المماليك المماليك كلمة قديمة كان الناس يطلقونها على العبيد، وخاصة العبيد الذين يتم تدريبهم على القتال منذ الصغر، وهم العبيد الذين يعتنقون الإسلام ويشاركون في الحروب إلى جانب الجيش الإسلامي، وفيما بعد أصبح المماليك سلالة كاملة استطاعوا أن يحكموا مصر والعراق والشام ومناطق واسعة من الجزيرة العربية مدة زمنية طويلة، وقد ظهر منهم رجال حفظهم التاريخ عن ظهر قلب، رجال دهاة وقادة عسكريون، لعلَّ أبرزهم القائد العسكري الظاهر بيبرس والسلطان قطز، وفيما يأتي سيتم الحديث عن السلطان المملوكي سيف الدين قطز بالتفصيل. من هو سيف الدين قطز هو محمود بن ممدود بن خوارزم شاه، سلطان سلاطين المماليك، كان سيف الدين قطز من الأطفال الذين جاء بهم المغول إلى دمشق، لذلك لم يعرف تاريخ مولده، بِيع في سوق العبيد وأمضى حياته عبدًا من المماليك، وبعد دمشق انتقل قطز إلى القاهرة وكان مملوكًا من مماليك رجلٍ يُسمَّى عز الدين أيبك التركماني وهو حاكم مصر، تعلَّم قطز هناك فنون القتال والخطط العسكرية فشارك في الحرب ضد الحملة الصليبية السابعة على الشرق، وانتصر في معركة المنصورة سنة 1250م، وقد كان قطز أحب المماليك لقلب عز الدين أيبك، فقام عز الدين بتعيينه وصيًا على العرش المملوكي، وعندما اغتيل عز الدين سنة 1257م تمَّ تعيين ابنه حاكمًا، ولكن قطز قام بخلعه سنة 1259م، وأقنع وجهاء الملك وأمراءه أنَّ خلع ابن عز الدين أيبك كان لتوحيد المماليك ضد الخطر المحدق بهم، فقد كان المغول التتار يجهزون للزحف نحو حدود الدولة المملوكية، فاستلم قطز وبدأ بالتجهيز النفسي والعسكري والبدني لحرب المغول، حيث استلم الحكم وانتصر على المغول في معركة عين جالوت انتصارًا ساحقًا، وعدما رجع من عين جالوت قُتل بمؤامرة مدبرة على يد الظاهر بيبرس في منطقة في مصر، ودُفن في منطقة القصير، ونقل قبره إلى القاهرة وكان هذا سنة 1260م، بعد معركة عين جالوت بخمسين يومًا فقط.[١] قطز ومعركة عين جالوت بعد أن علم المماليك بالخطر المغولي المحدق بمصر، عزل سيف الدين قطز الحاكم المملوكي واستلم الحكم مكانه سنة 1259م وبدأ بالتجهيز لحرب المغول، فوطَّد العلاقات مع السياسيين في الشام وضمهم إلى حلفه، وبعد عام تقريبًا، في سنة 1260م جهَّز المغول جيشًا بقيادة المغولي كتبغا لدخول مصر، فما كان من قطز إلَّا أن خرج بالجيش لملاقاة المغول خارج مصر، ووصل إلى غزة إلى منطقة عين جالوت، وأعطى قيادة جيش المقدمة للظاهر بيبرس، وعندما رأى المغول جيش بيبرس دفعوا بكلِّ قوتهم لمقاتلته، ولكن حنكة بيبرس وقيادته العظيمة أدت إلى تكبيد المغول خسائر كبيرة كما استطاع سحبهم إلى المنطقة التي كمنَ فيها جيش سيف الدين قطز فطوق سيف الدين المغول وحاصرهم بين التلال وانقض عليهم دفعة واحدة، وعلى الرغم من الخسارة الأولى التي تكبدها المغول إلَّا أنهم قاتلوا بشراسة وكادت الأحداث تنقلب على قطز وجيشه، ولكن عقلية الجهاد التي حملها المسلمون جعلتهم ينتقلون من موقف المدافع إلى موقف المهاجم في المعركة فطاردوا المغول وقتلوا قائدهم كتبغا وأسروا عددًا كبيرًا من جيشهم وألحقوا بهم خسارة فادحة، وزحف قطز بجيشه حتَّى دخل دمشق وما هي إلَّا أيام حتَّى سيطر على بلاد الشام كاملة، وعندما اطمئن على حال البلاد رجع إلى مصر في أكتوبر سنة 1260م.[٢] وصف شخصية سيف الدين قطز كثرت أقوال المؤرخين والمعاصرين للقائد المملوكي قطز في وصف شخصيته التي كان يتمتع بها، فقِيلَ: كان سيف الدين شابًا أشقر اللون، له لحية كبيرة، وكان قائدًا عسكريًا مميزًا ورجلًا شجاعًا لا يهاب الردى، كما أنَّه كان حسن التصرف، سديد الرأي، فطنًا، يرجع له الفضل في هزيمة المغول الذين كانوا على أعتاب السيطرة على مصر كاملة وبلاد العرب كلِّها، وهذه بعض أقوال المؤرخين في وصف شخصيته:[١] ابن كثير: "وكان شجاعًا بطلًا، كثير الخير، ناصحًا للإسلام وأهله، وكان الناس يحبونه ويدعون له كثيرًا". أبو المحاسن ابن تغري بردي: "كان بطلاً شجاعًا، مِقدامًا حازمًا، حَسَنَ التدبير، يرجِع إلى دينٍ وإسلام وخيرٍ". الإمام الذهبي: "السلطان الشهيد، كان فارسًا شجاعًا، سائسًا ، دينًا، محببا إلى الرعية، هزم التتار وطهَّر الشام منهم يوم عين جالوت، ويسلم له إن شاء الله جهاده، وكان شابا أشقر، وافر اللحية، تام الشكل، وله اليد البيضاء في جهاد التتار، فعوض الله شبابه بالجنة ورضي عنه". ابن عماد الحنبلي: "كان بطلًا شجاعًا حازمًا، كسر التتار كسرة جُبر بها الإسلام، واستعاد منهم الشام، فجزاه الله عن الإسلام خيرًا". مقتل سيف الدين قطز بعد أن انتصر القائد المملوكي على المغول في عين جالوت وأخرجهم ممن بلاد الشام ونشر الأمن في دمشق وحلب وما حولهما، قرر الرجوع إلى مصر في أكتوبر عام 1260م، وعندما وصل إلى القصير شرق مصر، بقي بها مع بعض رجاله وتابع الجيش مسيره نحو القاهرة، وفي هذه الأثناء دبَّر القادة الذين كانوا حول قطز مؤامرة لقتله، تم تنفيذ هذه المؤامرة على يد حليفه الذي انتصر معه على المغول وهو الظاهر بيبرس، وبينما كان الملك سيف الدين قطز يلاحق أرنبًا بريًا مبتعدًا عن حرسه لحق به المتآمرون وقتلوه وحيدًا في حادثة تاريخية مؤسفة في تاريخ الدولة المملوكية، وقد حدد المؤرخون الأسباب التي دفعت بيبرس لقتل قطز، فقيل إنَّ من الأسباب التي دفعت الظاهر بيبرس لقتل سيف الدين قطز هي رفض سيف الدين تولية بيبرس على حلب، وقيل إنَّ السبب هو تهديد السلطان لهم بعد انتصاره في عين جالوت وتثبيت أقدامه في السلطة، فرغبوا بالتخلص به وكان لهم ما كان عام 1260م بعد خمسين يومًا من انتصار الملك سيف الدين قطز في معركة عين جالوت