بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-
(( الشخصية المصباحية))
لقد أنزل الله عز وجل منهجَه في الأرض؛ ليُخرِج الناسَ من الظلمات إلى النور، واختار نماذجَ رائعةً من صفوة المرسلين والصالحين، وأصحاب العقول السليمة، والملاحظات الواعية، والخبرات التنموية الواسعة، ممَّن يُحسنون قيادةَ الحياة والناس لِما فيه خيرُهم وسعادتهم؛ ليكونوا طريقًا عمليًّا يصل الناسُ من خلاله إلى الحق، وإلى رضوان الله والنعيم المقيم في الآخرة.
وُلد الإسلامُ في مكة، ومنها انتشر في جميع القارات الأرضية، وبفضل قِيَمِه الحضارية التي ترفع القيمةَ الوجودية للمجتمعات والأفراد، أضاء ظُلُماتِ الأرض وظلمات القلوب بالعدل والحرية والتسامح، وانطلق الإسلام يُغذِّي الإبداعَ الإنساني، ويحمي التنوع الثقافي، والتفاعلَ الحضاري.
لقد وصَّى شيخٌ أحدَ مريديه بأن يكون شخصية مِصباحية؛ تشبه المصباحَ المنير الذي يُبدِّد الظلام، ويُشيع الحياة الراشدة، ويُبصِّر العقولَ بالفكر الصحيح والعلم النافع؛ فالشخصية المصباحية لها دورٌ كبير في التثقيف العقلاني، والتَّمكُّن الإيجابي، والفعل الحركي الحضاري، ورَدِّ الناس إلى فطرتهم؛ فهي تتعلَّم لتستبصرَ لنفسها وتُبصِّر غيرها، وتشحذ الهممَ من حولها لتجديد الحياة، وتسهر الليالي الطويلة لترتقيَ وتساهم في الارتقاء بغيرها، فتتحول أفعالها لسلوكيات جاذبة وفاعلة ومؤثِّرة.
إنها شخصية تتميز وتبني المتميِّزين، وتُقدِّم خبراتِها للمجتمع من حولها بكل أمانة ومسؤولية وجَدَارة فِعليَّة، وما أحوجَ مجتمعاتِنا المعاصرةَ لهذه الشخصية الإيجابية؛ من أجل عمارة الأرض وبناء الحياة، وإعادة الأخلاق والقيم لمجتمعاتنا، وإخراج أُمَّتِنا من الضعف إلى القوة والحضارة!
لا تزال هناك اتجاهات فكرية وإعلامية تتلاعب بعقول الناس لتغسلها وتُهلِكَها، كما تعمَّقت مذاهبُ ونظرياتٌ حديثة ومعاصرة أفسدت الفطرة السليمة، وكثرت وسائلُ التضليل والإفساد في أوساط المجتمعات الإنسانية، بما يقودها لمصيرٍ أكثرَ ظلاميَّة مما كانت عليه في عصور مختلفة.
ويأتي دور المسلم المصباحي، فهو الذي يعطي بسلوكه صورةً صادقة عن دينه وعقيدته، وقِيَمِه وأخلاقه، وهو صاحب الرسالة الحضارية القوية الأمينة الوسطية، التي تؤمن بأن الإنسان لا بد أن يعرف ربَّه ويتقرب إليه ويعبُدَه، ويعمر أرضَه، وستعود هذه الرسالة إلى الحضارة والصَّدارة عندما يُحدِث أصحابُها تغييرًا في قيمهم وأحوالهم وأولوياتهم، ويؤمنون إيمانًا يقينيًّا بأنه: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾ [فاطر: 44].
كُنْ شخصية مصباحية قائدة، تتميز بخصائصها الإيمانية الفائقة، وقدراتِها الإبداعية المتجددة، وتفعل الخيرات، وتحثُّ عليها من أجل سعادة الناس واستقرارهم، كن مصباحًا يُضيء طريق الإنسان، فيعمر الأكوانَ، ويفوز بفِردوس الجنان في الآخرة.