شهر رمضان يعد شهر رمضان تاسع الشهور الهجرية، إذ يأتي بعد شعبان، وقبل شوال، ويبلغ عدد أيامه تسعة وعشرين أو ثلاثين يوماً،[١] وقد فرض الله -تعالى- صيام شهر رمضان على المسلمين في العام الثاني للهجرة، فصامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسعة أعوام قبل أن يتوفاه الله في العام الحادي عشر للهجرة، وفي الحقيقة أن أهل اللغة اختلفوا في سبب تسمية شهر رمضان بهذا الاسم، حيث قال بعضهم أن الاسم مشتق من الرمض وهو شدة الحر، وسمّي رمضان بهذا الاسم لأنه يأتي غالباً في زمن الرمضاء وهو شدة الحر في الجزيرة العربية، وقيل إن الاسم مشتق من الرميض وهو السحاب والمطر في آخر الصيف، وقد سمي رمضان بهذا الاسم لأنه يرمض الذنوب، أي يغسلها بالأعمال الصالحة، وقيل إن مصدر التسمية من رمض، أي احترق، وسمّي رمضان بهذا الاسم لأنه يرمض الذنوب؛ أي يحرقها بأعمال الخير، وقيل إن سبب التسمية أن العرب كانوا يرمضون أسلحتهم فيه، أي يحشدونها استعداداً للحرب.[٢] ومن الجدير بالذكر أن فريضة الصوم عبادة محددة بوقت معين من كل عام، وهو شهر رمضان، ولا يجوز القيام بها في أي وقت آخر، لذلك ينبغي معرفة الأحكام المتعلقة بدخول شهر رمضان حتى تؤدّى فريضة الصوم بشكل صحيح، ويمكن القول أن دخول شهر رمضان يثبت برؤية هلال رمضان، لقول الله تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)،[٣] ويكفي لإثبات رؤية الهلال شهادة مسلم عاقل، بالغ، عدل، موثوق بأمانته وخبرته، أما في حال تحرّي الهلال وعدم رؤيته فيثبت دخول شهر رمضان بتمام شهر شعبان ثلاثين يوماً، مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فإنْ غُبِّيَ علَيْكُم فأكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ)،[٤] حيث إن غاية الشهر القمري ثلاثين يوماً ولا يزيد عن ذلك.[٥] فوائد شهر رمضان الدينية والدنيوية الفوائد الدينية فضّل الله -تعالى- شهر رمضان المبارك على سائر الشهور، وجعله فرصة لنيل الأجر ورفعة الدرجات، ويمكن بيان بعض فوائد شهر رمضان الدينية فيما يأتي:[٦] شهر الصيام: حيث إن الله -تعالى- فرض صوم رمضان على المسلمين، مصداقاً لقوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)،[٧] وتجدر الإشارة إلى أن الصيام عبادة عظيمة، فقد خصّ الله -تعالى- الصائمين بباب في الجنة اسمه باب الريان، مصداقاً لما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَن أنْفَقَ زَوْجَيْنِ في سَبيلِ اللَّهِ، نُودِيَ مِن أبْوَابِ الجَنَّةِ: يا عَبْدَ اللَّهِ هذا خَيْرٌ، فمَن كانَ مِن أهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِن بَابِ الصَّلَاةِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِن بَابِ الجِهَادِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِن بَابِ الرَّيَّانِ).[٨] شهر العتق من النيران: حيث إن أعظم فائدة دينية يسعى المسلم لتحقيقها هي اجتناب نار جهنم، ودخول الجنة، ومن فضل الله -تعالى- ورحمته بعباده الصالحين أنه يصطفي منهم في كل ليلة من ليالي رمضان عتقاء من النار، مصداقاً لما رواه أبوأمامة الباهلي -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إنَّ للَّهِ عندَ كلِّ فِطرٍ عتقاءَ وذلِك في كلِّ ليلةٍ).[٩] شهر القرآن الكريم: فقد أنزل الله -تعالى- القرآن الكريم في شهر رمضان ليكون هدى للناس، ولذلك فإن تلاوة القرآن الكريم في رمضان من أفضل الأعمال، وأشرف الأذكار، وقد كان سلفنا الصالح -رحمهم الله- يشغلون أوقاتهم خلال شهر رمضان بالجلوس في المسجد وتلاوة القرآن الكريم.[١٠] شهر التوبة ومراجعة النفس: إذ إن الصيام في شهر رمضان يحفظ الخواطر الباطنة، ويحرس الجوارح الظاهرة، مما يجعل هذا الشهر العظيم فرصة ثمينة لكل مسلم ليراجع نفسه، ويتوب إلى الله تعالى.[١٠] الفوائد الدنيوية إن من أهم ما يميّز شهر رمضان المبارك أنه شهر الصيام، وتجدر الإشارة إلى أن الصيام يحقق العديد من الفوائد الدنيوية على الصعيد النفسي، والبدني، والاجتماعي، والعسكري، ويمكن بيان بعض هذه الفوائد فيما يأتي:[١١] الفوائد النفسية: من الفوائد النفسية المتحققة من الصوم في رمضان تحقيق التقوى، الذي يُعد من أهم عوامل السعادة في الدنيا والآخرة، فقد قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)،[١٢] وفي الآية السايقة وعد من الله -تعالى- للمتقين بأن يجعل لهم مخرجاً من كل ما يسبب لهم الهم والغم، ويرزقهم رزقاً طيباً بحيث لا يشعرون بهموم الدنيا ومتاعبها، ومن الفوائد النفسية أيضاً تطهير النفس من ثوران الشهوة، ووسوسة الشيطان. الفوائد الاجتماعية: حيث إن جوع الغني وعطشه بسبب صوم رمضان يدفعه للشعور بإخوانه الفقراء والمساكين، مما يُشجّعه على البذل من ماله لمواساتهم والتخفيف عنهم، لا سيّما أنه شعر بألم الجوع والعطش من قبل، ولا يعرف قيمة العافية إلا من جرّب البلاء، بالإضافة إلى أن الإكثار من قراءة القرآن الكريم بخشوع، وتدبر آيات الإنفاق وما أعدّ الله -تعالى- للمنفقين تشجّع المسلمين على الإنفاق والبذل والعطاء. الفوائد العسكرية: حيث إن صوم رمضان يُعد فرصة لتدريب النفس وإعدادها لتحمل الظروف غير الاعتيادية كنقص الطعام، وقلة الماء، وهو ما تسعى المدارس العسكرية والجيوش لتدريب أفرادها عليه، بالإضافة إلى العلاقة الوطيدة بين الجهاد في سبيل الله والصوم، فقد فرضهما الله -تعالى- في نفس الزمن، حيث أنزل قوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)،[١٣] وفي نفس العام نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).[١٤] الفوائد الصحية: مما يدل على عظم الفوائد الصحية المترتبة على الصوم، تأكيد العلماء على أن الصوم ظاهرة حيوية ضرورية لاستمرار الحياة السويّة، والصحة الكاملة، حيث إنه سبب لراحة الجسم وإصلاح أعطابه، وتحسين وظيفة الهضم، وتسهيل امتصاص المواد المتبقية في الأمعاء التي قد تتحول بعد فترة طويلة إلى نفايات سامة، بالإضافة إلى إعادة الحيوية إلى خلايا الجسم وأنسجته، وتقوية الإدراك وتفتّح الذهن