مازال العالم يعاني من انتشار موجات الفساد المتنوعة، ليس في العالم النامي فحسب، بل في بعض الدول المتطورة، وإن كان يشكل ظاهرة واضحة في دول العالم النامي لأسباب تاريخية وسياسية وإدارية وسياسية وعسكرية. وقد عددَ "منقذ داغر" في كتابه "علاقة الفساد الإداري بالخصائص الفردية والتنظيمية لموظفي الحكومة ومنظماتها"؛ بعض الآراء السابقة التي تناولت موضوع الفساد وأسبابه وظروفه. ومن ذلك دراسة هيئة الشفافية الدولية، التي وجدت "علاقة عكسية بين البيئة السياسية التي تتسم بالديموقراطية، وانتشار الفساد، إذ لوحظ أن الفساد الإداري أكثر تفشياً في الدول الأقل ديمقراطية، والعكس صحيح". كما وجد أحد الباحثين أن جرائم الفساد تزداد في المنظمات كبيرة الحجم، ووجد آخر أن "المسؤولية المعنوية عن الأفعال التنظيمية تقع على عاتق الوكلاء الذين يقومون بتلك الأفعال وليس على الكيان التنظيمي الذي ينسب إليه هذا الفعل". ولاحظت دراسة عربية وجود عوامل بيئية خارجية مثل "عدم العدالة في توزيع الثروة، ومجموعة عوامل بيئية داخلية مثل الرواتب والحوافز والقيادة، فضلاً عن العوامل القيمية... في ارتكاب جرائم الفساد الإداري". كما وجدت دراسة "داغر" أن الموظفين الشباب (أقل من 40 عاماً) "أكثر ارتكاباً لجرائم الفساد الإداري، وأن سرقة الأموال العينية هي أكبر شريحة في الجرائم، وأن المهن التي كانت أكثر قابلية لارتكاب الرشوة كانت (محاسب) و (أمين مخزن)، وأن الفساد عادة يكمن في الوظائف الوسطى والوظائف التنفيذية".
وفي واقع الأمر، أننا لو حاولنا تحليل تلك المعلومات والدلائل التي تدعم أو تؤثر في استشراء الفساد الإداري، لوجدنا العديد من الأسباب غير الواردة في ذاك البحث، لكننا سوف نحاول إلقاء الضوء على بعض الأسباب الإضافية لاستفحال ظاهرة الفساد الإداري في الدول النامية.
1- صعوبة الوصول إلى المعلومات، وحصانة بعض المؤسسات والهيئات من المحاسبة. حيث توجد في بعض البلاد النامية مؤسسات لا تخضع للرقابة والمحاسبة. وفي ظرف كهذا تكثر أشكال الفساد في تلك المنظمات. وتتحمل الحكومات المسؤولية الكبرى في هذه القضية. ويستغل المسؤولون "الكبار" هذا الوضع "الاستثنائي" لغياب المراقبة، ويخالفون نظم الإدارة، أو يخلقون لأنفسهم نظماً تساعدهم في صرف الأموال، خصوصاً في ظل عدم الخوف من المحاسبة .
2- سيادة القرار الأوحد، وهو نقيض الاتجاه الديمقراطي الذي أشارت إليه الدراسة. ذلك أن صاحب القرار هو من يتصرف بالمؤسسة أو الهيئة التي لا تخضع للرقابة الحكومية أو البرلمانية، خصوصاً في ظل الافتقار إلى هيئات رقابية مختصة.
3- إن المؤسسات الضخمة، كما أشارت الدراسة، أكثر عرضة لجرائم الفساد، حيث تتداخل المصالح والمحسوبيات والأسماء، وتنشأ طبقة وسطى بين صاحب القرار وبين الجهات التنفيذية. تتولى هذه الطبقة أمور الفساد وأشكاله باستغلال الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حيث يفرض أصحاب النفوذ أوامرهم على الجهات التنفيذية بالمؤسسة أو الهيئة لتمرير صفقات أو مناقصات لقاء نسبة معينة! وقد كشفت لنا التجارب هذا الشكل من الفساد في العديد من المؤسسات الكبرى، والتي تكونت فيها الطبقة المذكورة.
4- معلوم أن المجتمع الذي يعيش عوزاً نتيجة سوء توزيع الثروة وضعف الرواتب والإمكانيات، كما جاء في الدراسة، يلجأ أصحاب النفوس الضعيفة فيه إلى ارتكاب جرائم الفساد.
5- إن التدخلات الرأسية في العمل التنفيذي هي أحد أهم أسباب تفشي جرائم الفساد، إذ يحدث أن يخرق القانون. ومتى شعر صغار الموظفين بأن القانون يُخرق من قبل كبار الموظفين، فإن ذلك يغريهم بممارسة ذات الفعل، وإن كان تحت غطاء إداري يفلت من المحاسبة.
6- قد نختلف مع نتائج الدراسة المذكورة من حيث تصنيفها للمهن التي ترتكب فيها جرائم الفساد بدرجة أكبر من غيرها، وذلك لأن تلك النتائج خاصة ببلدان معينة، حيث رفضت بلدان أخرى التجاوب مع استبيان الدراسة! والواقع أن حالات جرائم الفساد التي شاهدناها في العالم العربي كانت عبر المدراء ومن فوقهم. ولا يقتصر الأمر على المحاسبين أو أمناء المخازن الذين قد تتم رشوتهم أحياناً، بل إن أصحاب المناصب العليا "يهبشون" هم أيضاً وبالملايين،. وتلك من نتائج غياب الشفافية والديمقراطية، وتقييد التناول الإعلامي لمثل هذه القضايا. هذا المنع أيضاً يشجع ويغري أصحاب النفوس الضعيفة على ممارسة الفساد.
وإنه لأمر جميل أن نسمع بأن هنالك دولة خليجية بصدد تطبيق قانون جديد يشبه قانون "من أين لك هذا"، ويتمثل القانون الجديد في حصر أموال وممتلكات الوزراء ووكلاء الوزارات وأقربائهما القريبين، قبل التعيين، ومقارنة تلك الأموال بما يملكونه بعد الإقالة أو تغير الوزارة. وهذا بلا شك، يزيد من رقابة الدولة على تصرفات المسؤولين ويضعهم دوماً أمام المحاسبة.
إن الوظيفة أمانة، ومالم يُحسن المرءُ حمل الأمانة، فإنه يتحول إلى ظالم لنفسه ولغيره. ولن نتحدث عن العواقب الدينية لخائن الأمانة، لكن العواقب الاجتماعية والنفسية ربما تكون قاسية. ذلك أن المفسد عرضة للنقد من قبل المجتمع بل وللنبذ، كما يعيش أبناؤهُ واقعاً مريراً مع انتشار خبر فساده في المدارس والجامعات.
نأمل أن ينشط دور الرقابة في دول مجلس التعاون الخليجي، وأن يساعد الحكومات على حماية المال العام. كما نأمل أن تكون هنالك قوانين واضحة تكشف الفاسدين والعابثين بالمال العام، مهما كانوا، لأن العبث بواقع المجتمع، أي مجتمع، يعتبر عبثاً بمستقبل أجياله، وثروتها وآمالها وطموحاتها.
وفي واقع الأمر، أننا لو حاولنا تحليل تلك المعلومات والدلائل التي تدعم أو تؤثر في استشراء الفساد الإداري، لوجدنا العديد من الأسباب غير الواردة في ذاك البحث، لكننا سوف نحاول إلقاء الضوء على بعض الأسباب الإضافية لاستفحال ظاهرة الفساد الإداري في الدول النامية.
1- صعوبة الوصول إلى المعلومات، وحصانة بعض المؤسسات والهيئات من المحاسبة. حيث توجد في بعض البلاد النامية مؤسسات لا تخضع للرقابة والمحاسبة. وفي ظرف كهذا تكثر أشكال الفساد في تلك المنظمات. وتتحمل الحكومات المسؤولية الكبرى في هذه القضية. ويستغل المسؤولون "الكبار" هذا الوضع "الاستثنائي" لغياب المراقبة، ويخالفون نظم الإدارة، أو يخلقون لأنفسهم نظماً تساعدهم في صرف الأموال، خصوصاً في ظل عدم الخوف من المحاسبة .
2- سيادة القرار الأوحد، وهو نقيض الاتجاه الديمقراطي الذي أشارت إليه الدراسة. ذلك أن صاحب القرار هو من يتصرف بالمؤسسة أو الهيئة التي لا تخضع للرقابة الحكومية أو البرلمانية، خصوصاً في ظل الافتقار إلى هيئات رقابية مختصة.
3- إن المؤسسات الضخمة، كما أشارت الدراسة، أكثر عرضة لجرائم الفساد، حيث تتداخل المصالح والمحسوبيات والأسماء، وتنشأ طبقة وسطى بين صاحب القرار وبين الجهات التنفيذية. تتولى هذه الطبقة أمور الفساد وأشكاله باستغلال الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حيث يفرض أصحاب النفوذ أوامرهم على الجهات التنفيذية بالمؤسسة أو الهيئة لتمرير صفقات أو مناقصات لقاء نسبة معينة! وقد كشفت لنا التجارب هذا الشكل من الفساد في العديد من المؤسسات الكبرى، والتي تكونت فيها الطبقة المذكورة.
4- معلوم أن المجتمع الذي يعيش عوزاً نتيجة سوء توزيع الثروة وضعف الرواتب والإمكانيات، كما جاء في الدراسة، يلجأ أصحاب النفوس الضعيفة فيه إلى ارتكاب جرائم الفساد.
5- إن التدخلات الرأسية في العمل التنفيذي هي أحد أهم أسباب تفشي جرائم الفساد، إذ يحدث أن يخرق القانون. ومتى شعر صغار الموظفين بأن القانون يُخرق من قبل كبار الموظفين، فإن ذلك يغريهم بممارسة ذات الفعل، وإن كان تحت غطاء إداري يفلت من المحاسبة.
6- قد نختلف مع نتائج الدراسة المذكورة من حيث تصنيفها للمهن التي ترتكب فيها جرائم الفساد بدرجة أكبر من غيرها، وذلك لأن تلك النتائج خاصة ببلدان معينة، حيث رفضت بلدان أخرى التجاوب مع استبيان الدراسة! والواقع أن حالات جرائم الفساد التي شاهدناها في العالم العربي كانت عبر المدراء ومن فوقهم. ولا يقتصر الأمر على المحاسبين أو أمناء المخازن الذين قد تتم رشوتهم أحياناً، بل إن أصحاب المناصب العليا "يهبشون" هم أيضاً وبالملايين،. وتلك من نتائج غياب الشفافية والديمقراطية، وتقييد التناول الإعلامي لمثل هذه القضايا. هذا المنع أيضاً يشجع ويغري أصحاب النفوس الضعيفة على ممارسة الفساد.
وإنه لأمر جميل أن نسمع بأن هنالك دولة خليجية بصدد تطبيق قانون جديد يشبه قانون "من أين لك هذا"، ويتمثل القانون الجديد في حصر أموال وممتلكات الوزراء ووكلاء الوزارات وأقربائهما القريبين، قبل التعيين، ومقارنة تلك الأموال بما يملكونه بعد الإقالة أو تغير الوزارة. وهذا بلا شك، يزيد من رقابة الدولة على تصرفات المسؤولين ويضعهم دوماً أمام المحاسبة.
إن الوظيفة أمانة، ومالم يُحسن المرءُ حمل الأمانة، فإنه يتحول إلى ظالم لنفسه ولغيره. ولن نتحدث عن العواقب الدينية لخائن الأمانة، لكن العواقب الاجتماعية والنفسية ربما تكون قاسية. ذلك أن المفسد عرضة للنقد من قبل المجتمع بل وللنبذ، كما يعيش أبناؤهُ واقعاً مريراً مع انتشار خبر فساده في المدارس والجامعات.
نأمل أن ينشط دور الرقابة في دول مجلس التعاون الخليجي، وأن يساعد الحكومات على حماية المال العام. كما نأمل أن تكون هنالك قوانين واضحة تكشف الفاسدين والعابثين بالمال العام، مهما كانوا، لأن العبث بواقع المجتمع، أي مجتمع، يعتبر عبثاً بمستقبل أجياله، وثروتها وآمالها وطموحاتها.