اهتمام النبي – صلى الله عليه وسلم – بالرؤى والأحلام
عن الداعية محمد مسعد ياقوت
كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مُهتما بأمر الرؤى، فكان يسأل أصحابه بعد صلاة الصبح : من رأى منكم البارحة رؤيا، كما سبق في الحديث، بل في حديث سَمُرَة بْن جُنْدَبٍ - رضى الله عنه - قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لأَصْحَابِهِ « هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا » [ أخرجه البخاري (7047) ]، فكان الصحابة يقصون عليه ما يرونه في المنام، كما في ثبت في غير حديث، وكان الواحد من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتمنى أن يرى رؤيا فيقصها بين يدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فينال شرف تعبير رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وينهل من نصحه وإرشاده وتوجيهه.
ولما كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إمام الدعاة، فقد كان تفسيره لرؤياه التي يراه أو لرؤيا أصحابه التي يقصونها عليه – لا يخلو من توجيه أو نصح أو إرشاد، وإنك لتراه ينصح بعض أصحابه ببعض الأعمال الصالحة حينما يقصون عليه الرؤيا المخيفة، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ رَأَيْتُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كَأَنَّ بِيَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ فَكَأَنِّي لا أُرِيدُ مَكَانًا مِنْ الْجَنَّةِ إِلا طَارَتْ إِلَيْهِ ، وَرَأَيْتُ كَأَنَّ اثْنَيْنِ أَتَيَانِي أَرَادَا أَنْ يَذْهَبَا بِي إِلَى النَّارِ فَتَلَقَّاهُمَا مَلَكٌ فَقَالَ: لَمْ تُرَعْ ! خَلِّيَا عَنْهُ ، فَقَصَّتْ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِحْدَى رُؤْيَايَ . فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ " [ أخرجه البخاري (1105 )].
فكما ترى، لما رأى النبي – صلى الله عليه سلم – تحذيراً في رؤيا ابن عمر،، فعلم أنها رؤيا تحذيرية، فعدل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن التفسير إلى النصح والإرشاد، ليتقي ابن عمر هذه العاقبة، فقال: " نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ". وهكذا من يرى مثل هذه الرؤى، كأن يرى أحدًا يسوقه إلى النار، أو أن أحدًا يدفع به في تهلكه، فليس هذا معناه أن الرؤيا ستقع؛ بل هو تحذير وإنذار إن كان الرجل مؤمنًا، ومن ثم يهرع إلى ربه تائبًا، ويستعين على ذلك بشتى النوافل والأعمال الصالحة، وقد قال بعض السلف : اتقي الله بالنهار ولا تبالي بما تراه في الليل.
نفس المنطق، أقصد منطق الدعوة والإرشاد الذي يسلكه أفاضل المعبرين وهم يعبرون للناس رؤاهم؛ فيحثونهم على التوبة والعمل الصالح والقيام بالليل؛ نفس هذا المنهج تراه في قصة يوسف – عليه السلام – مع السجينين، وذلك حينما قال :" أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ" [يوسف36]، لم يعمد مسرعًا فيفسر لهم الرؤيا، بل جعلها مناسبة لدعوتهم إلى الله، ونصحهم فيما هو أهم من الأحلام، فذكّرهم بالتوحيد، والدار الآخرة.
"قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ " [يوسف37]
فهو في أول الأمر أقبل عليهم مطمئنًا لهم أنه سيُفسر لهم رؤياهم، حيث أراد أن يدعوهم إلى الله أولاً، ثم يُفسر الرؤيا..
ثم شرع يحدثهم عن الملة الراشدة، والمنهج القويم :
"وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ "[يوسف38]
ويواصل قائلاً
" يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ " [يوسف39]
" مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ" [يوسف40]
وبعد هذا العرض، من القضايا المهمة في أمور الاعتقاد، وبعدما أرشدهم يوسف إلى طريق السعادة، شرع يوسف في تعبير الرؤيتين في جملة واحدة، بعدما شرح ما شرح من أمر الدعوة في أكثر من جملة :
"يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الأمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ " [ يوسف :41].
وهكذا جعل من تعبير الأحلام ذريعة للولوج إلى قلوب الناس، فيعمد إليها فيصب الخير فيها صبًا، ويدفع هؤلاء السائلين نحو الخير دفعا
منقول عن الداعية محمد مسعد ياقوت