هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دخول

descriptionالجندية المجهولة- قصة قصيرة Emptyالجندية المجهولة- قصة قصيرة

more_horiz
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته







مالت الشمس لتهوي لولا أن امسك بها فم المدى وأخذ يلتهمها ببطء لقمة وراء لقمة حتى ابتلعها كما الفريسة الكبيرة في فم تمساح ، وبسط الكون عباءته . السيجارة في فمي يقصر عمرها مع كل شهقة عميقة مضطربة وزفرة طويلة متوترة .. و ها هي ذي ساعة يدي تتأفف لكثرة نظراتي لها وقد فات على الموعد المحدد للقاء نصف ساعة بلا أي زيادة أو نقصان . لم يعد بإمكاني انتظارها أكثر من ذلك .. فبات واضحا أنها لن تأتي . هممت بالمغادرة ، لكنها جاءت فخفق قلبي خفقات طمأنينة لا تخلو من قلق .




جلست ووضعت رجلا فوق رجل وأكدت حضورها بهزة من رأسها ، هي هزة تحية صامتة ، فرددت عليها تحيتها بهزتين من رأسي ، نظرت إليّ بنصف بسمة فنظرت إليها ببسمة كاملة . فجأة أشارت بسبابة اليمنى و سألت ما هذا ؟




عجبت لسؤالها ! فنظرت حولي إلى الوجوه المستكينة لرواد المقصف بنظرات ملؤها الحيرة ، ثم حدقت بوجهها الأصفر والأملس كالصابون المبلول وقلت لها بصوت خافت متقطع : إنه تمثال الجندي المجهول ! وأسندت ظهري واستنشقت بعمق رائحة عطرها الساطعة و تمنيت لو بإمكاني تخزينها في رئتيّ . وما هي إلا لحيظات قليلة حتى عادت تسأل ثانية ..




- لماذا هو مجهول هذا الجندي ؟




- لأنه رمز للتضحية والفداء والبطولة لناس لا أحد يعرف شخصيتهم .




- لماذا لا يوجد تمثال للجندي المعلوم ؟ أقصد للمعروفين !




- المعروفون خلدهم التاريخ بأسمائهم .. وبعض الشعوب تصنع لهم تماثيل .




- دون أن يكونوا رؤساء ؟!




- نعم !




بصراحة شعرت أني في ورطة ، فهذا تمثال معلوم لشخص مجهول ، أو لأشخاص مجهولين . وهو أهم معلم من معالم المدينة . أمّا المعروفون فلا تماثيل لهم عندنا ، حتى عندما يموتون تعلق صورهم لأيام معدودة فقط .. ويذهب كل حي إلى حال سبيله .




قطّبت ما بين حاجبيها ، وأمالت ظهرها قليلا إلى الأمام ، وقالت بصوت حاد و ناعم كمواء القطط الصغيرة : هذا شأنكم أنتم أيها الرجال ، ما يعنيني هو أمر النساء !




أغمضت عينيّ نصف غمضة ، وشبكت أصابعي بعضهما ببعض وطرقعتها . أخذت رشفة شاي فاتر ، وحدقت بتمثال الجندي المجهول كأني أراه للمرة الأولى في حياتي ، فوجدته كما هو دائم الإشارة بسبابته إلى القدس ، ويده الأخرى تحمل السلاح . شعرت أني لم أفهم شيئا من كلامها الذي يشبه الطلاسم ، وقد اندفع من فمها وابل من الأسئلة لم تلتقط أذناي إلا بعضها .. لم اعبأ بها ووجدتني اسألها بلهفة :




- ما شأن النساء وتمثال الجندي المجهول ؟




- يجب أن يكون هنا تمثال للنساء المجهولات !




- لماذا ؟ وكيف ذلك ؟ هذا جنون !




- الكثيرات من النساء قدمن حياتهن و ضحين بالغالي والنفيس من اجل الوطن ، وبما لا يقل نوعية عن تضحيات الرجال إن لم يكن أكثر أهمية !




- ولكن هذا التمثال يرمز لتضحيات الرجال والنساء أيضا !




- لماذا لا يكون هذا التمثال لفتاة بدل الرجل ؟ .. وليكن له نفس الرمزية للرجال والنساء .. ونسميه تمثال " الجندية المجهولة" .




تجمد الكلام في فمي وبت لا اعرف كيف أرد على كلامها وأفنده ، وبعصبية أخذت افرك عقب السيجارة في منفضة السجائر ، لكن النجدة جاءتني بسؤال ، فوجدتني أمتشق لساني واسألها :




- على فرض موافقتي على كلامك ، فماذا سيرتدي تمثال" الجندية المجهولة"؟




- أية ملابس ! لا فرق عندي ! فستان سيواريه أم بنطلون مع بلوزه .. أي شيء .. حتى لو بنطلون شورت مع بلوزة كت .




- لكننا في مجتمع محافظ وقد لا يقبل بأية ملابس ، فمن الأفضل أن يلبس تمثال "الجندية المجهولة"جلباب ونغطي شعر الرأس بإحكام .




- وليكن ذلك .. ولا مانع عندي أن يكون التمثال بزي عسكري .




انتابني شعور وكأنني موافق على رأيها بهذه الأسئلة وهذا المجرى للحوار ، فعدت ثانية أقول لها بنبرة حادة رنانة : إن جميع شعوب الأرض تبني تمثال الجندي المجهول على شكل رجل ، فلا يعقل أن نشيده نحن العرب على شكل فتاة .. هل نحن أكثر تطورا من بقية شعوب الأرض ؟




انتابها موجة عارمة من العصبية ، فأخذت تمور وتفور كالحليب عند الغليان ، مما جعل جميع رواد المقصف ينظرون إلينا وقالت بعد أن استلت لسانها بغضب جامح عصف به فمها : ولكنكم انتم الرجال لم تحققوا انتصارات في الحروب ! وعلى الرغم من ذلك تصنعون لأنفسكم تمثالا يرمز لبطولاتكم الوهمية ، أو هي بطولات فردية بلا أي انتصارات حقيقية .




لكنني لم أسكت على ما قالته ، وأخذت أرشقها بالكلام و الأسئلة بصوت مدو كالرصاص في الأفراح ..




- إذن عليكن الذهاب إلى الحرب مع الرجال !




- لا . بل نذهب إلى الحرب بدل الرجال !




بصراحة تملكتني رغبة بإزاحة الكؤوس عن الطاولة ، والغطاء الأبيض الذي يتدلى عن متنها كي افكك الطاولة إلى عدة قطع ، وأمسك برجل الطاولة الغليظ المصنوع من خشب الزان وأهوي به على رأسها حتى تكف عن الثرثرة الفارغة ، لكني أمسكت و آثرت أن أظل ديمقراطي . ثم عادت تقول بخبث ظاهر : من الممكن تشييد تمثالين مجهولين ، أحدهما للرجل والآخر للمرأة .. ونضعهما بجانب بعضهما أو متقابلين .




لم أحفل بكلامها وانتهى اللقاء دون الوصول إلى نتيجة في النقاش . وما هي سوى أيام قليلة حتى استيقظنا في الصباح وقد تحول تمثال الجندي المجهول إلى كومة من الحجارة والركام بعد أن تم تحطيمه بأيدي شخص معلوم .. وربما هو مجهول .







للكاتب مجدى السماك

descriptionالجندية المجهولة- قصة قصيرة Emptyرد: الجندية المجهولة- قصة قصيرة

more_horiz
كما تعودنا منكي في كل جديد
نجد اعذب الكلمات واجمل تعبير
تحياتي وتقديري

descriptionالجندية المجهولة- قصة قصيرة Emptyرد: الجندية المجهولة- قصة قصيرة

more_horiz
شكرا بارك الله فيك

descriptionالجندية المجهولة- قصة قصيرة Emptyرد: الجندية المجهولة- قصة قصيرة

more_horiz
شكرا للموضوع الأدبي المميز .. gg444g

descriptionالجندية المجهولة- قصة قصيرة Emptyرد: الجندية المجهولة- قصة قصيرة

more_horiz
باقات من الشكر والتقدير لجهودكم على هذا الموضوع العظيم ،،،
تحياتي ،،



privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

جميع الحقوق محفوظة لدليل الاشهار العربي