السـؤال:
لا يخفى عليكم أزمةُ السكن التي تمرُّ بها البلادُ، فما حكمُ بناء سكنٍ فوضويٍّ في أرضٍ هي مِلْكٌ للدولة بالنسبة للمضطرِّ؟ وبارَكَ اللهُ فيكم.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالأصلُ في الاستيلاء على مالِ الغير علانيةً بغيرِ وجهِ حقٍّ على سبيل المُجاهَرةِ أنه يُعَدُّ غَصْبًا، والغَصْبُ اعتداءٌ وظلمٌ على مالِ الغير سواءٌ أكَانَ شخصًا طبيعيًّا أو اعتباريًّا معنويًّا ـ كالدولة ومؤسَّساتها والمُنْشَئاتِ وغيرها ـ، والغصبُ محرَّمٌ في الجملة، وهو معدودٌ مِن الباطل المشمولِ بقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالبَاطِلِ﴾ [البقرة: ١٨٨]، وقولِه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»(١)، والعُدوانُ على مالِ الغير لا يكون سببًا للتملُّك، والواجبُ ردُّ المغصوبِ إلى صاحِبِه والخروجُ منه، ويكفي الإذنُ والترخيصُ مِن الجهة العمومية المسئولةِ في جواز الانتفاع به، وانتفاءِ صفةِ العدوان والغصبِ عنه.أمَّا المضطرُّ اضطرارًا قائمًا بالفعل لا متوقَّعًا ولا متوهَّمًا، الذي يخشى على نَفْسِه تضييعَ مَصالِحِه الضروريةِ وليس له وسيلةٌ يدفع بها ضرورتَه إلاَّ بارتكاب المحرَّم؛ فإنَّ الضرورةَ المُلْجِئةَ مِن أسباب الترخيص في حدود مِقدارِ ما يدفع الضرورةَ، ويسقط عنه الإثمُ في حقِّ الله تعالى بالنسبة لأحكام الآخرة رفعًا للحَرَجِ عنه؛ فإِنْ أَلْحَقَ بفعلِه أضرارًا بالغير نتيجةَ غَصْبِهِ لَزِمَهُ تعويضُها؛ لأنَّ الضرورةَ لا تُسْقِطُ حقَّ الآخَرِين في أحكام الدنيا، ولا تجعلُ المضطرَّ في حِلٍّ منها رفعًا للحَرَجِ عنهم أيضًا.هذا، وشأنُ القائمِ بالحكم والولاية العامَّة الابتعادُ عن الحيفِ والجَوْر، وإقامةُ العدل بين الناس بإعطاء كُلِّ ذي حقٍّ حقَّهُ وما يستحقُّه، فلا يميلُ به هوًى ولا تجرفه شهوةٌ أو دنيَا، وقد أخبر رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم عن حُبِّ الله تعالى للمُقْسِطين وكرامتهم عنده سبحانه، فقال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «إِنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ .. الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا»(٢)، وقال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: ِإمَامٌ عَادِلٌ…»(٣).والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
(١) أخرجه أحمد (٢٠٦٩٥)، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» (١١٥٤٥)، مِن حديث حَنِيفةَ الرَّقَاشيِّ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (١٤٥٩)، وفي «صحيح الجامع» (٧٦٦٢).
(٢) أخرجه مسلم في «الإمارة» (١٨٢٧) مِن حديث عبد الله بنِ عمرو بنِ العاص رضي الله عنهما.
(٣) أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» باب الصدقة باليمين (١٤٢٣)، ومسلمٌ في «الزكاة» (٢٣٨٠)، واللفظ للترمذي في «الزهد» بابُ ما جاءَ في الحبِّ في الله (٢٣٩١)، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
لا يخفى عليكم أزمةُ السكن التي تمرُّ بها البلادُ، فما حكمُ بناء سكنٍ فوضويٍّ في أرضٍ هي مِلْكٌ للدولة بالنسبة للمضطرِّ؟ وبارَكَ اللهُ فيكم.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالأصلُ في الاستيلاء على مالِ الغير علانيةً بغيرِ وجهِ حقٍّ على سبيل المُجاهَرةِ أنه يُعَدُّ غَصْبًا، والغَصْبُ اعتداءٌ وظلمٌ على مالِ الغير سواءٌ أكَانَ شخصًا طبيعيًّا أو اعتباريًّا معنويًّا ـ كالدولة ومؤسَّساتها والمُنْشَئاتِ وغيرها ـ، والغصبُ محرَّمٌ في الجملة، وهو معدودٌ مِن الباطل المشمولِ بقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالبَاطِلِ﴾ [البقرة: ١٨٨]، وقولِه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»(١)، والعُدوانُ على مالِ الغير لا يكون سببًا للتملُّك، والواجبُ ردُّ المغصوبِ إلى صاحِبِه والخروجُ منه، ويكفي الإذنُ والترخيصُ مِن الجهة العمومية المسئولةِ في جواز الانتفاع به، وانتفاءِ صفةِ العدوان والغصبِ عنه.أمَّا المضطرُّ اضطرارًا قائمًا بالفعل لا متوقَّعًا ولا متوهَّمًا، الذي يخشى على نَفْسِه تضييعَ مَصالِحِه الضروريةِ وليس له وسيلةٌ يدفع بها ضرورتَه إلاَّ بارتكاب المحرَّم؛ فإنَّ الضرورةَ المُلْجِئةَ مِن أسباب الترخيص في حدود مِقدارِ ما يدفع الضرورةَ، ويسقط عنه الإثمُ في حقِّ الله تعالى بالنسبة لأحكام الآخرة رفعًا للحَرَجِ عنه؛ فإِنْ أَلْحَقَ بفعلِه أضرارًا بالغير نتيجةَ غَصْبِهِ لَزِمَهُ تعويضُها؛ لأنَّ الضرورةَ لا تُسْقِطُ حقَّ الآخَرِين في أحكام الدنيا، ولا تجعلُ المضطرَّ في حِلٍّ منها رفعًا للحَرَجِ عنهم أيضًا.هذا، وشأنُ القائمِ بالحكم والولاية العامَّة الابتعادُ عن الحيفِ والجَوْر، وإقامةُ العدل بين الناس بإعطاء كُلِّ ذي حقٍّ حقَّهُ وما يستحقُّه، فلا يميلُ به هوًى ولا تجرفه شهوةٌ أو دنيَا، وقد أخبر رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم عن حُبِّ الله تعالى للمُقْسِطين وكرامتهم عنده سبحانه، فقال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «إِنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ .. الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا»(٢)، وقال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: ِإمَامٌ عَادِلٌ…»(٣).والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
(١) أخرجه أحمد (٢٠٦٩٥)، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» (١١٥٤٥)، مِن حديث حَنِيفةَ الرَّقَاشيِّ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (١٤٥٩)، وفي «صحيح الجامع» (٧٦٦٢).
(٢) أخرجه مسلم في «الإمارة» (١٨٢٧) مِن حديث عبد الله بنِ عمرو بنِ العاص رضي الله عنهما.
(٣) أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» باب الصدقة باليمين (١٤٢٣)، ومسلمٌ في «الزكاة» (٢٣٨٠)، واللفظ للترمذي في «الزهد» بابُ ما جاءَ في الحبِّ في الله (٢٣٩١)، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه.