شهر رمضان توثيق لوحدة الأمة الإسلامية
تعتمد وحدة الأمة الإسلامية على أركان متينة وروابط عظيمة فالأمة تربطها وحدة العقيدة الإسلامية ووحدة العبادة الخالصة لله ووحدة المجتمع الرباني المتكامل ووحدة الإخوة الإسلامية الراسخة، فالمسلم أخو المسلم في كل بقعة من بقاع هذه المعمورة مصداقا لقول الله تعالى: { إنما المؤمنين إخوة } وقول سيد الأولين والآخرين { المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله } لهذا تعد الأمة الإسلامية من أرقى الأمم على الإطلاق لما تحمله من شريعة ربانية من عند الله تعالى تهدف إلى نشر الخير للناس أجمعين لذا أثنى الله تعالى على هذه الأمة ثناء يدل على فضلها وتقديرها قال تعالى: { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتؤمنون بالله } ومن أجل ذلك استحقت الأمة الإسلامية أن تكون أمة ريادة وقيادة وأنها متبوعة في كل شيء لا أن تكون أمة متخلفة تأكل من وراء البحار فهي أمة وسطا في عدالتها وقيمتها وأخلاقها وفكرها وسياستها مما أهلها لتكون الشاهدة على الناس يوم القيامة يقول سبحانه وتعالى: { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } وقد كان للعبادات دور فعال في تماسك الأمة بسبب الأهداف والآثار السامية التي جعلت من أجلها فعبر التاريخ نجد أن الأمة أصيبت بالفتور والنزاعات الداخلية والخارجية والأعداء يتربصون بها الدوائر من كل جانب ومع ذلك الرابط الوثيق في جانب العبادات فالصلاة مثلا عمود الدين وهي الجسر الرابط بيننا كالمسلمين وبين الكفار مصداقا لقول حبيب الخلق _ صلى الله عليه وسلم_: { العهد الذي بيننا الصلاة فمن تركها فقد كفر } هذه الصلاة التي تصلى في جماعة وفي المساجد وتشعر فيها ذلك النظام البديع فلا يستطيع أحد من المصلين أن يتقدم إمامه في شيء أبدا وإذا تقدمه فسدت صلاته فيركع المأموم إذا ركع الإمام وسجد إذا سجد الإمام وهكذا، وهذا دليل على النظام وخلق الترابط الوثيق بين المسلمين أجمعين ويأتي شهر رمضان في كل عام ليسهم في المحافظة على وحدة الانتماء للأمة الإسلامية حين يشترك المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بصيام هذا الشهر المبارك بكيفية محددة، وهي الإمساك وهذا تعريف الصوم لغة من طلوع الفجر الصادق وإلى غروب الشمس مع اختلاف المطالع في العالم الإسلامي ثم انتفاعهم جميعا بشهر بفضائل شهر الصوم وأهدافه في زرع التقوى في القلوب والتقرب إلى غفار الذنوب والتأسي بمنهج النبي _ صلى الله عليه وسلم _ وضبط الشهوات وسمو الأرواح محتفلين جميعا بقدوم شهر الخير والرحمة والمغفرة والحمد الله على توفيقه في إتمام شهر رمضان ثم قدوم الهدية التي هداها الله لهم من قبول صومهم والعيد السعيد، وهذا تأكيد لمتانة الوحدة بين المسلمين على اختلاف ألوانهم وأشكالهم وطبقاتهم وتوجهاتهم، ويرتبط المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها برباط الأخوة الإسلامية بروابط الحسب والنسب والقومية والعرقية والجغرافية لتأكيد الله تعالى لهذه الرابطة الإيمانية الوثقى بقوله تعالى: { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون }، ولا يكفي في هذا الترابط الأخوي من القول فقط فلا بد أن يكون هناك تطبيقا عملا يؤكد هذا الترابط من ناحية التراحم والتآخي والتآزر وتبادل المحبة والوئام والشعور بالفرح والترح، فالذي يصيب الأمة من أحزان كحروب وزرايا تحزن الأمة بأسرها لذلك وما يصيب الأمة من فرح تسعد الأمة بأسرها لهذا الفرح، فقد وصف رسول الله _ صلى الله عليه وسلم_ الأمة بأجمل وصف وأحسنه فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_: { ترى المؤمنون في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى } والحمد لله، مدرسة الصيام تدعو المسلمين إلى التآخي والتراحم والتآلف وصفاء القلوب وعدم التحاسد في صفوف المسلمين فيتذكر المسلم من خلال مدرسة الصوم أن له إخوانا من الفقراء بحاجة إلى مساعدة فهم يعيشون على مدار السنة جوعا ولا يجدون قوتهم إلا بشق الأنفس فيطعمهم ويتذكرهم ويحسن إليهم فلولا الصيام لما تذكر هذا الغني الذي فتح الله عليه من واسع فضله إخوانه الفقراء، كما أن الصيام يذكرنا بإخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها حيث يعانون ويلات الحروب والبلايا تقطعت بهم السبل في الحصول على لقمة العيش أو الحصول على شيء يطببون به مرضاهم فيتذكر الصائم ذلك ويمدهم بالمال والدعاء؛ لأن في رمضان وخصوصا صلاة التراويح والسحور يكثر فيها الدعاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { الدعاء هو العبادة } { والدعاء مخ العبادة }، كما أن الصيام يحقق المساواة العملية حين يخضع الصائمون لنظام واحد لا مثيل له بين الأمم { يستوي فيه الصغير والكبير والعالم والجاهل والحاكم والرعية والغني والفقير لا يتميز أحد عن أحد ولا فرد عن آخر وما أحسن وأفضل أن يجتمع المسلمون في بيوت الله تعالى يأتون صلاة تراويح وجميع الصلوات في جماعة فقوة الأمة لا تكون إلا بهذه الصورة من أجل أن تصد ضربات الأعداء التي تتوالى عليهم من هنا وهناك ويحطموا جميع المؤامرات والفتن الداخلية ووسائل الغزو الفكري التي تبث عبر وسائل الإعلام هنا وهناك يقول تعالى: { يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون*هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون }، فالفائز في هذا الشهر من تعلم منه صحة الانتماء للأمة الإسلامية الواحدة، ومتانة العلاقات الأخوية فعاشوا مترابطين متآلفين مع إخوانهم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، شعور الألم والأسى ما ينال المسلمين من هجمات حاقدة التي يتعرضون لها فوقفوا إلى جانبهم وناصرهم وخففوا عن محنهم القاسية التي يأمرون بها ويا خسارة للصائمين الغافلين عن أمتهم الذين أسرتهم الشهوات والنزوات وغفلوا عن أمتهم، ولم يكن نصيبهم من الصيام إلا الجوع والعطش وكأنهم ما علموا أن شهر رمضان شهر الانتصار على النفس والصبر والمصابرة وعدم شعورهم القلبي أو اهتمامهم بالمآسي التي تمر بها الأمة وتعصف بها في كل مكان حتى صار صيامهم جسدا بدون روح ذكر الشيخ السباعي عن أب كان ذا نعمة ومال وفير وقد عود أولاده الطعام الطيب واللباس الفاخر ثم قدر الله تعالى عليه الفقر فأعسر بعد اليسر فجاء رمضان وهو لا يجد ما ينفق كما كان ينفق من قبل وله مكانته وحيائه ما يمنعه أن يسأل الناس صدقة أو دينا فلم يكن يستطيع أن يقدم لعائلته ما تفطر عليه إلا الجبن والزيتون والفول واحتمل أبناؤه ذلك أول يوم وثانيه حتى قال صغيرهم في اليوم الثالث : يا أبت لقد أحرق بطوننا الجبن والزيتون ونحن صيام نحتاج إلى ما يبل الأوام ويرطب الجوف في هذا الحر الشديد ويكاد يغمى علينا من روائح الطعام عند جيراننا فلماذا لا تطعمنا كما يطعم جارنا أولاده وكما كنت تطعمنا من قبل وطفرت من عين الصبي خرج الأب بعدها إلى جانب مظلم من الدار ثم بكى لأنه لا يريد أن تفتح قلوب أبنائه أول ما تفتح في الحياة على غدر المجتمع وقسوة الناس الذين لا يرحموا فيه عسره وتحوله من الغنى إلى الفقر وإذا ما اقتربت الشمس من مغيبها وتهيأت الأسرة لإفطارها ومدت الموائد بأنواع الطعام والشراب هل تذكرت أن لك إخوانا بحاجة إلى مساعدتك؟ فلا يجدون ما يفطرون به وإذا وجدوا ما وجدوا شيئا ليتسحروا به وينبغي أن يكون المؤمن ترجمة عملية لما كان عليه الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ وأصحابه الكرام والتابعين العظام والسلف الصالح من مساعدة الآخرين وإطعامهم ومعونتهم ومساعدتهم، ومن ذلك يذكر أن أحد الصالحين اشتهى طعاما وكان صائما فوضع يديه عند فطوره فسمع سائلا يقول: { من يقرض الملي الوفي الغني فقال: عبده المعدم من الحسنات فقام فأخذ الصفحة فخرج بها إليه وبات طويا }، وجاء سائل إلى أحد الأئمة فدفع إليه رغيفين كان يعدهما لفطره ثم طوى وأصبح صائما فبمثل هؤلاء تعز الأمة وتنصر على أعدائها (القوم الظالمين)، لأنهم شعروا بالمحتاجين والمعوزين من الفقراء والمساكين ولم ينسوهم وإنما اهتموا بهم وأعطوهم من الصدقات والقريات التي يخرجونها قربة إلى الله مبتغين من ذلك الثواب والفوز بالجنات فحقق الله أمنياتهم وغفر ذنوبهم وكفر سيئاتهم وتذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه فكم من أناس يصغون لذائد الطعام ونسائهم في المطابخ إلى غروب الشمس لا يأكلون منه إلا قليلاً والبقية يرمون بها في الزبالة متناسين قول الله تبارك وتعالى: " ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين " وكل مسؤول أمام الله على رزقه وماله والله المستعان .
منذر بن عبدالله السيفي