أبو العتاهية (130- 211) هو اسماعيل بن القاسم بن سويد، يكنى أبا إسحاق، ولكن "أبا العتاهية" لقب غلب عليه.
كان أبوه نبطيا يشتغل بالحجامة من (عين التمر) قرب الأنبار، وضاقت به الحال فانتقل بأهله وولده إلى الكوفة،
فاشتغل الابن زيد بصنعة الفخار وبيعها، واختلف أخوه "إسماعيل" إلى اللهو والبطالة، حتى أشركه أخوه في عمله.
وفي هذه الفترة من حياته، برع في نظم الشعر، وتسامع به المتأدبون من الفتيان والشباب فقصدوه واشتهر شعره.
ثم عزم على قصد بغداد مع صديقه "إبراهيم الموصلي"، وذهبا، غير أن أبا العتاهية لم يحمد قصده فعاد إلى الكوفة.
وكانت حياته متضاربه، خالط فيها أهل اللهو والمجون، وعاش شطرا من حياته فيها، حتى قيل إنه "مخنث أهل بغداد"،
ثم انصرف إلى الزهد، فعرف بذلك في زمانه، وظل المؤرخون في تضارب حول زهده ومجونه حتى وفاته.
عرف أبو العتاهية طريق قصر المهدي عن طريق صديق استدعاه إليه، فاستمع المهدي إلى شعر أبي العتاهية فأعجب به ونال رضاه.
وكان أبو العتاهية دميم الوجه قبيح المنظر، فلم ترض به جارية زوجة المهدي "عتبة" رغم أنه ذكرها في شعره وتعلق بها.
ولما جاء الرشيد كان أبو العتاهية قد أعرض عن الشعر فطلب إليه أن يعود، فأبى، فحبسه في منزل مهيأ حتى عاد إلى الشعر،
ولزم الرشيد، وقد مدح بعد الرشيد، الأمين، فالمأمون، ومات سنة 211، وكانت ولادته في عين التمر سنة 130
البحر : بسيط تام
الرّفْقُ يَبلُغُ ما لا يَبلُغُ الخَرَقُ
الرّفْقُ يَبلُغُ ما لا يَبلُغُ الخَرَقُ ، ** وقلَّ في الناسِ منْ يصفُو لهُ خُلُقُ
لمْ يفلقِ المرءُ عن رشدٍ فيتركَهُ ** إلاّ دَعاهُ إلى ما يَكْرَهُ الفلَقُ
الباطِلُ ، الدّهْرَ ، يُلْفَى لا ضِياءَ لَهُ ، ** والحقُّ أبلجُ فيهِ النورُ يأتلِقُ
متى يُفيقُ حَريصٌ دائِبٌ أبَداً ، ** وَالحِرْصُ داءٌ لهُ تحتَ الحَشا قَلَقُ
يستغنم الناسُ من قومٍ فوائدهمْ ** وَإنّما هيَ في أعناقِهِمْ رَبَقُ
فيَجهَدُ النّاسُ ، في الدّنيا ، مُنافسةً ، ** وليسَ للناسِ شيءٌ غيرَ ما رُزِقُوا
يا مَن بنى القَصرَ في الدّنْيا ، وَشَيّدَه ، ** أسّسْتَ قَصرَكَ حَيثُ السّيلُ وَالغرَقُ
لا تَغْفُلَنّ ، فإنّ الدّارَ فانِيَةٌ ، ** وشربهَا غصصٌ أو صفوهَا رنقُ
والموتُ حوضٌ كريهٌ أنت واردُهُ ** فانظرْ لنفسكَ قبلَ الموتِ يا مَذِقُ
اسْمُ العَزيزِ ذَليلٌ عِنْدَ مِيتَتِهِ ؛ ** وَاسْمُ الجَديدِ ، بُعَيدَ الجِدّةِ ، الخَلَقُ
يَبلى الشّبابُ ، وَيُفني الشّيبُ نَضرتَهُ ، ** كمَا تَساقَطُ ، عن عيدانها ، الوَرَقُ
ما لي أرَاكَ ، وَما تَنفَكّ من طَمَعٍ ، ** يَمْتَدّ مِنْكَ إلَيْهِ الطّرْفُ ، وَالعُنُقُ
تَذُمّ دُنْياكَ ذَمّاً لا تَبُوحُ بِهِ ، ** إلاّ وَأنْتَ لهَا في ذاكَ مُعْتَنِقُ
فَلَوْ عَقَلْتُ لأعْدَدْتُ الجِهازَ لهَا ، ** بعدَ الرحيلِ بهَا ما دامَ لي رمقُ
إذا نَظَرْتَ مِنَ الدّنْيا إلى صُوَرٍ ، ** تخَيّلَتْ لكَ يَوْماً فَوْقَها الخِرَقُ
ما نَحْنُ إلاّ كَرَكْبٍ ضَمّهُ سَفَرٌ ** يَوْماً ، إلى ظِلّ فَيٍّ ثُمّتَ افترَقُوا
وَلا يُقيمُ على الأسْلافِ غابِرُهُمْ ، ** كأنهمْ بهمِ مَنْ بعدهمْ لحقُوا
ما هبَّ أو دبَّ يفنَى لا بَقاءَ لهُ ** والبَرُّ ، والبَحرُ ، وَالأقطارُ ، وَالأفقُ
نستوطِنُ الأرضَ داراً للغرورِ بِهَا ** وَكُلّنا راحِلٌ عَنها ، وَمُنْطَلِقُ
لَقَدْ رَأيْتُ ، وَما عَيني براقِدَةٍ ، ** قتلَى الحوادثِ بينَ الخلقِ تخترقُ
كمْ من عزيزٍ أذلَّ الموتُ مصرعَهُ ** كانَتْ ، على رَأسِهِ ، الرّاياتُ تختفقُ
كلُّ امرء ولهُ رزقٌ سيبلغُهُ ** واللهُ يرزُقُ لا كيسٌ ولا حمقُ
إذا نَظَرْتُ إلى دُنْياكَ مُقْبِلَةً ، ** فلا يغُرَّنْكَ تعظِيمٌ ولا مَلَقُ
أخَيَّ إنَّا لنحنُ الفائزونَ غَدَا ** إنْ سلَّمَ اللهُ منْ دارٍ لهَا علقُ
فالحمدُ للّهِ حمْداً لا انْقِطاعَ لَهُ ، ** ما إنْ يُعَظَّمُ إلا مَنْ لَهُ ورقُ
والحمدُ للهِ حمداً دائماً أبداً ** فازَ الّذينَ ، إلى ما عِندَهُ ، سَبَقُوا
ما أغفلَ الناسَ عنْ يومِ انبعاثهمِ ** وَيوْمِ يُلجِمهُم ، في الموْقِفِ ، العَرَقُ
كان أبوه نبطيا يشتغل بالحجامة من (عين التمر) قرب الأنبار، وضاقت به الحال فانتقل بأهله وولده إلى الكوفة،
فاشتغل الابن زيد بصنعة الفخار وبيعها، واختلف أخوه "إسماعيل" إلى اللهو والبطالة، حتى أشركه أخوه في عمله.
وفي هذه الفترة من حياته، برع في نظم الشعر، وتسامع به المتأدبون من الفتيان والشباب فقصدوه واشتهر شعره.
ثم عزم على قصد بغداد مع صديقه "إبراهيم الموصلي"، وذهبا، غير أن أبا العتاهية لم يحمد قصده فعاد إلى الكوفة.
وكانت حياته متضاربه، خالط فيها أهل اللهو والمجون، وعاش شطرا من حياته فيها، حتى قيل إنه "مخنث أهل بغداد"،
ثم انصرف إلى الزهد، فعرف بذلك في زمانه، وظل المؤرخون في تضارب حول زهده ومجونه حتى وفاته.
عرف أبو العتاهية طريق قصر المهدي عن طريق صديق استدعاه إليه، فاستمع المهدي إلى شعر أبي العتاهية فأعجب به ونال رضاه.
وكان أبو العتاهية دميم الوجه قبيح المنظر، فلم ترض به جارية زوجة المهدي "عتبة" رغم أنه ذكرها في شعره وتعلق بها.
ولما جاء الرشيد كان أبو العتاهية قد أعرض عن الشعر فطلب إليه أن يعود، فأبى، فحبسه في منزل مهيأ حتى عاد إلى الشعر،
ولزم الرشيد، وقد مدح بعد الرشيد، الأمين، فالمأمون، ومات سنة 211، وكانت ولادته في عين التمر سنة 130
البحر : بسيط تام
الرّفْقُ يَبلُغُ ما لا يَبلُغُ الخَرَقُ
الرّفْقُ يَبلُغُ ما لا يَبلُغُ الخَرَقُ ، ** وقلَّ في الناسِ منْ يصفُو لهُ خُلُقُ
لمْ يفلقِ المرءُ عن رشدٍ فيتركَهُ ** إلاّ دَعاهُ إلى ما يَكْرَهُ الفلَقُ
الباطِلُ ، الدّهْرَ ، يُلْفَى لا ضِياءَ لَهُ ، ** والحقُّ أبلجُ فيهِ النورُ يأتلِقُ
متى يُفيقُ حَريصٌ دائِبٌ أبَداً ، ** وَالحِرْصُ داءٌ لهُ تحتَ الحَشا قَلَقُ
يستغنم الناسُ من قومٍ فوائدهمْ ** وَإنّما هيَ في أعناقِهِمْ رَبَقُ
فيَجهَدُ النّاسُ ، في الدّنيا ، مُنافسةً ، ** وليسَ للناسِ شيءٌ غيرَ ما رُزِقُوا
يا مَن بنى القَصرَ في الدّنْيا ، وَشَيّدَه ، ** أسّسْتَ قَصرَكَ حَيثُ السّيلُ وَالغرَقُ
لا تَغْفُلَنّ ، فإنّ الدّارَ فانِيَةٌ ، ** وشربهَا غصصٌ أو صفوهَا رنقُ
والموتُ حوضٌ كريهٌ أنت واردُهُ ** فانظرْ لنفسكَ قبلَ الموتِ يا مَذِقُ
اسْمُ العَزيزِ ذَليلٌ عِنْدَ مِيتَتِهِ ؛ ** وَاسْمُ الجَديدِ ، بُعَيدَ الجِدّةِ ، الخَلَقُ
يَبلى الشّبابُ ، وَيُفني الشّيبُ نَضرتَهُ ، ** كمَا تَساقَطُ ، عن عيدانها ، الوَرَقُ
ما لي أرَاكَ ، وَما تَنفَكّ من طَمَعٍ ، ** يَمْتَدّ مِنْكَ إلَيْهِ الطّرْفُ ، وَالعُنُقُ
تَذُمّ دُنْياكَ ذَمّاً لا تَبُوحُ بِهِ ، ** إلاّ وَأنْتَ لهَا في ذاكَ مُعْتَنِقُ
فَلَوْ عَقَلْتُ لأعْدَدْتُ الجِهازَ لهَا ، ** بعدَ الرحيلِ بهَا ما دامَ لي رمقُ
إذا نَظَرْتَ مِنَ الدّنْيا إلى صُوَرٍ ، ** تخَيّلَتْ لكَ يَوْماً فَوْقَها الخِرَقُ
ما نَحْنُ إلاّ كَرَكْبٍ ضَمّهُ سَفَرٌ ** يَوْماً ، إلى ظِلّ فَيٍّ ثُمّتَ افترَقُوا
وَلا يُقيمُ على الأسْلافِ غابِرُهُمْ ، ** كأنهمْ بهمِ مَنْ بعدهمْ لحقُوا
ما هبَّ أو دبَّ يفنَى لا بَقاءَ لهُ ** والبَرُّ ، والبَحرُ ، وَالأقطارُ ، وَالأفقُ
نستوطِنُ الأرضَ داراً للغرورِ بِهَا ** وَكُلّنا راحِلٌ عَنها ، وَمُنْطَلِقُ
لَقَدْ رَأيْتُ ، وَما عَيني براقِدَةٍ ، ** قتلَى الحوادثِ بينَ الخلقِ تخترقُ
كمْ من عزيزٍ أذلَّ الموتُ مصرعَهُ ** كانَتْ ، على رَأسِهِ ، الرّاياتُ تختفقُ
كلُّ امرء ولهُ رزقٌ سيبلغُهُ ** واللهُ يرزُقُ لا كيسٌ ولا حمقُ
إذا نَظَرْتُ إلى دُنْياكَ مُقْبِلَةً ، ** فلا يغُرَّنْكَ تعظِيمٌ ولا مَلَقُ
أخَيَّ إنَّا لنحنُ الفائزونَ غَدَا ** إنْ سلَّمَ اللهُ منْ دارٍ لهَا علقُ
فالحمدُ للّهِ حمْداً لا انْقِطاعَ لَهُ ، ** ما إنْ يُعَظَّمُ إلا مَنْ لَهُ ورقُ
والحمدُ للهِ حمداً دائماً أبداً ** فازَ الّذينَ ، إلى ما عِندَهُ ، سَبَقُوا
ما أغفلَ الناسَ عنْ يومِ انبعاثهمِ ** وَيوْمِ يُلجِمهُم ، في الموْقِفِ ، العَرَقُ