غزوات النبي صلى الله عليه وسلم بدأ الصراع المسلَّح بين المسلمين وأعدائهم من المشركين ومن حالفهم ودار في فلكهم من اليهود والمنافقين في العهد النبوي في الفترة الممتدة ما بين السنة الثانية إلى السنة التاسعة للهجرة على شكل غزواتٍ وسرايا، وقد قام النبي -صلى الله عليه وسلم- بقيادة تلك المواجهات المسلحة بنفسه والتي اُطلق عليها اسم غزوةٍ وقد بلغ عددها ثمانٍ وعشرين غزوةً وكانت ذروتها في السنة الثانية للهجرة ثم أخذت بالتناقص مع توالي السنين ودخول القبائل في الإسلام، إلى جانب بعض المواجهات المسلحة والتي تولى الصحابة قيادتها بتوجيهٍ من النبي الكريم واُطلق عليها اسم سرية، وتعتبر غزوة ذي قرد واحد من الغزوات النبوية البارزة في التاريخ الإسلامي. بحث عن غزوة ذي قرد تُعتبر غزوة ذي قرد واحدةٌ من الغزوات التي تولى النبي -صلى الله عليه وسلم- قيادتها بنفسه والتي وقعت أحداثها في السنة السادسة من الهجرة النبوية على اختلافٍ بين المؤرخين في الشهر الذي وقعت فيه هذه الغزوة، فقال بعضهم: وقعت في شهر ربيعٍ الأول، بينما قال آخرون: وقعت أحداثها في شهر جمادى الأول، وقد وقعت غزوة ذي قرد -بفتح القاف والراء- بعد غزوة بني لحيان عند موضع ماءٍ يقال له ذي قَرَد وهو المكان الذي نزل فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- بجيشه ومنه اكتسبت الغزوة اسمها.[١] جاءت غزوة ذي قرد في أعقاب صلح الحديبية بين المسلمين وقريشٍ ومن أهم بنوده أن تضع الحرب أوزارها بين الفريقيْن مدة عشر سنين يأمن فيها كلا الطرفيْن على نفسه، وقد أتاح هذا الصلح الفرصة أمام المسلمين للقضاء على اليهود المتربصين بهم في عدة جيوبٍ لكن في أثناء الاستعدادات للقضاء على يهود خيبر كان لا بد من تأديب واحدةٍ من أكبر القبائل العربية ألا وهي قبيلة غطفان إذ أقدم سيدها عيينة بن حصن الفزاري والملقب بالأحمق المطاع على الاعتداء على نوقٍ وإبلٍ للنبي -عليه الصلاة والسلام- في مرعاها في موضعٍ يقال له الغابة إلى الشمال من المدينة المنورة ناحية بلاد الشام كثيف الأشجار، فقتلوا وأسروا من تواجد مع تلك الإبل، وكان مع عيينة من الفرسان أربعون فارسًا ثم لاذ بالفرار، وقد أُطلق على غزوة ذي قرد أيضًا اسم غزوة الغابة نسبةً إلى الموضع الذي تمّ فيه الاعتداء على أنعام النبي -عليه الصلاة والسلام- وقتل وأسر من معها.[١] عندما وقع الاعتداء من عيينة بن حصن الفزاري وفرسانه على إبل النبي -صلى الله عليه وسلم- كان معها ابن أبي ذرٍّ الغفاري الذي قُتل واُسرت زوجته بينما تمكن الراعي من الفرار صوب المدينة المنورة طالبًا الغوث والمعونة، فكان سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- أول من لقي الراعي وعلِم الخبر، فصعد إلى أعلى الجبل ونادى: يا صباحاه ثلاث مراتٍ، ثم نزل عن الجبل ولحِق بالمعتدين ركضًا على قدميه حاملًا معه سيفه ونُبله حتى أدركهم عند موضع ماءٍ، فأمطرهم بسهامه التي لا تُخطئ، إذ كان سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- مشهورًا بسرعة العدو ومهارة الرمي، فعجزوا عن مواجهته فاستطاع أن يسترد منهم بعضًا من إبل المسلمين إلى جانب غنائم خلفوها وراءهم -ثلاثون رمحًا وثلاثون كساءً-.[٢] خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- حين علم نبأ الاعتداء على دماء وأموال المسلمين على رأس جيشٍ قوامه خمسمائة مقاتلٍ ما بين فارسٍ وراجلٍ، وقيل سبعمائة مقاتلٍ بعد أن استعمل على المدينة المنورة عبد الله بن أم مكتوم -رضي الله عنه-، حتى أدركوا سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- عند موضع الماء ومعه جزءٌ من الإبل والغنائم وكان أول الواصلين إليه من الجيش النبوي الأخرم محرز بن نضلة ثم توالى وصول الصحابة فكان أبي قتادة ثم المقداد بن الأسود -رضي الله عنهم- إذ تعاون على قتل عيينة بن حصن الفزاري كلٌّ من الأخرم محرز بن نضلة الذي طعن فرسه فباغته عيينة بطعنةٍ قاتلةٍ وفرّ فلحِق به أبو قتادة فأجهز عليه، وما إن حلّ المساء حتى اكتمل وصول الجيش النبوي عند ماء ذي قرد وهو الموضع الذي نزل فيه فرسان غطفان للسقاية بعد مطاردة سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- لهم لكن ما إن رأوا جيش المسلمين بدأ بالتوافد على موضع الماء الذي هم فيه حتى ولوّا الأدبار مخلِّفين ورائهم الإبل المنهوبة.[١] على الرغم من أن غزوة ذي قرد من الغزوات النبوية المُصنَّفة في خانة غزوات المطاردة واللحاق بالعدو لتأديبه وتأديب كل من تسول له نفسه المساس بممتلكات المسلمين إلا أنها لم تخلُّ من النفحات التربوية والأخلاقية، فهذا نبي الله -صلى الله عليه وسلم- بعد انتهاء الغزوة يثني على اثنيْن من أصحابه -رضوان الله عليهم- نظير ما قدماه من نصرةٍ للمسلمين بجهودٍ فرديةٍ وشجاعةٍ وإقدامٍ في سبيل استرداد أموال المسلمين وردّ العدوان الذي تعرّضوا له من قبل عيينة بن حصن الفزاري وفرسانه، فكان الثناء والامتنان والاعتراف بالفضل من قِبل سيد ولد آدم -عليه الصلاة والسلام- من نصيب سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- الذي استطاع اللحاق بالفرسان جريًا على قدميه واسترد بعض الإبل ونال بعض الغنائم ومنع فرار الفرسان إلى أن جاءت النجدة لذا أعطاه الرسول الكريم من الغنائم سهميْن سهم الفارس وسهم الراجل، والصحاب الآخر هو أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه- خير الفرسان كما وصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ كان أول الجيش النبوي وصولًا إلى ذي قرد حيث كان سلمة بن الأكوع -رضي الله عنهما- هناك وهو من قتل عيينة بن حصن الفزاري