إذا دخل رمضان، نظَّم الإنسان أوقاته، وراعى حُرُماتِ الشهر الفضيل، وعظيم قدسته، "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب"، "ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه"، ولكَوْن رمضان شهرا خاصا فلا بد من النظر إليه بعين الاحترام، والتقدير، ورسم خطة عملية دقيقة لاستغلال أوقاته، واستثمار كل لحظاته، وفي هذه السطور أحاول أن أرسم خطةَ عملٍ أراها أقرب إلى القبول، وينبغي على المسلم أن يجعلها بين ناظريْه، وأن يزيد عليها إنْ رأى فيها بعض القصور، لكنها خطة مجربة، وستأتي إن شاء الله بنتائج طيبة، وثمرات يانعة، وستحقق أهدافها المرجوة، ومراميها المقصودة.
أن يحرص كل مسلم ومسلمة على أن يعاهد الله ـ تعالى ـ على:
1- احترام قدسية الشهر، وعدم فِعْل ما يخدش حرمته، أو يضرب في القلوب مكانته.
2- أن يعمل جدولا يوميا للمحاسبة الشخصية للذات، وأن ينفِّذ كل ما ارتبط به مع ربه من طاعات، وقربات، ونحوها مما يرضي الله ـ جل في علاه ـ.
3- أن يجعل له وِرْدا يوميا من القرآن الكريم، وأقل ما يكون من التلاوة جزء واحد، ويمكن قراءة هذا الجزء بيسر وسهولة، إذا قرأ عقب كل صلاة ربعين، باستثناء القراءة بعد صلاة المغرب حيث صلاة العشاء، والاستعداد لصلاة القيام، ومن أراد أن يقرأ جزأين فعليه أن يقرأ أربعة أرباع (أي حزب واحد) عقب كل صلاة، باستثناء القراءة بعد صلاة المغرب أيضا، أما أهل العزم من المسلمين الذين يقرؤون خمسة أجزاء يوميا ـ فهؤلاء يتلون عقب كل صلاة جزءا كاملا، وهذا الجزء لا يستغرق أكثر من ثلث الساعة إلى نصفها، وهناك أناس يقرؤون عشرة أجزاء يوميا، بحيث يُنْهُونَ القرآن في رمضان عشر مرات، وكان الإمام الشافعي يقرأ القرآن في رمضان مرتين يوميا، وكان الإمام أحمد إذا دخل رمضان لا يستفاد منه ؛ بسبب اعتكافه على القرآن تلاوة ومراجعته ومعايشته، ونحو ذلك.
4- أن يكون للصائم كل يوم تسابيح خاصة، تزيد على ذِكْره طوال العام بأن يسبح خمسمائة تسبيحة، وربما ألف، وكذلك شأنه مع التكبير، والتحميد، والتهليل، والحوقلة، أما الاستغفار فننصحه فيه بالاستكثار، بأن يظل لسانه رطبا بقول: أستغفر الله العظيم، مستطعما إياها، متذوقا حلاوتها ومرماها، متمعنا في معانيها ومغزاها، حتى يكون لها مردود على الفؤاد، والحس، والجوارح.
5- أن يكثر من أربع كلمات كان يحرص عليهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان، وهن:
أشهد أن لا إله إلا الله، استغفر الله العظيم، اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار.
فقد أوصى بهاتيك الكلمات رسولُنا الكريم- صلوات الله وسلامه عليه-، ففيها اعتراف، وإقرار لله بالألوهية والتوحيد لجلاله، وفيها إقرار كذلك من العبد بأن له ربا يغفر، ويسامح، وعنده المزيد من الفضل والعطاء، ودخول الجِنان.
6- أن يكون له قسط من الجلوس على مائدة القرآن يوميا، ولو ساعة، يقرأ فيها تفسير بعض السور القصار، وليجعل من رمضان فرصة لقراءة تفسير جزء عم، أو جزء تبارك، أو كليهما؛ لأنها فرصة لا تتكرر في العام إلا شهرا واحدا، ويتخذ من ذلك تفسيرا ميسرا وليكن أيسر التفاسير، أو صفوة التفاسير، أو التفسير الميسر، أو مختصر تفسير ابن كثير، أو نحوها من الكتب التي اعتنت بإعطاء تفسير واضح ومباشر لمعاني كلمات القرآن، وبيان تفسير معانيه والوقوف على أهدافه السور، ومطلوب الآيات حتى يعمل بها.
7- أن يجعل له من الصدقة اليومية قسطا، ولو يسيرا بأن يدفع هو وأولاده ما تيسر له من المال، يبتغي به وجه الكبير المتعالي، ويحرص على ألا يفوت يومٌ دون إخراج تلك الصدقة، وليعلم علم اليقين أن الصدقة تقع في يد الرحمن، قبل أن يأخذها الفقير المحتاج، وتقع في يده.
8- أن يحرص على صلة الرحم، فإذا كانت مقطوعة وصلها، وإذا كانت موصولة زاد في وصلها، بأي وسيلة من وسائل التواصل، بهاتف، أو رسالة، أو زيارة، أو هدية، ونحوها من وسائل القربى، وطرائق التواصل، فرمضان شهر الوصال، والاتصال، والتواصل.
9- أن يكون حريصا على الدعاء، ويزيد فيه، وأن يجعله له ديدنا طوال النهار، وخصوصا عند الأذان، وعقب ختام الصلاة، ويستغل أوقات القبول؛ لأن الدعاء في رمضان مستجاب، وفي الحديث أن "للصائم دعوة لا ترد"، فعليه أن يُكْثِرَ من رفع اليدين إلى السماء، بحضور قلب، وكامل وعي لما يدعو به، يستكثر من ذلك الدعاء، والله أكرم من أن يَرُدَّ دعاء صائم.
10- أن يكون خاشعا لله، في حِلِهِ وترحاله، فيغضُّ بصره، ويعلم أن غض البصر عن محارم الله يسعدُ القلب، ويفرح النفس، ويُرضِي الرب، ويستقر معه الفؤاد، وفي الحديث الشريف: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركها من مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه"، ويعلم أن الله رقيب على طرْفه، وجفنه، فهل يليق بصائم أن يجعل الله أهون الناظرين إليه؟! ، إن غض البصر دليلُ رقةِ القلبِ، ويقظة الفؤاد، وجميل الصلة بالله.
11- أن يكون المسلم واعيا، ولشدة وعيه وحبه لدينه عليه أن يحبب الناس إلى الله، وأن يبصر من لا يعلم، ومن لا يقرأ، ومن لا يكتب، وكذلك الغافل، يذكرهم بجلال الشهر، وأهم ما يجب على الصائم عمله من طاعات وعبادات وذكر، وغير ذلك من القربات التي تضاعَفُ فيها الحسنات، ويزداد فيها الأجر، وذلك بأن يجعل له كل يوم صديقا يأخذ بيده إلى المسجد، لعله يتعلم شيئا من الدين، أو يمتنع عن اقتراف إثم داوم عليه، فالصاحب الأمين يأتي دائما بالخير في صحبته، ويعود بالفضل على رفقته.
وفي آخر يومه، وعند وضع خده على وسادته، يستغفر ربه على تقصيره، وتفريطه في حقه ـ تعالى ـ، وعدم القيام بحق هذا الشهر، ويرجو الله ـ تعالى ـ أن يتقبله على تقصيره، وأن يعينه على أداء حقوق الشهر خير أداء، وأن يتقبل منه عمله على ضعفه ، نسأل الله ـ تعالى ـ أن يرزقنا فهْم جلال الشهر، وإدراك أهدافه، وأن يجعلنا من المقبولين، ومن الفائزين، ومن المقربين من الله رب العالمين، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وكل عام وأنتم بخير.
مها محمد البشير حسين نافع
ماجستير في الشريعة الإسلامية
كلية دار العلوم