أطفال يدفعون ثمن التفكك الأسري
لا ترتبط الإساءة الموجهة للأطفال دومًا بالضرب والعنف المباشر الواقع على أجسادهم من قبل أفراد أسرهم، إنما الإساءة المرتبطة بالإهمال الذي يقود إلى تعرض الطفل لإصابات شديدة بجسده هي أيضًا شكل آخر من الإساءة التي تقع مسئولية حدوثها على أسرة الطفل.
طفل يبلغ من العمر عشر سنوات مضى على وجوده بإحدى مؤسسات الرعاية الإجتماعية عامٌ تعرض لإهمال كبير من قبل أسرته أدى إلى إصابته إصابات بليغة بجسده.
الطفل وأشقاؤه وشقيقته البالغة من العمر 14 عامًا ضحايا التفكك الأسري، فبعد طلاق والديهما تزوجت الأم وتزوج الأب مرة أخرى، وغادرت الأم البلد برفقة زوجها، والأب بعد زواجه قام بترك أطفاله يعيشون في بيت بمفردهم بمعزل عن حياته الجديدة، ولم يكن على تواصل دائم معهم بسبب ساعات عمله الطويلة.
فكيف سيكون حال أطفال يعيشون بمفردهم في بيت لا رقابة عليه من قبل والدهم ولا زوجة أبيهم؟
الطفل عندما تم تبليغ إدارة حماية الأسرة عن الحياة التي يعيشها وأشقاؤه كان في حالة جسدية سيئة، فقد تعرض لحالة من البرد الشديد تجمدت على أثرها أطرافه، مما أدى إلى إجراء عملية جراحية له على أثرها تم بتر أصابع قدميه.
وتبعًا لمصادر مختصة في دار الرعاية التي يعيش بها الطفل فإن وضعه النفسي والجسدي كان سيئًا للغاية، ولم يتمكن لفترة بعد إجراء العملية من المشي على قدميه وفقدانه للتوازن الجسدي.
ومنذ إنتقال الطفل للعيش بدار الرعاية لم يقم والده بالسؤال عنه، في الوقت الذي تم به نقل أشقائه للعيش مع أحد أعمامهم وانتقلت الفتاة للعيش مع زوجة أبيها.
حالة الطفل تعكس مدى خطورة الإهمال بحق الأطفال بعد حدوث التفكك الأسري وزواج الآباء والأمهات من جديد، وتنصلهم من مسئولياتهم تجاه أطفالهم.
فعيش أطفال بمفردهم في بيت دون وجود أم أو أب سيؤدي بنهاية الأمر إلى تعرضهم لمخاطر كبيرة، وحالة الطفل هذه أكبر شاهد على خطورتها.
وتبعًا لمصادر في دار الرعاية التي يعيش بها الطفل فإن التواصل الباقي مع الطفل من أسرته كان مع خالة الطفل، التي تابعت حالته، وبقيت على تواصل معه وأبدت رغبتها بتربيته، في الوقت الذي أبدى جد الطفل رغبته بإستعادته، بعد أن تفاجآ بما حدث لهؤلاء الأطفال من إساءات وإهمال، خاصة وأن العلاقة بينه وبينهم قد إنتهت منذ زواج والدهم من جديد.
وتقول المشرفة على دار الرعاية: إن الطفل قد عانى الكثير من الناحية النفسية والجسدية، وهو قادر على التفريق بين من يحبهم ويحب أن يراهم، وبين من يرفض مشاهدتهم من أقاربه عندما يقصدون المؤسسة لزيارته.
وتضيف: الطفل يحب خالته كثيرًا، ويرغب في الإنتقال للعيش معها، وقد عملت المؤسسة دراسة على الوضع المعيشي لخالته من كافة الجوانب، وتبين أنها مؤهلة لتربية الطفل والإعتناء به، في الوقت الذي تتولى إدارة حماية الأسرة التعامل مع أقاربه من جانب والده، خاصة وأن الأطفال عاشوا لفترة بمفردهم دون تدخل أحد إلا بعد أن تم تبليغ إدارة حماية الأسرة عن تعرضهم لإساءة وإهمال.
وفيما يتعلق بأشقائه فإنهم يعيشون حاليًّا عند أعمامهم، والفتاة برفقة أبيها وزوجته، وقد أبدت الفتاة رغبة بالبقاء ببيت والدها.
وترجح مصادر مطلعة على حالة الأطفال أن رغبة الفتاة بالبقاء مع زوجة أبيها رغبة نابعة من عدم وعي وإدراك لطبيعة الحياة التي تعيشها، فزوجة أبيها تمنحها الحرية التي تريد، ولها خيار الذهاب للمدرسة أو البقاء بالبيت، والقيام بمهام المنزل إلى غير ذلك من جوانب قد تبدو للفتاة -وهي بعمر المراهقة- جوانب محببة لنفسها، خاصة وأن معظم وقتها تقضيه مع زوجة أبيها وليس مع والدها، المنشغل بالعمل لساعات طويلة.
وتشير المصادر إلى أن الإجراءات تسير بإتجاه تسليم الطفل لخالته بعد التأكد من أن وضعها يسمح بالإعتناء بالطفل، ورغبته الواضحة بالعيش عند خالته.
هذه الحادثة التي تعرض لها الطفل تعكس خطورة إهمال الأطفال من قبل ذويهم، وآثار التفكك الأسري والطلاق على حياة الأطفال، فالآباء والأمهات في حالات معينة وبعد وقوع الطلاق يتنصلون من مهامهم ومسئولياتهم تجاه أطفالهم، ويبدءون حياة جديدة، ويتركون أطفالهم، إما لزوجات الآباء، أو لدور الرعاية ليعيشوا حياة قاسية مؤلمة.
فدور الأسرة الممتدة من أعمام وخالات وجدات وأجداد يجب أن يعزز بحياة أطفال التفكك الأسري، ليتمكن الطفل من أن يعيش مع أقاربه في حال عدم قدرته على العيش مع والديه.
وتسعى دور الرعاية ووزارة التنمية الإجتماعية لتعزيز هذا الأمر، لأنها تؤمن أن الطفل ببقائه مع أقاربه -بعد أن تتوفر الشروط اللازمة والآمنة له- الأفضل لحياته ومستقبله.
فالطفل الذي بترت أصابعه نتيجة ظروف سيئة عاش بها، كان يمكن أن لا يتعرض لهذا القدر من الألم النفسي والجسدي لو وجد من يعتني به بدلاً من إبقائه وأشقائه وشقيقته يواجهون مصيرًا مجهولاً بعيشهم بمفردهم، غير قادرين على خدمة أنفسهم، والتمييز بين ما هو آمن أو خطير على حياتهم.
الكاتب: سهير بشناق.