كيف لا يكون كذلك وهو أحد ثمرات البستان الذي أشرف على زرعه وتنقيته حبيب الله عليه الصلاة والسلام؟! -
كيف لا يكون كذلك وهو أحد ثمرات البستان الذي أشرف على زرعه وتنقيته حبيب الله عليه الصلاة والسلام؟!
ثناء متبادل
ومما يحكى من المواقف التي تبين مدى الترابط الوثيق والصلة العميقة بين آل البيت والصحابة الكرام ما يلي:
أولاً: القرابة يحبون الصحابة:
صحـب موسى.. وأصحاب محمد:
لأجل مكانة الصحابة السامقة، تمنى نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم أن يرى أولئك النفر الذين حازوا كل هذا الفضل العظيم.
فعن الرضا × قال: «لما بعث الله موسى بن عمران واصطفاه نجيـاً، وفلق له البحر، ونجَّى بني إسرائيل، وأعطاه التوراة والألواح رأى مكانه من ربه ، فقال موسى: يا رب، فإن كان آل محمد كذلك، فهل في أصحاب الأنبياء أكرم عندك من صحابتي؟ قال الله: يا موسى، أما علمت أن فضل صحابة محمد على جميع صحابة المرسلين كفضل آل محمد على جميع آل النبيين، وكفضل محمد على جميع النبيين فقال موسى: يا رب ليتني كنت أراهم! فأوحى الله إليه: يا موسى، إنك لن تراهم، فليس هذا أوان ظهورهم، ولكن سوف تراهم في الجنات -جنات عدن والفردوس- بحضرة محمد، في نعيمها يتقلبون، وفي خيراتها يتبحبحون»([1]).
صحبة..وبلاء ونصرة:
وهذا زين العابدين / يقول في أحد أدعيته: «اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له، حيث أسمعهم حجة رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته، وانتصروا به، ومن كانوا منطوين على محبته يرجون تجارة لن تبور في مودته، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته، وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته، فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك، وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم، وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه ومن كثرت في إعزاز دينك من مظلومهم، اللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان
خير جزائك الذين قصدوا سمتهم، وتحروا وجهتهم في بصيرتهم، ولم يختلجهم شك في قفو آثارهم والائتمام لهم، يدينون بدينهم، ويهتدون بهديهم، يتفقون عليهم ولا يتهمونهم فيما أدوا إليهم»([2]).
عبادات..وابتهالات:
3- وعن الباقر / أنه قال: «صلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ا بالناس الصبح بالعراق، فلما انصرف وعظهم فبكى وأبكاهم من خوف الله تعالى، ثم قال: أما والله لقد عهدت أقواماً على عهد خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنهم ليصبحون ويمسون شعثاً غبراً خمصاً بين أعينهم كركب المعزى، يبيتون لربهم سجداً وقياماً، يراوحون بين أقدامهم وجباههم، يناجون ربهم، ويسألونه فكاك رقابهم من النار، والله لقد رأيتهم مع ذلك وهم جميع مشفقون منه خائفون»([3]).
وعن زين العابدين / قال: «صلى أمير المؤمنين الفجر ثم لم يزل في موضعه حتى صارت الشمس على قيد رمح، وأقبل على الناس بوجهه، فقال: والله لقد أدركت أقواماً يبيتون لربهم سجداً وقياماً، يخالفون بين جباههم وركبهم كأن زفير النار في آذانهم إذا ذكر الله عندهم مادوا كما يميد الشجر»([4]).
حد المفتري..لشانئ أصحابي:
وكان الإمام علي ا مراراً وتكراراً يقول على منبر الكوفة: «لا أوتى برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري»([5]).
ثانياً: الصحابة يثنون على القرابة:
أذية علي..أذية للنبي:
وهذا عمر رأى رجلاً يقع في علي، فقال: «ويحك! أتعرف علياً هذا. ابن عمه وأشار إلى قبره، والله ما آذيت إلا هذا في قبره».
وفي رواية: «فإنك إن أبغضته آذيت هذا في قبره»([6]).
أول الناس قرابة:
وعن الشعبي قال: «مر علي بن أبي طالب على أبي بكر ومعه أصحابه ، فسلم عليهم ومضى، فقال أبو بكر ا: من سرَّه أن ينظر إلى أول الناس في الإسلام سبقاً، وأقرب الناس برسول الله قرابة، فلينظر إلى علي بن أبي طالب»([7]).
بأبي شبيه بالنبي:
وجاء أن أبا بكر صلَّى العصر ثم خرج يمشي ومعه علي ، فرأى الحسن يلعب بين الصبيان، فحمله أبو بكر على عاتقه، وقال: (بأبي شبيه بالنبي ليس شبيهاً بعلي، وعلي ا يضحك)([8]).
الشيخان..يقبلان رأس علي:
ولما قَتل علي عمرو بن ود، قام أبو وقبل رأسه.
وفي رواية: أبو بكر وعمر ([9]).
منزلة السمع والبصر والفؤاد:
عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: حدثني علي بن محمد بن علي الرضا عن أبيه، عن آبائه، عن الحسن بن علي ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أبا بكر مني بمنزلة السمع، وإن عمر مني بمنزلة البصر، وإن عثمان مني بمنزلة الفؤاد. قال: فلما كان من الغد دخلت عليه وعنده أمير المؤمنين ، وأبو بكر، وعمر، وعثمان فقلت له: يا أبت! سمعتك تقول في أصحابك هؤلاء قولاً، فما هو؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم، ثم أشار بيده إليهم، فقال: هم السمع والبصر والفؤاد»([10]).
هـــول المصاب:
قال الإمام علي مثنياً على أبي بكر وعمر: «ولعمري إن مكانهما في الإسلام لعظيم، وإن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد، رحمهما الله وجزاهما بأحسن ما عملا»([11]).
الـــشورى.. للمهاجرين والأنصار:
وقال علي مثنياً على خلافة الثلاثة، وعلى من اختارهم: «إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إمامـاً كان ذلك لله رضا، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتِّباع سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى» ([12]).
وهذا الأثر فيه أن إمامة علي لو كانت منصوصًا عليها من الله لما جاز لعلي تحت أي ظرف من الظروف أن يقول مثل هذا الكلام الصريح البين الذي لا لبس فيه ولا خفاء إلا على من أزاغ الله قلبه عن الحق.
كما يستدل الإمام على على صحة خلافته وانعقاد بيعته بصحة بيعة من سبقه، وهذا يعني بوضوح أن علياً كان يعتقد بشرعية خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، كما يذكر في هذا النص الواضح في معناه والذي كتبه إلى معاوية بن أبي سفيان ، بأن الإمامة والخلافة تنعقد باتفاق المسلمين واجتماعهم على شخص، وخاصة في العصر الأول باجتماع الأنصار والمهاجرين فإنهم اجتمعوا على أبي بكر وعمر، فلم يبق للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد.
وهنا بعض الملحوظات:
1- قوله: (إنه بايعني القوم) وقد تتساءل أخي القارئ! لماذا قال الإمام: إنّ هؤلاء القوم الذين بايعوا الخلفاء السابقين هم من بايعني؟ ولماذا يحدد هؤلاء الناس في البيعتين؟ أوليس هناك أمر مهم جدًا يريد الإمام توضيحه؟ فأولئك المبايعون لم يخرج أحد منهم على الخلفاء بطعن أو بدعة، ولا شيء آخر؛ فهكذا أنا بويعت!
2- ثم لو افترضنا أن عليًا إنما يريد أن يلزم خصمه بالحجة، فيقول: إن هؤلاء بايعوني كما بايعوا السابقين، فتلزمك الحجة بالمبايعة، لو سلمنا جدلًا بصحة هذا الادعاء، فأين نذهب بكلمة: (إنما الشورى للمهاجرين والأنصار)؟
والإمام يتكلم بلغة العرب، ونحن نعرف ماذا تؤدي: (إنما) التي تفيد القصر والحصر فالمعنى: أي لا تكون الشورى في البيعة والاختيار إلا للمهاجرين والأنصار، فهذا مدح لهم أولًا؛ لأنهم أهل لهذه الشورى عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
3- وقوله: (فإن اجتمعوا على رجل وسموه إمامًا كان ذلك لله رضًا..) فهؤلاء إذا اجتمعوا على رجل خليفة لهم سيكون ذلك رضًا لله تعالى، أيُّ مدح أكبر من ذلك لهم؟!
أصـــاب خيرها.. عمر:
وقال الإمام علي مثنياً على عمر بن الخطاب: «لله بلاء فلان! فلقد قوّم الأود، وداوى العمد، وأقام السُنّة، وخلف الفتنة، ذهب نقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته، واتقاه بحقه»([13]).
وقال أيضاً لعمر بن الخطاب في حياته حين شاوره في الخروج إلى غزو الروم: «إنك متى تَسِرْ إلى هذا العدو بنفسك فتلقهم فتنكب لا تكن للمسلمين كانفة -ستر ووقاية- دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلاً مجرباً واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهر الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأخرى كنت رِدءاً للناس ومثابة للمسلمين»([14]).
عـــلي.. وفدك:
وقال الإمام علي حين سُـئِل في رد فدك -وكان حينئذٍ الخليفة-: «إني لأستحي من الله أن أرد شيئاً منع منه أبو بكر، وأمضاه عمر»([15]).
أخي الكريم!
كيف لا يكون الإمام علي على هذا القدر الكبير من الوفاء والحب لأصحاب حبيبه رسول صلى الله عليه وسلم ؟!
كيف لا يكون وهو أحد خريجي مدرسة الحب الصادق؟!
كيف لا يكون كذلك وهو أحد ثمرات البستان الذي أشرف على زرعه وتنقيته حبيب الله عليه الصلاة والسلام؟!
إن مثل هذه المواقف لا تصدر إلا من رجل علم من حال أصحاب رسول الله كل خير وأدرك أنهم على قدر كبير من الإخلاص لهذا الدين العظيم..
هؤلاء هم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهم أقرب الناس عهداً بالشيخين، لم يفتهم ما عملا ولا غاب عنهم ما فعلا, ألا تكفينا شهادتهم ورأيهم في أولئك النفر، أم نريد هدياً ودليلاً وقولاً غير هديهم وقولهم ؟!
كيف لا يكون كذلك وهو أحد ثمرات البستان الذي أشرف على زرعه وتنقيته حبيب الله عليه الصلاة والسلام؟!
ثناء متبادل
ومما يحكى من المواقف التي تبين مدى الترابط الوثيق والصلة العميقة بين آل البيت والصحابة الكرام ما يلي:
أولاً: القرابة يحبون الصحابة:
صحـب موسى.. وأصحاب محمد:
لأجل مكانة الصحابة السامقة، تمنى نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم أن يرى أولئك النفر الذين حازوا كل هذا الفضل العظيم.
فعن الرضا × قال: «لما بعث الله موسى بن عمران واصطفاه نجيـاً، وفلق له البحر، ونجَّى بني إسرائيل، وأعطاه التوراة والألواح رأى مكانه من ربه ، فقال موسى: يا رب، فإن كان آل محمد كذلك، فهل في أصحاب الأنبياء أكرم عندك من صحابتي؟ قال الله: يا موسى، أما علمت أن فضل صحابة محمد على جميع صحابة المرسلين كفضل آل محمد على جميع آل النبيين، وكفضل محمد على جميع النبيين فقال موسى: يا رب ليتني كنت أراهم! فأوحى الله إليه: يا موسى، إنك لن تراهم، فليس هذا أوان ظهورهم، ولكن سوف تراهم في الجنات -جنات عدن والفردوس- بحضرة محمد، في نعيمها يتقلبون، وفي خيراتها يتبحبحون»([1]).
صحبة..وبلاء ونصرة:
وهذا زين العابدين / يقول في أحد أدعيته: «اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له، حيث أسمعهم حجة رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته، وانتصروا به، ومن كانوا منطوين على محبته يرجون تجارة لن تبور في مودته، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته، وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته، فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك، وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم، وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه ومن كثرت في إعزاز دينك من مظلومهم، اللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان
خير جزائك الذين قصدوا سمتهم، وتحروا وجهتهم في بصيرتهم، ولم يختلجهم شك في قفو آثارهم والائتمام لهم، يدينون بدينهم، ويهتدون بهديهم، يتفقون عليهم ولا يتهمونهم فيما أدوا إليهم»([2]).
عبادات..وابتهالات:
3- وعن الباقر / أنه قال: «صلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ا بالناس الصبح بالعراق، فلما انصرف وعظهم فبكى وأبكاهم من خوف الله تعالى، ثم قال: أما والله لقد عهدت أقواماً على عهد خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنهم ليصبحون ويمسون شعثاً غبراً خمصاً بين أعينهم كركب المعزى، يبيتون لربهم سجداً وقياماً، يراوحون بين أقدامهم وجباههم، يناجون ربهم، ويسألونه فكاك رقابهم من النار، والله لقد رأيتهم مع ذلك وهم جميع مشفقون منه خائفون»([3]).
وعن زين العابدين / قال: «صلى أمير المؤمنين الفجر ثم لم يزل في موضعه حتى صارت الشمس على قيد رمح، وأقبل على الناس بوجهه، فقال: والله لقد أدركت أقواماً يبيتون لربهم سجداً وقياماً، يخالفون بين جباههم وركبهم كأن زفير النار في آذانهم إذا ذكر الله عندهم مادوا كما يميد الشجر»([4]).
حد المفتري..لشانئ أصحابي:
وكان الإمام علي ا مراراً وتكراراً يقول على منبر الكوفة: «لا أوتى برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري»([5]).
ثانياً: الصحابة يثنون على القرابة:
أذية علي..أذية للنبي:
وهذا عمر رأى رجلاً يقع في علي، فقال: «ويحك! أتعرف علياً هذا. ابن عمه وأشار إلى قبره، والله ما آذيت إلا هذا في قبره».
وفي رواية: «فإنك إن أبغضته آذيت هذا في قبره»([6]).
أول الناس قرابة:
وعن الشعبي قال: «مر علي بن أبي طالب على أبي بكر ومعه أصحابه ، فسلم عليهم ومضى، فقال أبو بكر ا: من سرَّه أن ينظر إلى أول الناس في الإسلام سبقاً، وأقرب الناس برسول الله قرابة، فلينظر إلى علي بن أبي طالب»([7]).
بأبي شبيه بالنبي:
وجاء أن أبا بكر صلَّى العصر ثم خرج يمشي ومعه علي ، فرأى الحسن يلعب بين الصبيان، فحمله أبو بكر على عاتقه، وقال: (بأبي شبيه بالنبي ليس شبيهاً بعلي، وعلي ا يضحك)([8]).
الشيخان..يقبلان رأس علي:
ولما قَتل علي عمرو بن ود، قام أبو وقبل رأسه.
وفي رواية: أبو بكر وعمر ([9]).
منزلة السمع والبصر والفؤاد:
عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: حدثني علي بن محمد بن علي الرضا عن أبيه، عن آبائه، عن الحسن بن علي ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أبا بكر مني بمنزلة السمع، وإن عمر مني بمنزلة البصر، وإن عثمان مني بمنزلة الفؤاد. قال: فلما كان من الغد دخلت عليه وعنده أمير المؤمنين ، وأبو بكر، وعمر، وعثمان فقلت له: يا أبت! سمعتك تقول في أصحابك هؤلاء قولاً، فما هو؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم، ثم أشار بيده إليهم، فقال: هم السمع والبصر والفؤاد»([10]).
هـــول المصاب:
قال الإمام علي مثنياً على أبي بكر وعمر: «ولعمري إن مكانهما في الإسلام لعظيم، وإن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد، رحمهما الله وجزاهما بأحسن ما عملا»([11]).
الـــشورى.. للمهاجرين والأنصار:
وقال علي مثنياً على خلافة الثلاثة، وعلى من اختارهم: «إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إمامـاً كان ذلك لله رضا، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتِّباع سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى» ([12]).
وهذا الأثر فيه أن إمامة علي لو كانت منصوصًا عليها من الله لما جاز لعلي تحت أي ظرف من الظروف أن يقول مثل هذا الكلام الصريح البين الذي لا لبس فيه ولا خفاء إلا على من أزاغ الله قلبه عن الحق.
كما يستدل الإمام على على صحة خلافته وانعقاد بيعته بصحة بيعة من سبقه، وهذا يعني بوضوح أن علياً كان يعتقد بشرعية خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، كما يذكر في هذا النص الواضح في معناه والذي كتبه إلى معاوية بن أبي سفيان ، بأن الإمامة والخلافة تنعقد باتفاق المسلمين واجتماعهم على شخص، وخاصة في العصر الأول باجتماع الأنصار والمهاجرين فإنهم اجتمعوا على أبي بكر وعمر، فلم يبق للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد.
وهنا بعض الملحوظات:
1- قوله: (إنه بايعني القوم) وقد تتساءل أخي القارئ! لماذا قال الإمام: إنّ هؤلاء القوم الذين بايعوا الخلفاء السابقين هم من بايعني؟ ولماذا يحدد هؤلاء الناس في البيعتين؟ أوليس هناك أمر مهم جدًا يريد الإمام توضيحه؟ فأولئك المبايعون لم يخرج أحد منهم على الخلفاء بطعن أو بدعة، ولا شيء آخر؛ فهكذا أنا بويعت!
2- ثم لو افترضنا أن عليًا إنما يريد أن يلزم خصمه بالحجة، فيقول: إن هؤلاء بايعوني كما بايعوا السابقين، فتلزمك الحجة بالمبايعة، لو سلمنا جدلًا بصحة هذا الادعاء، فأين نذهب بكلمة: (إنما الشورى للمهاجرين والأنصار)؟
والإمام يتكلم بلغة العرب، ونحن نعرف ماذا تؤدي: (إنما) التي تفيد القصر والحصر فالمعنى: أي لا تكون الشورى في البيعة والاختيار إلا للمهاجرين والأنصار، فهذا مدح لهم أولًا؛ لأنهم أهل لهذه الشورى عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
3- وقوله: (فإن اجتمعوا على رجل وسموه إمامًا كان ذلك لله رضًا..) فهؤلاء إذا اجتمعوا على رجل خليفة لهم سيكون ذلك رضًا لله تعالى، أيُّ مدح أكبر من ذلك لهم؟!
أصـــاب خيرها.. عمر:
وقال الإمام علي مثنياً على عمر بن الخطاب: «لله بلاء فلان! فلقد قوّم الأود، وداوى العمد، وأقام السُنّة، وخلف الفتنة، ذهب نقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته، واتقاه بحقه»([13]).
وقال أيضاً لعمر بن الخطاب في حياته حين شاوره في الخروج إلى غزو الروم: «إنك متى تَسِرْ إلى هذا العدو بنفسك فتلقهم فتنكب لا تكن للمسلمين كانفة -ستر ووقاية- دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلاً مجرباً واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهر الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأخرى كنت رِدءاً للناس ومثابة للمسلمين»([14]).
عـــلي.. وفدك:
وقال الإمام علي حين سُـئِل في رد فدك -وكان حينئذٍ الخليفة-: «إني لأستحي من الله أن أرد شيئاً منع منه أبو بكر، وأمضاه عمر»([15]).
أخي الكريم!
كيف لا يكون الإمام علي على هذا القدر الكبير من الوفاء والحب لأصحاب حبيبه رسول صلى الله عليه وسلم ؟!
كيف لا يكون وهو أحد خريجي مدرسة الحب الصادق؟!
كيف لا يكون كذلك وهو أحد ثمرات البستان الذي أشرف على زرعه وتنقيته حبيب الله عليه الصلاة والسلام؟!
إن مثل هذه المواقف لا تصدر إلا من رجل علم من حال أصحاب رسول الله كل خير وأدرك أنهم على قدر كبير من الإخلاص لهذا الدين العظيم..
هؤلاء هم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهم أقرب الناس عهداً بالشيخين، لم يفتهم ما عملا ولا غاب عنهم ما فعلا, ألا تكفينا شهادتهم ورأيهم في أولئك النفر، أم نريد هدياً ودليلاً وقولاً غير هديهم وقولهم ؟!