السلف في الإيثار
قال علي بن محمد: "طلب الحجاج إبراهيم النخعي، فجاء الرسول فقال: أريد إبراهيم، فقال إبراهيم التيمي: أنا إبراهيم، ولم يستحل أن يدله على النخعي، فأمر بحبسه في الديماس، ولم يكن لهم ظل من الشمس، ولا ملجأ من البرد، وكان كل اثنين في سلسلة، فتغيّر إبراهيم فعادته أمه فلم تعرفه، حتى كلّمها، فمات في سجنه، فرأى الحجاج في نومه قائلا يقول: مات في البلد الليلة رجلٌ من أهل الجنة، فسأل، فقالوا: مات في السجن إبراهيم التيمي، فقال: حلمٌ نزغة من نزغات الشيطان. وأمر به فألقي على الكناسة".
عن مصعب بن أحمد بن مصعب قال: "قدم أبو محمد المروزي إلى بغداد يريد مكة، وكنت أحب أن أصحبه، فأتيته واستأذنته في الصحبة فلم يأذن لي في تلك السنة، ثم قدم سنة ثانية وثالثة، فأتيته فسلمت عليه وسألته، فقال: اعزم على شرط: يكون أحدنا الأمير لا يخالفه الآخر. فقلت أنت الأمير. فقال: لا بل أنت، فقلت: أنت أسنّ وأولى، فقال: فلا تعصني. فقلت: نعم. فخرجتُ معه وكان إذا حضر الطعام يؤْثرني، فإذا عارضته بشيء قال: ألم أشرط عليك أن لاتخالفني؟ فكان هذا دأبنا حتى ندمت على صحبته؛ لما يلحق نفسه من الضرر. فأصابنا في بعض الأيام مطرٌ شديد ونحن نسير فقال لي: يا أبا أحمد اطلب الميل -وهو علامة الطريق- ثم قال لي: اقعد في أصله، فأقعدني في أصله، وجعل يديه على الميل، وهو قائم قد حنا عليّ وعليه كساء قد تجلل به يظلني من المطر، حتى تمنيت أني لم أخرج معه لما يلحق نفسه من الضرر، فلم يزل هذا دأبه حتى دخل مكة رحمه الله".
قال حذيفة العدوي: "انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي -ومعي شيء من الماء- وأنا برجل يقول: آه! آه! فأشار إلي ابن عمي أن انطلق إليه، فإذا هو هشام بن العاص، فقلت: أسقيك؟ فأشار أن نعم. فسمع آخر يقول: آه! آه! فأشار هشام أن انطلق، فجئته فإذا هو قد مات، عدت إلى هشام فإذا هو قد مات، فعدت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات".
وحُكي عن أبي الحسن الأنطاكي: أنه اجتمع عنده نيفاً وثلاثين رجلا بقرية من قرى الريّ، ومعهم أرغفةٌ محدودةٌ لا تشبعهم جميعاً، فكسروا الأرغفة وأطفؤوا السُّرج، وجلسوا للطعام، فلما رُفع الطعام إذا هو بحاله لم يُمسّ؛ إذ تصنّع كل واحد منهم أنه يأكل، ولم يأكل مؤاثرة لأخيه، فلذا بقي الطعام على حاله.