ماذا تركت لأولادك
تركت لهم تقوى الله
لما حضرت الوفاة عمر بن عبد العزيز، ذهب بعض الأصحاب ليعودوه، وكان عمر قد ترك من الأولاد (خمسة عشر ولدًا)، فقالوا له وهو
في سكرات الموت : ماذا تركت لأولادك يا أمير المؤمنين ؟ وإذا بأمير المؤمنين يجيب بكلمة واحدة : تركت لهم تقوى الله!
لا إله إلا الله، كيف يا أمير المؤمنين ؟! فيقول أمير المؤمنين : إن كانوا صالحين، فالله يتولَّى الصالحين، وإن كانوا غير ذلك، فلن أترك لهم
شيئًا يستعينون به على معصية الله .
وإذا بعمر يصدر الأمر إلى زائريه بالانصراف فورًا؛ ليتركوه وحدَه على فراش الموت، وتدخل عليه فاطمة الوفيَّة، الأمينة، الزاهدة، بنت
الخلافة، ولكنها رَمَتِ الدنيا كلَّها وراء ظهرها، تدخل عليه وهو في السكرات، فيقول لها : يا فاطمة، اخرجي الآن؛ فإنني أرى خَلْقًا يزاحمون
عليَّ مكاني هذا، أرى خَلْقًا غريبًا ذوي أجنحة لم أرهم قبل الآن، اخرجي يا فاطمة، اخرجي يا فاطمة، آن للغريب أن يرى حماه، آنَ للغريب أن
يرى رباه، آن للغريب أن يعودَ إلى دار البقاء، اخرجي يا فاطمة؛ إن هناك أجسامًا نورانيَّة ذوي أجنحة؛ مثنى، وثُلاث، ورُباع، اخرجي يا
فاطمة، فإن الرُّوح تُزَف؛ لأنها ستصل إلى خالقها الأعظم، ستكون في ضيافة الرحمن؛ ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً
مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ (سورة الفجر : 27 - 30) إن عمر وهو في ساعة الاحتضار كان يرتِّل آيةً واحدة في كتاب
الله، ختم بها سِجِلَّ حياته، هذه الآية هي قوله تعالي : ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾
(سورة القصص : 83)