذي يلقي خطبة لا تحرك فيه ساكناً ولا يتفاعل معها، بل نبراته مصطنعة، وكلماته باردة لم تؤثر فيه فضلاً عن أن يتعدى أثرها إلى غيره! فلا عجب أن تجلب خطبته النعاس إلى أناس جاؤوا مستيقظين بعد نوم طويل مغتسلين آكلين شاربين مهيئين بأسباب القبول الحسية التي أمر بها الشرع.
إن الخطيب ينبغي له أن يعتني بأمور، حتى تكون خطبته مؤثرة، منها ما يتعلق بموضوع الخطبة كحاجة الناس إليه وتوقيته، ومنها ما يتعلق بمراعاة السامعين وأحوالهم، ومنها ما يتعلق بأسلوب الأداء، فإذا راعى الخطيب هذه الأمور كان للخطبة شأن وأثر عظيم.
إن المسلم يحضر في العام أكثر من خمسين درساً، ومع ذلك فإن المستفيد قليل، وما ذلك إلاّ لعدم توظيف المنابر توظيفها الأمثل، ولك أن تتخيل لو أتيحت هذه المنابر للأهل الكفر من الغربيين كيف كانوا يصنعون؟!
إنني أوجه دعوة لأولئك الذين لا يجتهدون و لا يعتنون بما يلقونه في خطبهم، بل جل همهم إزاحة هم نزل بهم، وقضاء وقت فرض عليهم، دعوتي إليهم بأن يتقوا الله، وأن يحترموا عقول السامعين، فما هكذا تؤدى الأمانة.
وقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلاّ حرم الله عليه الجنة)) [البخاري ومسلم] قال القاضي عياض: "معناه بَيِّنٌ في التحذير من غش المسلمين، لمن قلده الله - تعالى - شيئاً من أمرهم واسترعاه عليهم، ونصبه لمصلحتهم في دينهم أو دنياهم، فإن خان فيما اؤتمن عليه فلم ينصح فيما قُلِّده إما بتضييعه تعريفهم ما يلزمهم من دينهم، وأخذهم به، فقد غشهم" ثم ذكر القاضي أن ذلك من الكبائر الموبقة المبعدة عن الجنة(2). وأخشى ما أخشاه أن ينال بعض الخطباء نصيب من ذلك.
نسأل الله ألا يجعلنا من الذين ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، قائمين بأمر الله صالحين مصلحين، كما نسأله أن يعيننا على القيام بالحقوق والواجبات، وأن يتجاوز عن التقصير والزلات، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
___________________
إن خطبة الجمعة محاضرة أسبوعية واجب حضورها على كل مسلم عاقل بالغ مقيم صحيح، والتخلف عنها جد خطير، ففي مستدرك الحاكم وغيره عن أبي الجعد الضمري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه)) قال الحاكم: "حديث صحيح على شرط مسلم"(1).
وهذه المكانة للجمعة تلقي بأعبائها على الإمام والمأموم، وأخطأ من تصور أن الاعتناء بالجمعة واجب يقع على عاتق المأموم، فليبكر في الحضور متنظفاً متطيباً، وليصغ سمعه لما يقول الإمام، ولا يتلفت ولا يتشاغل، وغير ذلك مما ينبغي للمأموم أن يراعيه، ثم لا يجول بخاطره أن تلك التوجيهات تتضمن الأمر للخطباء والأئمة بإحسان الخطبة وإتقانها وإلا:
فلماذا يبكر ويحرص على شهود الخطبة قبل مبتدئها!
ولماذا ينصت إذا كان الإمام يلقي كلاماً مرتجلاً مليء بالعثرات لا يستحق أن يلقى له بال!
ولماذا لا يتشاغل فلا يمس حصى ولا يفرقع أصابع، وكلام الإمام منذ العام هو هو لم يتغير!
وكيف يحترم الخطيب أو كلامه، والخطيب لم يحترم آلاف العقول التي بين يديه فيما يقدمه لها! ولم يحترم قبل ذلك الأمانة التي حملها!
إن الخطيب ينبغي له أن يعتني بأمور، حتى تكون خطبته مؤثرة، منها ما يتعلق بموضوع الخطبة كحاجة الناس إليه وتوقيته، ومنها ما يتعلق بمراعاة السامعين وأحوالهم، ومنها ما يتعلق بأسلوب الأداء، وبعد ذلك يأتي بعضهم فيتساءل: ما بال الناس يتأخرون في الحضور؟ ولماذا لا يتفعالون مع الخطبة!
سبحان الله تثبطهم بفعلك ومقالك ثم تتساءل عن سبب تأخرهم! كيف يتفاعل الحاضرون مع خطبة لم يتفاعل معها ملقيها! وكيف يتأثرون بكلام لم يؤثر في قائله!
قد يتصنع الإمام العبارات، وقد يحسن إظهار انطباعات لم يتعدى أثرها إلى قلبه، فتكون النتيجة أن يحسن الناس تصنع الإنصات غير أن الكلام يدخل بأذن ويخرج بأخرى لا يمس قلباً، وتظل الحال هي الحال.
وبالمقابل:
حديث الروح للأرواح يسري *** وتحمله القلوب بلا عناء
أما التفاعل الصادق مع الخطبة فقد كان من هديه - صلى الله عليه وسلم - ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [وهو الصادق المصدق] إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم.
فهل تأمل هذا ذلك الخطيب الذي يلقي خطبة لا تحرك فيه ساكناً ولا يتفاعل معها، بل نبراته مصطنعة، وكلماته باردة لم تؤثر فيه فضلاً عن أن يتعدى أثرها إلى غيره! فلا عجب أن تجلب خطبته النعاس إلى أناس جاؤوا مستيقظين بعد نوم طويل مغتسلين آكلين شاربين مهيئين بأسباب القبول الحسية التي أمر بها الشرع.
إن الخطيب ينبغي له أن يعتني بأمور، حتى تكون خطبته مؤثرة، منها ما يتعلق بموضوع الخطبة كحاجة الناس إليه وتوقيته، ومنها ما يتعلق بمراعاة السامعين وأحوالهم، ومنها ما يتعلق بأسلوب الأداء، فإذا راعى الخطيب هذه الأمور كان للخطبة شأن وأثر عظيم.
إن المسلم يحضر في العام أكثر من خمسين درساً، ومع ذلك فإن المستفيد قليل، وما ذلك إلاّ لعدم توظيف المنابر توظيفها الأمثل، ولك أن تتخيل لو أتيحت هذه المنابر للأهل الكفر من الغربيين كيف كانوا يصنعون؟!
إنني أوجه دعوة لأولئك الذين لا يجتهدون و لا يعتنون بما يلقونه في خطبهم، بل جل همهم إزاحة هم نزل بهم، وقضاء وقت فرض عليهم، دعوتي إليهم بأن يتقوا الله، وأن يحترموا عقول السامعين، فما هكذا تؤدى الأمانة.
وقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلاّ حرم الله عليه الجنة)) [البخاري ومسلم] قال القاضي عياض: "معناه بَيِّنٌ في التحذير من غش المسلمين، لمن قلده الله - تعالى - شيئاً من أمرهم واسترعاه عليهم، ونصبه لمصلحتهم في دينهم أو دنياهم، فإن خان فيما اؤتمن عليه فلم ينصح فيما قُلِّده إما بتضييعه تعريفهم ما يلزمهم من دينهم، وأخذهم به، فقد غشهم" ثم ذكر القاضي أن ذلك من الكبائر الموبقة المبعدة عن الجنة(2). وأخشى ما أخشاه أن ينال بعض الخطباء نصيب من ذلك.
نسأل الله ألا يجعلنا من الذين ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، قائمين بأمر الله صالحين مصلحين، كما نسأله أن يعيننا على القيام بالحقوق والواجبات، وأن يتجاوز عن التقصير والزلات، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
___________________