بابل بابل (بالإنجليزيّة: Babylon) مدينة تاريخيّة عريقة تعود إلى حضارة ما بين النهرين، وهي عاصمة الإمبراطورية البابلية، حيث توجد آثارها في دولة العراق الحديثة بين نهرَي دجلة والفرات، وتقع بابل على بُعد 94 كم إلى الجنوب الغربيّ من مدينة بغداد، وتُعدّ من أكثر مُدن التاريخ تأثيراً وشُهرة، وعُرِفَت بكونها مدينة رائدة؛ وقد ذُكرت في العديد من المواضِع في الإنجيل، واكتسبت شُهرتها الواسعة من جدرانها ومبانيها الرائعة المُزخرَفة، ومَكانتها كقاعدة للتعلُّم والثقافة، كما عُرِفَت المدينة بتشكيل قواعد القانون التي سَبَقت شريعة موسى، ولعلّ أبرز ما اشتُهرت به بابل حدائقها المُعلّقة حيث كانت قديماً إحدى عجائب الدنيا السبع.[١][٢] تُعدّ بابل اليوم إحدى مُحافظات جمهورية العراق، وتقع في الجزء الأوسط منها، وتبلُغ مساحتها الإجمالية 5,603 كم2، بينما يبلُغ تعدادها السُكاني 1,385,783 نسمة وفق إحصاءات عام 2003م.[٣] Volume 0% تسمية بابل تعود تسمية مدينة بابل بـ (Babylon) إلى اللغة الأكّادية، فهي مُشتَقة من (bav-il) أو (bav-ilim) وتعني بوابة الإله أو الآلهة، وقد جاء هذا الاسم من اللغة اللاتينية،[١] أما بابل (Babel) فهو الاسم العبري لها، وقد ذُكِرَ الاسم في الإنجيل بمعنى الارتباك؛ حيث كانت الكلمة تُستَخدم في الإشارة إلى حالة الارتباك التي سببها إلحاد أهل المدينة.[٤] تاريخ بابل بناء المدينة يعود تاريخ بناء مدينة بابل إلى ما قبل حُكم الملك سرجون الأكدي، والذي حكم بين عامَي (2334-2279) قبل الميلاد ، وادّعى بأنّه بنى معابد في المدينة، وكانت بابل في ذلك الوقت مُجرّد مدينة صغيرة، لا تتعدى كونها ميناء على نهر الفرات، ونتيجة لارتفاع منسوب مياه النهر غمرت المياه جميع الآثار القديمة للمدينة، وما يظهر اليوم من آثار في مدينة بابل تعود إلى ألف سنة بعد بناء المدينة، وبذلك فإن التاريخ المعروف للمدينة يعود إلى الملك حمورابي الذي حكم بابل بين عامَي (1792-1750) قبل الميلاد بعد وراثته للعرش عن أبيه الملك سين موباليت.[١] عهد الملك حمورابي استطاع الملك حمورابي جعل مدينة بابل من أكثر المدن قوةً وتأثيراً في بلاد ما بين النهرين، فوضع شريعة حمورابي التي حفظت الأمن والسلام في المدينة، ووسّع جدرانها، وأشرف على أعمال ضخمة شملت المعابد والقنوات، وكان رجلاً دبلوماسيّاً من الطراز الأول، حتى إنّه استطاع توحيد حضارة ما بين النهرين تحت حكم مدينة بابل، حيث احتلّت مكانة كبيرة في هذا الوقت، وسّماها حمورابي بلاد بابل.[١] بعد موت الملك حمورابي تفككت إمبراطورية بابل، وضعُفَت مدينة بابل، واحتّلها الحيثيون في عام 1595 قبل الميلاد، ثم احتلّها الكيشيون وسموها "Karanduniash"، ثم سيطر الآشوريون على المنطقة وحكمها الملك سنحاريب بين عامَي (705-681) قبل الميلاد، وقام سنحاريب بإجراءات مُتطرّفة في المدينة؛ حيث اقتحمها بقوة ودمّر الآثار، مما دفع أبناءه إلى اغتياله بعد فترة وجيزة من حكمه، ووصل بعده ابنه آسرحدون إلى الحُكم، وبنى المدينة مرة أُخرى، وأعاد لها مجدها، بعد ذلك قامت ثورة في المدينة ضد آشوربانيبال ملك نينوى الذي حاصر المدينة وهزمها، ولكن لم يضرّها إلى حد كبير، فقد كان هدفه تخليص بابل من الأرواح الشريرة التي كان يعتقد أنها سببت الكثير من المتاعب.[١] عهد الملك نبوخذ نصّر بعد سقوط الدولة الآشورية وصل إلى الحُكم ملك كلداني يُدعى نبوبولاسر، واستطاع بحكمته أن يبني الإمبراطورية البابليّة الجديدة، وتبِعَهُ ابنه الملك نبوخذ نصّر الثاني الذي حكم بين عامي (604-561) قبل الميلاد، وقام بترميم المدينة ووسّعها لتصل مساحتها إلى 900 هكتار، وبنى أجمل التماثيل والهياكل في حضارة ما بين النهرين. وذُكِرَت المدينة في كتابات القُدَماء بلهجة من التبجيل والرهبة، وكان من أبرزهم هيرودوت، كما بنى الملك نبوخذ نصّر حدائق بابل المُعلّقة الشهيرة، وبوابة عشتار، وفي الفترة نفسها شَهِدت المدينة السَبي البابلي لليهود، وكُتِبَ فيها التلمود البابلي، وتوسّعت المدينة بشكل كبير حتى قسّمها نهر الفرات إلى جُزأين؛ قديم وحديث، وكان في الوسط معبد الإله مردوخ، والزقورة الشاهقة الكبيرة، وتوسّعت الشوارع لتتسِع لمرور موكب تمثال الإله مردوخ في رحلته السنويّة من معبده في المدينة إلى معبد السنة الجديدة خارج بوابة عشتار.[١] الحكم الفارسي بعد موت الملك نبوخذ نصّر استمرّت المملكة البابليّة الجديدة بلعب دور مهم في عهد الملك نبو نيد ووريثه بلشاصر، وفي عام 539 قبل الميلاد سقطت الإمبراطورية البابليّة في يد الفُرس بقيادة كورش الكبير في معركة أوبيس، وكانت جدران المدينة منيعة جداً، فقام الفرس بتحويل مياه نهر الفرات وأصبح بإمكانهم التحكُّم بها، وبينما كان سُكان المدينة منشغلين بأحد الاحتفالات الدينيّة العظيمة تسلّل الفرس عبر النهر تحت أسوار المدينة دون أن يُلاحظهم أحد واستولوا عليها. برزت المدينة تحت الحكم الفارسيّ كمركز للفنون والعلم، وجعلها الملك كورش العاصمة الإداريّة لإمبراطوريّته، واشتُهرت المدينة بكونها منارة للعلوم المتقدمة، حتى إنّه من المُعتَقَد أنّ أول فيلسوف غربيّ وهو طاليس الملطي قد دَرَسَ في المدينة، وأن فيثاغورس طوّر نظريته الرياضية المشهورة اعتماداً على نموذج بابليليّ.[١] سقوط المدينة بعد 200 عام من الحُكم الفارسيّ خضعت مدينة بابل لحُكم الإسكندر المقدونيّ العظيم في عام 331 قبل الميلاد، وقد أعطى تقديراً كبيراً للمدينة، وأمر رجاله بعدم إلحاق الضرر بالمباني، وعدم مُضايقة السكان، وبعد الإسكندر العظيم تحاربَ ملوك طوائف الإسكندر على مملكته ومدينة بابل تحديداً، حتى إنّ سُكان المدينة هربوا خوفاً على حياتهم، وعند حكم الإمبراطورية البارثية للمنطقة في عام 141 قبل الميلاد تم هجر المدينة ونسيانها، وكانت عبارة عن آثار مدفونة تحت التراب.[١] آثار بابل يحتوي الموقع الحالي لمدينة بابل على عدد من الآثار البارزة، حيث اكتشفتها حملات التنقيب التي بدأت مع الباحث البريطانيّ كلوديوس جيمس ريتش بين عامَي (1811م-1817م)، وعالم الآثار البريطانيّ أوستن هنري لايارد (1850م)، والمستشرق الفرنسيّ فولجانس فريسنيل، والأخصائي الآشوري الألمانيّ جول أوبرت بين عامَي (1852م-1854م) وغيرهم، وقد بدأت عمليات التنقيب تحت إشراف العالم الألمانيّ روبرت كولدواي للجمعية الشرقية الألمانية في عام 1899م، واستمرّت هذه الحملات دون انقطاع حتى عام 1917م. ونتيجة هذه الحملات عُثِرَ على العديد من الآثار القديمة، منها بقايا قصر الملك نبوخذصر في الزاوية الشمالية لمدينة بابل، وقصر، وبوابة عشتار، ومعبد إماخ، ومعبد إيزاجيلا، ومنطقة سكنية شرق معبد إيساكيلا، إلى جانب النقوش المسمارية، والتماثيل، والسطوح، والفخار، والمجوهرات، وغيرها من الآثار.[٥] برج بابل من أكثر القصص التاريخية والدينية التي تشتهر بها مدينة بابل برج بابل (بالإنجليزية: the Tower of Babel) وهي قصة ذُكِرَت في سِفر التكوين؛ فتروي القصة أن بعد نجاة النبي نوح ومن معه من الفيضان نزلوا في مدينة بابل، وقادهم شخص جبّار يُدعى النمرود، ودعاهم لبناء بُرج خشية تفرُّقهم في الأرض، وأرادوا أن يكون هذا البرج عالياً جداً حتى يصل السماء، واتخذوا من هذا البرج مكاناً لتمجيد الخليقة بدلاً من الخالِق، ونتيجة لأفعالهم عاقبهم الله بأن شتتهم في الأرض وفرّق لُغاتهم، ومن هُنا يعود أصل كلمة بابل في اللغة العبريّة إلى الارتباك. يعتقد علماء الآثار حديثاً أنّ البُرج المُشار إليه هو الإيتيمينانكي، وهو الزقورة التي كانت مقراً للنمرود في مدينة بابل، ويعني اسم إيتيمينانكي "معبد الأساس من السماء والأرض" وتتطابق الأسماء المذكورة فيه مع الأسماء المذكورة في القصة، وهو في الحقيقة لا يتجاوز طوله 200 قدم (60.96 متراً).[٦][٧] حدائق بابل المعلّقة تشتهر مدينة بابل بشكل كبير بحدائقها المُعلّقة (بالإنجليزيّة: the Hanging Gardens of Babylon)، حيث كانت قديماً إحدى عجائب الدُنيا السبع، ووفقاً لروايات الشعراء اليونانيين فإن الحديقة بُنِيَت في عهد الملك نبوخذ نصّر حوالي عام 600 قبل الميلاد قُربَ نهر الفُرات في العراق، ويُذكَر أن الحدائق بُنِيَت على ارتفاع 75 قدماً (22.86 متراً) على شرفة ضخمة من الطوب التي صُمِمَت على شكل مدرجات، ويعود السبب في بناء الملك نبوخذنصر للحدائق؛ لإرضاء زوجته المكلة أميتيس التي شعرت بالحنين لموطنها في إيران، وكانت هذه الحدائق تضُم نظام ريّ يعتمد على جرّ المياة بواسطة المضخّات من نهر الفرات، وبالرغم من ذِكر الحدائق في العديد من الكتابات والروايات اليونانيّة والرومانيّة القديمة، إلا أنها حقيقة لم تُذكَر في النقوش البابليّة، وذلك ما دَعى العديد من العُلماء للاعتقاد بأنّ حدائق بابل المُعلّقة ما هي إلا خُرافات وأساطير.[٨] أسد بابل يُعدّ أسد بابل (بالإنجليزيّة: Lion of Babylon) من أشهر آثار مدينة بابل التاريخيّة، وهو تمثال لأسد يُعدّ رمزاً لمدينة بابل، ويُمثِّل الإلهة عشتار، إلهة الخصوبة والحب والحرب، وكان الهدف من بناء هذا التمثال غرس الخوف في نفوس الأعداء؛ حيث يتكوّن التمثال من شكل أسد يوجد تحته رجل في حالة استسلام تامّة، مبنيّ من حجر البازلت الأسود، ويقع التمثال على قاعدة صخريّة متينة مبنيّة من الصخر نفسه. ويقع أسد بابل في قصر نبوخذ نصّر، وقد شُكّلت 120 لوحة لأسد بابل من البلاط المُتعدد الألوان، وموزّعة في المدخل الشماليّ لبابل على جدران شارع الموكب، وبوابة عشتار، وغرفة عرش نبوخذ نصّر، وتوجد هذه اللوحات اليوم في عدد من المتاحف العالمية.[٩][١٠]