(وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)
في هذه الآية عدة حكم وأسرار ومصالح للعبد:
فان العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب والمحبوب قد يأتي بالمكروه لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة لعدم علمه بالعواقب فان الله يعلم منها مالا يعلمه العبد.
وأوجب له ذلك أمورا
· امتثال الامر:
منها أنه لا انفع له من امتثال الأمر وان شق عليه في الابتداء لأن عواقبه كلها خيرات ومسرات ولذات وأفراح وان كرهته نفسه فهو خير لها وأنفع وكذلك لا شيء أضر عليه من ارتكاب النهى وان هويته نفسه ومالت إليه وإن عواقبه كلها آلام وأحزان وشرور ومصائب وخاصية العقل تحمل الألم اليسير لما يعقبه من اللذة العظيمة والخير الكثير واجتناب اللذة اليسيرة لما يعقبه من الألم العظيم والشر الطويل.
فنظر الجاهل لا يجاوز المباديء إلى غاياتها والعاقل الكيس دائما ينظر إلى الغايات من وراء ستور مبادئها فيرى ما وراء تلك الستور من الغايات المحمودة والمذمومة فيرى المناهي كطعام لذيذ قد خلط فيه سم قاتل فكلما دعنه لذته إلى تناوله نهاه ما فيه من السم ويرى الأوامر كدواء كريه المذاق مفض إلى العافية والشفاء وكلما نهاه كراهة مذاقه عن تناوله أمره نفعه بالتناول
ولكن هذا يحتاج إلى فضل علم تدرك به الغايات من مبادئها وقوة صبر يوطن به نفسه على تحمل مشقة الطريق لما يؤول اعند الغاية فإذا فقد اليقين والصبر تعذر عليه ذلك وإذا قوى يقينه وصبره هان عليه كل مشقة يتحملها في طلب الخير الدائم واللذة الدائمة
ومن أسرار هذه الآية إنها تقتضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب الأمور والرضا بما يختاره له ويقضيه له لما يرجو فيه من حسن العاقبة.
ومنها أنه لا يقترح على ربه ولا يختار عليه ولا يسأله ما ليس له به علم فلعل مضرته وهلاكه فيه وهولا يعلم فلا يختار على ربه شيئا بل يسأله حسن الاختيار له وأن يرضيه بما يختاره فلا أنفع له من ذلك ومنها انه إذا فوض إلى ربه ورضى بما يختاره له أمده فيما يختاره له بالقوة عليه والعزيمة والصبر وصرف عنه الآفات التي هي عرضة اختيار العبد لنفسه وأراه من حسن عواقب اختياره له ما لم يكن ليصل إلى بعضه بما يختاره هو لنفسه
ومنها أنه يريحه من الأفكار المتعبة في أنواع الاختيارات ويفرغ قلبه من التقديرات والتدبيرات التي يصعد منه في عقبة وينزل في أخرى ومع هذا فلا خروج له عما قدر عليه فلو رضى باختيار الله أصابه القدر وهو محمود مشكور ملطوف به فيه وإلا جرى عليه القدر وهو مذموم غير ملطوف به فيه لأنه مع اختياره لنفسه
ومتى صح تفويضه ورضاه اكتنفه في المقدور العطف عليه اللطف به فيصير بين عطفه ولطفه فعطفه يقيه ما يحذره ولطفه يهون عليه ما قدره إذا نفذ القدر في العبد كان من أعظم أسباب نفوذه تحيله في رده فلا أنفع له من الاستسلام وإلقاء نفسه بين يدي القدر طريحا كالميتة فان السبع لا يرضى بأكل الجيف.
في هذه الآية عدة حكم وأسرار ومصالح للعبد:
فان العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب والمحبوب قد يأتي بالمكروه لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة لعدم علمه بالعواقب فان الله يعلم منها مالا يعلمه العبد.
وأوجب له ذلك أمورا
· امتثال الامر:
منها أنه لا انفع له من امتثال الأمر وان شق عليه في الابتداء لأن عواقبه كلها خيرات ومسرات ولذات وأفراح وان كرهته نفسه فهو خير لها وأنفع وكذلك لا شيء أضر عليه من ارتكاب النهى وان هويته نفسه ومالت إليه وإن عواقبه كلها آلام وأحزان وشرور ومصائب وخاصية العقل تحمل الألم اليسير لما يعقبه من اللذة العظيمة والخير الكثير واجتناب اللذة اليسيرة لما يعقبه من الألم العظيم والشر الطويل.
فنظر الجاهل لا يجاوز المباديء إلى غاياتها والعاقل الكيس دائما ينظر إلى الغايات من وراء ستور مبادئها فيرى ما وراء تلك الستور من الغايات المحمودة والمذمومة فيرى المناهي كطعام لذيذ قد خلط فيه سم قاتل فكلما دعنه لذته إلى تناوله نهاه ما فيه من السم ويرى الأوامر كدواء كريه المذاق مفض إلى العافية والشفاء وكلما نهاه كراهة مذاقه عن تناوله أمره نفعه بالتناول
ولكن هذا يحتاج إلى فضل علم تدرك به الغايات من مبادئها وقوة صبر يوطن به نفسه على تحمل مشقة الطريق لما يؤول اعند الغاية فإذا فقد اليقين والصبر تعذر عليه ذلك وإذا قوى يقينه وصبره هان عليه كل مشقة يتحملها في طلب الخير الدائم واللذة الدائمة
ومن أسرار هذه الآية إنها تقتضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب الأمور والرضا بما يختاره له ويقضيه له لما يرجو فيه من حسن العاقبة.
ومنها أنه لا يقترح على ربه ولا يختار عليه ولا يسأله ما ليس له به علم فلعل مضرته وهلاكه فيه وهولا يعلم فلا يختار على ربه شيئا بل يسأله حسن الاختيار له وأن يرضيه بما يختاره فلا أنفع له من ذلك ومنها انه إذا فوض إلى ربه ورضى بما يختاره له أمده فيما يختاره له بالقوة عليه والعزيمة والصبر وصرف عنه الآفات التي هي عرضة اختيار العبد لنفسه وأراه من حسن عواقب اختياره له ما لم يكن ليصل إلى بعضه بما يختاره هو لنفسه
ومنها أنه يريحه من الأفكار المتعبة في أنواع الاختيارات ويفرغ قلبه من التقديرات والتدبيرات التي يصعد منه في عقبة وينزل في أخرى ومع هذا فلا خروج له عما قدر عليه فلو رضى باختيار الله أصابه القدر وهو محمود مشكور ملطوف به فيه وإلا جرى عليه القدر وهو مذموم غير ملطوف به فيه لأنه مع اختياره لنفسه
ومتى صح تفويضه ورضاه اكتنفه في المقدور العطف عليه اللطف به فيصير بين عطفه ولطفه فعطفه يقيه ما يحذره ولطفه يهون عليه ما قدره إذا نفذ القدر في العبد كان من أعظم أسباب نفوذه تحيله في رده فلا أنفع له من الاستسلام وإلقاء نفسه بين يدي القدر طريحا كالميتة فان السبع لا يرضى بأكل الجيف.
من كتاب الفوائد لابن قيم الجوزية رحمه الله