شهر رمضان المبارك شهراً عظيماً في الإسلام، فصيامه يمثّل الركن الرابع من أركان الإسلام، وجاء الأمر بصيامه في القرآن الكريم والسنة الشريفة، حيث قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه)،[١] وورد في الحديث الشريف قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (بنِي الإسلامُ على خَمسٍ: شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وصيامِ رمضانَ، وحجِّ البَيْتِ)،[٢] وخصّ الله -تعالى- شهر رمضان بمجموعةٍ من الخصائص والميّزات؛ منها: أنّه جعل نزول القرآن الكريم فيه، وجعل فيه أيضاً ليلة القدر وهي ليلة ذات شأن عظيم؛ حيث قال الله عنها في كتابه الكريم بأنّها خير من ألف شهر، وأنزل فيها سورةً خاصّةً باسمها، كما وعد الله -عزّ وجلّ- من صام رمضان مؤمناً بالله مصدّقاً به محتسباً أجر صيامه عند الله -تعالى- أن يغفر ذنوبه ويكفّر سيائته التي مضت، وقد أجمع المسلمون على أنّ قيام ليالي شهر رمضان سنّة، وذلك يتحصّل بصلاة التراويح.[٣] وفي رمضان أيضاً تُفتح أبواب الجنّة وتُغلق أبواب النار، وتصفّد الشياطين كما أخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولله -تعالى- في كلّ ليلةٍ من ليالي رمضان عتقاء يعتقهم من نار جهنّم، وحتى قصد بيت الله الحرام بنيّة العُمرة في شهر رمضان له ميّزة خاصّة، فالعمرة في رمضان تعدِل حِجّة، وفي رمضان أيضاً سنّة الاعتكاف الثابتة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا فيما يتعلّق بقراءة القرآن المستحبّة في كلّ الأوقات والأزمان فإنّها آكد في الاستحباب في رمضان عن غيره، وفيه كذلك استحباب تفطير الصائمين، فمن فطّر صائماً كان له مثل أجره كما قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (مَن فطَّر صائماً كان له مِثلُ أجرِه، غيرَ أنّه لا ينقصُ مِن أجرِ الصائمِ شيئاً).[٤][٣] حُكم من أفطر في رمضان يختلف حُكم الإفطار في رمضان باختلاف حال المُفطر؛ فالمفطرين على ثلاثة أحوال؛ فإمّا أن يكون المفطر ممّن يجوز له الفطر أو الصيام، وإمّا أن يكون ممّن لا يجوز لهم إلّا الإفطار، وإمّا أن يكون ممّن لا يجوز لهم إلّا الصيام، وبالنسبة للقسم الأول من المفطرين وهم مَن جاز لهم الفطر أو الصيام؛ فمنهم المريض، والمسافر، والحامل، والمرضع، والشيخ الكبير، وهؤلاء إمّا أن يكون عذرهم بالإفطار قابلاً للزوال، مثل مَن مرض مرضاً مفاجئاً لكنّه ممكن الزوال فذلك حُكمه في الإفطار الجواز، وعليه صيام يوماً قضاءً عن كلّ يومٍ أفطره في رمضان بسبب عذره، وإمّا أن يكون عذره غير قابل للزوال، كالكِبر في السّن أو المريض مرضاً لا يُرجى شفاؤه؛ وهؤلاء حُكم إفطارهم الجواز وعليهم إطعام مسكين عن كلّ يوم أفطروه، فإن أفطروا كامل رمضان وجب عليهم إطعام ثلاثين أو تسعة وعشرين مسكيناً بحسب عدد أيام رمضان في العام.[٥] وأمّا القسم الثاني من المفطرين فهم من كان الإفطار واجباً عليهم، فلا يحلّ لهم إلّا الإفطار، كالحائض والنفساء، حيث أجمع العلماء على حرمة صيامهما ووجوب إفطارهما، فإن صامت الحائض أو النفساء رغم علمها بحالها وبحُرمة الصيام فيه أثمت بذلك ولم يقبل صيامها، ولو طهُرت قبل الفجر بلحظة واحدة وجب عليها الصوم، ولا بأس من اغتسالها بعد الفجر،[٥] وفي الحالة الأخيرة من حالات المفطرين وهم مَن كان الصيام في حقهم واجباً وفطرهم غير مشروع، فهؤلاء قد ارتكبوا كبيرة من الكبائر، فيلزمهم بذلك التوبة النصوحة لله عزّ وجلّ، وطلب مغفرته ورضوانه لِما تعرّضوا له من سخط الله وغضبه، فالصيام ركن من أركان الإسلام، وهو واجب على كلّ بالغ عاقل من المسلمين، ولا يجوز تركه إلّا بعذر شرعي مقبول، وعليهم مع التوبة قضاء ما أفطروه من أيّام.[٦] ثمرات صيام رمضان إنّ لصيام رمضان عدّة ثمرات وفوائد على المسلم، منها:[٧] ينمّي الصيام التقوى في قلب الصائم، حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).[٨] يحقّق الإنسان بالصيام أجوراً عظيمة لا حدّ لها، فهو يوفّى أجره بغير حساب كما وعده الله عزّ وجلّ. يُباعد الصيام صاحبه عن النّار سبعين عاماً كما ورد في حديث رسول الله صلّى لله عليه وسلّم، حيث قال: (لا يصومُ عبدٌ يوماً في سبيلِ اللَّهِ، إلَّا باعدَ اللَّهُ -تعالى- بذلِك اليومِ النَّارَ عَن وجهِه سبعينَ خريفاً).[٩] صيام رمضان سنة وإلحاقه بصيام رمضان سنة أخرى يكفّر الذنوب بينهما. يشفع الصيام لصاحبه يوم القيامة كما جاء في الحديث الشريف، حيث قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (الصيامُ والقرآنُ يشفعانِ للعبدِ يومَ القيامةِ).[١٠] يدخل المكثرين من الصيام من باب خاصّ لهم في الجنّة يسمّى باب الريّان؛ قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ في الجنَّةِ باباً يُقالُ له: الرَّيَّانُ، يَدخُلُ مِنه الصَّائمونَ يومَ القيامَةِ).[١١] يقي الصيام الإنسان من الوقوع في المعاصي والذنوب، كما قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (والصومُ جُنَّةٌ).[١٢] رائحة فم الصائم أطيب عند الله -تعالى- من رائحة المسك كما جاء في الحديث الشريف، حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (لَخَلوفِ فمِ الصائمِ أطيبُ عندَ اللهِ من ريحِِ المسكِ).[١٣] أجر الصيام لا يعدله شيء حيث أجاب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حين سأله أحد الصحابة عن عمل يُدخل الجنّة فقال: (عليكَ بالصَّومِ فإنَّهُ لا عدلَ لَه).[١٤]