قرار المرأة في بيتها عزيمة شرعية
الشيخ :بكر أبو زيد
======
وخروجها منه رخصة تُقَدَّر بقدرها
الأصل لزوم النساء البيوت، لقول الله تعالى: ( وَقرْنَ فيبيُوتِكنَّ )[الأحزاب:33].
فهو عزيمة شرعية في حقهن،
وخروجهن من البيوت رخصة لا تكون إلالضرورة أو حاجة.
ولهذا جاء بعدها: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) [الأحزاب: 33]. أي: لا تكثرن الخروج متجملات أومتطيبات كعادة أهل الجاهلية .
والأمر بالقرار في البيوت حجاب لهن بالـجُدر والـخُدُور عن البروزأمام الأجانب، وعن الاختلاط ، فإذا برزن أمام الأجانب، وجب عليهن الحجاب باشتمالاللباس الساتر لجميع البدن، والزينة المكتسبة .
ومَن نظر في آيات القرآن الكريم، وجد أن البيوت مضافة إلى النساء في ثلاث آيات من كتاب الله تعالى، مع أن البيوت للأزواج أو لأوليائهن، وإنما حصلت هذهالإضافة ـ والله أعلم ـ مراعاة لاستمرار لزوم النساء للبيوت، فهي إضافة إسكان ولزومللمسكن والتصاق به، لا إضافة تمليك .
قال الله تعالى: ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) [الأحزاب: 33]،
وقال سبحانه:(وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا )
[الأحزاب: 34]،
وقال عزشأنه: ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ) [الطلاق: 1].
وبحفظ هذا الأصل تتحقق المقاصد الشرعية الآتية :
1ـ مراعاة ما قضت به الفطرة، وحال الوجود الإنساني، وشرعة رب العالمين، من القسمة العادلة بين عباده من أن عمل المرأة داخل البيت، وعمل الرجلخارجه .
2ـ مراعاة ما قضت به الشريعة من أن المجتمع الإسلامي مجتمع فردي -أي غير مختلط- فللمرأة مجتمعها الخاص بها، وهو داخل البيت، وللرجل مجتمعه الخاص به،وهو خارج البيت .
3ـ قرار المرأة في عرين وظيفتها الحياتية -البيت- يكسبها الوقت والشعور بأداء وظيفتها المتعددة الجوانب في البيت: زوجة، وأمـَّا، وراعية لبيتزوجها، ووفاء بحقوقه من سكن إليها، وتهيئة مطعم ومشرب وملبس، ومربية جيل.
وقد ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ـ صلى اللهعليه وسلم ـ قال:
(المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها) متفق على صحته.
4ـ قرارها في بيتها فيه وفاء بما أوجب الله عليها من الصلوات المفروضات وغيرها، ولهذا فليس على المرأة واجب خارج بيتها، فأسقط عنها التكليف بحضور الجمعة والجماعة في الصلوات، وصار فرض الحج عليها مشروطًا بوجود محرم لها..
وقد ثبت من حديث أبي أبي واقد الليثي ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قال لنسائه في حجته: (هذه ثم ظهور الحصر) . رواه أحمد وأبو داود .
قال ابن كثير ـ رحمه الله تعالى في التفسير ـ : (يعني: ثم الْزَمن ظهور الحصر ولا تخرجن من البيوت) انتهى .
وقال الشيخ أحْمد شاكر رحمه الله تعالى معلقًا على هذا الحديث في
[عمدة التفسير: 3/11] :
(فإذا كان هذا في النهي عن الحج بعد حجة الفريضةـ على أن الحج من أعلى القربات عند الله ـ فما بالك بما يصنع النساء المنتسباتللإسلام في هذا العصر من التنقل في البلاد، حتى ليخرجن سافرات عاصيات ماجنات إلىبلاد الكفر، وحدهن دون محرم، أو مع زوج أو محرم كأنه لا وجود له، فأين الرجال؟!أين الرجال؟!!) انتهى .
وأسقط عنها فريضة الجهاد، ولهذا فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـلم يعقد راية لامرأة قط في الجهاد، وكذلك الخلفاء بعده، ولا انتدبت امرأة لقتال ولالمهمة حربية، بل إن الاستنصار بالنساء والتكثر بهن في الحروب دال على ضعف الأمةواختلال تصوراتها.
وعن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: يا رسول الله! تغزوالرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث؟ فأنزل الله :
(وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ)
[النساء: 32] . رواه أحمد، والحاكم وغيرهمابسند صحيح .
قال الشيخأحمد شاكر رحمه الله تعالى تعليقًا على هذا الحديث في
[عمدة التفسير: 3/ 157]:
(وهذا الحديث يرد على الكذابين المفترين ـ فيعصرنا ـ الذين يحرصون على أن تشيع الفاحشة بين المؤمنين، فيخرجون المرأة عن خدرها،وعن صونها وسترها الذي أمر الله به، فيدخلونها في نظام الجند، عارية الأذرعوالأفخاذ، بارزة المقدمة والمؤخرة، متهتكة فاجرة، يرمون بذلك في الحقيقة إلىالترفيه الملعون عن الجنود الشبان المحرومين من النساء في الجندية، تشبهًا بفجوراليهود والإفرنج، عليهن لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة) انتهى .
5ـ تحقيق ما أحاطها به الشرع المطهر من العمل على حفظ كرامة المرأةوعفتها وصيانتها، وتقدير أدائها لعملها في وظائفها المنـزلية .
وبه يُعلم أن عمل المرأة خارج البيت مشاركة للرجل في اختصاصه، يقضي على هذه المقاصد أو يخل بها، وفيه منازعة للرجل في وظيفته، وتعطيل لقيامه على المرأة، وهضم لحقوقه؛
إذ لا بد للرجل من العيش في عالمين:
عالم الطلب والاكتساب للرزق المباح، والجهاد والكفاح في طلب المعاش وبناء الحياة، وهذاخارج البيت.
وعالم السكينة والراحة والاطمئنان، وهذا داخل البيت،وبقدر خروج المرأة عن بيتها يحصل الخلل في عالم الرجل الداخلي، ويفقد من الراحة والسكون ما يخلبعمله الخارجي، بل يثير من المشاكل بينهما ما ينتج عنه تفكك البيوت،
ولهذا جاء فيالمثل: (الـرجل يَجْنِي والمرأة تَـبْني).
ومن وراء هذا ما يحصل للمرأة من المؤثرات عليها نتيجة الاختلاط بالآخرين.
إن الإسلام دين الفطرة، وإن المصلحة العامة تلتقي مع الفطرةالإنسانية وسعادتها؛ إذًا فلا يباح للمرأة من الأعمال إلا ما يلتقي مع فطرتهاوطبيعتها وأنوثتها؛ لأنها زوجة تحمل وتلد وتُرضع، ورَبـَّـة بيت، وحاضنة أطفال،ومربية أجيال في مدرستهم الأولى المنـزل.
وإذا ثبت هذا الأصل من أمر النساء بالقرار في البيوت، فإن الله سبحانه وتعالى حفظ لهذه البيوت حرمتها، وصانها عن وصول شك أو ريبة إليها، ومنع أي حالة تكشف عن عوراتها، وذلك بمشروعية الاستئذان لدخول البيوت من أجل البصر،
فقال سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)
فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28)
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29))
[النور: 27ـ29].
حتى تستأنسوا : أي تستأذنوا، وتسلموا، فيؤذن لكم ويرد عليكم السلام .
وقد تواردت السنن الصحيحة بإهدار عين من اطلع في دار قوم بغيرإذنهم، وأن من الأدب للمستأذن أن لا يقف أمام الباب، ولكن عن يمينه أو شماله، وأنيطرق الباب طرقًا خفيفًا من غير مبالغة، وأن يقول: السلام عليكم، وله تكرارالاستئذان ثلاثًا .
كل هذا لحفظ عورات المسلمين وهن في البيوت، فكيف بمن ينادي بإخراجهن من البيوت متبرجات سافرات مختلطات مع الرجال؟ فالتزموا عباد الله بما أمركم الله به .
وإذا بدت ظاهرة خروج النساء من بيوتهن من غير ضرورة أو حاجة، فهو من ضعف القيام على النساء، أو فقده، وننصح الراغب في الزواج، بحسن الاختيار، وأن يتقي الخرَّاجة الولاّجة، التي تنتهز فرصة غيابه في أشغاله، للتجول في الطرقات، ويعرف ذلك بطبيعة نسائها، ونشأة أهل بيتها .
المرجع :
كتاب " حراسة الفضيلة" للشيخ بكر أبو زيد
و المصدر:
شبكة نور الإسلام