هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دخول

descriptionقصة قصيرة طيور الربيع Emptyقصة قصيرة طيور الربيع

more_horiz
قصة قصيرة طيور الربيع LWT11

قصة قصيرة طيور الربيع
كتابة : سلام اليماني
من كتاب : اللــؤلــؤة
سامرٌ هو بطلُ هذه الحكاية. أبوهُ تاجرٌ حلبيٌ دائمُ السفرِ إلى الجزيرة، يسكنُ وأسرتُهُ في حلب، لكنّهُ لا يستقرُّ في البيتِ شهراً واحداً في السنةِ كلّها.
أمّا حكايتُنا فتبدأُ في حلبَ عامَ ألفٍ وتسعمِئةٍ وخمسةٍ وخمسين، وتنتهي في القامشلي بعدَ خمسِ سنوات.
بلغَ سامرٌ السادسةَ من عمرهِ فقالت أمّهُ لأبيه:
ـ هذا الولدُ شديدُ الذكاء، فهو يحفظُ القرآنَ الكريمَ من فمي عندَما أصلّي، لِمَ لا تسجِّلُهُ من الآنَ في المدرسة؟
قالَ أبوه:
ـ لا يقبلونَه قبلَ أن يبلغَ السابعة([1])
فاقترحَ ابنهما الأكبر تسجيلَ سامرٍ في مدرسةٍ خاصّةٍ لأنّ المدارسَ الخاصّةَ كانت تتساهلُ في هذا الشأنِ بسنةٍ واحدة.
أخذَهُ أبوهُ إلى مدرسةٍ خاصّةٍ قريبةٍ من البيتِ وسجّلَهُ في الصفِّ الأول. كانت المدرسةُ قد فتحَت أبوابَها منذ مدّة، وكان التلاميذُ منتظِمينَ في الدراسة.
دخلَ سامرٌ غرفةَ الصفِّ فأجلسَهُ المعلّمُ في المقعدِ الأخيرِ حيثُ المكانُ الوحيدُ الفارغ.
قرأَ المعلّمُ التفقّدَ ثم استدعى ثلاثةً من التلاميذِ وسأل:
ـ لماذا هربتم أمسِ من المدرسةِ في الدرسِ الأخير؟
قال أحدُ الثلاثة:
ـ لم نكتبْ جزاءَ درسِ القراءة، وخِفنا أن تضرِبَنا.
قالَ المعلّمُ بلهجةٍ عاديّةٍ ودونَ غضب:
ـ إذنْ أضربُكم لأجلِ الجزاءِ ولأجلِ الهرب. والجزاءَ صارَ ضِعفين، يعني: تكتبونَ الدرسَ عشرَ مرّات.
وبكلِّ هدوءٍ وحزمٍ بدأَ يضربهم على أكفِّهم بقضيبٍ رفيعٍ من شجرِ الرمّان.
بدأ الدرسُ بعدَها واستمرَّ طويلاً وسامرٌ شاردُ الذهنِ يفكِّرُ في المنظرِ الذي بدأَ حياتَهُ في المدرسة. لم ينتبِهْ إلى الدرسِ ولم يفهم أيَّ شيء.
وبعدَ الدرسِ لاحظَ سامرٌ أن آذن البابِ الحديديِّ الكبيرِ مشغولٌ ببيعِ المعمول، فغافَلَهُ وتسلّلَ من المدرسة، وجلسَ على رصيفِ حلاّقِ الحارةِ ينتظرُ خروجَ التلاميذِ من المدارسِ كي يعودَ إلى البيت.
كان بيتُهم قريباً من السوق، فاستمتعَ سامرٌ بالجلوسِ على الرصيفِ والتفرُّج: عتّالونَ يقودونَ حميراً محمَّلة، وفلاحونَ يحملونَ دجاجاً وبطّاً، والناسُ في ذَهابٍ وإيابٍ يحملونَ السِلالَ والحقائبَ ويتسوّقون.
قضى سامرٌ ذلك العامَ الدراسيَّ بين رصيفِ الحلاّقِ ودكاكينِ الأسواقِ المسقوفة، يتفرّجُ على الحدّادينَ والنحّاسينَ والنجّارينَ وصُنّاعِ السكاكين.
وانتهى العامُ الدراسيُّ وأخذَ التلاميذُ جلاءاتِهم المدرسيّة، إلاّ سامراً فلم يذهبْ إلى المدرسةِ واشتكى من وجعِ الرأسِ والسخونة. كانَ حقّاً يعاني، لا يكذبُ ولا يتظاهر.
أرسلَ الأبُ ابنَهُ الأكبرَ ليأتي بجلاءِ سامر، وحين عادَ أخبرَ أهلَهُ بأنّ سامراً ليس من تلاميذ تلك المدرسة، وليس لـه جلاءٌ ولا اسمٌ مكتوبٌ في أيِّ سجلٍّ أو دفترِ تفقّد. كانَ خبراً عجيباً جعلَ الأسرةَ كلَّها تتجمّعُ حولَ سامر، إلاّ أمَّهُ التي أخذت تبعدُهم عنهُ لأنه مريضٌ وساخن.
حينذاك، كانَ الأبُ عند حلاّقِ الحارة، وجاءهُ ابنُهُ الأكبرُ بالنبأِ العجيب. ضحكَ الحلاّقُ حينَ عرفَ أن الطفلَ الذي قضى معظمَ العامِ الدراسيِّ على رصيفِ دكّانِهِ هو ا بنُ جارِهِ وصديقِهِ وزَبونِه، فحكى لـه ما يعرفُهُ وانتهت الحكايةُ عندَ الحلاّقِ بالضحك، وفي البيتِ انتهت بالترضية.
في العامِ التالي سجّلهُ أخوهُ الأكبرُ في المدرسةِ الرسميّة، وانتظمَ الطفلُ في الدراسة، وكانَ متفوّقاً على الجميع.
××××
في منتصفِ سنتِهِ الدراسيةِ الخامسة، انتقلَ أبوهُ بتجارتِهِ وأسرتِهِ إلى القامشلي. ولم يمضِ أسبوعٌ حتى تقدّموا إلى امتحاناتِ الفصلِ الدراسيِّ الأوّل. حصلَ سامرٌ على المرتبةِ الأولى وعلى شهادةِ امتيازٍ من المدير.
حقدَ عليهِ زميلُهُ رامي، وهو الأوّلُ على الصفِّ قبلَ مجيءِ سامر. تغيّرَ سلوكُ رامي يوماً بعدَ أن فقدَ الدرجةَ الأولى؛ كانَ نشيطاً ومرِحاً وإن عابَهُ بعضُ الغرور، فبدأَ يميلُ إلى العنفِ والعدوان.
في أحدِ دروسِ الحسابِ خرجَ رامي إلى السبّورةِ كي يحلّ مسألةً جديدة، لكنهُ أخطأَ وارتبَك. تقدّمَ سامرٌ وحلَّها بسرعةٍ وسهولة. عندَ ذلكَ لمعَ الشرُّ في وجهِ رامي فارتعبَ سامر.
خرجوا من المدرسة، ووقفَ رامي ينتظرُ سامراً في شارعٍ فَرعيٍّ خالٍ من الناس. فوجئَ بهِ سامرٌ فجمُدَ في مكانِه، أمّا رامي فأمسكَهُ من قبّةِ قميصِهِ وهزَّهُ بعنف، وأمرَهَ أن يقلّلَ من “شطارتِهِ” كي لا يكونَ الأوّلَ في آخِرِ العام، وإلاّ فإنهُ سينتقمُ منهُ شرَّ انتقام.
خافَ سامرٌ من التهديد، وصارَ يتكاسلُ في الصفِّ ولا يجيبُ على معظمِ الأسئلة، ولا يتطوّعُ لحلِّ مسألةٍ جديدةٍ أو إعرابٍ صعب.
المعلّمونَ كانوا يعرفونَ تفوّقَهُ فاستغربوا حالَهُ وسألوه. أخبَرهم بتهديدِ رامي فاستدعَوهُ وهدّدوهُ بعقوبةٍ رادعة.
وحينَ خرجوا من المدرسة، اختبأ رامي في الشارعِ الفرعيِّ ينتظرُ سامراً مرّةً ثانية.
رأى سامرٌ خَصمَهُ من بعيدٍ فغيّرَ طريقَهُ وأسرعَ يبتعد. أسرعَ رامي وراءهُ وانهالَ عليهِ ضرباً ولكماً وهربَ قبلَ أن يتجمّعَ الناس.
ذهبَ سامرٌ إلى بستانٍ قد استأجرَهُ والدهُ، واستلقى تحتَ مجموعةٍ من أشجارِ الجوزِ الضخمةِ يفكّرُ في مشكلتِه. قالَ في نفسِه: الحلبيّونَ كلّهم شجعانٌ وأبطال، فلماذا أنا خجولٌ جبانٌ حسّاسٌ أبكي لأيِّ تأثير.
واقتربَ سِربٌ من طيورِ الربيعِ المُهاجِرةِ وحطَّ على أشجارِ الجوزِ. كانَ مجموعةً مختلطةً من طيورٍ غريبةٍ ملوّنةٍ تشبهُ الببّغاء، ومن طيورِ النارِ ذاتِ الذيولِ الحمراءِ الطويلة.
نسيَ سامرٌ مشكلتَهُ وغرِقَ في تأمّلِ الطيور.
فجأةً أحسَّ بشيء يقتربُ منه بلا أيِّ صوت، والتفتَ فرأى الصيّادَ الشهيرَ الملقَّبَ “عنتر”، الذي لا يبلغُ الثلاثينَ من العمرِ ويزعُمُ أنه يصطادُ من أربعينَ سنة. كانَ كعادتِهِ متسلّحاً ببارودةِ صيدِهِ ذاتِ العيارِ الثقيل، واقفاً يلقّمُها طلقةً ضخمة.
فكّرَ سامرٌ بسرعة: ما المتعةُ في قتلِ طيورٍ جميلةٍ بريئة؟ وفي لحظةٍ خاطفةٍ قرّر: سأمنعُه ولْيكنْ ما يكون. وفي لحظةٍ خاطفةٍ أيضاً، كانَ يمسكُ السبطانةَ ويوجّهها جانباً وهو يصرخ في وجهِ عنتر:
ـ اذهبْ من هنا.
غضبَ عنترٌ واصفرَّ لونه، وتراجعَ وهو يوجِّهُ البارودةَ إلى صَدرِ سامر، وبدأَ يضغطُ على الزنادِ ببطءٍ وحقد.
تجمّدَ سامرٌ من الرعبِ والحقدِ لكنهُ قرّرَ في لحظةٍ خاطفة: سأقاومُه ولْيكنْ ما يكون. ثم هجمَ على البارودةِ وانتزعَها وألقاها جانباً وهو يقول:
ـ اذهبْ من هنا و لا تعُدْ مرّةً ثانية، وسوف أحكي لأبي كلَّ شيء.
معَ خبطةِ البارودةِ على الأرضِ كانت طيورُ الربيعِ قد طارَت وابتعدَت في السماء.
التقطَ عنترٌ بارودتَهُ مذهولاً لا يصدّقُ ما حدث، وابتعدَ ببطءٍ عن المكان.
عادَ سامرٌ يستلقي تحتَ أشجارِ الجوزِ ويفكِّرُ فيما فعل. شعرَ بالعزّةِ والكرامةِ والشجاعة، وانتبَهَ إلى نفسِهِ يقولُ بصوتٍ مسموع: بينَ الجبنِ والشجاعةِ مقدارُ شعرةٍ أو لحظةٍ خاطفة.
([1])  هكذا كان نظامُ التعليم الابتدائي في تلك الأيام في بلادنا.

descriptionقصة قصيرة طيور الربيع Emptyرد: قصة قصيرة طيور الربيع

more_horiz
موضوع اكثر من رائع
شكرا لك ، نتظر كل جديدك بفارغ الصبر
تمنياتي لك كل التوفيق  قصة قصيرة طيور الربيع 235873.

descriptionقصة قصيرة طيور الربيع Emptyرد: قصة قصيرة طيور الربيع

more_horiz
شكراً للطرح  gg444g

descriptionقصة قصيرة طيور الربيع Emptyرد: قصة قصيرة طيور الربيع

more_horiz
موضوع مميز 
بوركت على الطرح
قصة قصيرة طيور الربيع 886773

descriptionقصة قصيرة طيور الربيع Emptyرد: قصة قصيرة طيور الربيع

more_horiz
شكرا لك

descriptionقصة قصيرة طيور الربيع Emptyرد: قصة قصيرة طيور الربيع

more_horiz
جزاك الله خيرا قصة قصيرة طيور الربيع 855709702
الله ينور .. موضوع مميز
بالتوفيق قصة قصيرة طيور الربيع 4253423182 قصة قصيرة طيور الربيع 4253423182



privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

جميع الحقوق محفوظة لدليل الاشهار العربي