فإنَّ مقامَ (الدعوة إلى الله) وشرفها، ومكانتها عند الله = لا أظنه يخفى على العامَّة بَلْهَ الخاصَّة، وليس بحاجة إلى مزيد إيضاح؛ لجلائه، وحسبُ الدَّاعية بالحكمةِ والموعظة الحسنة
أنَّه يغترفُ من نهرِ النبوَّة، وينبوعِ الرسالةِ، وأن ليسَ أحدٌ أحسنَ منه قولاً (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
ومن أجلِّ مقاماتِ الدعوة إلى الله؛ الوعظُ والتذكير، والبِشارةُ والنذارة، وكلها من مُهمَّاتِ الداعيةِ الأكبر صلى الله عليه وسلم، فقد كانَ هاديًا ومبشِّرًا ونذيرًا، مأمورًا بالوعظِ كما قال له
ربُّه تعالى: (وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا).ومن سَوْءاتِ الخطاب العقليِّ المعاصر، وخطيئات الثقافة والفكر التي تغلغلت في نفوس بعض المتديِّنة؛ تقبيحُ هذه الوظائف النبويَّة، والتزهيدُ فيها وفي أثرها؛ اتكاءً على بعضِ الأخطاء في الخطاب الدعويِّ والوعظي، ومواكبةً للموضةِ الثقافيَّة في الأوساط العلميَّة، وهروبًا من الاتصاف بصفةِ (الواعظ) التي قد تُرى لبعض الناسِ أنها لا تليقُ بمثقَّفٍ أو مُفكِّر!ومَن تأمل القرآن؛ علم يقينًا أن من أعظم مرتكزات الرسالةِ الإلهيَّة= وعظَ الناس، وتذكيرهم بالله وبأيَّامِه، وتبشيرهم بما أعده الله، وتخويفهم من وعيد الله.. وأن لا نجاةَ للإنسانِ من
(الخُسْرِ) إلا بالتواصي بالحقِّ والتواصي بالصبر!
وفي هذه المقالة نطلُّ من شُرفتها على (فيروس) مُعدٍ يتناقلُ عبرَ الأثير المحيط بطلاب العلم، ويتسرَّبُ للشُّعَب الهوائيَّة؛ فيُضعِفُ شُعبةً من أعظم (شُعَبِ الإيمان) فيصابُ حامله بـ
(حمَّى الكسلِ الدعوي)!
الحديثُ هنا ليسَ لمن فتح الله له بابَ البذلِ الدعويِّ، فأصبحت (الدعوةُ إلى الله)شغلَه الشاغلَ ليلَه ونهارَه، وليس لمن لم يُحصِّل أدنى مقدار من العلم يسعُه أن يقومَ بنفسه داعيًا
إلى الله، بل يكتفي بتبليغ ما بلغه من ذلك، أو المساهمة في وسائل الدعوة إلى الله.
الحديثُ هنا عن (طالبِ علمٍ يقتفي أثرَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ويُعدُّ نفسَه لمعالي الأمور، ويُحدِّثُ نفسَه بنفعِ الناس، وتبليغِ الدِّين، وجهادِ الكلمة....)
تجده قد حصَّل كثيرًا، وحفظ من القرآن، والنصوص النبويَّة، والمواعظ السلفيَّة، والحجج العقليَّة، والأشعار الزكيَّة= ما يجعله حقيقًا بالمشاركة في ركبِ الدعاة إلى اللهِ..
ثمَّ تمرُّ عليه الأيامُ، بل والشهور، بل -واللهِ - والأعوام، ولم يفتحْ شفتيه للنَّاسِ مذكِّرًا أو ناصحًا، ومبشِّرًا أو مُنذرًا!
وربَّما وجدتَه إمامَ مسجدٍ، أو خطيبًا، أو قاضيًا، أو أستاذًا أكاديميًّا، أو شيخَ علم!
وإذا ما سألتَه عن الأسبابِ أبدى لك رغبتَه الشديدة، ومحبَّتَه الأكيدة لدعوة الناس إلى الفضائل، ونصحهم وإرشادهم..
ثمَّ تجد من أعذاره:
= عدم التحضير.
= عدم الاعتياد.
= الخوف من الأخطاء.
ونحو ذلك من الأعذار العجيبة!
يقول د. محمد الشريف: (لي صاحبٌ درسَ العلوم الشرعية منتسبًا، وهو أخٌ صالح – فيما أحسبه، والله حسيبه – كنت قد ألححتُ عليه أن يخطبَ الناس أو يعظهم بموعظةٍ، أو يقرأ
لهم في كتابٍ، لكنه يحجم كثيراً ويخجل أن يتقدم، ويتهيَّبُ مع قوةٍ وشجاعةٍ فيه، وتمرُّ عليه السنون وهو لم يستفد من علمه الذي تعلمه تمامَ الاستفادة، بل لعله قد نسي أكثره!)[عجز الثقات ص 30]
وفي موضعٍ آخر يقول:
(والعجيبُ أنَّ تاركَ الدعوةِ لا تجده –في أكثر الأحيان – مقرًا بعجزه، خَجِلاً منه، متواريًا عنه، بل تراه يعتذر بأعذارٍ واهياتٍ، أو هي قريبة من الواهيات!) [السابق ص 25]
ولعلَّ القارئ الكريمَ يظنُّ أنَّ في كلامي مثاليَّةً، أو تكلُّفًا، أو مطالبةً بمقدارٍ من الجديَّة لا يتسع له أكثر طلاب العلم من محبي الدعوة، أو أن يكونَ كلُّ طلابِ العلم دعاةً وهم جميعًا
على خيرٍ يكمِّل بعضُهم بعضًا.
كلا؛ فليس الأمرُ كذلك أبدًا.
المسألة لا تعدو أن تكونَ كلمةً يحضِّرُ لها صاحبُها ساعةً من حياته، ثم يكلَّم به شهورًا في مساجدَ، أو مجامعَ، أو محافل!
أو مقالاً يجمعُ فيه كاتبُه من عيون المواعظ القرآنيَّة، والنبويَّة، وتوشيحها بالآثار والأشعار، وبديع التأملات، ثم يبثها في هذا الفضاء الواسع عبر الشبكة.
المسألة لا تعدو أن تكونَ نفضًا لغبارِ الكسل في مقام الدعوةِ إلى الله لكلِّ محبٍّ راغبٍ من الأجور المتتابعة، والنفع المتعدي الواسع.
المسألة -حقًا- لا تعدو أن تكونَ توفيقًا من الله للداعية؛ ليقوم بمهمَّةٍ من أجلِّ المهمَّات التي قام بها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
المسألة لا تحتاجُ أكثرَ من سؤالِ الله العونَ على سلوك هذه الجادَّة، مع الاجتهاد وبذل الطاقة في نقاء المضمون، وجودة المحتوى، وحُسن الطرح، وسُنيَّة البلاغ.
بالله عليك!
أليس من المؤسف أن يتعيَّن طالبُ علمٍ متقدِّمٌ في وظيفةٍ تعليميَّة أو قضائيَّة أو غيرهما في منطقةٍ تعيش فقرًا دعويًّا، ثم تمر عليه الأيام، والشهور، وربما الأعوام،
ولم يقدِّم لدعوته التي يعتزُّ بها شيئًا؟!
أليس من الغبن أن يزورك طالبُ علمٍ أوتي علمًا وبيانًا، ثم تطلب منه كلمةً في جامعٍ، وقد تهيَّأت له فرصةً دعويَّة لا تُفوَّت، ثم يعتذر بعدم استعداده مع رغبته الأكيدة،
ويظل حالُه في كل مرَّة غيرَ مستعدٍّ!
ثم تجده كثير الشكاية من حال الدعوة، ولا يفتر من نقد الدعاة في خطابهم، وطرائقهم، وأساليبهم، ومضامين أطروحاتهم! ونقدُه في موضعه، لكنَّ الدعاة كما يحتاجون نقدَه
وتصحيحَه= يحتاجون مشاركته اليسيرة التي لن تكلِّفه شيئًا!
رجوتُك أخي طالبَ العلم المحب للنفع:
= كنْ أنت الراحلة؛ فـ (الناسُ كإبلٍ مائة لا يجد الرجلُ فيها راحلة)!
= كن أنت القويَّ؛ فـ (المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف)!
= كن أنت الوارثَ المنفق لعوائد الإرث؛ فـ (العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورَّثوا العلم...).
= كن (داعيةً تحت الطلب)؛ فالداعية وقفٌ لله، والوقفُ تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة!
= لا تكنْ كَلّاً على الدعوة أينما وجَّهتك لا تأتِ بخيرٍ بل كن الآخرَ الذي يأمر بالعدل وهو على صراطٍ مستقيم.
هنا – قبلَ الختام – متفرِّقات:
= أعرف طالبَ علم إذا أراد السفر للسياحة والتنزُّه حضَّر قبل سفره كلمةً موجزةً تُقدَّرُ بـ (10 دقائق) ثم يكرِّر معانيها.. ثم يطلب من أحد أصدقائه في المدينة التي يريد السفر إليها أن ينسِّقَ له مع أئمة الجوامع مواعيدَ لإلقاء كلمته، فيعود من نزهته التي قضى فيها ثلاثة أيام، وقد ألقى ستَّ كلماتٍ بعد صلاتي المغرب والعشاء.. هنا.. من يعلم قدر النفع بها لهذه الأعداد إلا الله! فكم من موعظةٍ أحييت قلبًا هو (خيرٌ من حُمْر النَّعَم)!
= أحدهم –كذلك- حضَّر كلمةً عن "رحمة الله" لها الآن خمسة أعوام يلقيها في أيِّ فرصةٍ سانحة، وإذا ما عُوتب من أصحابه بهذا التكرار، قال: (كلُّ مالم يسمعه الناس منك؛ فهو جديد) فلعلَّ الله يرحمه لبيانه عظيمَ رحمة الله!
= كَتَبَ الشيخ د. فالح الصغيِّر سلسلةً بعنوان (أحاديث في الدعوة والتوجيه) طبعتها دار الأثير، كل كتاب منها لا يقل عن 60 صفحة ولا يزيد عن 150 صفحة، وتُباع في معارض الكتاب مجموعةً بأسعار مناسبة، وهي مفيدةٌ ونافعةٌ للتحضير، شرح فيها شرحًا ميسرًا سهلاً أحاديثَ جامعة؛ كحديث (احفظ الله يحفظك)، وحديث (لا تغضب)،
وحديث(حلاوة الإيمان)، وحديث (قل آمنت بالله ثم استقم)، وحديث (بادروا بالأعمال ستًّا).. وغيرها.
= للدكتور/ عبد الكريم بكَّار كتابٌ بعنوان (المتحدِّثُ الجيِّدُ؛ مفاهيم وآليات) مفيدٌ في أساليب الخطاب وأثره، وآليات الحديث.
= أعظم ما ينبغي اعتماده في وعظ الناس وتذكيرهم = الكتاب والسنَّة الصحيحة، فلهما من التأثير في قلوب المؤمنين ما لا يمكن أن يكون في غيرهما.
= تعليم الناس ودعوتهم من أكبر أسباب تثبيت العلم، لا سيما إن قُرن بما يفتح الله به على المتحدث أثناء حديثه! وهذا شيءٌ قد لا يجده المنحبس على نفسه مهما قرأ ومهما حفظ!
وختامًا (ينبغي أن يُعلم أن العجزَ مرضٌ، بل هو من أشدِّ الأمراض فتكًا في الإنسان،وعلاجُه إنما يكون بسؤال الله –تعالى – ودعائه بانكسار وخضوع وتذلل عسى أن يكشف الله
تعالى هذا المرض عن عبده الضعيف هذا، ثم إنه ينبغي للعاجز أن يتخذ خطوات عملية بحَسب عجزه) [عجز الثقة 54]
وإذا كان المفتي هو الموَقِّعَ عن ربِّ العالمين، فإنَّ (الداعية) هو الحَمَامُ الزاجلُ للدين، وكلاهما مشكورٌ ومسؤول!
أنَّه يغترفُ من نهرِ النبوَّة، وينبوعِ الرسالةِ، وأن ليسَ أحدٌ أحسنَ منه قولاً (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
ومن أجلِّ مقاماتِ الدعوة إلى الله؛ الوعظُ والتذكير، والبِشارةُ والنذارة، وكلها من مُهمَّاتِ الداعيةِ الأكبر صلى الله عليه وسلم، فقد كانَ هاديًا ومبشِّرًا ونذيرًا، مأمورًا بالوعظِ كما قال له
ربُّه تعالى: (وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا).ومن سَوْءاتِ الخطاب العقليِّ المعاصر، وخطيئات الثقافة والفكر التي تغلغلت في نفوس بعض المتديِّنة؛ تقبيحُ هذه الوظائف النبويَّة، والتزهيدُ فيها وفي أثرها؛ اتكاءً على بعضِ الأخطاء في الخطاب الدعويِّ والوعظي، ومواكبةً للموضةِ الثقافيَّة في الأوساط العلميَّة، وهروبًا من الاتصاف بصفةِ (الواعظ) التي قد تُرى لبعض الناسِ أنها لا تليقُ بمثقَّفٍ أو مُفكِّر!ومَن تأمل القرآن؛ علم يقينًا أن من أعظم مرتكزات الرسالةِ الإلهيَّة= وعظَ الناس، وتذكيرهم بالله وبأيَّامِه، وتبشيرهم بما أعده الله، وتخويفهم من وعيد الله.. وأن لا نجاةَ للإنسانِ من
(الخُسْرِ) إلا بالتواصي بالحقِّ والتواصي بالصبر!
وفي هذه المقالة نطلُّ من شُرفتها على (فيروس) مُعدٍ يتناقلُ عبرَ الأثير المحيط بطلاب العلم، ويتسرَّبُ للشُّعَب الهوائيَّة؛ فيُضعِفُ شُعبةً من أعظم (شُعَبِ الإيمان) فيصابُ حامله بـ
(حمَّى الكسلِ الدعوي)!
الحديثُ هنا ليسَ لمن فتح الله له بابَ البذلِ الدعويِّ، فأصبحت (الدعوةُ إلى الله)شغلَه الشاغلَ ليلَه ونهارَه، وليس لمن لم يُحصِّل أدنى مقدار من العلم يسعُه أن يقومَ بنفسه داعيًا
إلى الله، بل يكتفي بتبليغ ما بلغه من ذلك، أو المساهمة في وسائل الدعوة إلى الله.
الحديثُ هنا عن (طالبِ علمٍ يقتفي أثرَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ويُعدُّ نفسَه لمعالي الأمور، ويُحدِّثُ نفسَه بنفعِ الناس، وتبليغِ الدِّين، وجهادِ الكلمة....)
تجده قد حصَّل كثيرًا، وحفظ من القرآن، والنصوص النبويَّة، والمواعظ السلفيَّة، والحجج العقليَّة، والأشعار الزكيَّة= ما يجعله حقيقًا بالمشاركة في ركبِ الدعاة إلى اللهِ..
ثمَّ تمرُّ عليه الأيامُ، بل والشهور، بل -واللهِ - والأعوام، ولم يفتحْ شفتيه للنَّاسِ مذكِّرًا أو ناصحًا، ومبشِّرًا أو مُنذرًا!
وربَّما وجدتَه إمامَ مسجدٍ، أو خطيبًا، أو قاضيًا، أو أستاذًا أكاديميًّا، أو شيخَ علم!
وإذا ما سألتَه عن الأسبابِ أبدى لك رغبتَه الشديدة، ومحبَّتَه الأكيدة لدعوة الناس إلى الفضائل، ونصحهم وإرشادهم..
ثمَّ تجد من أعذاره:
= عدم التحضير.
= عدم الاعتياد.
= الخوف من الأخطاء.
ونحو ذلك من الأعذار العجيبة!
يقول د. محمد الشريف: (لي صاحبٌ درسَ العلوم الشرعية منتسبًا، وهو أخٌ صالح – فيما أحسبه، والله حسيبه – كنت قد ألححتُ عليه أن يخطبَ الناس أو يعظهم بموعظةٍ، أو يقرأ
لهم في كتابٍ، لكنه يحجم كثيراً ويخجل أن يتقدم، ويتهيَّبُ مع قوةٍ وشجاعةٍ فيه، وتمرُّ عليه السنون وهو لم يستفد من علمه الذي تعلمه تمامَ الاستفادة، بل لعله قد نسي أكثره!)[عجز الثقات ص 30]
وفي موضعٍ آخر يقول:
(والعجيبُ أنَّ تاركَ الدعوةِ لا تجده –في أكثر الأحيان – مقرًا بعجزه، خَجِلاً منه، متواريًا عنه، بل تراه يعتذر بأعذارٍ واهياتٍ، أو هي قريبة من الواهيات!) [السابق ص 25]
ولعلَّ القارئ الكريمَ يظنُّ أنَّ في كلامي مثاليَّةً، أو تكلُّفًا، أو مطالبةً بمقدارٍ من الجديَّة لا يتسع له أكثر طلاب العلم من محبي الدعوة، أو أن يكونَ كلُّ طلابِ العلم دعاةً وهم جميعًا
على خيرٍ يكمِّل بعضُهم بعضًا.
كلا؛ فليس الأمرُ كذلك أبدًا.
المسألة لا تعدو أن تكونَ كلمةً يحضِّرُ لها صاحبُها ساعةً من حياته، ثم يكلَّم به شهورًا في مساجدَ، أو مجامعَ، أو محافل!
أو مقالاً يجمعُ فيه كاتبُه من عيون المواعظ القرآنيَّة، والنبويَّة، وتوشيحها بالآثار والأشعار، وبديع التأملات، ثم يبثها في هذا الفضاء الواسع عبر الشبكة.
المسألة لا تعدو أن تكونَ نفضًا لغبارِ الكسل في مقام الدعوةِ إلى الله لكلِّ محبٍّ راغبٍ من الأجور المتتابعة، والنفع المتعدي الواسع.
المسألة -حقًا- لا تعدو أن تكونَ توفيقًا من الله للداعية؛ ليقوم بمهمَّةٍ من أجلِّ المهمَّات التي قام بها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
المسألة لا تحتاجُ أكثرَ من سؤالِ الله العونَ على سلوك هذه الجادَّة، مع الاجتهاد وبذل الطاقة في نقاء المضمون، وجودة المحتوى، وحُسن الطرح، وسُنيَّة البلاغ.
بالله عليك!
أليس من المؤسف أن يتعيَّن طالبُ علمٍ متقدِّمٌ في وظيفةٍ تعليميَّة أو قضائيَّة أو غيرهما في منطقةٍ تعيش فقرًا دعويًّا، ثم تمر عليه الأيام، والشهور، وربما الأعوام،
ولم يقدِّم لدعوته التي يعتزُّ بها شيئًا؟!
أليس من الغبن أن يزورك طالبُ علمٍ أوتي علمًا وبيانًا، ثم تطلب منه كلمةً في جامعٍ، وقد تهيَّأت له فرصةً دعويَّة لا تُفوَّت، ثم يعتذر بعدم استعداده مع رغبته الأكيدة،
ويظل حالُه في كل مرَّة غيرَ مستعدٍّ!
ثم تجده كثير الشكاية من حال الدعوة، ولا يفتر من نقد الدعاة في خطابهم، وطرائقهم، وأساليبهم، ومضامين أطروحاتهم! ونقدُه في موضعه، لكنَّ الدعاة كما يحتاجون نقدَه
وتصحيحَه= يحتاجون مشاركته اليسيرة التي لن تكلِّفه شيئًا!
رجوتُك أخي طالبَ العلم المحب للنفع:
= كنْ أنت الراحلة؛ فـ (الناسُ كإبلٍ مائة لا يجد الرجلُ فيها راحلة)!
= كن أنت القويَّ؛ فـ (المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف)!
= كن أنت الوارثَ المنفق لعوائد الإرث؛ فـ (العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورَّثوا العلم...).
= كن (داعيةً تحت الطلب)؛ فالداعية وقفٌ لله، والوقفُ تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة!
= لا تكنْ كَلّاً على الدعوة أينما وجَّهتك لا تأتِ بخيرٍ بل كن الآخرَ الذي يأمر بالعدل وهو على صراطٍ مستقيم.
هنا – قبلَ الختام – متفرِّقات:
= أعرف طالبَ علم إذا أراد السفر للسياحة والتنزُّه حضَّر قبل سفره كلمةً موجزةً تُقدَّرُ بـ (10 دقائق) ثم يكرِّر معانيها.. ثم يطلب من أحد أصدقائه في المدينة التي يريد السفر إليها أن ينسِّقَ له مع أئمة الجوامع مواعيدَ لإلقاء كلمته، فيعود من نزهته التي قضى فيها ثلاثة أيام، وقد ألقى ستَّ كلماتٍ بعد صلاتي المغرب والعشاء.. هنا.. من يعلم قدر النفع بها لهذه الأعداد إلا الله! فكم من موعظةٍ أحييت قلبًا هو (خيرٌ من حُمْر النَّعَم)!
= أحدهم –كذلك- حضَّر كلمةً عن "رحمة الله" لها الآن خمسة أعوام يلقيها في أيِّ فرصةٍ سانحة، وإذا ما عُوتب من أصحابه بهذا التكرار، قال: (كلُّ مالم يسمعه الناس منك؛ فهو جديد) فلعلَّ الله يرحمه لبيانه عظيمَ رحمة الله!
= كَتَبَ الشيخ د. فالح الصغيِّر سلسلةً بعنوان (أحاديث في الدعوة والتوجيه) طبعتها دار الأثير، كل كتاب منها لا يقل عن 60 صفحة ولا يزيد عن 150 صفحة، وتُباع في معارض الكتاب مجموعةً بأسعار مناسبة، وهي مفيدةٌ ونافعةٌ للتحضير، شرح فيها شرحًا ميسرًا سهلاً أحاديثَ جامعة؛ كحديث (احفظ الله يحفظك)، وحديث (لا تغضب)،
وحديث(حلاوة الإيمان)، وحديث (قل آمنت بالله ثم استقم)، وحديث (بادروا بالأعمال ستًّا).. وغيرها.
= للدكتور/ عبد الكريم بكَّار كتابٌ بعنوان (المتحدِّثُ الجيِّدُ؛ مفاهيم وآليات) مفيدٌ في أساليب الخطاب وأثره، وآليات الحديث.
= أعظم ما ينبغي اعتماده في وعظ الناس وتذكيرهم = الكتاب والسنَّة الصحيحة، فلهما من التأثير في قلوب المؤمنين ما لا يمكن أن يكون في غيرهما.
= تعليم الناس ودعوتهم من أكبر أسباب تثبيت العلم، لا سيما إن قُرن بما يفتح الله به على المتحدث أثناء حديثه! وهذا شيءٌ قد لا يجده المنحبس على نفسه مهما قرأ ومهما حفظ!
وختامًا (ينبغي أن يُعلم أن العجزَ مرضٌ، بل هو من أشدِّ الأمراض فتكًا في الإنسان،وعلاجُه إنما يكون بسؤال الله –تعالى – ودعائه بانكسار وخضوع وتذلل عسى أن يكشف الله
تعالى هذا المرض عن عبده الضعيف هذا، ثم إنه ينبغي للعاجز أن يتخذ خطوات عملية بحَسب عجزه) [عجز الثقة 54]
وإذا كان المفتي هو الموَقِّعَ عن ربِّ العالمين، فإنَّ (الداعية) هو الحَمَامُ الزاجلُ للدين، وكلاهما مشكورٌ ومسؤول!