فن أن تكون رجل بحق
البعض يعتقد أن الرجولة هي السطوة على أهل البيت وإثارة الرعب في قلوبهم عند الدخول للمنزل....أو استعراض القوة وفتل العضلات أمام النسوان......أو شرخ في الجمجمة وكسر في الفك وخدش في الوجه....أو صفات مادية قبل أن تكون صفات معنوية.
قد نسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم "ليس القوي بالصرعة ، ولكن القوي الذي يملك نفسه عند الغضب" الآن أصبحت الرجولة عند الكثيرين هي سرعة الانفعال والغضب والأخذ بالثأر.
تكون
نستيطع أن نقول أن الرجولة تنقسم إلى قسم مادي وهي الهيئة والجسم وقسم معنوي وهو الجانب الخلقي.
القسم المادى
الرجل ، حتما ينبغي أن تكون فيه صفات مادية تميزه عن المرأة أو أشباه الرجال ، فالرجل ليس من صفته كثرة الجمل المبالغ فيه ، نعم إن الله جميل يحب الجمال ، ولكن أي جمال؟ ... هل هو جمال المكوث في الحمام ساعة كاملة ، يستخدم فيها جميع أنواع الصابون ، العادي والمغربي والمعطر ويختمها "بالجل" ثم يغسل شعره بالشامبو ثم البلسم ، ثم بمنشط الرأس ، يم يجلس في الحمام وقتا إضافيا لانتزاع بعض الشعيرات التي نبتت في خده ، يلبس ثيابه ، ويتمشط المشطة المبالغ فيها ولا ينسى ان يرمي بخصلة شعره إلى جانب ، ثم يرش شعره بالمثبت.... ... ويلبس الثوب الطويل الذي يجره على الأرض ، فيضطر أن يمسك بطرف أنامله جانب من الثوب حتى لا تتسخ ثيابه.
هذا جانب مادي يؤثر على صفة الرجولة في الرجل ، فمثل هذا لو دخلت حبات من الرمل بين أصابع أقدامه لأصابته قشعريرة في بدنه لأنه لا يتحمل هذا الشيء ، فأين الخشونة؟ ... مرة أخرى التجمل مطلوب ولكن ليس بمثل هذا القدر المبالغ فيه.
كذلك القوة البدنية من صفات الرجولة ، ولكن أي قوة؟ قوة البطش؟ قوة الغدر؟ .. لا إنما القوة التي تثبت الحق وتردع الظلم ، القوة التي يدافع فيها عن الضعيف ويأخذ الحق بها من القوي ، وليست تلك القوة التي يقصد بها الاستعراض والحمشنة والحيوانية...
المظهر العام للرجل وطريقة مشيته كذلك يجب أن تكون خاضعة للمرجلة لا أن تكون تشبها بأحد ولا يعتريها التصنع أو التميع أو التخنع أو "التفدع"..
أما الصفات المعنوية فالرجولة فهي تنقص غالب من نشاههم من الرجال:
(1) الصبر: وهي مغالبة النفس على الأمر المكروه أو الصعب ، فالصلاة صعبة تحتاج لصبر ومقارعة الأعداء مكروهة فتقتضي الصبر ، والرجل أغلب شؤون حياته تحتاج منه الصبر.
(2) الصدق: الصدق في القول والفعل والمعاملة ، فهي صفات لا تجدها إلا في الرجال وأما غير الرجال فيلجؤون للكذب والخداع والغدر والغش يلحققوا مأربهم الدنيئة وأما من مشى على الاستقامة فلن يحتج للغدر والكذب.
(3) المروئة: وهي احترام النفس وتقديرها (تعريفي الخاص) فلا يمشي بالسروال القصير في الشوارع ، ولا يتناول السندويتشات وهو يمشي في الشارع أمام المارة ، ولا يقهقه بصوت عال في الأسواق وليس بصخاب بالأسواق ، ولا يختلق المشاجرات ولا يثير الشغب.
(4) العفة: فلا يلاحق النساء ولا يتعرض لهن ولا يقتحم بيوت الناس ليجول ببصره فيها ولا يتعمد حشر نفسه في المصاعد التي بها نساء ولا يستخدم هاتفه لإيذاء العوائل ولا يشتري المجلات النسائية ليبصبص في وجوه النسوان.
(5) الحياء: من أعظم صفات الرجال ، أمور تمنعهم من الوقوع في الحرام وتبعدهم عن دائرة المكروه ، تحبب الناس فيهم
ما هي صفات الرجولة في القران الكريم.
الصفة الأولى: التعلق بالمساجد وحب الطهارة:
يقول الله - تعالى -: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}
أين مكان أولئك الرجال؟ هل هم في المجتمعات الفارغة التي تُفْرِغ الرجولة من معانيها؟
كلا - أيها الإخوة - {فِيهِ رِجَالٌ} في هذا المسجد رجال، {يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} فيأتون إلى المسجد على طهارة، فكان جزاؤهم أن أحب الله هؤلاء الرجال الذين من صفتهم الطهارة لأن{اللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}، هذه صفة من صفات الرجال العظماء الذين حازوا على شرف الرجولة
الصفة الثانية: ذكر الله - تعالى -، وإقام الصلاة وترك ما يلهي عنها:
يقول الله - عز وجل -: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}
مَن في هذا المسجد؟
إنهم رجالٌ!
قال بعض السلف - رحمه الله -: "يبيعون ويشترون - هؤلاء الرجال -؛ ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده خفضه وأقبل إلى الصلاة"، ومر عمرو بن دينار - رحمه الله - ومعه سالم بن عبد الله قال: "كنت مع سالم بن عبد الله ونحن نريد المسجد، فمررنا بسوق المدينة وقد قاموا إلى الصلاة، وخَمَّروا متاعهم، فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد فتلا هذا الآية: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}" ثم قال: هم هؤلاء" هؤلاء الذين عنى الله بقوله في هذه الآية، هؤلاء الذين قدموا مراد الله على مراد أنفسهم، وآثروا طاعة الله على المتاع الدنيوي الزائل، آثروا الاستجابة لهذا النداء العلوي الرباني: حي على الصلاة، حي على الفلاح؛ على نداء الجشع والطمع الذي يثيره الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء.
الصفة الثالثة: الثبات على المنهج الرباني:
قال الله - عز وجل - مادحاً صنفاً من أصناف الرجالِ {منَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُوَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}، لم يبدلوا ولم يغيروا ولم ينحرفوا، بل هم مستقيمون على هذا المنهاج، ينتظرون أمر الله - تعالى - أن يتوفاهم وهم سائرون على هذا الدرب، لا يلوُون على شيء إلا مرضاة ربهم - عز وجل -، إنه الثبات على المنهج الذي افتقده كثيرٌ من المسلمين اليوم حتى ممن شغلوا بالعمل للإسلام، فقامت عندهم انحرافات في التصور والسلوك، وانحرفوا عن منهج الله.
الصفة الرابعة: تأييد الرسل ومناصرتهم:
قال - تعالى -: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ}.
من صفات الرجولة - أيها الإخوة - أن تكونوا أعواناً للرسل، حرباً على أعداء الرسل، وليس حرباً على الرسل، وأن تكونوا مؤيدين لدعوة الرسل، لا مثبطين عن دعوة الرسل، وأن تكونوا مستجيبين لدعوة الرسل، متبعين لا عاصين، ولا مبتدعين، ولا معاندين.
وكم من الرجال من يمتلك هذه الصفة اليوم؟
كم من الرجال من يؤيد دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم-؟
إنهم قليل.
الصفة الخامسة: تقديم النصيحة في حال الخوف:
ولقد كان هذا الرجل مؤمناً {قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ} فيتشاورون في أمرك، {لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} لأني أكشف لك مخططاتهم، وأعرِّي لك دسائسهم ونياتهم الخبيثة، فاخرج من هذه المدينة، قال ابن كثير - رحمه الله -: "وُصِف بالرجولة؛ لأنه خالف الطريق يعني بالطرق الجادة التي تُسلك في الشارع، فسلك طريقاً أقرب من طريق الذين بُعثوا وراءه، فسبق إلى موسى وحذره، قال: إن الناس آتون ورائي ليقبضوا عليك ويقتلوك، أعوان فرعون الطاغية: {فَاخْرُجْ إِنِّي لَِكَ مِنَ النِّاصِحِينَ}"
انظر إلى عجيب أمر هذا الرجل يأتي يسعى، ويختصر الطريق؛ ليحذر ولي الله ونبيه موسى - عليه السلام -، وفي حال الخوف إنما يتقدم الرجال بالنصح لله - عز وجل -، رغم الخوف الذي يكتنفهم، وأجواء الإرهاب التي تحيط بهم، فيقومون بواجب النصيحة.
رجل واحد يفعل أفعالاً لا تفعلها أمة بأسرها، رجل واحد يعدل غثاءً، بل إنه يرجح على هذا الغثاء المترامي الأطراف، الذي لا يجمعه تصور واحد، ولا منهج واحد، ولا عقيدة واحدة، يقوم هؤلاء الرجال بواجب النصح لله - عز وجل -، ويحذرون أولياء الله من المخاطر التي تحدق بهم.
نسأل الله تعالى أن يصلح ظواهرنا وبواطننا، وأن يجعل نياتنا خالصة له إنه على كل شيء قدير، والحمد لله أولاً وآخراً.