شهر رمضان هو من خير الشهور في الإسلام، شهر الطمأنينة والغفران، وهو الشهر الذي نزل فيه القرآن، يتقرّب فيه المسلمون من الله الحنّان المنّان، ومن فضائله العظيمة أنه شهر العتق من النار، وفيه تفتح أبواب الجنان، وهو فرصة للتوبة والإقلاع عن المعاصي، وتضاعف فيه الحسنات والأجور، وتصفّد فيه الشياطين، وتُغلق أبواب النار رحمة بالمؤمنين، و تتنزل الملائكة في رمضان فيشعر الصائم العابد بالسكينة والاطمئنان، وفيه الدعاء مستجاب، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فهو شهرٌ مبارك لا بد للمسلم أن يدرك فضله ويغتنمه بالإقبال على الطاعات وفعل الخيرات.[١] كيفية استقبال وقضاء أيام رمضان لا بد أن نستقبل هذا الشهر الكريم خير استقبال، فمن كان بين يديه كنزٌ ثمينٌ سيتمسّك به دون تفريط، فرمضان شهر الخيرات، شهرٌ تتضاعف فيه الأجور والحسنات، شهر التوبة التي تهدم ما قبلها، والإنابة التي تجب ما سلفها، ورمضان شهر العتق، والصدق، والرفق، والقرآن، فمن عرف فضل رمضان استغلّه في الطاعات والقربات خير استغلال، فأي خير قام به المسلم في رمضان كان له به أجرٌ عظيم، لذلك على المسلم أن يكون حريصاً على وقته في رمضان، ولا يفوّت عليه لحظة من لحظاته في غير عبادة أو طاعة،[٢] وفيما يأتي بيان لكيفية قضاء أيام رمضان:[٣] الفرح بقدوم هذا الشهر المبارك باستقباله استقبالاً حسناً، وإدراك فضل هذا الشهر الكريم المليء بالخيرات، ويكون ذلك باستغلال هذه التجارة الرابحة بالخير، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)،[٤] فمن أدرك رمضان نال نعمةً كبيرةً من الله، فربما يكون رمضان هذا العام آخر رمضان لك، وكم من أحبابٍ كانوا معنا في رمضان العام الماضي وهم الآن في قبورهم لا يستطيعون أن يزيدوا حسنة في حسناتهم. استحضار النية عند تناول الإفطار، فإذا أذّن المؤذّن ينوي الصائم أنه يفطر عبادةً وطاعةً لله، واقتداءً برسوله عليه الصلاة والسلام. الجمع بين عبادتي الإفطار والترديد مع المؤذن، قال عليه السلام: (إذا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ، فَقُولوا مِثْلَ ما يقولُ)،[٥] فيجيب المسلم ويدعو وهو مفطر، ثم يذهب إلى المسجد متطهّراً لأداء صلاة المغرب جماعةً مع الإمام، ففي كل خطوةٍ يخطوها يرفع الله له بها درجة، ويحطّ عنه بها خطيئة. تحويل كل عادةٍ إلى عبادةٍ بالنية، فمثلاً تحويل عادة الأكل والشرب بنية التقوّي على عبادة الله وطاعته، وحفظاً للأبدان، لأن الله جعل جسدنا أمانةً بين أيدينا، وامتثالاً لأمر الله في قوله تعالى: (وَكُلوا وَاشرَبوا وَلا تُسرِفوا)،[٦] ونجعل مأكلنا ومشربنا من باب التنعّم بنعم الله علينا، فبإمكان المسلم تحويل أعماله اليومية إلى عبادات وقربات لله -تعالى- فقط بالنية. قيام رمضان؛ فعند دخول وقت صلاة العشاء يبدأ وقت القيام، فصلاة التراويح هي قيام رمضان، قال عليه السلام: (مَن قامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ مِن ذنبِهِ)،[٧] وخير قدوة لنا في قيام رمضان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويُروى في صلاته في رمضان أنَّه سئلت عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (كيفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في رَمَضَانَ؟ قالَتْ: ما كانَ يَزِيدُ في رَمَضَانَ ولَا في غيرِهِ علَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فلا تَسْأَلْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أرْبَعًا، فلا تَسْأَلْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ تَنَامُ قَبْلَ أنْ تُوتِرَ؟ قالَ: تَنَامُ عَيْنِي ولَا يَنَامُ قَلْبِي).[٨]. اهتمام الصائم بتناول السحور، ففيه البركة، حيث قال عليه السلام: (تَسَحَّرُوا فإنَّ في السَّحُورِ بَرَكَةً)،[٩] وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يؤخّر سحوره، فلم يكن بين سحوره وصلاته إلا مقدار خمسين آية. الإكثار من قراءة القرآن الكريم في رمضان، حيث يحرص الصائم على أن يجعل له ورداً خاصاً به في شهر رمضان حتى ينظّم وقته بالنسبة لقراءة القرآن في رمضان، ويعوّد نفسه على الاستمرار في ذلك إلى ما بعد رمضان وعدم ترك يوم من حياته من غير قراءة لكتاب الله. قيام الليل جماعة؛ فمن قام مع الإمام وانصرف كُتبَ له قيام ليلةٍ كاملةٍ حتى لو كان نائماً، فلنتخيّل الأجر العظيم أنه بمجرد الانصراف مع الإمام فكأن العبد قام الليل بأكمله. المحاولة في الارتقاء إلى أحسن حال في هذا الشهر، لأنه فرصة للتغيير للأفضل، والاستمرار في هذا التغيير إلى ما بعد رمضان.[١٠] الحذر من كل ما يلهي المرء ويشغله عن استغلال رمضان في القرب من الله وعبادته وطاعته.[١٠] استغلال هذا الشهر الكريم للتودّد وتآلف القلوب، وإصلاح ذات البين، وفكّ المشاحنات بين الأهل والأصدقاء.[١١] الحرص على نوافل الصلوات من السنن والرواتب والصلاة في جوف الليل. الإكثار من التسبيح والتهليل والتحميد والحوقلة والاستغفار، وتعويد اللسان على أن يكون رطباً بذكر الله في كل وقتٍ وكل حينٍ في هذا الشهر الكريم، والاستمرار في ذلك إلى ما بعد رمضان.[١٢] فضل شهر رمضان وفوائده إن لشهر رمضان حكم وفوائد عديدة منها:[١٣] تطهير النفس وتزكيتها من الأخلاق السيئة إلى الأخلاق الفاضلة. تذكير النفس بضعفها وفقرها وحاجتها إلى خالقها، وتربيتها على القرب منه سبحانه. تذكير المسلم بحاجة الفقراء والمساكين، والإحسان إليهم، وشكر الله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى. زيادة التقوى والقرب من الله بالقيام بأوامره واجتناب نواهيه، واستشعار لذّة القرب منه ومناجاته. إغلاق المنافذ التي تؤدّي إلى المعاصي والآثام، وفتح المنافذ التي تؤدّي إلى ترقية الإيمان وزيادة فعل الطاعات. تحقيق المغفرة من الله -سبحانه- بصيام رمضان وقيامه، فمن أعانه الله على قيام ليلة القدر فقد وُفِّقَ للخير الكثير، فهي خيرٌ من ألف شهر.[١٤] استجابة الدعاء في رمضان.[١٤] تعويد الإنسان على الصبر، وجلد النفس البشرية على طاعة الله وعبادته، والاستمرار في ذلك إلى نهاية العام، إذاً شهر رمضان عبارة عن دورةٍ تعبديةٍ لتقوية إرادة المسلم