ممّا لا خلاف فيه أنّ الإنسان بعد مماته يعيش حياةً أخرى في القبر وتسمى حياة البرزخ، ومن الناس من يكون في نعيم ومنهم من يكون في عذاب كلٌّ حسب عمله، ومن أسباب عذاب القبر الشرك بالله والنفاق والكذب والغيبة والنميمة وتغييّر شرع الله بأن يُحلّ ما حرّم الله ويُحرّم ما أحلّ وعدم الاستبراء من البول والزنا والإفطار في رمضان بغير عذر وحبس الحيوان وتعذيبه والسرقة وجرّ الثوب تكبرًا وخيلاءً، وسيعرض هذا المقال بعضًا من الأحاديث النبويّة الصحيحة عن عذاب القبر.[١] الأحاديث النبويّة الصحيحة عن عذاب القبر كان الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- حريصًا جدًا على أن يعرف المسلمون جميعًا ماهيّة عذاب القبر، فقد ذكر في كثيرٍ من الأحاديث النبويّة الصحيحة عن عذاب القبر والأسباب التي تنجي العباد منه أو تخفف عنهم من شدّة أهواله، وممّا ورد عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من تلك الأحاديث النبويّة الصحيحة:[٢] قال -صلى الله عليه وسلم- واصفًا حال المرء بعد دفنه وانتقاله لحياة البرزخ: "إنَّ العبدَ إذا وُضِعَ في قبرِه وتَوَلَّى عنهُ أصحابُه؛ - حتى أنَّه يَسمعُ قَرْعَ نِعالِهِمْ - أتاُه مَلَكانِ، فيُقعِدانِه فيَقولانِ له: ما كنتَ تَقولُ في هذا الرجلِ ؟ - لِمُحمدٍ - فأمَّا المُؤمنُ فيقولُ: أشهدُ أنَّه عبدُ اللهِ ورَسولِهِ، فيُقالُ: انْظُرْ إلى مَقعدِكَ من النارِ قدْ أبْدَلَكَ اللهُ به مَقعدًا من الجنةِ، فيَراهُما جمِيعًا ويُفسحُ لهُ في قبرِهِ سَبعونَ ذِراعًا، ويَملأُ عليه خُضْرًا إلى يومِ يُبَعثُونَ. وأمَّا الكافِرُ أو المنافقُ فيُقالُ له ما كُنتَ تقولُ في هذا الرجلِ ؟ فيقولُ: لا أدْرِي، كنتُ أقولُ ما يقولُ الناسُ، فيُقال له: لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ، ثُم يُضربُ بِمطراقٍ من حَديدٍ ضَربةً بين أُذُنَيهِ، فيَصِيحُ صَيحةً يَسمَعُها مَن يلِيهِ غيرُ الثَّقلَينِ، ويُضيَّقُ عليه قَبرُه حتى تَخْتَلِفَ أضْلاعُه".[٣] وعن أسئلة القبر الأولى قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الشريف: "إذا قُبِر الميِّتُ، أو قال: أحدُكم أتاه ملَكان أسودان أزرقان يُقالُ لأحدِهما: المُنكَرُ وللآخرِ النَّكيرُ، فيقولان: ما كنتَ تقولُ في هذا الرَّجلِ ؟ فيقولُ ما كان يقولُ: هو عبدُ اللهِ ورسولُه، أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه فيقولان: قد كنَّا نعلمُ أنَّك تقولُ هذا: ثمَّ يُفسَحُ له في قبرِه سبعون ذراعًا في سبعين ثمَّ يُنوَّرُ له فيه، ثمَّ يُقالُ: نَمْ، فيقولُ: أرجِعُ إلى أهلي فأُخبِرُهم؟ فيقولان: نَمْ كنوْمةِ العروسِ الَّذي لا يُوقظُه إلَّا أحبُّ أهلِه إليه حتَّى يبعثَه اللهُ من مضجعِه ذلك، وإن كان منافقًا قال: سمِعتُ النَّاسَ يقولون قولًا فقلتُ مثلَه لا أدري، فيقولان: قد كنَّا نعلمُ أنَّك تقولُ ذلك فيُقالُ للأرضِ: التئِمي عليه فتلتئمَ عليه فتختلِفَ أضلاعُه: فلا يزالُ فيها مُعذَّبًا حتَّى يبعثَه اللهُ من مضجعِه ذلك".[٤] وقال النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في أمر الفرق في عذاب القبر بين الرجل الصالح ورجل السوء: "إنَّ الميِّتَ يصيرُ إلى القبرِ، فيجلسُ الرَّجلُ الصَّالحُ في قبرِهِ، غيرَ فزعٍ، ولا مشعوفٍ، ثمَّ يُقالُ لَهُ: فيمَ كنتَ ؟ فيقولُ: كنتُ في الإسلامِ، فيُقالُ لَهُ: ما هذا الرَّجلُ ؟ فيقولُ: محمَّدٌ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ-، جاءَنا بالبيِّناتِ مِن عندِ اللَّهِ فصدَّقناهُ، فيُقالُ لَهُ: هل رأيتَ اللَّهَ؟ فيقولُ: ما ينبغي لأحدٍ أن يرَى اللَّهَ، فيُفرَجُ لَهُ فُرجَةٌ قِبَلَ النَّارِ، فينظرُ إليها يحطِمُ بعضُها بعضًا، فيُقالُ لَهُ: انظر إلى ما وقاكَ اللَّهُ، ثمَّ يُفرَجُ لَهُ قِبَلَ الجنَّةِ، فينظرُ إلى زَهْرتِها، وما فيها، فيُقالُ لَهُ: هذا مَقعدُكَ، ويُقالُ لَهُ: علَى اليقينِ كنتَ، وعلَيهِ مِتَّ، وعلَيهِ تُبعَثُ، إن شاءَ اللَّهُ، ويجلسُ الرَّجلُ السُّوءُ في قبرِهِ، فزِعًا مَشعوفًا، فيُقالُ لَهُ: فيمَ كنتَ؟ فيقولُ: لا أدري، فيُقالُ لَهُ: ما هذا الرَّجلُ؟ فيقولُ: سمِعتُ النَّاسَ يقولونَ قَولًا، فقلتُهُ، فيُفرَجُ لَهُ قِبَلَ الجنَّةِ، فينظرُ إلى زَهْرتِها وما فيها، فيُقالُ لَهُ: انظر إلى ما صرفَ اللَّهُ عنكَ، ثمَّ يُفرَجُ لَهُ فُرجَةٌ قِبَلَ النَّارِ، فينظرُ إليها، يحطِمُ بعضُها بعضًا، فيُقالُ لَهُ: هذا مَقعدُكَ، علَى الشَّكِّ كنتَ، وعلَيهِ مِتَّ، وعلَيهِ تُبعَثُ، إن شاءَ اللَّهُ تعالى".[٥] من الأمور المسببة لعذاب القبر التي ذكرها النبي الكريم النميمة وعدم الاستبراء من البول فجاء في نص الحديث الشريف: "أنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- مَرَّ بقَبرينِ، فقال: إنَّهما لَيُعذَّبانِ، وما يُعذَّبانِ في كبيرٍ؛ أمَّا أحَدُهما فكان لا يَستبْرِئُ مِن البولِ، وأمَّا الآخرُ فكان يَمْشي بالنَّميمةِ".[٦] ومن الأحاديث النبويّة الصحيحة عن عذاب القبر أيضًا، قول النبيّ الكريم "إنَّ هذه الأمةَ تُبتَلَى في قبورِها، فلولا أن لا تَدافَنوا لدعوتُ اللهَ أن يُسمِعَكم من عذابِ القبرِ الذي أسمعُ منه، تعوَّذوا باللهِ من عذابِ النَّارِ، تعوَّذوا باللهِ من عذابِ القبرِ، تعوَّذوا باللهِ من الفِتَنِ ما ظهر منها وما بطنَ، تعوَّذوا باللهِ من فتنةِ الدَّجَّالِ".[٧] وكان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يتعوّذ من عذاب القبر وأوصى المسلمين بذلك في قوله: "إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الآخِرِ، فَلْيَتَعَوَّذْ باللَّهِ مِن أَرْبَعٍ: مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ المَسِيحِ الدَّجَّالِ".[٨] وأجمع أهل العلم على أنّ عذاب القبر يلقاه كلّ من مات سواءٌ أقُبر أم لم يتم قبره، كأن يموت حرقًا ويصبح جسده رمادًا أو غرقًا أو أكلته السباع، فإنّ الرّوح هي التي تنتقل إلى حياة البرزخ وهي التي ستُحاسب. الأسباب المنجية من عذاب القبر إنّ الإيمان الصادق والعمل الصالح الخالص لوجه الله تعالى هو من أعظم الأمور التي تنجي من عذاب القبر، وأيضًا التقوى والاستقامة على منهج الله -عزّ وجلّ-، والإكثار من ذكر الموت وذلك لأن ذكره يمنع العبد من ارتكاب المعاصي ويدفعه للتوبة والعمل الصالح، قال -عليه الصلاة والسلام- " أكثروا من ذكْرِ هادمِ اللذّاتِ . يعني الموتُ"[٩]، ومن منجيات عذاب القبر أيضًا الرباط في سبيل الله فقد ورد عن النبيّ الكريم أنّه قال: "كلُّ ميِّتٍ يُختَمُ على عملِهِ إلَّا الَّذي ماتَ مرابطًا في سبيلِ اللهِ فإنَّهُ ينمي لَهُ عملُهُ إلى يومِ القيامةِ، ويأمنُ فتنةِ القبرِ"[١٠]، وجاء في الأحاديث النبويّة الصحيحة أنّ من منجيات عذاب القبر الشهادة في سبيل الله "إنَّ للشهيدِ عند اللهِ سبعَ خِصالٍ: أن يُغفرَ له في أولِ دَفعةٍ من دمِه، ويرى مقعدَه من الجنةِ، ويُحلَّى حُلَّةَ الإيمانِ، ويُجارُ من عذاب القبرِ، ويأمنُ من الفزعِ الأكبرِ"[١١]، وكذلك المداومة على قراءة سورة الملك فقد قال فيها الرسول -صلى الله عله وسلم- "هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر"[١٢] وليس قراءتها فحسب ولكن العمل بمقتضياتها أيضًا