وحدثني عون بن إبراهيم قال حدثني محمد بن روح المصري قال سمعت زهير بن عباد قال
لما حضرت ذا القرنين الوفاة كفنوه ثم وضعوه في تابوت من ذهب قال فقالت الحكماء تعالوا حتى نتكلم عليه ونعتبر فقال أولهم إن هذا الشخص كان لكم واعظا نافعا مطيعا ولم يعظكم قط بأفضل من مصرعه هذا وقال الآخر إن كان فارق الأنجاس وصارت روحه إلى روح الطاهرين فطوبى له وقال الثالث من كان حياته لله فإن وفاته لله وعلى الله تمام كرامته وقال الرابع هو الذي سار إلى مشارق الأرض ومغاربها يقتل الرجال مخافة الموت ولو تركهم لماتوا وقال الخامس هذا الذي كان يخبأ الذهب فالذهب اليوم يخبأه وقال السادس ويل لأهل العافية في الدار كان حظهم منا إلى غير العافية وقال السابع لا تكثروا التلاوم بينكم واستمسكوا بالتوبة فكلكم خاطئ وقال الثامن من كان يعمل اليوم بالخطيئة فإنه غدا عبد للخطيئة وقال التاسع لا تعجبوا بما تفعلوا ولكن اعجبوا بما يفعل بكم وزاد غير زهير بن عباد وقال آخر عجبت من سالك هذا السبيل كيف تشره نفسه إلى جمع الحطام الهامد والهشيم البائد الخاذل مقتنيه عند الحاجة إليه وقال آخر اقبلوا هذه المواعظ وأكثروا ذكر هذا السبيل الذي أنتم سالكوه وقال الآخر إن الإسكندر لم يقص في حياته وصحته من المواعظ المنبهة عن أمور الناس إلا الذي صار إليه في صموته وإطراقه فضل فليبلغ ذلك ذوي الآذان السميعة والأعين البصيرة استودعوا ما ترون من ظاهر العبر للقلوب المحبرة من الفكر والرائب على ألبانها غلبة الجهل وقال آخر هذا ذو الأسارى قد أصبح أسيرا وقال آخر نعم المضجع مضجعك لمن إذا كان ساعيا لم يسع على نفسه فسعى لها وقال آخر كان الإسكندر كحلم نائم انقضى أو كظل غمامة انجلى وقال آخر ربما كان هذا السلو بليغا واعظا وما وعظنا بمنطق هو أبلغ من موعظته إيانا اليوم بصموته وقال آخر كنت كنحن حديثا ونحن كائنون كأنت وشيكا وقال قائل أين كنت أمس لا يأمنك أحد لقد أصبحت اليوم وما يخافك أحد وقال قائل هذه الدنيا الطويلة العريضة طويت في ذراعين وقال قائل قد كنت على العلياء والرفعة حريصا ولم تعلم أن ذلك أشد لصرعتك وأبعد لغايتك في أهويتك وقال قائل لئن كنت وردت علينا قويا ناطقا لقد صدرت عنا ضعيفا صامتا وقال قائل ما سافر قبلها بلا زاد ولا أعوان وقال قائل كلنا غافل كما غفل الإسكندر حتى نلاقي مثل ما لاقى وقال قائل قد انتقصك يا إسنكندر في وجهك من لم يكن يجترئ أن يغتابك من خلفك وقال قائل إن أعجب العجب أن القوي قد غلب وأن الضعفاء لاهون مغرورون وقال قائل هيهات ما صدق هذا الموت الناس لولا كذب قولهم وإهاب ما أشار بنعيهم لولا صم آذانهم وقال قائل إن كنت إنما تبكي بجدة ما ترى من الموت فإن الموت لم يزل جديدا وإن كنت إنما تجزع من نزوله بمن كان له مميلا فليكن ذلك لك واعظا وقال قائل أجاهل كنت بالموت فنعذرك أم عالم كنت به فنلومك وقال قائل إن بارق هذا الموت لبارق ما يخلف وإن مخيلته لمخيلة لا تخلف وإن صواعقه لصواعق ما ترى وإن قاطره لقاطر ما يروى وقال قائل لقد تقطعت بك أسباب غير متصلة لك ولقد تركت بك بلايا غير واقعة بك قبل عسانا أن نتعظ من أمرك فنسلم بل عسانا أن لا نتعظ فنهلك وقال قائل كنا للعامة أسوة بموت الملوك وكفى للملوك عظة بموت العامة وقال قائل انطوت عن الإسكندر أماله التي كانت تغره من أجله وترك به أجله الحائل بينه وبين أمله وقال قائل يا ريح الموت الذي لا يشتهى ما أقهره للحياة التي لا تمل وياريح الحياة التي تمل ما أذلها للموت الذي لا يحب وقال القائل ما المنية بفرد فيؤمن يومها ولا الحياة بثقة فيرجى غدها وقال قائل قد كان سيفك لا يجف ونقمتك لا تؤمن وكانت مدائنك لا ترام وكانت عطاياك لا تفقد وكان ضياؤك لا ينكشف فأصبح ضياؤك قد خمد وأصبحت نقماتك لا تخشى وأصبحت عطاياك لا ترجى وأصبحت سيوفك لا تقطر وألفيت مدائنك لا تمتنع وقال قائل قد كان منزلك مرهوبا وقد كان ملكك غالبا فأصبح الصوت قد انقطع وأصبح الملك قد اتضع
اسم الكتاب : الاعتبار وأعقاب السرور والأحزان