بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
تواجه الأمة اليوم داءً خطيرًا، ووباءً مستشريًا، يستهدف أهم شريحة فيها، ويقصد عنصرًا حيويًا من عناصر سؤددها ونهوضها، ومع هذا فإنه ليس داءاً جديدًا، ولكنه وجد في هذا الزمن فرصًا أكثر للانتشار والسريان، حتى بدأت بعض المجتمعات تتأقلم معه، وتبرر له ذيوعه، وتتشاغل عن أخطاره، وتنسب آثاره الموبوءة إلى أسباب أخرى!
إنه داء البطالة الذي سرى في دماء شبابنا، يقتل فيهم همتهم، ويستل منهم انتماءهم لدينهم وأمتهم، ويقعدهم عن العطاء، ويقنعهم بالكسل، مصوّرًا لهم أنهم فريسة قلة فرص العمل، وأن هذه هي أقدارهم فحسب، وأن هذا هي أرزاقهم التي كُتبت لهم!
ولعل من المجدي في حل هذه المشكلة ألا يترك الشباب العاطل عن العمل يخوض غمار هذه القضية وحده، مع قلة خبرته، وكثرة المغريات حوله؛ بل أن نعزز صلتنا بشبابنا، ونقرب إليهم طريق العمل الشريف ونسهله لهم، ونرشدهم إلى أول الطريق، مشرفين على خطواتهم فيه، ولعلي هنا في هذه العجالة أضع معالم يسيرة ومحددة في ذلك:
أولاً: إقناع الشباب بشرف العمل، وأنه من سنن الأنبياء والشرفاء، فما من نبي إلا ورعى الغنم، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- رزقه تحت رمحه، وكان داودُ حدادًا، وكان نوحٌ نجارًا، وبالمقابل فإنه لابد من إقناعه أيضًا بدناءة البطالة والاتكال على الآخرين، فقد سئل الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((أيّ الكسب أطيب؟)) فقال: ((عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور)) [رواه البزار وصححه الحاكم].
ويقول عمر - رضي الله عنه -: "أرى الفتى فيعجبني، فإذا قيل لا حرفة له سقط من عيني"، ويقول كذلك: "لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق وهو يقول: اللهم ارزقني، فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة".
ولقد شوهد الصديق - رضي الله عنه - في اليوم التالي لتوليه خلافة الأمة بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد جعل على رأسه حزمة من الثياب متوجهًا بها إلى السوق ليبيعها.
أما أبو الوليد الباجي العالم المالكي - رحمه الله - فقد آجر نفسه لحراسة درب بغداد في الليل؛ ليستعين بأجرته في النهار.
وكان إبراهيم بن أدهم - رحمه الله - يسقي ويرعى ويعمل بالكراء، ويحفظ البساتين ويحصد بالنهار ويصلي بالليل.
ثانيًا: أمرهم بتقوى الله تعالى، والتضرع إليه، وسؤاله التوفيق والسداد، في أن يدلهم على باب من أبواب الرزق، لأن من (مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).
ثالثًا: أن يؤمن الشباب بأن العمل الشريف عبادة ينال عليها الأجر والثواب لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فإنه قال: ((لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ)) [رواه البخاري].
رابعًا: تذكيرهم بوجوب التوكل على الله في طلب الرزق، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول في الحديث الصحيح: ((لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا)) [رواه أحمد وغيره].
خامسًا: ألا يترددوا في قبول أيّ عمل يعلم يقيناً أنه يرضي الله – تعالى- ولو بمقابل يسير، فالرزق الحلال يباركه الله – تعالى- والحرام ممحوق البركة في الدنيا والآخرة.
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ففي صالح الأعمال نفسك فاجعل
سادسًا: ألا يجعلوا أعين الناس مانعاً لهم من مزاولة أعمالهم التي تيسرت لهم، فإن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة، لكنها خطوة مشحونة بالعزم، وصدق الإرادة.
سابعًا: أن يحذّر الشباب أن يقعوا فريسة لاستدرار أموال الناس والتذلل بين أيديهم؛ وقد رزقهم الله أسباب الرزق، من قوة وعقل وشباب وصحة، فلقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم - يربي أصحابه على العمل والكد، ويحذرهم من عار المسألة وذل الافتقار للخلق.
فها هو ذا عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - يخرج من مكة مهاجراً، لا يملك من ماله إلا ما يرتديه من الثياب، فيقدم المدينة فقيراً، فعرض عليه أخوه من الأنصار سعد بن الربيع - رضي الله عنه - أن يناصفه ماله فأبى ذلك، وقال: دلوني على السوق، فنزل وعمل في التجارة، حتى أصبح من أغنياء الصحابة، ينفق على الجيوش في سبيل الله، ويسير القوافل لنصرة دين الله، ولما مات وأرادوا تقسيم تركته يقولون: لو رفعت أي حجر من بيته لرأيت قطعة من الذهب.
ثامنًا: أن يذكّر الشباب وخصوصًا في بداية طريق العمل بأهمية الصبر، وأنه مفتاح الرزق، وأن يُحكى لهم عن الأجداد كيف عاشوا وصبروا حتى فتح لهم الله كنوز الأرض، وقديمًا قالوا:
إني رأيت وفي الأيام تجربة للصبر عاقبة محمودة الأثر
وقلّ من جدّ في أمر يحاوله استصحب الصبر إلا فاز بالظفر
تاسعًا: أن نقضي على أسباب انقطاع الشباب من العمل بعد الاتصال به، وذلك بدعمهم نفسيًا وماديًا، وألا نتركهم وحدهم بلا عون أو مساعدة.
عاشرًا: أن نحثهم على الإخلاص في أعمالهم، والمثابرة فيها، والأمانة في تحمل مسؤوليتها، والتميز في أدائها؛ فإن الله يقول: (إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً) ويقول كذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ويقول النبي- صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "إن الله يحب إذا عمل أحدنا عملاً أن يتقنه".
أسأل الله تعالى أن يوفق أمتنا لما فيه خير لها في الدنيا والآخرة.
الكاتب : فيصل بن سعود الحليبي